بقلم: ريستيل ثوناند
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
قام الرئيس الانتقالي، مامادي دومبويا، مؤخرًا بمنح الشركات الخاصة (شركات التعدين أو البنوك أو شركات التأمين أو الاتصالات) مهلة 18 شهرًا لإلغاء عقود الإيجار وبناء مقارّها الرئيسية من أجل المساهمة في تنمية غينيا. وعلى الرغم من القبول الذي حظي به هذا القرار من الرأي العام؛ إلا أنه يثير تساؤلات في أوساط دوائر الأعمال فيما يتعلق بالاستثمارات المراد حَشْدها في سياق اجتماعي سياسي تم وَصْفه بـ”غير المؤكد”. وهو مبرّر غير مرغوب فيه لدى المثقفين.
وقد شهد احتفال ضخم في كوناكري، يوم 12 يناير 2023م، حَشْد الصحافة ووسائل الإعلام بمناسبة افتتاح المقر الجديد لفرع البنك الفرنسي العملاق (SocGen) الناشط في غينيا منذ عام 1985م. لكن المبنى الذي كلّف تشييده استثمار 22 مليون دولار يُعتبر “علامة على ثقة هذه المؤسسة المصرفية في مستقبل البلاد”.
مثل هذه المباني المهيبة، يريد رئيس المرحلة الانتقالية مامادي دومبويا رؤيتها تتضاعف عشرة أضعاف عبر التراب الوطني. وهذا ما يفسِّر القرار الذي أعلن عنه مجلس الوزراء، في 12 يناير نفسه، بمنح فترة 18 شهرًا -أي حتى منتصف عام 2024م- للشركات الخاصة لبناء مقارّها وإخلاء المباني المؤجرة. وعليه، فإن الإجراء الذي استهدف أولاً شركات التعدين قبل ستة أشهر قد امتدَّ ليشمل البنوك وشركات التأمين وشركات الاتصالات وغيرها، سواء الأجنبية أو المملوكة وطنيًّا. والهدف من قرر الحكومة الانتقالية هو تشجيع بناء مناطق الأعمال في البلاد، من أجل المساهمة في تنمية العاصمة ومناطقها الحيوية.
هل الفاعلون في مجال المناجم على المحك؟
بناءً على الأمر الذي أصدره الرجل القوي الجديد لكوناكري، رئيس الوزراء برنارد جومو، والوزراء المسؤولون عن المناجم والبريد والاتصالات والإسكان والتجارة، وكذلك مُحافِظ البنك المركزي بإجراء عملية تخصيص نطاقات للشركات داخل الدولة، وإلزامها بتشييد مقارها؛ يعود موضوع المناجم إلى الواجهة مرة أخرى، وفي هذا الصدد، تم عقد جلسة عمل يوم الجمعة 27 يناير 2023م لمتابعة المستجدات مع هذه الشركات ومدى وفائها بالتزاماتها؛ ففي هذه المرحلة، فإن شركات التعدين كانت مُلزمة بالفعل منذ الصيف الماضي بتقديم خطة معالجة محلية للخامات المستخرجة (البوكسيت والحديد والذهب والألماس والمحاجر والمعادن الأساسية).
لكنَّ التوجيهات والإجراءات التي اتخذها العقيد مامادي دومبويا، بشكل عام، والتي تستهدف مستثمري التعدين والشركات الخاصة تحظى بشعبية في غينيا، خاصةً وأن بعضها يتعلق بنصوص قانونية لم يتم احترامها حتى الآن.
وفي هذا السياق، صرح كاتب العدل في كوناكري ومقدّم المشورة لشركات التعدين والخدمات اللوجستية في مشروع الحيازة على الأراضي، في مقابلة مع LTA بالقول: “يرحّب الرأي العام بالتوجيهات الجديدة؛ حيث نلاحظ حضور الموضوع في جميع المحادثات بين المهنيين أو بين المواطنين”. مضيفًا “تحاول السلطات تسهيل عملية بناء العقارات، وتمتلك هذه الشركات حقًّا إمكانية تشييد مبانٍ جديدة تمامًا في ظروف معمارية حديثة، والتي ستكون قادرة على جعل المناطق التي تستضيفها تتألق”.
ويُعلِّق مواطن يقيم في منطقة بُوكيه، متأسفًا في الوقت نفسه على الحصيلة الاجتماعية المخيبة للآمال بعد سنوات عديدة من التعدين، مشيرًا إلى أنه “رغم اعتماد منطقة بُوكيه على البوكسيت، إلا أن شركات التعدين الخمس عشرة العاملة في المعادن هناك تجمع المليارات دون المساهمة الملموسة في تطوير المحليات، بل تعمل بعض هذه الشركات خارج الدائرة التجارية المحلية. وعليه فإن إجبارها على بناء مقارّها في المدينة يعني أيضًا نقل بعض موظفيها هناك، الأمر الذي سيتطلب تحسين بيئة المعيشة. وفي النهاية يربح الجميع” على حد قوله.
المخاطر السياسية المثيرة:
إذا بدت شركات التعدين على المحك؛ نظرًا للأهمية الكبيرة لمكاسبها وضعف التنمية المحلية؛ فإن اللاعبين الآخرين في القطاع الخاص، الذين اعتادوا على تأجير العقارات في العاصمة، في مراجعات حساباتهم. فالمؤسسات المالية، على سبيل المثال، لا ترى نفسها بالفعل تستثمر في البناء في السياق الحالي، مشيرة إلى وجود مخاطر سياسية محتملة “من خلال حيازة العديد من البنوك بعض الأراضي لفترة طويلة، وكانت على استعداد لتشييدها قبل حلول فترة عدم اليقين التي نعيشها منذ 5 سبتمبر 2021م (تاريخ الانقلاب الذي أطاح بألفا كوندي)”؛ على حد تعبير أحد كبار الفاعلين في كوناكري أثناء حوار مع LTA.
مضيفًا: “يجب القول: إن الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد ليس مطمئنًا للغاية… فضلاً عن أن تشييد المقرّ يتطلب استثمارات كبيرة لا تقل عن 10 ملايين دولار للشركات الأقل طموحًا. وتعبئة مبالغ بهذا الحجم في الوقت الذي يشهد فيه العالم الأزمة دون استقرار الوضع في البلاد يمكن أن يكون محفوفًا بالمخاطر”، لكن كيف ستتعامل الشركات مع المهلة المفروضة؟
هل انتهاء المرحلة الانتقالية يشكّل مصدرًا للقلق؟
لا يعتقد الدكتور الحسن ماكنيرا، الخبير الاقتصادي وأستاذ الأبحاث بجامعة جنرال لانسانا كونتي في سونفونيا كوناكري، أن المخاطر السياسية يمكن أن تبرّر تردُّد الشركات في بناء مقارها الرئيسية”، فإذا كانت نسبة المخاطر مرتفعة للغاية بالنسبة لاستثمارات الشركات المعنية، فلِمَ الإصرار على البقاء في السوق الغينية؟ الجواب بسيط: هي تحصد المكاسب.
في المقابل، لم ألاحظ -باستثناء أن السلطات العامة تتصدى اليوم للفساد- أي تغيير ملموس في الوضع منذ عودتي إلى غينيا عام 1998م رغم مرور 24 عامًا من ذلك.
وفقاً لهذا الباحث، تكمن المشكلة قبل كل شيء في الإطاحة بالنظام الذي ساد طوال هذه السنوات “من المستحسن اقتصاديًّا إعادة استثمار الثروة المتكونة في مكان ما جزئيًّا هناك، من أجل إدامة الإنتاج الاقتصادي وتنميته. لكن هذا للأسف ليس هو الحال في غينيا. تُفضِّل الشركات العملاقة والبنوك وغيرها الاستئجار في المدن، بدلاً من بناء المباني، وبالتالي توفير فرص العمل وتطوير البنية التحتية.
وحول هذه الإيجارات، قال الخبير: غالبًا ما تكون هناك مفاوضات غير واضحة. ورغم ذلك، فإن مكافحة الفساد وسوء الإدارة أمر جيد للشركات. لكن الحقيقة هي أن الشركات في غينيا تقع في قلب الفساد المرتفع. لقد أجريت الكثير من الدراسات حول هذا الموضوع. وعليه فإن معظم هذه الشركات تستقر في الفساد وتتطور في الفساد وتقوم بأعمالها في الفساد. هذا هو السبب في أن التغييرات الحالية يمكن أن تكون مزعجة لهم”، ولكون الباحث من مواليد بوكيه، يتخيل كيف ستبدو ملامح هذه المنطقة المثيرة للأطماع إذا تم إنشاء عشرات المكاتب الرئيسية فيها.
من المتوقع أن تنتهي المرحلة الانتقالية السياسية في غينيا بإعلان الانتخابات الرئاسية في عام 2024م، ولكن نظرًا لعدم تحديد الموعد المحدد حتى الآن، فإن حالة عدم اليقين مُعلَّقة. إذا تمت الإشادة بتوجيهات العقيد مامادي دومبويا في هذا الاقتصاد الذي يمكن أن يسجل نموًّا بنسبة 5.4% في عام 2023م وفقًا لبنك التنمية الإفريقي، تعتقد الطبقة المثقفة مع ذلك أنه يجب وضع استراتيجية متكاملة لاستقطاب القطاع الخاص إلى أبعد من ذلك، وإعادة بعض الثروات الطائلة إلى المناطق الغينية.
__________________
رابط المقال: