د .الحسين حديدي(*)
يشمل السودان الغربي أو بلدان غرب إفريقيا جُلّ المناطق الواقعة بين حوضي نهر السنغال والحوض الأوسط لنهر النيجر والمجرى الأعلى لنهر فولتا، وتبعًا لذلك تُحَدُّ منطقة الغرب الإفريقي بالمحيط الأطلسي، وشرقًا بالضفة الشرقية لنهر النيجر، وبحيرة تشاد، وشمالاً بالصحراء الكبرى وجنوبا بمنطقة السفانا ومقدمة الغابات الاستوائية، وينحصر هذا المجال الجغرافي ضمن خطوط الطول والعرض بين خط طول 10 درجة شرقًا و20 درجة غربًا، وبين خطي العــرض 11 و17 درجة شمال خط الاستواء(1).
وذكر الباحث أحمد الشكري أن العامل المشترك لدى الجغرافيين العرب في تمييز بلاد غرب إفريقيا عن باقي البلدان الأخرى هو عامل لون البشرة؛ حيث يصطلح بلاد السودان للدلالة على المنطقة التي يقطنها السودان تمييزًا لها عن منطقة الصحراء؛ حيث يقطن البيضان أو البيض(2). كما اعتبر الغرب الإفريقي، ذلك المجال الذي تعاقبت عليه الممالك السودانية تباعًا غانة ومالي وسنغاي(3).
وتميز بلدان غرب إفريقيا بمميزات اقتصادية مهمة تمثلت في تنوع مناخها، وخصوبة تربتها، ووفرة الثروة الحيوانية بغاباتها والثروة السمكية بسواحلها الأطلسية وأنهارها الداخلية (السنغال – النيجر)، هذا فضلاً عن كونها خزانًا للمعادن النفيسة كالذهب والنحاس والحديد، التي شكَّلت رواجًا مهمًّا في تجارة القوافل الصحراوية التي ربطت بين غرب إفريقيا وشمالها في العصور الوسطى. وعن هذه التجارة المربحة تحدَّث عددٌ من الجغرافيين والرحالة العرب، أمثال ابن بطوطة وابن حوقل الذي أشار إلى غنى أهل غانة جراء امتلاكهم لمعدن الذهب بقوله: “وغانة أيسر من على وجه الأرض من ملوكها بما لديهم من الأموال المدخرة من التبر المثار”(4).
كما كانت منطقة غرب إفريقيا إلى جانب مؤهلاتها الاقتصادية وثرواتها الطبيعية التي أسالت لعاب الأوربيين، ميدانًا للتثاقف والتلاقح الفكري والروحي، فقد تأثر هذا المجال النائي والبعيد عن مظاهر الحضارة الإسلامية وتأثيراتها، عبر التجارة التي فتحت باب الصلات بين التجار المسلمين والتجار الوثنيين؛ حيث تعرف الرعايا السودان على مضامين رسالة إسلامية سماوية خالدة؛ غايتها إسعاد الناس دنيا وأخرى، فبوصول طلائع الفتح الإسلامي إلى مشارف الصحراء، انتشر الدين بهذه الربوع على يد تُجَّار الخوارج ودعاة المالكية فيما بعدُ، فتمَّ إخراجها من وثنيتها وعزلتها، وربطها بالحضارة العالمية التي ينشدها الإسلام، وتكوين ممالك سودانية عتيدة ارتبط اسمها بالإسلام. فما هي أهم الممالك السياسية التي شهدتها منطقة الغرب الإفريقي في الفترة الوسيطة؟ وكيف تفاعلت هذه الممالك مع الدين الإسلامي؟ وما نتائج ذلك على التطور اللاحق للحياة الفكرية والروحية ببلدان غرب إفريقيا في الفترة الحديثة؟
لمحة موجزة عن ممالك غرب إفريقيا خلال العصور الوسطى وبداية الحديثة
كانت مناطق غرب إفريقيا شأنها شأن باقي ربوع المعمور-قبل ظهور الإسلام- غارقة في معتقداتها الأرواحية (5)، ممارِسَة لها بكل حرية عبر تقاليد وطقوس وثنية، الغاية منها حماية الفرد والمجتمع من أخطار الطبيعة، وتسخير هذه الأخيرة في خدمة الإنسان، وظل أهالي غرب إفريقيا أوفياء لهذه المعتقدات، والارتباط بآلهة وثنية تحالف معها الأجداد، فصارت طاعتها ملزمة للأحياء، إلى أن تبين عجزها وفشلها الذريع في حماية الإنسان بعدما ظهرت معجزات الديانة السماوية الوافدة، ومقوماتها الدينية الثابتة وقواعدها الصلبة التي ظهرت ببيئات أرواحية سابقة (شبه الجزيرة العربية مثلاً)، فطهَّرت الإنسان من رموز الشرك وأوحاله وربطته بمولاه وخالقه، وهذا ما تأتَّى بغرب إفريقيا مع ظهور عدة ممالك سودانية رفعت شعار نشر الإسلام وإشاعة العلم، والانفتاح على المجتمعات الإسلامية الأخرى عن طريق دعم الصلات التجارية والفكرية، وهذا ما سنعمل على توضيحه بدءًا بإعطاء لمحة موجزة عن أهم ممالك السودان الغربي.
أ- الإسلام في مملكة غانة
تُعَدُّ مملكة غانة، مملكة وثنية من أقدم ممالك السودان الغربي، تأسست ما بين القرنين 3 و5 الهجريين، وكانت تضم المناطق الواقعة إلى الشمال من نهر السنغال، وكذا نهر النيجر إلى مشارف الصحراء الكبرى، ووصلت تخوم هذه المملكة إلى أوداغست Awdaghost. وانتشر بها الإسلام على يد التجار المسلمين، ويرجع تطورها إلى مملكة صغيرة نشأت خلال فترة محددة في القرون الأولى من التاريخ المسيحي بالمنطقة الساحلية المحاذية للصحراء الأطلسية من الجنوب، مما يعني وجود عناصر بيضاء ضمن سكان هذه المملكة؛ حيث أشار عبد الرحمان السعدي إلى القول بأن أهل غانة هم: “بيضان في الأصل…”(6).
وكانت كومبي صالح العاصمة الغانية أهم مدن هذه المملكة؛ حيث وصفها البكري بأنهما مدينتان؛ إحداهما للملك والثانية للمسلمين بها اثنا عشر مسجدًا: “ومدينة غانة مدينتان سهليتان؛ أحدهما المدينة التي يسكنها المسلمون، وهي مدينة كبيرة فيها اثنا عشر مسجدًا…، ومدينة الملك على ستة أميال من هذه وتسمى بالغابة…، وفي مدينة الملك مسجد يصلي فيه مَن يفد عليه من المسلمين”(7).
وقال عنها الإدريسي ما نصه: “وغانة مدينتان على ضفتي البحر الحلو وهي أكبر بلاد السودان قطرًا وأكثرها خلقًا، وأوسعها متجرًا، وإليها يقصد التجار المياسير من جميع البلاد المحيطة بها، ومن سائر بلاد المغرب الأقصى وأهلها مسلمون”(8).
وبلغت هذه المملكة أَوْج عظمتها في الفترة ما بين القرن 3هـ إلى منتصف القرن 5هـ/ 9- 11م؛ حيث امتدت رقعتها من نهر النيجر إلى ساحل المحيط الأطلسي غربًا عند حافة الصحراء الكبرى(9)، وحدد الإدريسي مكانها بدقة بقوله: “تتصل من غربيها ببلاد مفزاوة ومن شرقيها ببلاد ونقارة وبشمالها بالصحراء (…)، وتتصل بجنوبها بأرض الكفار من اللملمية وغيرها”(10).
وبذلك شكَّلت غانة أول تنظيم سياسي عرفته بلاد السودان خلال العصر الوسيط (11)، ويعتقد الباحث أحمد الشكري بناء على ما أدلى به موريس دولافس، أنَّ المؤسِّسين الأوائل لهذه المملكة بِيضٌ من أصل سوري يهودي، نزحوا من ليبيا إلى أوكار منذ النصف الثاني من القرن الثاني للميلاد، وتأسيسهم لأول مملكة سودانية عام 300م (12)، بَيْدَ أنَّ أسرة سوننكية استطاعت عند نهاية القرن الثامن الميلادي، أن تقضي على الأسرة النازحة وتحتل عرش المملكة (13).
وعن هذا الحدث تحدَّث صاحب كتاب تاريخ الفتاش بقوله: “ثم أفنى الله ملكهم وسلَّط أراذلهم على كبرائهم من قومهم، واستئصالهم [كذا]، وقتلوا جميع أولاد ملوكهم، حتى كانوا يبقروا بطون نسائهم، ويخرجوا الجنين ويقتلوه”(14).
هذه المملكة التي كانت غارقة في تقاليدها الوثنية كما أشار إلى ذلك الجغرافي أبو عبيد الله البكري(15). سرعان ما تبدَّلت أحوالها، واستقامت عقيدتها بحلول الدين الجديد مع فئة التجار العرب، خاصةً التجار الخوارج، الذين انتشروا في الغرب الإسلامي ككل بعد اضطهادهم في الشرق مِن قِبَل أهل السُّنة، فكان لامتهانهم التجارة دورٌ مهمٌّ في انفتاحهم على بلدان ما وراء الصحراء المعروفة بتجارة الذهب والعبيد، بفضل مرونة تعاليمهم المذهبية القائمة على السِّلم وقبول الآخر، وذلك ما عبَّر عنه الباحث محمود إسماعيل بقوله: “فهما (الإباضية- الصفرية) أكثر فرق الخوارج ميلاً للمسالمة والتسامح مع المخالفين”(16).
فقد اعتمد مسلسل الأسلمة على هجرات إباضية ضمَّت على الخصوص ثنية النيجر والجهات المجاورة لها؛ نتيجة استقرار تجار الإباضية بالواحات الصحراوية المتاخمة للسودان الغربي مثل الهكار؛ إذ دخل الإسلام إلى أرض الذهب بالطريق السلمي ودون غزو عربي يذكر(17).
وإنما بفعل الحوار والتعايش وقبول الآخر؛ إذ رسخ التجار الإباضية قدم الإسلام بمنطقة غرب إفريقيا، عن طريق تنظيمهم لتجارة القوافل الصحراوية، وتركيزهم في دعوتهم للدين الجديد على الملوك والحُكَّام وكبار الرعية ورؤساء القبائل لضمان تأمين مواردهم التجارية، وهو ما جعَل بعض الباحثين يَنْعَت الإسلام بالمنطقة في هذه الفترة على أنه إسلام نخبوي لم ينفذ إلى قلوب العامة(18).
وبهذه الأخلاق والمزايا أثَّر سلوك التجار المسلمين في سلوك ملك غانة، الذي كان يُعبِّر عن حبّه للإسلام والمسلمين، فقد أورد البكري عن ملك غانة بسي الذي توفي عام 455هـ/ 1063م، ما يوحي بهذا السلوك الحسن والتأثر المعلن بقوله:” كان محمود السيرة مُحِبًّا للعدل مؤيدًا للمسلمين”(19). كما كان ابن أخته تنكامنين الذي خلفه في الحكم يعتمد أساسًا على المسلمين في تسيير دواليب الحكم متخذًا منهم تراجمته وأكثر وزرائه(20).
لقد نجم عن احتكاك التجار المسلمين الوافدين بالأفارقة القاطنين بغرب إفريقيا، أن انتشر الإسلام بين الأفارقة انطلاقًا من الحواضر التي امتدَّ تأثير إشعاعها الديني والروحي إلى المناطق المجاورة لها(21).
وقد حدَّد الجغرافيون العرب موطن غانة أو بلد أوكار(22) بين وادي النيجر الأدنى شرقًا والمحيط الأطلسي غربًا، وبين صحراء الملثمين شمالاً ومنابع النيجر والضفة اليمنى لنهر السنغال جنوبًا(23).
والجدير بالذكر أن هذه المملكة التي زَحَفَت على مجالات شاسعة من مجال البيضان، لم يُكتب لها أن تعمر طويلاً رغم المقومات الاقتصادية المهمة التي كانت بمجالها، ورغم القوة العسكرية التي توفرها أعداد جيوشها التي قدَّرها البكري بحوالي مائتي ألف منهم أزيد من أربعين ألف رماة(24) ؛ إذ تمكنت هذه المملكة في عز أوجها من السيطرة على مدينة أوداغست Awdaghost التجارية بصحراء صنهاجة بعد عام 360هـ/ 971م(25).
بَيْدَ أنَّ سقوطها واندراسها يلفُّه اللبس والغموض، مما دفع عددًا من الباحثين إلى القول بغزوها من طرف الحركة المرابطية، وهو ما فنَّده الباحث أحمد الشكري في كتابه “مملكة غانة وعلاقتها بالحركة المرابطية”، من خلال إيراده لعددٍ من الأدلة المستوحاة من مصادر معاصرة، تُكَذِّب أطروحة الغزو المرابطي، وتُرْجِع سقوط مملكة غانة لأسباب داخلية محضة(26).
مؤدَّى القول، كانت هذه معطيات سريعة عن مملكة غانة وعن انتشار الإسلام بها. فماذا عن مملكة مالي أو ملل؟ وهل تمكنت هذه المملكة من ترسيخ الحياة الفكرية والدينية بالغرب الإفريقي؟
ب – تجذر الإسلام في مملكة مالي
تأسست مملكة مالي على أنقاض مملكة غانة، التي تعرضت لهجوم قبائل الصوصو الوثنية، فقد أخبر ابن خلدون عن قصة سقوط مملكة غانة واندراسها على يد قبائل الصوصو بقوله: “وتغلب عليهم صوصو المجاورون لهم من أمم السودان واستعبدوهم وأصاروهم في جملتهم”(27). بَيْدَ أنَّ سلطان صوصو لم يدم طويلاً حيث تمكن سوندياتا (الزعيم المالي) من الإطاحة بحكمهم وتأسيس مملكة مالي، فقد قال عنه ابن خلدون “… وكان ملكهم الذي تغلب على سلطان صوصو، وافتتح بلادهم وانتزع الملك من أيديهم اسمه ماري جاطة”(28).
هذا الزعيم الذي تقول الرواية الشفوية: إنه وحَّد قبائل الماندينغ، وتمكَّن من الإطاحة بسومانجورو زعيم الصوصو، بعد أن كان سوندياتا أو ماري جاطة -كما سماه ابن خلدون- فارًا عند أمير مسلم على إمارة سوننكية مسلمة تدعى “ميمة”، ليعمل بعد ذلك في استقطاب وتوحيد قبائل الماندينغ ضد الصوصو والانتصار في معركة كيرينا عام 633هـ/ 1235م، ومضى في حكم مالي مدة 25 سنة، خلفه بعد وفاته عدد من الملوك أهمهم منسى موسى الحاج ومنسى سليمان(29).
فكما هو الحال مع إسلام ملوك غانة، الذين تحدث عنهم البكري، فقد أورد كذلك قصة إسلام أحد ملوك مالي كاملة بقوله: “وملكهم يعرف بالمسلماني، وإنما سُمِّي بذلك لأن بلاده أجدبت عامًا بعد عام فاستسقوا بقرابينهم من البقر حتى كادوا يفنونها… وكان عنده ضيف من المسلمين يقرأ القرآن ويعلم السُّنة، فشكا إليه الملك ما دهمهم من ذلك. فقال له: أيها الملك، لو آمنت بالله تعالى وأقررت بوحدانيته وبمحمد عليه الصلاة والسلام…، فلم يزل به حتى أسلم وأخلص نيته وأقرأه من كتاب الله ما تيسر عليه، وعلمه من الفرايض [كذا] والسُّنن ما لا يسع جهله…، فأمر الملك بكسر الدكاكير وإخراج السحرة من بلاده، وصح إسلامه وإسلام عقبه وخاصته وأهل مملكته مشركون، فوسموا ملوكهم منذ ذاك بالمسلماني”(30).
وربما يكون إسلام هذا الملك قد تم على يد علماء المالكية الذين انتشروا في إفريقيا الغربية بعد قيام الدولة المرابطية، حيث اعتبرت سنة 1050م، منعطفًا تاريخيًّا تمثل في ظهور المذهب السُّني المالكي ذي النزعة الصارمة في تطبيق الدين الإسلامي، الذي عمَّ الغرب الإسلامي ككل مع مجيء الحركة المرابطية بالصحراء الصنهاجية، والذي وصلت تعاليمه إلى غرب إفريقيا، وكان يطلق على دعاته اسم (توري) في مقابل الخوارج الذين كانوا يسمون بصغنغو(31). والدليل على انتشار المذهب المالكي بالمنطقة، إقرار منسي موسى إبَّان رحلته لمصر أنه مالكي المذهب، واقتناؤه منها عدة مصادر وبعض الكتب في الفقه المالكي(32).
وكانت هذه المملكة قد عرفت أوج قوتها وعنفوانها زمن المنسي موسى، الذي استولت قواته على حاضرة سنغاي، وكذا مناطق الفوتاجالون Futa Djallon، على حدود منطقة نيجيريا الحالية، كما وصلت جيوشه إلى مملحة تغازة ومنجم النحاس بتكدا(33)، وبذلك تكون مملكة مالي في عهد هذا الزعيم قد سيطرت على أهم المجالات الاقتصادية والحيوية. وهو ما أكده الحسن الوزان لما زار هذه المملكة بقوله: “تمتد على طول أحد فروع النيجر في مسافة نحو ثلاثمائة ميل.. وتحدها غربًا غابات مهجورة تمتد إلى المحيط وشرقًا إقليم كاغو.. والسكان أغنياء بفضل تجارتهم؛ إذ يزودون غِنيا وتمبكت بكثير من المنتجات، ولهم مساجد كثيرة وأئمة، وأساتذة يدرسون في المساجد لعدم وجود المدارس وهم أكثر تحضرًا وذكاءً واعتبارًا من بين جميع السود؛ لأنهم كانوا من السباقين إلى اعتناق الإسلام”(34).
وكان من نتائج تجذُّر الإسلام بمملكة مالي، ترسيخ تعاليمه لدى العلماء،؛ حيث نوَّه ابن بطوطة بالمظاهر الإسلامية لأهل مالي، وذكر حفاظهم على الصلاة والتبكير إلى المساجد يوم الجمعة، لحضور الصلاة مع الإمام، ولبسهم البياض من الثياب. وهي عادات وخصال إسلامية محمودة لخَّصها ابن بطوطة في قوله: “منها مواظبتهم على الصلوات والتزامهم لها في الجماعات، وضربهم أولادهم عليها. وإذا كان يوم الجمعة ولم يبكر الإنسان إلى المسجد لم يجد أين يصلي لكثرة الزحام…، ومنها عنايتهم بحفظ القرآن العظيم، وهم يجعلون لأولادهم القيود إذا ظهر في حقهم التقصير في حفظه، فلا تفك عنهم حتى يحفظوه”(35).
هذا التأثير الإسلامي الذي أدَّى إلى تفكك العادات الوثنية شيئًا فشيئًا، وحلول القيم الإسلامية بديلاً عنها، واكتساب الأهالي الأسماء العربية والتشبُّع من معين الفكر الإسلامي، الذي كان من نتائجه تلاشي الفوارق الطبقية ونسب الولد لأبيه في العلاقات الاجتماعية(36)، غير أن ظواهر أخرى وعادات كان المجتمع المالي حينها لا يزال لم يحسم فيها في ظل الدين الإسلامي ومنها ظاهرة العري، وظاهرة التتريب عند الدخول على السلطان، وهي مظاهر أشار إليها الرحالة المغربي ابن بطوطة إبَّان زيارته لمملكة مالي(37).
وشاع عن الملك منسى موسى حبه لرجال العلم، فقد ذكر ابن بطوطة بعض خصاله ومزاياه الحميدة ومنها إجزاله العطايا على العلماء البيضان(38). وبلغت الثقافة الإسلامية أوُجّها في عهده لا سيما بعد حجته الشهيرة لمكة المكرمة عام 1324م، حيث صار ملوك غرب إفريقيا فيما بعد على نهجه في حجّ بيت الله الحرام، وأعظمهم الحاج الأسكيا محمد الكبير(39).
ويتجسّد حبّ سكان مالي لآل البيت في ما أقدم عليه السلطان الحاج منسى موسى، عند استقدامه من مكة لأربعة من سكان قريش مقابل 4000 مثقال من الذهب لكل واحد منهم، ليرافقوه إلى بلده(40). وظل التأثير الإسلامي المعماري حاضرًا في أذهان حكام مالي، فقد جلب منسى موسى معه من الحجاز المهندس المعماري أبا إسحاق إبراهيم الساحلي الأندلسي، الذي كلفه ببناء المساجد وإصلاحها، وهو ما يفسِّر كثرة المساجد المشيَّدة بهذه المملكة التي أشار إليها كل من ابن بطوطة وعبد الرحمن السعدي(41).
وبانتشار الإسلام عمَّ العدل والأمن أرجاء مملكة مالي، وحظي القضاة والعلماء بهالة من الاحترام والتقدير من لدن السلاطين، فقد أورد محمود كعت في كتابه الفتاش، صورًا عظيمة لهيبة القضاة واحترام السلاطين لهم، ومنزلة علماء تمبكت وفيها يقول: “وهي أي تمبكت يومئذ (القرن 10هـ) ليس فيها حكم إلا حكم متولي الشرع، ولا سلطان فيها، والقاضي هو السلطان، وبيده الحل والربط وحده، ومثلها في أيام سلطنة مل”(42).
والشيء نفسه عبر عنه ابن بطوطة حين تحدث عن إشاعة العدل والأمن بمملكة مالي زمن منسى سليمان بما نصه:”.. قلة الظلم، فهم أبعد الناس عنه، وسلطانهم لا يسامح أحدًا في شيء منه، ومنها شمول الأمن في بلادهم، فلا يخاف المسافر فيها، ولا المقيم من سارق ولا غاصب، ومنها عدم تعرُّضهم لمال من يموت ببلادهم من البيضان، ولو كان من القناطير المقنطرة، إنما يتركونه بيد ثقة من البيضان حتى يأخذه مستحقه”(44).
وأشار أحمد الشكري إلى عددٍ من علماء هذه المملكة ومنهم كاتب موسى، الذي أرسله منسى موسى إلى فاس للأخذ عن علمائها، فعاد ليتولى منصب قاضي تمبكت، ثم الفقيه عبد الرحمان من أصل سوداني كان قاضيا بنياني العاصمة المالية زمن السلطان منسى سليمان، ثم الفقيه محمد الكابري الذي توطن تنبكت وتوفي بها، ثم العالم عبد العزيز التكروري الذي حج ودخل مصر في منتصف القرن التاسع الهجري(45).
بَيْدَ أنه بالرغم من الإشعاع الفكري الذي عرفته مملكة مالي، فإن الباحث أحمد الشكري يرى أن عدد العلماء السودانيين زمن هذه المملكة كان قليلاً مقارنةً بالحجم الفكري الذي عرفته المملكة، معتبرًا أن إشعاع المنطقة كان لعلماء الأقطار الإسلامية فضل كبير في إثرائه، لجلب الملوك لعددٍ مهم منهم، بهدف الاستفادة من علمهم وخبرتهم في تكوين الأجيال السودانية الناشئة من الطلبة(46).
كما استفادت مالي من علاقاتها الفكرية مع المغرب الأقصى زمن سلطان المرينيين؛ حيث هاجر عدد من الطلبة السودان نحو فاس للأخذ عن فقهاء جامع القرويين، وهو ما ساهم في تكوين هؤلاء الطلبة وتمكنهم من الثقافة المالكية(46). وبموت منسى موسى خلفه ابنه مغا وكان ضعيف الشخصية، ولما تولى الحكم عمه منسى سليمان حافظ على مجد الإمبراطورية وحدودها، وقرَّب منه العلماء وأجزل عليهم العطايا، وجلب فقهاء المالكية وشيَّد المدارس والمساجد، وقام برحلته الشهيرة للحج(47).
بالرغم من الرخاء الاقتصادي والازدهار الثقافي الذي بلغته مملكة مالي، لم يَحُلْ ذلك دون زوالها وقيام مملكة جديدة سنغية على أنقاضها، ذلك أنَّ ضعف الملوك الذين خلفوا منسى موسى ومنسى سليمان، لم يحافظوا على حدود الإمبراطورية وأمنها الداخلي والخارجي، فكيف تطوَّرت الحضارة الإسلامية في عهد مملكة سنغاي؟ وهل استمر ذلك الإشعاع الفكري عما كان عليه زمن ملوك مالي؟
ج – الإسلام في مملكة سنغاي والسلطة الروحية للعلماء زمن الأساكي
ما إن دبَّ الضعف في أرجاء مملكة مالي، حتى تمكَّنت شعوب السنغاي بزعامة علي كلن من التخلص من سلطان مالي، وتوجيه الضربات الأخيرة لهذه المملكة في عهد ملكها ماري دجاطة الثاني، مما فتح المجال أمام المملكة السنغية الجديدة لتوسيع حدود مجالها، خاصة زمن القائد العسكري سني علي، الذي استولى على باقي أقاليم مالي وحصاره لمدينة جني(48) مدة سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام، كما أورد ذلك عبد الرحمن السعدي(49)، غير أن مواصلة الجيوش السنغية لهجوماتها على الإمبراطورية المالية، عجَّل بسقوطها وسقوط الأسرة الحاكمة؛ حيث تم أَسْر واحتجاز دار سلطان ملي كما ذكر ذلك صاحب الفتاش(50).
وهكذا لما تولى سني علي حكم مملكة سنغاي ما بين 1465- 1492م، استهل فتوحاته باحتلاله لمدينة تمبكت عام 1468م(51)، ويصف صاحب كتاب الفتاش انتصاراته، قائلاً: “… وكان منصورًا وما قابل أرضًا قصده إلا خرَّبه، وما كُسر له جيش كان فيه قط غالبًا غير مغلوب، لم يترك بلدًا ولا مدينة ولا قرية من أرض كنت إلى شبردك إلا وقد جرى خيله فيه وحارب أهله وغار عليهم”(52).
بَيْدَ أنَّ حكم أسرة سني علي لم يدم طويلاً بسبب سوء معاملة هذا الحاكم لأهل العلم، فقد واجَه سني علي معارضة علماء تمبكت لقسوته وسوء معاملته لهم(53)، مما عجَّل بسقوط الحكم من سلالته وانتقاله بعد وفاته إلى أسرة الأساكي الذين استفادوا من التوتر الحاصل بين علماء تمبكت والحاكم سني علي.
فبعد وفاة سني علي انتقل العرش إلى ابنه الأكبر أبو بكر داعو عام 1493م، غير أن ضعف شخصيته دفع القائد محمد توري إلى اغتنام الفرصة للقيام بانقلاب ضده، ثم الإطاحة به والحفاظ على الموروث الإسلامي، بعد أن كان سني علي وابنه أبو بكر تعلقا بديانة الأجداد كالسحر والشعوذة، وهو ما كان يتنافى وروح ومقاصد الشريعة الإسلامية(54)، هذا فضلاً عن أن علماء تمبكت كانوا على خلاف مع العهد السابق، فوجدوا ضالتهم مع محمد توري الأسكيا(55) الكبير، الذي قرَّب العلماء وأجزل عليهم العطايا، إلى جانب ميله للإسلام وجعله الدين الرسمي للبلاد(56). وبذلك وجد العلماء ضالتهم المنشودة في العهد الجديد، وخلقوا لأنفسهم مكانة واحترامًا من لدن السلطة السياسية.
ونتيجة للتحالف بين العلماء والحكام الأساكي تطورت الحياة الفكرية بالغرب الإفريقي، وشاع العلم في جميع القرى والأمصار، فأنجبت الأرض السودانية ثُلَّة من العلماء الأكفاء -الذين استفادوا من الترسب الفكري والحضاري الطويل المدى بدءًا من دخول الإسلام والثقافة العربية إلى إفريقيا الغربية-، وهم محمود كعت صاحب تاريخ الفتاش، والسعدي صاحب كتاب تاريخ السودان، ثم أحمد بابا الذي أسهبت كتب التراجم في التعريف بسيرته ومكانته(57)، وذكر مستواه الفكري والتعليمي وأهم أساتذته وتلامذته(58)، إلى جانب مؤلفاته العلمية ومنها تلك التي ألَّفها إبَّان إقامته الإجبارية بمراكش خلال العهد السعدي، وغيره من العلماء.
وبهذا التحالف بين السلطتين السياسية والروحية، لاقت انتصارات وأعمال الأسكيا محمد الكبير تنويهًا من العلماء المسلمين، فهذا محمود كعت صاحب كتاب الفتاش يقول عن منجزاته ما نصه: “.. ومنَّ الله علينا بأن أظهر لنا في زماننا هذا الإمام الصالح الخليفة العادل والسلطان الغالب والمنصور القائم أسكيا الحاج محمد بن أبي بكر التوردي… فانفسح له بحمد الله البلدان شرقًا وغربًا، وتداعت له الوفود فردًا وجمعًا، فأذعنت له الملوك كرهًا وطوعًا، فصرنا من بركاته بخير ونعمى…”(59).
لقد استفاد الأسكيا محمد الذي لقب بالحاج -إِثْر حجته الشهيرة (902هـ/ 1496م)- من وضعه الجديد كخليفة لبلاد التكرور؛ لما قلده شريف مكة هذا المنصب، في ترسيخ نفوذه بالغرب الإفريقي، بالتقرُّب من رموز السلطة الروحية (العلماء)، والإنصات لهم، والأخذ بمشورتهم، وإجزال العطايا لهم، لتأثيرهم في الرعية، مستفيدًا بالتالي من أخطاء سلفه سني علي، الذي نكَّل بالعلماء فألَّبُوا ضده الرعية. فلا غرو أن يمدح العلماء الأسكيا محمد، فقد أدلى محمود كعت بشهادة في حقه بقوله: “.. وله من المناقب وحسن السياسة والرفق بالرعية والتلطف بالمساكين، ما لا يحصى ولا يوجد له مثل لا قبله ولا بعده، وحب العلماء والصالحين”(60).
والشيء نفسه امتاز به الأسكيا داود الذي كان سادس سلاطين الأساكي تولى عرش سنغاي ما بين 1549- 1582م، أفاضت المصادر التاريخية في الثناء على أعماله ومنها اهتمامه بالعلم والعلماء طيلة مدة حكمه، ليؤول عرش هذه المملكة في أواخرها للأسكيا إسحاق الثاني (1588- 1591م)، الذي دخل في صراع مع إخوته على عرش المملكة، التي انتهت بسقوطها إبَّان الحملة السعدية عام 1591م(61).
وبذلك أنهت الحملة السعدية على السودان الغربي إمبراطورية سنغاي التي بلغت أوجها وأقصى امتدادها في عهد أسرة الأساكي؛ حيث امتدت من المحيط الأطلسي غربًا، إلى غادس وكانوا شرقًا، وإلى مناطق متوغلة في الصحراء شمالاً(62).
كانت هذه معطيات سريعة حول تاريخ ممالك غرب إفريقيا، التي تزامن تأسيسها ووصول الدين الجديد إلى المنطقة، مما مكَّن لهذه الممالك من توسيع رقعتها، والحصول على مصادر قوتها تحت ذريعة نشر الإسلام والدفاع عن تعاليمه، وهو أيضًا ما كان يتماشى ومصالح التجار الذين جمعوا بين التجارة والدعوة إلى الله، فحقَّق الإسلام في ظل هذه الممالك عدَّة نتائج أفادت الفرد والمجتمع، وربطت غرب إفريقيا بباقي بلدان العالم الإسلامي، لا سيما بلاد المغرب الكبير والمشرق العربي. فما هي نتائج انتشار الإسلام بغرب إفريقيا؟ وكيف أوجد الإسلام أرضًا خصبة للحياة الفكرية بالمنطقة؟ وما الوسائل والآليات التي اعتمدها سكان غرب إفريقيا في بعث هذه الحركة وإشعاعها؟
دور انتشار الإسلام في ترسيخ الحياة الفكرية بغرب إفريقيا
كتب للإسلام أن ينتشر انتشارًا واسعًا في عدد من الأقطار والقارات بفضل جهاد دعاته الأولين ونضال هداته السابقين الذين بذلوا أرواحهم وتضحياتهم لبسط نفوذ الإسلام ورفع ألوية تعاليمه في كل زمان ومكان، ومن هذه الأقطار على سبيل المثال إفريقيا الغربية، فيكفي أن نقرأ ما كتبه المؤرخون المسلمون الأولون والرحالة السابقون، كابن حوقل والبكري والإدريسي وياقوت الحموي وابن بطوطة وابن خلدون، وليون الإفريقي وغيرهم، لنقف على السبل التي اجتازها الإسلام ليحل بإفريقيا الغربية عن طريق المغرب الأقصى(63).
فبانتشار الإسلام بغرب إفريقيا، بدأت القبائل العربية تتوغل جنوبًا، إذ كانت الصحراء عاملاً واصلاً ومساهمًا في وصول التأثيرات الإسلامية إلى المنطقة، إلى جانب دور المسالك التجارية التي عبرها أنساب الدين الجديد إلى المجتمعات السودانية جنوب الصحراء(64).
لقد ساهمت العملية التجارية في أسلمة المجتمعات السودانية؛ من خلال السلوك الحسن للتاجر المسلم الذي أثر بثقافته الدينية وتعامله في المجتمعات السودانية الحديثة العهد بالإسلام، فالتاجر كان داعية إلى دينه بشكل مباشر من خلال دعوة الأهالي للدين الجديد، أو بشكل غير مباشر من خلال حسن سلوكه في المعاملات وصدق تعامله(65). حيث ركَّز هؤلاء الدعاة والتجار المسلمون في بداية الأمر على الفئات العليا كالحكام وكبار الموظفين، ليسهل التأثير في رعاياهم، وبانتشار الإسلام بين فئات عريضة من السودان، تبنَّى أفراد هذا المجتمع مهمة مواصلة نشره في جُلّ الغرب الإفريقي(66). بما في ذلك المناطق الريفية بشكل واسع على يد السودانيين أنفسهم، وتغلغل الإسلام حتى في صفوف القبائل التي عرفت برفضها للدين الجديد طيلة القرون الوسطى(67).
وهكذا حظي الدعاة المسلمون في إفريقيا الغربية في بدايات نشرهم للإسلام، بنصيب أوفر من التقدير والاحترام، ويعاملون بعناية خاصة من الملوك والحكام، لحاجتهم الماسَّة لهؤلاء الدعاة في تفسير العقيدة وشرح مضامين الديانة الجديدة. فأقبل عليها الأهالي وتحوَّل بعضهم إلى دعاة في المنطقة لنشر تعاليم الإسلام بين بني جلدتهم، خاصة أبناء قبيلة السوننكي، الذين نشطوا في الدعوة لتعرفهم المبكر على الإسلام، وصار لفظ سوننك مرادفًا للفظ داعية(68).
ومن نتائج انتشار الإسلام بإفريقيا الغربية، أن بدأت الحركة الفكرية في رسم معالمها من خلال إقبال السودانيين على العلم والتعلم في الكتاتيب القرآنية، لحفظ القرآن الكريم بترديد آياته وكتابة حروفها على ألواح خشبية سيرًا على نهج المغاربة في تعليم الصبيان(69).
واهتم السودان باللغة العربية لدرجة التقديس كما يقول أمطير سعد غيث: “وقد احترم مسلمو تلك البقاع اللغة العربية احترامًا يقرب من التقديس؛ لأنها لغة القرآن الكريم بها يؤدِّي المسلم صلاته، ويتلو القرآن الكريم وبواسطتها يُلِمُّ بعلوم الدين”(70).
ونجَم عن تعرُّف أهالي غرب إفريقيا على اللغة العربية لغة القرآن الكريم، أن تحرفت بعض الأسماء العربية لديهم لتداولها بكثرة، كاسم محمد عليه الصلاة والسلام، الذي صار يسمى عندهم (أمادو) أو (مامدو)، وأحمد (أمادو)، والحسين (أوسينو) وأبو بكر (بوكار)، وإبراهيم (ابراهيما)، وعائشة (ايساتو)، وحفصة (أفسا)، وفاطمة (فاطيماتو)(71).
ولما استتب الإسلام في إفريقيا الغربية، وانتشرت الثقافة الإسلامية في أوساط الأفارقة، شكَّلت المساجد أهم مراكز للتعليم بحواضر غرب إفريقيا (تمبكت مثلا) كالمسجد الجامع المعروف بجنغري بير، ثم هناك مسجد سيدي يحيى، وهو أول مسجد بني في تمبكت، وقد بناه ملك مقشرن، وذلك قبل عهد منسى موسى، تعرض للتخريب، ثم أعيد بناؤه زمن الأساكي عام 1568م. ثم جامع سنكري الذي بنته سيدة بيضانية من قبيلة الأغلال لا نعرف اسمها في القرن السادس أو السابع الهجري. وقد تحدث عبد الرحمن السعدي في كتابه تاريخ السودان عن بناء هذا المسجد بقوله: “.. أما مسجد سنكرى فقد بناه امرأة واحدة إغلالية ذات مال كثيرة في أفعال البر”(72). وسمي جامع سنكري بهذا الاسم للدلالة على السيدة البيضاء باللهجة السودانية المحلية(73).
إلى جانب بناء المساجد نذكر وفرة الكتاتيب القرآنية، التي تقوم بتعليم الأطفال وتربيتهم على القراءة والكتابة وحفظ بعض السور عن ظهر قلب، وهي المرحلة الأولى من مراحل التعليم التي يمر بها الطالب منذ صغره، حيث يتعرف على الحروف الهجائية، ويبدأ في حفظ كتاب الله العزيز في سنٍّ مبكرة، ليتسنى له فيما بعد متابعة دراسته لفهم واستيعاب العلوم الشرعية المرتبطة بعلوم القرآن الكريم والسنة النبوية، كتفسير القرآن، والحديث.
ولمكانة التعليم شجَّع السودانيون أنفسهم على اكتسابه وإنفاق الغالي والنفيس في سبيل امتلاكه، وهم لأجل ذلك كله يتفانون في بناء المدارس والكتاتيب، ويجلبون لها أنبغ العلماء لتعليم الصبيان عدة علوم، اشتملت على علم القراءات والتفسير، وعلم الحديث الشريف، ثم علوم الفقه والأصول، وعلم التصوف، وعلم الكلام والمنطق، وعلوم اللغة العربية كالنحو والبلاغة والشعر والنثر وعلم التاريخ والتراجم، وهي علوم أفاض في الحديث عنها الباحث أحمد مطير سعد، وأعطى نماذج عن علمائها، والذين ألفوا مصنفات بشأنها، وتم تدريسها في أشهر المساجد كجامع سنكري ومسجد سيدي يحيي والجامع الكبير بمدينة جاو(74).
وسجَّل الحسن الوزان كشاهد عيان طريقة التعليم بالكتاتيب القرآنية إبَّان زيارته للسودان الغربي بقوله: “ويقتصر درس كل يوم على آية من القرآن، ويختم القرآن في سنتين أو ثلاث سنوات، ثم يستأنف ذلك عدة مرات إلى أن يجيد الطفل تعلمه بصورة متقنة جدًّا، ويحفظه عن ظهر قلب”(75). هاته الكتاتيب التي أحصاها محمود كعت في زمنه في حوالي 180 كُتَّابًا(76). وهي المرحلة الأولية للتعليم قبل بلوغ الطالب مرحلة التعليم العالي، الذي يتم تدريسه في المساجد والجوامع السالفة الذكر.
أدَّى انتشار الكتاتيب التعليمية، وإشعاع الحياة الفكرية بالمساجد والجوامع المشهورة بالمنطقة، إلى ازدهار حركة التأليف عند علماء غرب إفريقيا إبَّان القرنين 15و 16 الميلاديين؛ حيث ألفوا في الفقه وأفتوا فيه، وفي النحو والصرف، والتصوف الإسلامي والأخلاق، والتاريخ والسير، ونظَّموا قصائد في مدح خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها قصائد أحمد بابا التمبكتي الشهيرة مثل: “الدر النضير في ألفاظ الصلاة على البشير النذير”، و”خمائل الزهر في كيفية الصلاة على سيد البشر”(77).
واستفادوا من عشرات الكتب الموجودة آنذاك مثل “درر الحسان”، و”نيل الابتهاج”، و”تاريخ السودان” للسعدي، و “تاريخ الفتاش” لمحمود كعت، وغيرها من الكتب المتوفرة حينها(78).
كما اتسم التعليم مع مجيء الإسلام إلى المنطقة، بطابع الاختصار لغلبة كتب المختصرات على الأمهات في الكتب المدروسة، مما أدَّى إلى فتور العزائم والهمم لدى الطلبة من جهة وقصور الفقهاء عن الإبداع؛ حيث كثرت كتب المختصرات في المذهب المالكي فركن السواد الأعظم إليها، فضلاً عن تأثير الرواية الشفوية في المتن السوداني، والشيء نفسه يقال عن الحفظ الذي ميَّز علماء وطلبة تمبكت؛ إذ شكَّل الحفظ عندهم علامة على تمييز التلميذ النبيه من البليد، ولهذا نجد نماذج كثيرة من الحفاظ ممن يحفظ مختصر خليل ودواوين فحول الشعراء، بل منهم مَن يحفظ صحيح البخاري ومسلم وموطأ الإمام مالك ومدونة سحنون، وغيرها من المؤلَّفات(79).
إذا كانت بلاد غرب إفريقيا قد انتقلت من مرحلة الثقافة الشفاهية إلى مرحلة التدوين في الفترة ما بين القرنين 16 و18م، من خلال أُسَر عالمة كأسرة آل كعت وآل بغيغ وآل أقيت، وآل أندغ، وآل السعدي، وآل كانْوَا…(80) ؛ فإن ثقافة التدوين سرعان ما تراجعت فيما بعد لصالح الإنتاج البيضاني (الشنقيطي)، لعدة عوامل تضافرت وأجهضت تجربة التأليف السودانية(81)، فضلاً عما تميزت به من ظاهرة الاختزال في النص المدوّن، الذي تنبَّه إليه الباحث أحمد الشكري، معتبرًا أن هذا الاختزال مردُّه ضعف تكوين المؤلف، وعدم امتلاكه لنفس طويل للتعبير عما يخالجه من أفكار، وعليه يقول: “يظهر نَفَس المؤلف ضعيفًا ومتقطعًا، لذلك غالبًا ما يعمد مجبرًا إلى استعمال الجملة أو العبارة المختزلة إلى الحدّ الذي يتحول فيه المعنى إلى رمز يكاد يقترب من المعادلة الرياضية المعقدة”(82).
وبفضل الحركة العلمية المهمة التي شاعت في غرب إفريقيا لا سيما زمن الأساكي، حظي العلماء بمكانة مهمة تمثلت في احترامهم من لدن السلطة الحاكمة، وكذا من لدن المجتمع الذي شجَّع هذه الحركة، بل إن العلماء تقلدوا مناصب سامية خلال هذه المرحلة كمنصب القضاء؛ حيث كان القاضي هو بمثابة الحاكم، كلامه مسموع ورأيه مطاع، هذا فضلاً عن تقريب الأساكي للعلماء، وجعلهم من أهم حاشيتهم في القصر، حتى لقب الأسكيا بصديق العلماء في عصره(83).
ولنا في رموز السلطة بغرب إفريقيا وعلاقتها بالعلماء زمن مملكة سنغاي نموذجين؛ الأول منهما هو الحاكم سني علي الذي كان بعيدًا عن العلم وأهله، وصدر منه ما ألَّب العلماء ضده، فقد كان كما قال السعدي: “ذا قوة عظيمة ومتنة جسيمة، ظالمًا فاسقًا متعديًا متسلطًا سفّاكًا للدماء، قتل مِن الخلق ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وتسلَّط على العلماء والصالحين بالقتل والإهانة والإذلال”(84).
وثانيهما هو الحاكم محمد أسكيا من أسرة الأساكي، الذي تقرَّب من العلماء وأحسن إليهم، ومنحهم رواتب مالية مقابل تعليم الطلبة وتلقينهم للعلم(85)، وقد أورد محمود كعت شهادة في حقه: “وله مِن المناقب وحُسن السياسة والرفق بالرعية والتلطف بالمساكين ما لا يُحصى، ولا يوجد له مِثْل لا قبله ولا بعده، وحب العلماء والصالحين والطلبة وكثرة الصدقات وأداء الفرائض والنوافل..، والتواضع للعلماء وبذل النفوس والأموال لهم مع القيام بمصالح المسلمين وإعانتهم على طاعة الله وعبادته”(86).
هكذا شاع عن الأسكيا محمد الكبير احترامه للعلماء المسلمين الموجودين بمملكته، وكذا الوافدين عليه من ربوع العالم الإسلامي، ومنهم المغيلي التواتي، الذي نصح الأسكيا بالعمل بمقتضى الشريعة الإسلامية في حكمه، مما زاد من إعجاب الأسكيا به وقربه إليه ووجَّه إليه أسئلة فأجابه المغيلي عليها بمقتضى الشرع الإسلامي، في مؤلفه المسمى: “أسئلة الأسكيا وأجوبة المغيلي”، الذي بيَّن له فيه دور الحاكم المسلم في إرساء الحق والمساواة والعمل بالشريعة(87).
إلى جانب الحضور القوي للعالم المغيلي بغرب إفريقيا، والدور الذي قام به في نشر الورد القادري، نذكر علماء آخرين ذوي أصول بيضانية بالأساس نزحوا في فترة مبكرة لمدينة تمبكت، وسطع نجمهم بها، ومن هؤلاء أسرة أقيت الصنهاجية، التي اشتهر من أفرادها: أحمد بابا التمبكتي (ت 1036هـ/ 1627م) الذي أغنى الحياة الفكرية بمؤلفاته الكثيرة، منها “تحفة الفضلاء ببعض فضائل العلماء”، و”جلب النعمة ودفع النقمة بمجانية الولاة الظلمة”، ثم “نيل الابتهاج بتطريز الديباج”، و” كفاية المحتاج في معرفة من ليس في الديباج”، فهذان الأخيران ألَّفهما في حاضرة مراكش لما نُفِيَ إليها زمن السعديين، وبمراكش جلس لتدريس “مختصر خليل”، و”صحيح البخاري”، و”الشفا” للقاضي عياض، و”الموطأ” للإمام مالك؛ إذ قضى بمراكش مدة عشرين سنة إلا ستة أشهر، وعاد بعدها إلى موطنه بتمبكت؛ حيث تفرغ للتعليم باقي حياته إلى أن وافته المنية بها عام 1623م(88).
كما لا ننسى العلامة محمود بن عمر أقيت الصنهاجي التمبكتي المولد عام 1463م ودفينها عام 1550م، كان قاضيًا على تمبكت زمن الأسكيا محمد الكبير(89)، فوصفه السعدي بقوله: “.. كان من خيار عباد الله الصالحين العارفين به .. اشتهر علمه وصلاحه في البلاد، وطار صيته في الأقطار شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالاً.. لا يخاف في الله لومة لائم، هابه الخلق كلهم السلطان فمن دونه، فصاروا تحت أمره يزورونه في داره متبركين به”(90).
وفي عهد أسرة الملوك الأساكي نبَغ علماء من مدينة تمبكت كالعالم محمود كعت، الذي أرَّخ لإمبراطوريتي مالي وسنغاي في كتابه “الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس”، وكان مقرَّبًا من الأسكيا محمد؛ حيث ذهب معه إلى الحج، وكان أحد مستشاريه مما مكَّنه من الاطلاع عن كثَب على أحوال السلطان ومملكته، وتقلد مهمة التدريس في تمبكت وغلب على تأليفه المنهج المغربي(91).
إلى جانب عناية السلاطين بالعلماء وإكرامهم حَظِيَ الطلبة كذلك بالعناية والاحترام، وحثّهم على التحصيل والمثابرة من خلال إرسالهم للدراسة في المغرب والمشرق، واقتناء الكتب النفيسة، ووضعها رهن إشارتهم. أما الرعاية المادية فقد تجلت في تقديم الهبات المالية للعلماء، وتحديد الأجور للأساتذة وبناء المدارس والمساجد وتحبيس الكتب والمكتبات لفائدة الطلاب(92). وهو ما ساهم في إشعاع بعض الحواضر العلمية، التي عمَّ صيتها أرجاء غرب إفريقيا، وشكَّلت قبلة لأبناء السودان.
لقد نجَم عن وصول تعاليم الدين الإسلامي إلى إفريقيا الغربية تأثُّر الأفارقة بتعاليم هذا الدين الذي وحَّد الناس على عبادة الله، وحرَّم الاسترقاق والاستعباد، ودعا للمساواة بين الناس جميعًا بِغَضِّ النظر عن ألوانهم وأجناسهم، وبذلك وجد الضعفاء منهم فيه السبيل الأوحد لتحقيق حياة العز والكرامة، وحاولوا الانتساب إليه والتقرب من دعاته، وامتزج الدم العربي- الصنهاجي بالدم الإفريقي، وبحث السودانيون لأنفسهم عن أنساب عربية في الشمال والشرق الإسلامي، ترفع من نسبهم الطيني والديني.
خاتـمة:
مؤدَّى القول، كانت هذه معطيات سريعة حول ممالك غرب إفريقيا التي تزامن تأسيسها وانبعاثها بالمنطقة مع مجيء الإسلام إليها زاحفًا من الشمال مع التجار والدعاة في البداية، ثم في مرحلة ثانية مع بقايا أتباع المرابطين من الفقهاء والأئمة الذين وهبوا حياتهم للتدريس ونشر الدين الإسلامي؛ إذ لا يجادل أحدٌ في أهمية انتشار الإسلام بغرب إفريقيا، ودوره في فك عزلتها وانكماشها العقائدي والسياسي، وتطوير حضارتها بمنح الإنسان الإفريقي فرصة الاندماج في الحياة الدينية الجديدة، والمساهمة في توسيع رقعتها الجغرافية. فجاءت نتائجه إيجابية جدًّا على الفرد والمجتمع من خلال تحقيق المساواة والحرية وربط الناس بخالقهم بأداء الفرائض الدينية، وإنشاء المراكز العلمية لانتشال الناس من حياة الجهل والكسل إلى حياة العلم والعمل، فنبغ كثير من الطلاب من غرب إفريقيا وجلس للتدريس عدد من العلماء من أبناء المنطقة والوافدين عليها، واشتهرت عدة حواضر بالعلم داخل وخارج المنطقة، كحاضرة تمبكت التي علا نجمها وأضاء علمها جلّ مناطق الغرب الإفريقي.
وعليه، فقد وَسَّع الإسلام رقعة انتشاره باحتواء الشعوب السودانية، وتغيير ثقافتها، واستبدالها بثقافات قويمة وبديلة، وأعطى بذلك لهذه المجتمعات الحق في تحقيق مشاريعها السياسية، وتأسيس ممالك سودانية قوية وعتيدة، جعلت من مشروع الأسلمة الشامل شعارًا لها، وتجلَّت مهمتها في الحفاظ على مبادئ الدين الجديد والدفاع عن تعاليمه. بدءًا بمملكة غانة ومالي وانتهاء بسنغاي مع الحكام الأساكي خلال القرن 16م، وما تلاها من حركات إصلاحية رائدة في العصر الحديث والمعاصر، حافظت على بيضة الإسلام، ورسَّخت تعاليمه وشجَّعت على ازدهار العلم وتربية الروح بمجموعة من الأوراد الصوفية.
الإحالات والهوامش:
(*) استاذ باحث في التاريخ، من المملكة المغربية.
(1) أحمد مطير سعد غيث، الثقافة العربية الإسلامية وأثرها في مجتمع السودان الغربي دراسة في التواصل العربي – الإفريقي، دار المدار الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 2004م، ص ص 32- 33؛ انظر كذلك: أحمد الشكري، الذاكرة الإفريقية في أفق التدوين إلى غاية القرن 18م (نموذج بلاد السودان)، سلسلة أطروحات، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، جامعة محمد الخامس، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2010 م، ص 23.
(2) أحمد الشكري، الإسلام والمجتمع السوداني مملكة مالي 1230-1430م، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، 1999م، ص 58.
(3) نفسه، ص 59.
(4) أبو القاسم محمد بن حوقل، صورة الأرض، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1979م، ص 98.
(5) عرف الباحث سعيد سامي الأرواحية بأنها فعل إنساني ” يستهدف تحقيق الأمن الروحي والسلام الاجتماعي، واختراع النظام بالخضوع للشرائع والأحكام وعدم إتيان المحرمات، وتركيز هذه الديانة على التأمل والاعتماد على معنى القوة الروحية، التي منحت الجسم مناعته الخاصة، كما قامت على عبادة الأسلاف والتضامن بين أفراد العشيرة والولاء لرموزها المؤسسة”. انظر سعيد سامي، العلماء ومجتمع السودان الغربي خلال العصر الإسكي (1493- 1591م)، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في التاريخ، جامعة الحسن الثاني، عين الشق كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الجزء الأول، موسم 2000- 2001م، ص 10.
(6) عبد الرحمان السعدي، تاريخ السودان، طبعة هوداس، باريس، فرنسا، 1981م، ص 9.
(7) أبو عبيد الله البكري، المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، وهو جزء من كتاب المسالك والممالك، نشر مكتبة المثنى ببغداد، د. ت ، ص 175.
(8) أبو عبد الله محمد بن محمد الشريف الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، (جزءان)، مكتبة الثقافة الدينية، د.ط، د.ت، القاهرة، المجلد الأول، ص 23.
(9) الهادي المبروك الدالي، التاريخ السياسي والاقتصادي لإفريقيا فيما وراء الصحراء من نهاية القرن الخامس عشر إلى بداية القرن الثامن عشر، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى، ربيع الثاني 1420هـ/ غشت 1999م، ص 21.
(10) أبو عبد الله محمد بن محمد الشريف الإدريسي، م. س، ص 24.
(11) أحمد الشكري، مملكة غانة وعلاقتها بالحركة المرابطية (هل حقا قام المرابطون بغزو غانة)، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، جامعة محمد الخامس، السويسي، الرباط، الطبعة الأولى، 1997م، ص 7.
(12) أحمد الشكري، الإسلام والمجتمع السوداني، م. س، ص 110.
(13) الهادي المبروك الدالي، التاريخ السياسي والاقتصادي…، م. س، ص 26.
(14) محمود كعت، تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس، تحقيق: هوداس ودولافوس، أنجي بريدن، 1913، ص42.
(15) أبو عبيد الله البكري، م.س، ص 175.
(16) محمود إسماعيل، الخوارج في بلاد المغرب حتى منتصف القرن الرابع الهجري، دار الثقافة، الطبعة الثانية، الدار البيضاء، 1406هـ/ 1985م، ص 42.
(17) جوان جوزيف، الإسلام في ممالك إمبراطوريات إفريقيا السوداء، ترجمة محمد السويقي، دار الكتب الإسلامية، دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الأولى، 1404هـ/ 1984م، ص 62.
(18) عبد العزيز العلوي، تأثير بلاد المغرب على حضارة السودان الغربي، (جزءان)، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس فاس، 1998- 1999م، الجزء الأول، ص ص 45- 46.
(19) أبى عبيد الله البكري، م.س، ص 174.
(20) نفسه، ص 175.
(21) أحمد الشكري، مملكة غانة …، م.س، ص 27.
(22) أبى عبيد الله البكري، م.س، ص 174.
(23) نعيم قداح، إفريقيا الغربية في ظل الإسلام، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، الجزائر، 1975، ص 67.
(24) أبو عبيد الله البكري، م.س، ص 177.
(25) أحمد الشكري، مملكة غانة…، م.س، ص 23.
(26) للتوسع في هذه المسألة يرجى الرجوع إلى كتاب أحمد الشكري، مملكة غانة وعلاقتها بالحركة المرابطية، م.س، ثم أطروحة الباحث عبد الكريم الربون، دور المذهب السني المالكي والحركة المرابطية، في سقوط دولة غانة وقيام إمبراطورية مالي 1050- 1300م، الرواية الشفوية مصدرًا، أطروحة لنيل الدكتوراه في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الأول، وجدة، 2000- 2001م.
(27) عبد الرحمن بن خلدون، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، (8 مجلدات) دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 1413هـ/ 1992م، المجلد 6، ص 237.
(28) نفسه.
(29) أحمد الشكري، الإسلام والمجتمع السوداني، م.س، ص ص 180- 184.
(30) أبو عبيد الله البكري، م.س، ص 178.
(31) الهادي المبروك الدالي، التاريخ الحضاري، م.س، ص ص 233- 237.
(32) عبد الكريم الربون، م.س، ص 241.
(33) الهادي المبروك الدالي، التاريخ السياسي والاقتصادي، م.س، ص 63.
(34) الحسن محمد الوزان الفاسي، وصف إفريقيا، (جزءان)، تحقيق محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية، بيروت، لبنان، 1983م، الجزء الثاني، ص 161.
(35) شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، (5 أجزاء)، تحقيق وتقديم عبد الوهاب التازي، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط،، 1417هـ/ 1997م، الجزء الرابع، ص 265.
(36) الهادي المبروك الدالي، مملكة مالي الإسلامية وعلاقتها مع المغرب وليبيا، دار الملتقى للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 2001م، ص 78.
(37) شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، م.س، ص ص 259- 263.
(38) الهادي المبروك الدالي، مملكة مالي الإسلامية، م.س، ص 33.
(39) جميلة أمحمد التكيتك، مملكة سنغاي الإسلامية في عهد الأسكيا محمد الكبير 1493- 1528م، منشورات مركز الجهاد الليبي للدراسات التاريخية، الطبعة الأولى، الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، 1998م، ص 38.
(40) محمود كعت، م.س، ص37.
(41) أحمد الشكري، الإسلام والمجتمع السوداني، م.س، ص 209.
(42) محمود كعت، م.س، ص 179.
(43) شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، م.س، ص 265.
(44) أحمد الشكري، الإسلام والمجتمع السوداني، م.س، ص 218.
(45) نفسه، ص ص 219- 221.
(46) نفسه، ص 212.
(47) الهادي المبروك الدالي، التاريخ السياسي والاقتصادي….، م.س، ص 64.
(48) أحمد الشكري، الإسلام والمجتمع السوداني، م.س، ص197.
(49) عبد الرحمن السعدي، تاريخ السودان، طبعة هوداس، باريس، فرنسا، 1981م، ص 14.
(50) محمود كعت، م.س، ص 75.
(51) جميلة أمحمد التكتيك، م.س، ص ص 43- 44.
(52) محمود كعت، م.س، ص 43.
(53) جميلة أمحمد التكتيك، م.س، ص 45.
(54) نفسه، ص 47.
(55) تعني المغتصب، لأنه اغتصب الحكم من أبو بكر داعو، أنظر جميلة أمحمد التكتيك، م.س، ص 48.
(56) نفسه، ص 49.
(57) ناصر الدين سعيدوني، من التراث التاريخي والجغرافي للغرب الإسلامي، تراجم جغرافيين ومؤرخين ورحالة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، 1999م، ص 318.
(58) محمد عبدو زبير، السيرة الذاتية لأحمد بابا التمبكتي، ( 1556- 1627)، مجلة أحمد بابا التمبكتي، بحوث الندوة التي عقدتها منظمة إسيسكو بمناسبة أربعة قرون على ولادته، مراكش 22- 25 صفر 1412هـ/ 2-5 شتنبر 1991م، ص ص 72-73.
(59) محمود كعت، م.س، ص ص 10-11.
(60) نفسه، ص 59.
(61) بشأن هذه الحملة انظر عبد العزيز الفشتالي، مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفاء، دراسة وتحقيق: عبد الكريم كريم، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط، 1977م، ص ص 117- 169.
(62) نقولا زياده، م.س، ص 345.
(63) عبد اللطيف أحمد خالص، تطور الإسلام في إفريقيا، مجلة دعوة الحق، إفريقيا القارة الإسلامية ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً، العدد 269، أبريل 1988م، ص 200.
(64) جميلة أمحمد التكيتك، م.س، ص 156.
(65) أحمد مطير سعد غيث، الثقافة العربية الإسلامية، م.س، ص 156.
(66) جميلة أمحمد التكيتك، م.س، ص 25.
(67) أحمد الشكري، الذاكرة الإفريقية في أفق التدوين إلى غاية القرن 18م، م.س، ص 349.
(68) أحمد مطير سعد غيث، الثقافة العربية الإسلامية، م.س، ص 152.
(69) أحمد الشكري، الإسلام والمجتمع السوداني، م.س، ص 212.
(70) أمطير سعد غيث، التأثير العربي الإسلامي في السودان الغربي فيما بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر، الطبعة الأولى، 1996م، ص 194.
(71) أحمد مطير سعد غيث، الثقافة العربية الإسلامية، م.س، ص 179.
(72) عبد الرحمن السعدي، م.س، ص 62.
(73) أحمد مطير سعد غيث، الثقافة العربية الإسلامية، م.س، ص 195.
(74) نفسه، ص ص 236- 262.
(75) الحسن الوزان، م.س، الجزء الثاني، ص 168.
(76) محمود كعت، م.س، ص 180.
(77) الهادي المبروك الدالي، التاريخ الحضاري، م.س، ص ص 189- 190.
(78) علي كلطغ، الثقافة الإسلامية بإفريقيا، مجلة دعوة الحق، عدد 266، محرم 1408هـ/ غشت 1987، ص 27.
(79) الخليل النحوي، م.س، ص ص 345- 346.
(80) أحمد الشكري، الذاكرة الإفريقية في أفق التدوين إلى غاية القرن 18م، م.س، ص 265.
(81) نفسه، م.س، ص ص 258- 266.
(82) نفسه، ص 280.
(83) جميلة أمحمد التكتيك، م.س، ص 167.
(84) عبد الرحمن السعدي، م.س، ص 64.
(85) جميلة أمحمد التكتيك، م.س، ص 160.
(86) محمود كعت، م.س، ص ص 51- 52.
(87) جميلة أمحمد التكيتك، م.س، ص 186.
(88) نفسه، ص 192.
(89) نفسه، ص ص 184- 187.
(90) عبد الرحمن السعدي، م.س، ص 38.
(91) جميلة أمحمد التكيتك، م.س، ص 190.
(92) عبد الرحمن ميفا، الحركة العلمية في مدينة تمبكت خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين، مجلة دار الحديث الحسنية، مكتبة ومطبعة الأمنية، زنقة المأمونية الرباط، العدد الرابع عشر، 1418هـ/ 1997م، ص 334.
المراجع:
– أبو القاسم محمد بن حوقل، صورة الأرض، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1979م.
– أبى عبيد الله البكري، المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب وهو جزء من كتاب المسالك والممالك، نشر مكتبة المثنى ببغداد، د. ت.
– أبي عبد الله محمد بن محمد الشريف الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، (جزءان)، مكتبة الثقافة الدينية، د.ط، د.ت، القاهرة، المجلد الأول.
– أحمد مطير سعد غيث، الثقافة العربية الإسلامية وأثرها في مجتمع السودان الغربي دراسة في التواصل العربي- الإفريقي، دار المدار الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 2004، صص 32- 33؛ أنظر كذلك أحمد الشكري، الذاكرة الإفريقية في أفق التدوين إلى غاية القرن 18م (نموذج بلاد السودان)، سلسلة أطروحات، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، جامعة محمد الخامس السويسي، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2010م.
– أحمد الشكري، الإسلام والمجتمع السوداني مملكة مالي 1230-1430م، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، 1999م.
– أحمد الشكري، مملكة غانة وعلاقتها بالحركة المرابطية ( هل حقا قام المرابطون بغزو غانة)، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، جامعة محمد الخامس، السويسي، الرباط، الطبعة الأولى، 1997.
– أمطير سعد غيث، التأثير العربي الإسلامي في السودان الغربي فيما بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر، الطبعة الأولى، 1996م.
– الحسن محمد الوزان الفاسي، وصف إفريقيا، (جزءان)، تحقيق محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية، بيروت، لبنان، 1983م، الجزء الثاني.
– جميلة امحمد التكيتك، مملكة سنغاي الإسلامية في عهد الأسكيا محمد الكبير 1493- 1528م، منشورات مركز الجهاد الليبي للدراسات التاريخية، الطبعة الأولى، الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى، 1998م.
– جوان جوزيف، الإسلام في ممالك إمبراطوريات إفريقيا السوداء، ترجمة محمد السويقي، دار الكتب الإسلامية، دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الأولى، 1404هـ/ 1984م.
– عبد اللطيف أحمد خالص، تطور الإسلام في إفريقيا، مجلة دعوة الحق، إفريقيا القارة الإسلامية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، العدد 269، أبريل 1988م.
– عبد الرحمان بن خلدون، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، (8 مجلدات) دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 1413هـ/ 1992م، المجلد 6.
– عبد الرحمان السعدي، تاريخ السودان، طبعة هوداس، باريس، فرنسا، 1981.
– عبد الرحمان ميفا، الحركة العلمية في مدينة تمبكت خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين، مجلة دار الحديث الحسنية، مكتبة ومطبعة الأمنية، زنقة المامونية الرباط، العدد الرابع عشر، 1418هـ/ 1997م.
– عبد العزيز الفشتالي، مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفاء، دراسة وتحقيق: عبد الكريم كريم، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط، 1977م.
– عبد العزيز العلوي، تأثير بلاد المغرب على حضارة السودان الغربي، (جزءان)، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس فاس، 1998- 1999م، الجزء الأول.
– عبد الكريم الربون، دور المذهب السني المالكي والحركة المرابطية، في سقوط دولة غانة وقيام إمبراطورية مالي 1050- 1300م، الرواية الشفوية مصدرا، أطروحة لنيل الدكتوراه في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الأول، وجدة، 2000- 2001.
– علي كلطغ، الثقافة الإسلامية بإفريقيا، مجلة دعوة الحق، عدد 266، محرم 1408هـ/ غشت 1987.
– سعيد سامي، العلماء ومجتمع السودان الغربي خلال العصر الإسكي (1493- 1591م)، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في التاريخ، جامعة الحسن الثاني، عين الشق كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الجزء الأول، موسم 2000- 2001.
– شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، (5 أجزاء)، تحقيق وتقديم عبد الوهاب التازي، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط،، 1417هـ/ 1997م، الجزء الرابع.
– محمد عبدو زبير، السيرة الذاتية لأحمد بابا التمبكتي، ( 1556- 1627)، مجلة أحمد بابا التمبكتي، بحوث الندوة التي عقدتها منظمة إسيسكو بمناسبة أربعة قرون على ولادته، مراكش 22- 25 صفر 1412هـ/ 2-5 شتنبر 1991م.
– محمود كعت، تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس، تحقيق: هوداس ودولافوس، أنجي بريدن، 1913.
– محمود إسماعيل، الخوارج في بلاد المغرب حتى منتصف القرن الرابع الهجري، دار الثقافة، الطبعة الثانية، الدار البيضاء، 1406هـ/ 1985م.
– نعيم قداح، إفريقيا الغربية في ظل الإسلام، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، الجزائر، 1975.
– ناصر الدين سعيدوني، من التراث التاريخي والجغرافي للغرب الإسلامي، تراجم جغرافيين ومؤرخين ورحالة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، 1999م.
– الهادي المبروك الدالي، مملكة مالي الإسلامية وعلاقتها مع المغرب وليبيا، دار الملتقى للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 2001م.
– الهادي المبروك الدالي، التاريخ السياسي والاقتصادي لإفريقيا فيما وراء الصحراء من نهاية القرن الخامس عشر إلى بداية القرن الثامن عشر، الدار المصرية الللبنانية، الطبعة الأولى، ربيع الثاني 1420هـ/ غشت 1999م.