د. ربيع محمد القمر الحاج (*)
عرّف العرب في العصور الإسلامية الأولى القبائلَ التي تسكن الصحراء الشرقية جنوبي مصر باسم «البجة», وإن اختلف المؤرّخون في نسبتهم, فينسبهم بعضهم إلى «حام بن نوح عليه السلام» (1)، في حين يرى آخرون أنهم صنف من الحبشة, أو قبيلة منهم (2), أما الباحثون المحدثون فبالرغم من اتفاقهم في ردّ ««البجة»» إلى أصول حامية فإنهم اختلفوا في نسبتهم، حيث يرى بعض منهم أنهم هم «البقة BUKA» المدوَّنون على الآثار المصرية, أو «البقيتة» المدوَّنون على آثار أكسوم (3).
ومهما يكن من أمر هذه الدراسات؛ فإن الرأي الراجح أن «البجة» هي قبائل حامية, بيد أن ذلك لم يمنع من تداخل نسب من الدماء العربية, والمصرية، والحبشية، والنوبية، في أعراقهم بسبب المصاهرة, وهم بذلك أمّة من أمم السودان (4).
جغرافية بلاد «البجة» وحدودها:
أما عن موقع أوطان «البجة»؛ فإنّ المؤرّخين والجغرافيين المسلمين قد وصفوا ذلك بشكل دقيق، فذكروا أنها تقع «بين بحر القلزم وبحر النيل» (5)، وبيّنوا أن آخر بلادهم من جهة الجنوب هي بلاد الحبشة (6), أما في جهة الغرب فتقع بلاد النوبة الذين تفصلهم عن بلادهم جبال منيعة (7).
هذا، وقد ظلّت قبائل «البجة» تمتهن حرفة الرعي، وتتبع مناطق القطر ومظانّ الكلأ في بواديها معتمدة في ذلك على سهل البطانة (8), وهو أغزر أراضيهم مطراً وأخصبها تربة (9), أما بقية أوطانهم فيغلب عليها الجفاف بصفة عامة, فهي إذن بيئة جدبة تدعو إلى العزلة لقسوتها, وفي هذه البيئة القاسية عاشت قبائل «البجة» منذ أقدم العصور, فكانت حياتهم تعتمد على الإبل في سلمهم وحربهم وحلّهم وترحالهم.
الفتح الإسلامي لمصر وأثره في بلاد «البجة»:
وردت أول إشارة للبجة بعد ظهور الإسلام في كتاب (فتوح الشام) للواقدي, حيث ذكر أنه «لمّا حاصر عمرو بن العاص (رضي الله عنه) مدينة بلبيس, وكانت بها أرمانوسة ابنة المقوقس الحاكم البيزنطي في مصر, أشار أهل الرأي على المقوقس أن يرسل نجدة بيزنطية إلى مدينة بلبيس لإنقاذ ابنته, ثم يطلب مساعدة «البجة» وملك النوبة وملك البرابرة لحرب العرب وطردهم من مصر» (10), ويمضي المصدر مبيناً أن أرسطوليس حذّر العرب من الطمع في مصر لأن البيزنطيين قوة لا يُستهان بها, وأنهم لا يحاربون وحدهم بل يحارب معهم حلفاؤهم من النوبيين و«البجة», وأخذ أرسطوليس يطمئن جنوده عن قرب وصول حلفائهم من النوبيين و «البجة» (11), لكن الأخبار وردت للملك باندلاع قتال بين الطرفين (النوبي والبجاوي) مما يعني عدم تمكّنهم من إرسال نجدة له.
ولمّا استقر الوضع في مصر لعمرو بن العاص – رضي الله عنه – تبيّن من خلال العهد الذي كتبه للمصريين مشاركة النوبيين في القتال مع البيزنطيين, وهذا ما حدا بعمرو بن العاص أن يشير في هذا العهد إلى النوبيين, وإلى ما أُلزموا به في حالة قبولهم الالتزام ببنوده, في حين أنه لم ترد أي إشارة تخصّ «البجة», بل لم يرد ذكرهم مطلقاً, وفي هذا تفنيد للزعم القائل بأن مشاركة بجاوية قد تمّت بتقديم «1200 فيل محمّلة بالرجال المسلحين إلى حكّام الصعيد الأعلى للدفاع عنه ضدّ العرب» (12), فبنود المعاهدة التي وقّعت لأهل مصر قد شملت النوبيين ولم تشمل «البجة».
ويبدو أن النوبيين، وعلى الرغم من إخضاع مصر رسمياً للحكم الإسلامي، لم يستكينوا بل قاموا بمباغتة المسلمين بالهجوم, ومفاجأتهم بالقتال، فأخذوا يشنّون غاراتهم المتتالية على جنوب مصر, مسبّبين إزعاجاً شديداً وإنهاكاً مستمراً للحامية الإسلامية المرابطة هناك, الأمر الذي جعل عمرو بن العاص – رضي الله عنه – يوجّه سرايها صوب بلادهم, لوضع حدٍّ للهجوم النوبي المستمر.
وتنفيذاً لتوجيه الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – (13) دخلت فرقة منهم بقيادة عقبة بن نافع الفهري أرض النوبة سنة 24هـ / 640م, وقاومها النوبيون مقاومة عنيفة, فكانت خسارة المسلمين كبيرة في هذه المعركة (14).
ولمّا عُزل عمرو بن العاص – رضي الله عنه – عن مصر, وتولّى عبدالله بن سعد بن أبي السرح – رضي الله عنه (15)– ولايتها سنة 25هـ, سيّر حملةً قوية تجاه بلاد النوبة قادها بنفسه (16), حاصر فيها النوبيين في عاصمتهم دنقلة (17), وانتهى الأمر بتوقيع معاهدة عُرفت باسم «معاهدة البقط», وكان ذلك سنة 31هـ, ولما فرغ عبدالله بن سعد من توقيع هذه المعاهدة, وقفل راجعاً إلى مصر بجنده تجمّعت له أعداد من «البجة» على شاطئ النيل, فسأل عنهم فذُكر له أنهم «ليس لديهم ملك يرجعون إليه, فهان عليه أمرهم فتركهم، فلم يكن لهم عقد ولا صلح» (18).
ويحتمل تفسير إهمال عبد الله بن أبي السرح للبجة عدّة وجوه, منها: أن المسلمين لم يكونوا يطمعون أصلاً في فتح بلاد النوبة في هذه المرحلة, وإنما كانوا يهدفون لصدّ النوبيين, وحماية حدود مصر الجنوبية من غاراتهم المتكرّرة, حيث إن أولوياتهم كانت موجهة في هذه المرحلة لتثبيت الحكم الإسلامي الوليد في مصر وتأمينه من التهديدات البيزنطية؛ بدليل أنه لم يكد يفرغ من توقيع الاتفاق مع النوبيين حتى عاد إلى مصر للدفاع عن سواحلها, واشتبك بعد فترة وجيزة مع البيزنطيين في معركة ذات الصواري المشهورة (19), ومن الواضح أيضاً أن البجاويين لم يشكّلوا خطراً على حدود مصر الجنوبية حتى ذلك الوقت, الأمر الذي يضطر المسلمين لتسيير حملة مباشرة لإيقافه أو الحدّ منه.
أثر الدعوة والدعاة في نشر الإسلام في بلاد «البجة»:
اتفق عدد من الباحثين (20) على تقسيم مسار الدعوة الإسلامية في «سودان وادي النيل» (21) إلى ثلاثة أطوار رئيسة.
عُرف الطور الأول بطور التكوين: وهي الفترة التي شهدت بداية دخول المؤثّرات الإسلامية للبلاد, حيث قام بأمر الدعوة في هذا الطور الدعاة, والحجّاج, والتجّار, والرحّالة, والقبائل العربية التي هاجرت من الجزيرة العربية ومن مصر ومن شمال إفريقيا, واستقر بعضها في المناطق الساحلية للبحر الأحمر, في حين استقر بعضها الآخر في المنطقة الواقعة حول مجرى نهر النيل جنوبي أسوان.
أما الطور الثاني فقد عُرف بطور الازدهار: حيث تمّ فيه الاندماج الكامل بين الدعوة الإسلامية وبين المؤثّرات المحليّة الموجودة, ويتبدّى في هذا الطور الطابع المحلي للثقافة الإسلامية, حيث شرعت العناصر الوطنية التي تحوّلت للإسلام, وتشرّبت الثقافة الإسلامية، في تأسيس ممالك إسلامية، عملت تلك الممالك بدورها على نشر الإسلام, وإشاعة المؤثّرات الإسلامية, ويتبدّى في حضارتها وثقافتها وتقاليدها المزيج الجديد المؤلّف من الثقافة الإسلامية الوافدة, ومن الثقافات المحليّة.
أما الطور الثالث من هذه الأطوار فهو ما عُرف بعصر الإصلاح: الذي دخلت الدعوة الإسلامية فيه في مواجهة مع المؤثّرات الثقافية الدخيلة على المجتمعات الإسلامية, كما أخذت في معالجة بعض الانحراف الذي ساد في أوساط تلك المجتمعات.
أما الطور الذي يعنينا من هذه الأطوار؛ فهو طور التكوين الذي بدأت فيه المؤثّرات الإسلامية تنتقل إلى بلاد «البجة» عبر منافذ شتّى؛ أهمها المنفذان الشرقي عبر البحر الأحمر من الجزيرة العربية, والشمالي عبر نهر النيل من مصر.
ويمكن تقسيم الجهود التي تمّت في هذه المرحلة إلى: جهود رسميّة قامت بها الدولة الإسلامية ممثّلة في الخلفاء والولاة وقادة الحملات العسكرية, وأخرى غير رسمية قام بها الدعاة المتفرّغون.
الجهود الرسمية التي قامت بها الدولة الإسلامية:
أما بالنسبة للبجة؛ فإنه يمكن استنتاج عدد من العوامل، وتصنيفها على اعتبار أنها عوامل مهمّة ساهمت بشكل غير مباشر في خدمة الدعوة الإسلامية, ومن أبرزها ما يأتي:
أولاً: الشروط الخاصة بتأمين الدعوة الإسلامية وحمايتها, والتي وردت ضمن الاتفاقيات التي وُقّعت مع ملوكهم, ومن أهمها ما يأتي:
(أ) إلزام «البجة» بعدم الاعتداء على أي مسلم داخل أوطانهم، عربياً كان أو بجاوياً أو غير ذلك (22).
(ب) عدم التعرض للدين الإسلامي أو للقرآن الكريم أو للرسول صلى الله عليه وسلم إلا بما ينبغي أن يُذكروا به (23).
(ج) عدم تتبع عورات المسلمين, وعدم التشهير بهم, ودلالة غير المسلمين عليهم (24).
(د) عدم الاعتداء على أموال المسلمين لأي سبب كان (25).
(هـ) السماح للمسلمين بالتجوّل في بلاد «البجة» بحسب رغباتهم، وعدم تحديد إقامتهم في حدود معينة (26).
(و) حماية المساجد المنتشرة في بلادهم, وعدم التعرض لها بالهدم أو بغيره (27).
(ز) عدم منع «البجة» الذين أسلموا من إخراج زكاة أموالهم, وعدم الحيلولة بينهم وبين التصدّق متى أرادوا ذلك (28).
ثانياً: ومن العوامل المهمّة التي ساهمت في نشر الدعوة الإسلامية، وذلك من قبل الخلفاء والحكام: الاهتمام بطريق الحجّاج القاصد من جنوب مصر حتى المواني البجاوية الواقعة في ساحل البحر الأحمر, وقد توّج هذا الاهتمام بتولية هذا الطريق لأحد القادة الخبراء به (29).
ثالثاً: اتخاذ عدد من التدابير الأمنية تتمثّل في حماية طرق القوافل التجارية, حيث مهّدت هذه الطرق وسهّلت السبيل للدعاة الذين وفدوا لبلاد «البجة», كما تمثّلت تلك التدابير في حماية المدن والمواني الرئيسة, إما بإقامة الحاميات العسكرية فيها, وإما بإقامة التحصينات والأسوار، وهذا ما حقّق نوعاً من الاستقرار في كثير من تلك المدن والمواني (30).
رابعاً: شجّعت الدولة العناصر العربية المختلفة، وبخاصة القبائل، على الهجرة لبلاد «البجة», والاستقرار فيها (31).
الجهود غير الرسمية التي قام بها الدعاة المتفرّغون:
أما بالنسبة للجهود التي قام بها الدعاة؛ فيجب أولاً تحديد هذه الفئات التي توافدت على حمل الدعوة الإسلامية, ومن ثم تحديد أبرز مساهماتهم في هذا المجال.
يُعَد الأفراد الذين شاركوا في الحملات العسكرية ثم آثروا الاستقرار في بلاد «البجة» أهم العناصر التي ساهمت في نشر الدعوة الإسلامية, خصوصاً أنهم لم يباشروا أداء المهمّة إلا بعد انتهائهم من مهامّهم الأساسية التي جاؤوا من أجلها (32).
وثاني هذه الفئات هم الدعاة المتفرغون الذين قدموا لبلاد «البجة» مع الهجرات الكبيرة التي وفدت إلى البلاد من الجزيرة العربية ومن مصر, فاستقرت أعداد كثيرة منهم في مناطق مختلفة من بلاد «البجة», كما سكنت أعداد كبيرة منهم في المناطق الخلوية البعيدة عن المدن والعمران, وتصاهروا مع البجاويين الأمر الذي مكّنهم من تسريب كثير من المؤثّرات الإسلامية إليهم, كما مكّنهم ذلك من تحويل أعداد كبيرة منهم للإسلام, على النحو الذي حدث مع الفرع المسمّى «الزنافج», وهم من أهم القبائل البجاوية التي كانت تسكن البادية (33).
أما ثالث هذه العناصر فهم «البجة» الذين أسرهم المسلمون في المعارك السابقة, والذين سيقت أعداد كبيرة منهم لمصر خصوصاً, فأسلم بعضهم وحسن إسلامهم, وعاد بعضهم لبلاد «البجة», حيث أضحوا يعملون جنباً إلى جنب مع تلك العناصر السابقة في نشر الدعوة الإسلامية في وسط أهليهم, ويبدو أن بعضاً من هؤلاء هم الذين قاموا بترجمة الاتفاقيات التي تم توقيعها مع ملوك «البجة» إلى لغتهم البجاوية (34).
ومما لا شك فيه أنهم قد استفادوا أولاً من الجهود والتدابير الرسميّة التي بذلتها الدولة, والتي سبقت الإشارة إليها, كما ساعدهم أيضاً حماسهم الديني، وبساطة شعائر الإسلام ويسرها.
ومن الجهود الدعوية لهؤلاء الدعاة:
1 – محاربة الوثنية المنتشرة في بلاد «البجة».
2 – تعريف الإسلام.
3 – إلزام من أسلم منهم بأدء الفرائض, ومن أهمّها فريضة الصلاة.
وقد ركّز الدعاة في هذه المسائل بسبب أنهم كانوا يدركون أن غالبية هذه القبائل قبائل وثنية, فهم بذلك أقرب إلى الإسلام, لأنهم قريبون من الفطرة وإلى تقبّل الإسلام, وقد ساعد في ذلك أنهم لم يتعرضوا لموجات من التأثير الخارجي إلا في إطار ضيّق محدود, يتمثّل في التأثيرين النوبي والحبشي النصرانيين, ويبدو أن الدعاة قد نجحوا إلى حدٍّ كبير في تحقيق هذه الغايات في مرحلة مبكّرة جداً, والدليل على ذلك أن شرّ «البجة» قد خفّ إلى حدٍّ كبير، وقلّ تعدّيهم على مدن مصر الجنوبية, بل وصل تأثّرهم بالدعاة إلى أن بعض الذين كانوا يهاجمون القوافل التجارية بسبب حاجتهم وفقرهم؛ بدؤوا يتوقّفون عن مهاجمتها، خصوصاً إذا أدركوا أن فيها شيخاً أو عالماً أو فقيهاً, وهذا ما جعل أصحاب تلك القوافل من التجّار وغيرهم يحرصون على اصطحاب الدعاة في قوافلهم ضماناً لسلامة وصولها (35).
صعوبات واجهت الدعوة والدعاة:
على أن تلك النجاحات التي حقّقوها لم يكن تحقيقها سهلاً, بسبب جملة من المصاعب التي كانت تعترض طريقهم, منها طبيعة بلاد «البجة» نفسها، وبُعدها عن مراكز الخلافة الإسلامية المهمّة, والواقع أن طبيعة بلاد «البجة» كانت بالفعل أحد أبرز العوائق التي واجهتها الدعوة الإسلامية في المنطقة.
أما ثاني هذه الصعوبات؛ فيتمثّل في الدعم والسند الروحي الذي ظلّت تقدّمه ممالك النوبة النصرانية, ومملكة الحبشة النصرانية أيضاً لبعض البجاويين الذين تنصّروا بسبب تأثيره فيهم, وخصوصاً أن النوبيين قد ظلّوا يبذلون قصارى جهدهم للحيلولة بين المسلمين وأي علاقات تربطهم بـ «البجة», حيث كانوا يدعمون «البجة», ويسعون لفرض وصايتهم عليهم (36), ويبدو أن البجاويين أنفسهم لم يكونوا سعداء كثيراً بهذه الوصاية المفروضة عليهم من قبل النوبيين أو الأحباش أو غيرهم, بدليل أن علاقاتهم بهم لم تكن مستقرة في أغلب الأحوال والظروف (37), وهذا ما ظلّت تعبّر عنه المصادر التاريخية باستمرار, حيث تذكر أنه «قد وقع بين النوبة و «البجة» فتنة واختلفوا» (38).
أما ثالث تلك الصعوبات والمعوّقات التي كانت تعترض طريق الدعوة والدعاة، فتتمثّل في عدم استقرار «البجة» في أماكن محدّدة معلومة حتى تسهل الإقامة معهم ودعوتهم, حيث كانوا يعيشون في شكل قبائل وعشائر وأسر، تتوزع في طول المنطقة الممتدة من الساحل الغربي للبحر الأحمر شرقاً حتى مجرى نهر النيل غرباً.
وبالرغم من تلك الصعوبات؛ فإن الدعاة قد تمكّنوا من تحقيق عدد كبير من المكاسب للدعوة الإسلامية وتمكينها في بلاد «البجة», حيث تحوّلت أعداد كبيرة منهم للإسلام في فترة مبكرة, ومما يؤيد هذه الحقيقة التوسّع الواضح الذي حدث في بناء المساجد وانتشارها في طول البلاد وعرضها (39), كما يبرهن التزام «البجة» الذين دخلوا في الإسلام بدفع زكاتهم وإخراج صدقاتهم للفقراء والمحتاجين من إخوانهم على المستوى الرفيع والمدى البعيد الذي وصلت إليه الدعوة الإسلامية في أوساطهم (40).
الحجّاج والرحّالة المسلمون وإسهاماتهم في الدعوة:
لم تكن الجهود التي بذلها الحجّاج والرحّالة في مجال نشر الدعوة الإسلامية تقلّ أهمية عن الجهود التي بذلها الدعاة في هذا المجال, فبالرغم من أن الحجّاج والرحّالة كانوا ينظرون لبلاد «البجة» بعامة، ولموانيها بخاصة، على اعتبار أنها تمثّل منطقة أو نقاطاً يعبرون منها إلى بلاد الحجاز, فإنهم بذلوا جهوداً كبيرة ساهمت بشكل واضح في تحوّل «البجة» للإسلام.
وقد ساعد في تحقيق تلك الجهود عدد من العوامل المهمّة، منها ما يأتي:
أولاً: الأمن الذي بدأت تشهده تلك المناطق نتيجة الحملات القوية التي أُرسلت لبلاد «البجة», بدءاً بحملة عبيد الله بن الحبحاب في سنة 105هـ (41)، وانتهاءً بحملات عبد الله بن عبد الحميد العمري سنة 255ه (42).
ثانياً: الاستقرار النسبي الذي طال معظم المنطقة الممتدة من نهر النيل غرباً حتى سواحل البحر الأحمر شرقاً, نتيجة للاتفاقيات التي وقعت مع ملوك «البجة», والتي تضمّنت في بعض بنودها شروطاً ألزمت «البجة» بعدم التعرض للحجّاج وغيرهم من المسلمين بأي نوع من الأذى (43).
ثالثاً: أمر الخليفة المتوكل بتولية طريق الحجّ لأحد قواده يؤكّد حرص الدولة الإسلامية على فرض نفوذها وحمايتها لرعاياها الموجودين في هذه المنطقة, سواء كان هؤلاء الرعايا مستقرين أو كانوا عابرين (44).
رابعاً: قرب المسافة بين المواني البجاوية وبين مواني الحجاز, وخلوّ المناطق الساحلية المتاخمة للمواني البجاوية من العوائق الطبيعية، أو قلّتها بتعبير أدق.
هذا، ويمكن تصنيف الجهود التي بذلها الحجّاج والرحّالة إلى جهود مباشرة وأخرى غير مباشرة.
جهود الحجّاج والرحّالة المباشرة:
فمن جهودهم المباشرة تأثيرهم الواضح في البجاويين الذين كانوا يعملون معهم أجراء لحراسة القوافل التجارية, ذلك أن المدة التي يمضيها الحاجّ في الطريق من مدن جنوب مصر حتى مواني «البجة» كانت تصل إلى خمسة عشر يوماً (45), وهذا ما أتاح الفرصة لهؤلاء الحراس البجاويين للاستفادة والتعرف على الحجّاج المسافرين في هذه القوافل.
كما أن ذلك قد أتاح فرصاً كبيرة لهؤلاء الحجّاج لدعوة هؤلاء الحراس للإسلام, وخصوصاً أن الحجّاج كانوا يدركون أن بعضهم قريب من الإسلام بسبب بقائهم على فطرتهم (46)، فكانوا يدعونهم أحياناً دعوة مباشرة للدخول في الإسلام, وأحياناً يعتنقه البجاويون من تلقاء أنفسهم, بسبب تأثير الحجّاج غير المباشر فيهم.
على أن أكثر ما استفاده «البجة» بشكل مباشر من الرحّالة والحجّاج هو ما تحقق للساكنين في المدن من كسب ثقافي وعلمي إبّان إقامة هؤلاء الحجّاج في المواني البجاوية بانتظار السفر إلى ميناء جدة, حيث كانت تتفاوت مدد إقامتهم التي قد تصل أحياناً إلى سنة كاملة في انتظار إقلاع السفن من عيذاب أو من سواكن (47), لأسباب طبيعية تتمثّل في حركة الرياح في غالبها, فكان الحجّاج يعقدون حلقات للعلم تتناول في غالبها مسائل الحج والعمرة, فتأثّر بها البجاويون كثيراً، خصوصاً أولئك الذين كانوا يقيمون معهم, وخصوصاً أن بعض هؤلاء الحجّاج كان على دراية وعلم بالأحكام التي تتعلّق بالحجّ والعمرة.
ولعل إقبال الحجّاج على السفر من مواني «البجة» جعل بعضهم يتحرى عن الإحرام منها قبل انطلاقه، الأمر الذي وسّع من دائرة النقاش والحوار حول هذه المسائل (48), وبالإضافة لنشاط هذه الحلقات كان بعض الحجّاج الذين يطول بهم المقام في مواني «البجة» يقوم بإمامة الناس والصلاة بهم, سواء كانوا من العرب أو من «البجة» الذين تحوّلوا للإسلام, ويخطب فيهم ويصلي بهم صلاة الجمعة (49), ويستمر على هذا النحو إلى أن يحين وقت سفره إلى بلاد الحجاز (50), على أن إمامة الناس في الصلاة على النحو الذي ورد لم تكن تتم بمبادرات من هؤلاء الحجّاج والرحّالة فحسب, بل غالباً ما كانت تتم بطلب ورغبة من البجاويين والحجّاج أنفسهم (51), بل ربما دعا بعض هؤلاء الحجّاج والرحّالة ومن معهم من البجاويين من يرتضون دينه وعلمه لإمامتهم والدعاء لهم عند الشدّة والملمّات.
كذلك كان من جهودهم المباشرة في مجال نشر الدعوة الإسلامية في أوساط البجاويين إتاحة الفرصة لمن أسلم منهم للحج وأداء المناسك في صحبتهم والسفر معهم, وبخاصة «البجة» الذين يعملون في المواني.
ومهما يكن من أمر؛ فإنه من الواضح أن أهل «البجة» بعامة، وأهل عيذاب وسواكن (52) بخاصة، قد عرفوا الحجّ بوصفه فريضة إسلامية منذ وقت مبكّر, كما عرفوا طريقهم إلى المشاعر المقدّسة, وأصبحوا معروفين لدرجة أن خُصّص لهم رواق كان يُعرف برواق أهل سواكن, ولا بد أن الحجّاج البجاويين قد استفادوا كثيراً من التقائهم الحجّاج الآخرين القادمين من ولايات الدولة الإسلامية المختلفة, الأمر الذي مكّنهم من الاستفادة من العلوم والمسائل الفقهية المختلفة التي كان يتداولها الحجّاج, فضلاً عن استفادتهم من العلماء والفقهاء الذين كانوا يقيمون حلقات الدروس المختلفة في الحرمين الشريفين بمكة والمدينة.
جهود الحجّاج والرحّالة غير المباشرة:
أما المساهمات غير المباشرة للحجّاج والرحّالة في مجال خدمة الدعوة الإسلامية؛ فإنها تنحصر غالباً في توفير المعلومات الضرورية عن أهم الطرق المؤدية إلى المواني البجاوية, والمسافات الفاصلة بين هذه المواني وبين مدن جنوب مصر (53), مع بيان أنسب الوسائل التي تتفق مع تلك البيئة, حيث ذكروا أن الإبل تُعَد أهم وسيلة تناسب المسافرين, بسبب صبرها وقوة تحمّلها للعطش, خصوصاً في ظلّ ندرة المياه وقلّة مواردها في المنطقة، هذا، وقد استفادت القبائل العربية كثيراً من هذه المعلومات, فأصبحوا يتخيّرون أنسب الإبل وأصحّها (54), وأقصر الطرق وأكثرها أمناً للسفر لبلاد «البجة».
كما قدّمت هذه العناصر معلومات أخرى استفادت منها القبائل المهاجرة والدعاة وغيرهم, منها ما يتعلق بأماكن توفّر المياه الصالحة للشرب عبر طرق القوافل، وأسماء أهم الآبار الموجودة على طول الطريق القاصد من أسوان وقوص على نهر النيل إلى المواني البجاوية للشرب (55).
المخاطر التي واجهها الحجّاج:
إلا أنه كثيراً ما كان الحجّاج يتعرضون للمخاطر، والتي كان من أشدّها الخطر الصادر من بعض «البجة» الذين كانوا يُكرون الجمال لهم نظير أجر معلوم متفق عليه, ذلك أن بعض هؤلاء كان يطمع في أكثر مما يتم الاتفاق عليه، «فيسلكون بهم – أي بالمسافرين – غير طريق الماء, فربما ذهب أكثرهم عطشاً, وحصلوا على ما يتخلفه من نفقة أو سواها» (56).
ويروي ابن حوقل في هذا الصدد أن بعض «البجة» قد قاموا في سنة أربع ومائتين للهجرة بإتاهة عدد من الحجّاج القادمين من مصر, ثم قاموا بقتلهم إلا غلاماً صغيراً, بعد أن غلبوا رئيسهم الذي كان يُعرف بمرحب، والذي بيّن لهم أن هناك علاقات ومصالح تربطهم بهؤلاء المسلمين (57), وحذّرهم من مغبة فعلهم هذا, إلا أنهم قد امتنعوا عن سماع نصحه وتوجيهه, فقاموا بإتاهة هؤلاء الحجّاج في الصحراء حتى ماتوا عطشاً, وقد كانت حجّتهم في ذلك أن هؤلاء الحجّاج قد يشكّلون خطراً عليهم, بسبب معرفتهم بديارهم, ومقارهم ومظانّ مياههم (58), وعلى الرغم من أن المسلمين قد أخذوا بثأر هؤلاء الحجّاج من هؤلاء «البجة» الذين نقضوا الاتفاق الموقّع معهم (59)، والذي التزموا فيه بعد المساس بالمسلمين الطارقين والمارّين بديارهم, حجّاجاً كانوا أو تجّاراً أو رحّالة أو غير ذلك، فإن هذه الحادثة تشير إلى حجم المخاطر التي كان يتعرض لها الحجّاج المارّين ببلاد «البجة», أما الذين يُقدّر لهم النجاة من مثل هذه المحن؛ فإنه «يصل إلى عيذاب كأنه منشر من كفن, ففي مناظرهم المستحيلة وهيئاتهم آية للمتوسمين» (60).
ومن المخاطر كذلك العوامل الطبيعية المتمثّلة في الرياح العاتية التي كانت تغيّر مسار السفن, وتهدّد سيرها بالأمواج, والشعاب المعترضة التي تغيّر من حركة الموج، وتؤدي إلى إغراق السفن بمن فيها في حال الارتطام بها (61), فكان كثير من الحجّاج والمسافرين يضطرون للعودة مرة أخرى لمواني «البجة» بسبب تلك المخاطر (62).
ويبدو أن معاناة الحجّاج من البجاويين أصحاب المراكب كانت أكبر من معاناتهم من العوامل والظروف الطبيعية التي سبقت الإشارة إليها, والسبب في ذلك أن أصحاب المراكب كانوا يستغلون حاجة الحجّاج وحرصهم على السفر لإدراك فريضة الحج, فيبالغون في المبالغ التي يطلبونها من الحجّاج والرحّالة نظير نقلهم إلى ميناء جدة, حتى إذا قبضوا الثمن مقدّماً في عيذاب أو سواكن, شحنوا المراكب بالحجّاج شحناً لدرجة يصعب فيها للحاجّ أن يتحرك أقلّ حركة داخل المركب، ويظلّ على هذا النحو حتى يصل إلى ميناء جدة, ولعل هذه المعاملة هي التي دعت بعضهم لوصف هؤلاء «البجة» «بأنهم أمّة لا أخلاق لهم، ولا جناح على لاعنهم» (63).
بيد أن هذه الطباع قد تعدّلت كثيراً عند «البجة» بعد أن رسخت أقدامهم في الدين، وأصبحوا دعاة من أبرز دعاته، وقادة من أميز قواده، بل تفردّوا عن غيرهم باهتمامهم بحفظ كتاب الله تعالى، والعمل على نشر تعاليمه، وتحفيظه لصبيانهم ونسائهم بشكل واضح.
خاتمة:
من خلال الدراسة والتحليل؛ يمكن للباحث أن يصل إلى عدد من النتائج المهمّة المتعلّقة بمسار العلاقة بين المسلمين وبين بلاد «البجة»، ومن ذلك أن جملة الاتفاقات التي أمكن توقيعها بين الطرفين تقف دليلاً شامخاً على روح التعايش الإنساني والديني والثقافي الذي كان سائداً بين الطرفين، وكان أبرز مظاهره حماية البجاويين للمساجد التي أنشأها المسلمون بـصيحة وهجر وغيرها من المدن البجاوية وحفظها.
كما يمكن القول بأن المرونة والسعة التي تميّزت بها هذه المعاهدات قد جعلها تمثّل إطاراً جامعاً مانعاً يحمي العلاقات بينهما ويصونها, فضلاً عن ذلك؛ فإنها قد عزّزت مبدأ عدم الاعتداء والتعدّي وحفظ الأموال والأنفس والدماء, كما أن الشروط والبنود المتعلّقة بالمرور الحرّ للأفراد والبضائع كانت عاملاً مهمّاً في عملية التغيير الذي حدث في مستقبل العلاقة بين الطرفين، بل في مستقبل المنطقة كلّها.
ويمكن القول كذلك؛ بأن التغيير الذي أحدثته الاتفاقيات في جملتها لم يتم بشكل فجائي عجّل بإطاحة الكيانات البجاوية جملة واحدة, بل انتظم في عملية تراكمية بطئية، أدّت في النهاية إلى انتقال طوعي متدرّج بالمنطقة كلها نحو الإسلام.
والواقع أن منهج الدعوة في بلاد «البجة» قد قام أصلاً على مبادئ السلام والتعايش والأمان والاعتراف بالآخر واحترامه واحترام خصوصيته، فضلاً عن أنها وطّدت العلاقة بين الطرفين في وقت مبكر، فأمن التجّار، وأمنت القوافل, وانفتح الباب واسعاً للهجرة وللحراك السكاني، ودخل الجميع في علاقات تزاوج وتصاهر أدى لظهور أجيال المولّدين، فتوافرت بذلك علاقات اجتماعية واسعة, مكّنت للثقافة الإسلامية واللغة العربية في البلاد، وازدهرت حركة التجارة وحركة الملاحة في البحر الأحمر, وفي منطقة وادي النيل، فنشأت المدن والمراكز والمواني النيلية، وانتقلت أعداد من البجاويين إلى مصر للتجارة وللعلم، واستوطن بعضهم هناك، وشارك مشاركات كبيرة في حركة السياسة والاجتماع والعلم والمعرفة، وأدى ذلك إلى بروز عدد غير قليل من العلماء البجاويين الذين أصبحوا منارات شامخة في الأدب والفقه, وقدّموا بذلك مساهمات مقدّرة، ومكسباً وحضوراً معتبراً في بناء معالم الحضارة الإسلامية وتثبيتها، سجلتها لهم مصادر التاريخ بأحرف من نور.
ومهما يكن من أمر؛ فإنه يمكن القول بأن انتشار الإسلام وامتداد دعوته إلى بلاد «البجة» لا يختلف في مظاهره ووسائله عمّا جرى عليه الحال في كثير من البلدان, حيث تم هذا الامتداد نتيجة لجهود كبيرة ومتنوعة, منها جهود رسمية, تمثّلت في الحملات والسرايا, وأخرى غير رسمية تمثّلت في الوسائل السلميّة, حيث أدى التجّار والدعاة والحجّاج وغيرهم أدواراً مقدّرة في هذا الجانب.
وقد تركت تلك الجهود مجتمعة آثاراً مختلفة على مستقبل البلاد الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي, على النحو الذي وردت تفصيلاته في أثناء البحث, وعطفاً على ذلك؛ يمكن تحديد عدد من النقاط واعتبارها أهمّ النتائج التي خلصت وتوصلت إليها هذه الدراسة, وهي على النحو الآتي:
1 – أن انتشار الإسلام في بلاد «البجة» كان أقوى كثيراً مما هو متعارف عليه في أوساط الباحثين, ومما ادّعاه بعض المستشرقين الذين رهنوا موضوع انتشاره في بلاد «البجة» بوجود الممالك البجاوية، ورأوا أن الدعوة لم تنتشر في البلاد إلا بعد أن زالت الأنظمة البجاوية الحاكمة, ولكن الواقع والنصوص التي تسندها الدراسة والتحليل أثبتت خلاف هذا الرأي, كما تؤكّد أن تحوّل معظم البجاويين للإسلام قد حدث في ظلّ النظام البجاوي الحاكم, والدليل على ذلك كثرة وجود المساجد في المنطقة مع وجود هذه الأنظمة, وأداء أعداد كبيرة من البجاويين فريضة الحج، فضلاً عن إخراجهم صدقاتهم وزكواتهم, مما يعني أن الدعوة الإسلامية ووسائلها المختلفة لم تنتظر سقوط هذه الممالك, بل تسربت في هدوء، أدّى في النهاية إلى الإحاطة بهذه الأنظمة من عدة وجوه, ثم الإطاحة الكليّة بها.
2 – وبدراسة الاتفاقيات الموقّعة مع «البجة» يلاحظ الباحث مدى حرص ولاة المسلمين على حماية المساجد وحفظها, إدراكاً منهم لأهميتها وأثرها في نشر الدعوة الإسلامية, لذا كانوا يحرصون على تضمين الاتفاقيات التي وقّعت مع البجاويين وغيرهم شروطاً تختص بحماية هذه المساجد وحفظها.
3 – أن عدم إطاحة المسلمين بالنظام السياسي البجاوي يرجع لعدة أسباب, أهمها: أن المسؤولين في الدولة الإسلامية قد تركوا الفرصة للوسائل السلميّة أن تؤدّي وظيفتها لما يُتوقع أن يترتب على ذلك من تغييرات حضارية وسياسية واجتماعية مهمّة لمستقبل المنطقة؛ أكثر مما تُحدثه الحملات والتجريدات العسكرية, وهذا ما حدث بالضبط في بلاد «البجة», حيث انتهى الأمر على النحو الذي توقّعه المسؤولون في الدولة الإسلامية.
4 – أن الجهود الرسميّة والسلميّة، بما حقّقته من استقرار وأمن في المنطقة، قد ساهمت مساهمة فعّالة في نمو وتطور أوضاع «البجة» الاقتصادية, ويظهر ذلك في تطوير مراكز التعدين, وتنشيط حركة المواني, وتوسيع حركة التجارة, وازدهار طرق القوافل, وتحسين أوضاع «البجة» المعيشية.
5 – أفرز التصاهر الذي تمّ بين القبائل العربية الوافدة وبين البجاويين جيلاً من المولّدين، هم «البجة» المستعربون, الذين كان لهم أثر مهم في نشر الإسلام, وفي تغيير مسار البلاد ووجهتها، وذلك بسبب ما يكفله لهم النظام الاجتماعي السائد في أوساط قبائل «البجة» من تولّي مقاليد السلطة, ووراثة مقاليد الحكم في البلاد.
الاحالات والهوامش:
(*) باحث وكاتب سوداني متخصّص في التاريخ الإسلامي الإفريقي.
(1) ابن خرداذبة (أبو القاسم عبيدالله بن عبدالله): المسالك والممالك, ص 92, مكتبة المثنى, بغداد, (دون تاريخ).
(2) القزويني (زكريا بن محمد): آثار البلاد وأخبار العباد, ص 18, بيروت, 1960م.
(3) سليم حسن: مصر القديمة, ص 10 ، 45، القاهرة، 1950م.
(4) القزويني: آثار البلاد, ص 18, اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي, ج 1 / ص 192.
(5) اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي, ج 1 / ص 192.
(6) ابن الوردي: خريدة العجائب, ورقة 50.
(7) القزويني: آثار البلاد, ص 18.
(8) هي الأراضي الخصيبة الواقعة بين نهر اتبره – عطبرة – وبين النيل الأزرق.
(9) المرجع السابق, ص 30 – 31.
(10) الواقدي: فتوح الشام, ج 2 / ص 30.
(11) المصدر السابق، ج 2 / ص 39.
(12) عن جيوفانى فانتينى: تاريخ المسيحية في الممالك النوبية والسودان الحديث، الخرطوم 1978م.
(13) ابن عبدالحكم: فتوح مصر, ص 169.
(14) البلاذري (أحمد بن يحيي): فتوح البلدان, ص 280, مكتبة النهضة المصرية, القاهرة 1956م.
(15) هو عبدالله بن سعد بن الحارث بن حبيب بن جزيمة بن مالك بن سهل بن عامر بن لؤي القرشي العامري – قريش الظواهر وليست قريش البطاح –، أخو الخليفة الراشد عثمان بن عفان – رضي الله عنه – من الرضاعة, أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه فاستجار بعثمان يوم الفتح, فقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إكراماً لعثمان, وأسلم وحسن إسلامه, وكان من كتّاب الوحي, وروى بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولاه عثمان مصر سنة 35هـ, وفتح إفريقية, شهد صفّين، واعتزل الفتنة، وقيل لم يشهدها, توفّي بالرملة, وقيل بعسقلان 37ه, وقيل بل سنة 59ه في أواخر عهد معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – (محمد بن سعد بن منيع: الطبقات الكبرى, ج 7 / ص 496 – 497, دار صادر, بيروت, 1380هـ, الذهبي: سير أعلام النبلاء, ج 3 / ص 34, مؤسسة الرسالة, 1981م).
(16) الدمشقي (محمد بن طالب الأنصاري): نخبة الدهر في عجائب البر والبحر, ص 269, مكتبة المثنى, بغداد (بدون تاريخ).
(17) المقريزي: المواعظ والاعتبار, ج 1 / ص 200.
(18) ابن سليم الأسواني: أخبار النوبة والبجة (عن المواعظ والاعتبار), ج 1 / ص 194.
(19) الطبري (محمد بن جرير): تاريخ الأمم والملوك, تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم, دار سويدان, بيروت, 1967م.
(20) يوسف فضل حسن: الهجرات البشرية وأثرها في نشر الإسلام, ص 20، وجعفر أحمد صديق: انتشار الإسلام في السودان, ص 24.
(21) «سودان وادي النيل»: استخدم لفظ السودان على إطلاقه تعبيراً عربياً عن المساحات التي بلغتها الهجرات العربية فيما وراء الصحراء الكبرى, أي بالتحديد على المنطقة من المحيط الأطلنطي غرباً حتى سواحل البحر الأحمر شرقاً, أما مصطلح «سودان وادي النيل» فقد أُطلق حديثاً ليشمل المنطقة والأراضي حول حوض النيل وروافده جنوب مصر, (صلاح الدين الشامي, السودان دراسة جغرافية, ص 13, الإسكندرية 1973م).
(22) ابن عبدالحكم: فتوح مصر, ص 189.
(23) ابن سليم الأسواني: أخبار النوبة والبجة (عن المواعظ والاعتبار)، ج 1 / ص 195.
(24) المصدر السابق، ج 1 / ص 195 – 196.
(25) المصدر السابق، ج 1 / ص 195.
(26) المصدر السابق، ج 1 / ص 195 – 196.
(27) المصدر السابق، ج 1 / ص 195 – 196.
(28) المصدر السابق، ج 1 / ص 195 – 196.
(29) بيبرس الدوادار: زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة, ورقة 181, عن مصطفى مسعد: المكتبة السودانية العربية.
(30) الإدريسي: نزهة المشتاق, ص 21.
(31) الأسواني: أخبار النوبة, عن المواعظ والاعتبار, ج 1 / ص 192.
(32) انظر: الفصل الأول: الحملات الجهادية.
(33) اليعقوبي: البلدان, ص 124.
(34) ابن سليم الأسواني: أخبار النوبة, عن المواعظ والاعتبار, ج 1 / ص 196.
(35) القاسم التجيبي: مستفاد الرحلة, ص 208.
(36) ابن سليم الأسواني: أخبار النوبة والبجة (عن المواعظ والاعتبار)، ج 1 / ص 191.
(37) الواقدي: فتوح الشام, ص 77.
(38) المصدر السابق، ص 77.
(39) ابن سليم الأسواني: أخبار النوبة (عن المواعظ والاعتبار)، ج 1 / ص 196.
(40) المصدر السابق: ج 1 / ص 196.
(41) ابن عبدالحكم: فتوح مصر, ص 189.
(42) البلوي: سيرة أحمد بن طولون, ص 63.
(43) انظر: الملاحق ملحق رقم (3) «العهد الذي كتبه عبدالله بن الجهم لكنون بن عبد العزيز».
(44) بيبرس الدوادار: زبدة الفكرة, ورقة 181.
(45) ابن جبير: الرحلة, ص 69.
(46) القاسم التجيبي: مستفاد الرحلة, ص 209.
(47) ابن بطوطة: الرحلة, ص 53, ابن جبير: الرحلة, ص 69.
(48) القاسم التجيبي: مستفاد الرحلة, ص 209.
(49) ناصر خسرو: سفرنامة, ص 73.
(50) المصدر السابق: ص 73.
(51) القاسم التجيبي: مستفاد الرحلة, ص 214، وناصر خسرو: سفرنامة, ص 73.
(52) ابن الوردي: خريدة العجائب, ورقة 51.
(53) المسعودي: مروج الذهب, ج 3 / ص 54 – 55.
(54) الحميري: الروض المعطار, ص 284.
(55) الحميري: الروض المعطار, ص 84.
(56) ابن جبير: الرحلة, ص 69.
(57) ابن حوقل: صورة الأرض, ص 50.
(58) المصدر السابق: ص 50.
(59) المقريزي: المواعظ والاعتبار, ج 1 / ص 196.
(60) انظر الصفحات التالية: التصاهر بين العرب والبجة.
(61) ناصر خسرو: سفرنامة, ص 73.
(62) القاسم التجيبي: مستفاد الرحلة, ص 213.
(63) ابن جبير: الرحلة, ص 70.