بقلم: محمد سيسوما
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
طرح المسؤولون التنفيذيون من خارج القارة الإفريقية مقترحات عديدة للارتقاء بالصناعة في إفريقيا، وذلك خلال قمة نيامي حول التصنيع والتنويع الاقتصادي في إفريقيا. وإذا كان مفهوم الصناعة المختصر يعني إنتاج السلع، فإن التصنيع يُشكِّل ديناميكية أكثر إشراكًا وشمولاً تتجاوز حدود إنتاج السلع؛ إذْ تسلط الضوء على أبعاد أخرى، منها: الرؤية السياسية، والسيادة الوطنية، والتخطيط الاقتصادي والسوق، والابتكار والإبداع، والتكامل بين التنوع التقني وإحداث التغيرات الملموسة في أنماط الحياة والموارد البشرية والذكاء الاقتصادي؛ كل هذا على سبيل المثال لا الحصر.
لذا فمن الواضح أن التصنيع ليس مجرد مسألة آلات فقط، بل هو أيضًا عقد اجتماعي شامل، هذا هو الأساس الذي قرر التنفيذيون الأفارقة تقديم مساهماتهم في إطاره؛ مستهدفين حَشْد الطاقات والمهارات لصياغة رؤية عملية ووضع مُثُل عليا، وتعزيز التميز الأكاديمي والمهني في خدمة التنمية الصناعية لإفريقيا.
وفي هذا السياق، اقترحوا 10 فرضيات لا تمثل فقط ركيزة (رؤيتهم) للتصنيع الشامل والمتنوع والمستدام في إفريقيا، بل أيضًا مجموعة من المقترحات الملموسة والمحددة زمنيًّا، ويمكن أن تشارك في المناقشات الاستراتيجية بشأن التصنيع في القارة، ونرصدها لكم في التالي:
إعادة صياغة النموذج التعليمي في القارة:
يتعين علينا تغيير النموذج التعليمي من خلال السعي إلى تدريب تقني وعلمي بنسبة 80% مقابل 20% من التعليم العام في المناهج الدراسية حتى عام 2063م. وبالإضافة إلى برامج الدولة يمكن للابتكار الذي تقوم به المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم أن يُعجّل بإضفاء الطابع المهني على النظام التعليمي؛ من خلال وضع خرائط دقيقة وديناميكية قادرة على المساهمة في اتخاذ القرارات. ومن الحلول أيضًا نَشْر الثقافة الصناعية وإنشاء مدارس ثانوية متخصصة في المهن الصناعية.
العمل على إيجاد اتفاقية الطاقة الإفريقية:
إن ضرورة إيجاد اتفاقية في هذا المجال ناجمة عن استحالة ازدهار التصنيع من دون طاقة. والواقع أن الأمر يتطلب تأسيس ميثاق جديد يقوم على أربع ركائز: التخطيط على الصعيدين الوطني والإقليمي، والتبادل لتعزيز التضامن في مجال الطاقة، وإعطاء الأولوية للابتكار في مجال الطاقة المتجددة، وتنفيذ تصنيف إزالة الكربون، مع وضع جدول أعمال يأخذ في الاعتبار الحقائق الإفريقية.
بناء ميثاق صناعي زراعي إفريقي:
هذه المُبادرة ضرورية بقدر ما هي مفتاح التحرك نحو الاكتفاء الذاتي من الغذاء. وهذا يتطلب تخطيط وبناء مشاريع صناعية زراعية إقليمية واسعة النطاق مع تكامل قويّ؛ لأنها تأخذ في الاعتبار الخصائص الزراعية المحلية.
التفكير في استراتيجية إفريقية حقيقية للصلب:
ويعني ذلك أن الصلب هو مادة البناء والتصنيع والتحول البيئي. وهذا الأمر ضروريّ بصورة خاصة؛ لأن إفريقيا لا تنتج سوى 1% من إنتاج الصلب العالمي على الرغم من احتياطاتها الهائلة من المعادن المستخدمة في صناعة الصلب. ومن هنا فإن إفريقيا في حاجة ماسَّة إلى إنشاء أقطاب قوية في مجال الصلب. ويمكن تحقيق ذلك في الجنوب الإفريقي، وأيضًا في خليج غينيا والمغرب العربي. وبالتالي فمن مقدور الديناميكية المرغوب فيها عبر Zlecaf (التجارة الحرة الإفريقية) المساهمة في بناء صناعة الصلب القادرة على دعم مشاريع البنية الأساسية في القارة بشكل منسق.
إدراج التكنولوجيا الرقمية في سياسات التصنيع:
ويمكن لهذا النهج الاستناد إلى ركيزتين؛ الأولى تتعلق بالجزء المرئي من العالم الرقمي، أي الرقمنة، وظهور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم المتخصصة والصناعات الإبداعية.
والأخرى تتعلق بالجانب الرقمي غير المرئي، ولكنها تُولّد القيمة المضافة، ألا وهي تصنيع أشباه الموصلات والمكونات الإلكترونية.
تنظيم الصمود الصناعي في القارة:
ولتحقيق هذه الغاية لا بد من القيام بعمل حقيقي بشأن الكيفية التي يتعين على إفريقيا أن تحمي بها نفسها بنفسها. ويتعين عليها أن تكون قادرة على فك رموز البيئات الحالية والمستقبلية من أجل استباق التحديات المقبلة، وكيفية تنظيم أمنها الصناعي وإعادة هيكلتها. إن القدرة على حماية الاقتصاد والذكاء الاقتصادي والأمن والإصلاح البنيوي أمر منطقي؛ لأن إفريقيا لا بد أن تجد السبل اللازمة لترسيخ نفسها على أكثر من صعيد. وسوف يتطلب تحقيق هذه الغاية إشراك كافة أبناء القارة بما فيهم المقيمون خارج القارة في الشتات. وهذا يتطلب اتخاذ مبادرات قوية لبناء القدرات اللازمة لتمويل المشاريع، فضلاً عن مكافحة الفساد ضمن إطار ديناميكية تعمل على تحسين مناخ العمل والحوكمة المؤسسية والاقتصادية والأمنية.
تشجيع الشركات الوطنية الكبرى:
إن البعد الاستراتيجي الذي يتسم به القطاع الصناعي في إفريقيا يتلخص في ضرورة تنظيم نفسه من أجل مساعدة شركاته على تحقيق الحجم المناسب الذي يمنحه الحيّز والتأثير. ومما له أهمية خاصة أن هذه المشاريع يمكن أن تكون الركائز الداعمة لنظام إيكولوجي يمكن للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم أن تكون جزءًا من سلاسل القيمة المحلية التي تشترك في السيادة الصناعية للبلدان.
تأمين تمويل التصنيع:
ولن يتسنى التصنيع في إفريقيا من دون تعبئة مالية من جانب الأفارقة أنفسهم. وهذا يدعو إلى ضرورة زيادة حصة رأس المال الإفريقي في تمويل الصناعات في القارة. وإذا كان رؤساء الدول والمؤسسات المالية الذين شاركوا مؤخرًا في القمة التي عقدت مؤخرًا في نيامي (20-25 نوفمبر) استوعبوا ذلك وأعلنوا عن التزامهم بقمة التصنيع والتنوع الاقتصادي في إفريقيا؛ فإن الأمر يتطلب الجمع بين العديد من العناصر: تشجيع المشاريع التي تنفذها الجهات الإفريقية الفاعلة، وتقديم حوافز ضريبية للشركات الوطنية لزيادة الاستثمار في المشاريع الصناعية المحلية ذات الإمكانات العالية ثم إيجاد السبل الكفيلة بجمع أعظم قدر من المدخرات وتوجيهها نحو المشاريع الصناعية الاستراتيجية.
ضرورة إدراك أن بمقدور الثقافة أن تصبح صناعة:
الثقافة يمكن أن تتجاوز أبعادها الحِرفية، وتأخذ بعدًا آخر من خلال الصناعات الثقافية. ولذلك يتعين النظر في كيفية تنفيذ تنمية عناصر الثقافة الإفريقية. إن التحدي يتسم بالضخامة، ويفرز العديد من التحديات التي يمكن تعبئة السكان، وخاصة الشباب، حولها. وتتمثل التحديات المعنية في توظيف الاندماج والتضامن والنزاهة والإنصاف والمرونة في خدمة إبداع محرَّر من أيّ عقدة وناقل للتنوع. وبوسعنا ملاحظة التأثير الحالي للعناصر الثقافية الإفريقية على العالم برغم أن إفريقيا تفتقر إلى استراتيجية منسقة للنفوذ على سكان قارات أخرى.
إدراج المغتربين في جميع الاستراتيجيات الصناعية:
وفي مواجهة التحديات التي يتعين على القارة التصدي لها؛ فإن إفريقيا بحاجة إلى حشد جميع قواتها، بالإضافة إلى تضمين تلك القوى الموجودة في الشتات؛ باعتبار ما يمكن أن يقوم به المغتربون من تزويد القارة السمراء بقاعدة مهمة من المهارات والخبرات المكتسبة؛ من خلال التدريب الذي تلقوه في أفضل المؤسسات في العالم، وكذلك أيضًا في أفضل الشركات البارزة في البلدان المتقدمة، وعليه يشكِّل ضمّ المغتربين في مجتمعات الشتات جزءًا لا يتجزأ من هذه الجهود.
ومِن ثَم يتعين العمل على إنشاء إطار للتعاون والتبادلات لتسهيل البناء المشترك والابتكار المشترك بين الأفارقة في الشتات وجميع الجهات الفاعلة المحلية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو مالية أو اجتماعية أو ثقافية بهدف تحقيق نهضة صناعية وطفرة اقتصادية كبرى.
__________________
رابط المقال: