بقلم: نُووي هوشيه-بودين
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
مكَّن الهجوم المستمر-الذي يشارك فيه الجيش وميليشيات من المواطنين والفلاحين وقوات الاتحاد الأفريقي والطائرات بدون طيار التركية والأمريكية- السلطات من استعادة المساحات الإضافية من الأراضي من يد حركة الشباب.
وللمرة الأولى في سبع سنوات انتقلت حماية القرية إلى أيْدٍ مغايرة حيث لم تعُد قرية “مسجد على جادود” التي تقع على بعد 120 كيلومترا شمال شرق مقديشو تحت سيطرة حركة الشباب. وذلك بعد تحويلها من قبل الجماعة المنتسبة لتنظيم القاعدة إلى معقل حصين ولكن الجيش الصومالي، بتعزيز من الميليشيات المحلية وبدعم من هجمات الطائرات بدون طيار، تم طردها من المدينة في 30 أكتوبر.
وأفادت تقارير إعلامية حكومية، مدعومة بصور جثث هامدة، أن أكثر من 100 شخص قتلوا في المعركة، فضلا عن أن هذا الحدث يبرز تعزيز الحملة التي تشنها حكومة مقديشو وحلفاؤها ضد حركة الشباب ، لاسيما بعد استعادة حوالي 40 موقعا شبيها بمدينة “مسجد علي جادود” في غضون ثلاثة أشهر من قِبَل التحالف الذي يضم الجيش الصومالي وقوات النخبة المتدربة من تركيا بالإضافة إلى 000 22 جندي من بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال والعديد من الميليشيات المدنية والمزارعين وبدعم بطائرات “بيرقدار التركية” وغيرها من القوات العسكرية الأمريكية.
ومن جانبها أعلنت واشنطن، يوم الثلاثاء 14 نوفمبر، عن زيادة بمبلغ 10 ملايين دولار امريكي لمكافأة من يدلي بمعلومات عن ثلاثة من قادة حركة الشباب حيث أشار “برنامج المكافآت من أجل العدالة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية (…) إلى زيادة عروض المكافآت التي تصل إلى 10 ملايين دولار بهدف الحصول على معلومات تؤدي إلى تحديد مواقع قادة شباب الرئيسيين: أحمد ديرية ومهاد كاراتيه وجهاد مصطفى” في بيان صحفي صادر عن المستشارية، يحدد أن هذه المكافأة تنطبق أيضًا على أي معلومة “تعطل الآليات المالية لحركة الشباب”.
الهجمات الإرهابية المتكررة:
تفاقمت حدّة الهجمات الإرهابية في الأسابيع الأخيرة ضد الإدارة الإقليمية في بيلدوين (المركز), في 4 أكتوبر وفندق من مدينة كيسمايو الساحلية في 23 ومبنى عسكري في مقديشو في 5 نوفمبر. يقول دبلوماسي غربي مقيم في العاصمة الصومالية “رسائلنا على واتساب مليئة بالتحذيرات والمعلومات التي تشير إلى وقوع هجمات تستهدف في الغالب أعضاء في الحكومة”، فيما صرّح حسن خانينجي، مدير شركة هورن انترناشيونال، أن “لهذه الهجمات عدة أهداف: إحداث انقسامات داخل الشعب وتخويف الحكومة وإظهار عدم زوال الجماعة بالإضافة إلى دافعٍ من الشعور بالانتقام”، على حد تعبير مدير معهد الدراسات الاستراتيجية، في إشارة خاصة إلى القضاء على عبد الله ياري، أحد قادة حركة الشباب الرئيسيين، في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في 3 أكتوبر.
من الناحية النظرية، تبين أن القوة الضاربة المتحالفة مع مقديشو تفوق عشرات الآلاف من المقاتلين لدى حركة الشباب، لكن الأخيرة مصممة على الرد، كما يتضح من الهجوم المزدوج في مقديشو في، 29 أكتوبر، الذي خلف أكثر من 100 قتيل و300 جريح.
فقد قامت الجماعة المسلحة، في 20 أغسطس، بتنفيذ ضربة موجعة عقب هجوم دموي استهدف فندقا في مقديشو مما أسفر عن مقتل 21 شخصا وإصابة 117 آخرين.
“أدعوكم إلى الاستعداد لحرب شاملة ضد هؤلاء الأشخاص القساة المعادين لسلامنا” وفقاً لإعلان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود آنذاك والذي تأثر بالحدث بوضوح. هذا الأخير، الذي عاد إلى السلطة في مايو (بعد فترة ولاية أولى بين عامي 2012 و 2017) ، جعل الحرب ضد الإرهابيين وعده الرئيسي في حملته الانتخابية.
ومنذ ذلك الحين اتخذت هجماته المضادة شكلا ملموسا حيث أصبح مقاتلو الحركة عرضة للمضايقات المستمرة وإخراجهم من بعض معاقلهم في المناطق الريفية في وسط وجنوب البلاد التي كانوا يسيطرون عليها منذ إنشاء الحركة في عام 2006.
تطوَّر الهجوم على حركة الشباب :
أشار عمر محمود، الخبير في ICG (مجموعة الأزمات الدولي)، إلى أن “الزخم واضح من الجانب الحكومي”، ويضيف “إنها إلى حد بعيد الحملة العسكرية الأكثر نجاحاً في التاريخ الحديث” فيما أكّد رولاند مارشال ،الباحث في CNRS (المجلس الصومالي للمصالحة) بالقول “إننا نشهد لحظة نشوة عسكرية من وجهة النظر العسكرية”.
وقد تطوَّر الهجوم على حركة الشباب في عدة محاور جديدة لكسب المزيد من استعادة الأراضي. وهكذا نجحت الحكومة في إقناع الميليشيات المحلية بالانضمام إلى القتال ضد حركة الشباب. إن ما يسمى بالمعاويصلي (حَرفيا، مرتدي “المعاوي” ، السورانق التي يرتديها الفلاحون الصوماليون أنفسهم) يستخدمون أساليب فعالة لمكافحة التمرد ضد الإرهابيين.
وفي هذا السياق، أشار رولان مارشال إلى أن كوْن الأطياف التي تم استقطابها “هم من السكان المحليين الذين يستفيدون من معارفهم وقرابتهم بالإضافة إلى ما يتمتعون بها من ميزة استيعاب المجتمعات الريفية ومعرفة التضاريس ومواقع الشباب وحقول الألغام وغيرها… من الاعتبارات التي من شأنها أن تجعل مشاركتهم “نقطة تحول “.
كما أن تعبئة القادة المحليين وممثلي العشائر العديدة التي يقوم عليها النظام السياسي في الصومال تسهم في استنزاف حركة الشباب. فالسلطات الفيدرالية تحث الناس على الامتناع عن دفع “الزكاة” أو دفع الضرائب لحركة الشباب.
أما الجديد الآخر الذي اقترحه حسن الشيخ محمود فيتلخص في تحريك الحرب إلى الميدان الإيديولوجي، وقد تمكَّن من استقطاب العديد من قادة التيارات التي طالما تم اعتبارها تقليديًا منافسين. في أغسطس، عين المتحدث السابق باسم حركة الشباب مختار روبو(أبو منصور) رئيسًا لوزارة الشؤون الدينية. وكان الرجل الثاني سابقًا في الجماعة المسلحة، التي تشكلت في أفغانستان، رهن الإقامة الجبرية منذ اعتقاله في عام 2018. علما أنه سبق أن رصدت الولايات المتحدة مبلغ 5 ملايين دولار لمن يتمكّن من تصفيته.
لكن يتعين على مختار روبو تمكين مقديشو من استعادة السيطرة على الخطاب الديني الذي كان يهيمن عليه المتمردون لغاية الآن. وقال في خطبة جمعة له في أكتوبر “لا يمكننا وصف مسلم حقيقي يقتل مسلما آخر أثناء العبادة والصلاة داخل مسجد، وهذا ما تفعله حركة الشباب”، في إشارة إلى الوضع الراهن، وقد أصدرت وزارته توجيهًا يلزم وسائل الإعلام بتصوير حركة الشباب على أنها “خوارج”.
منهكة ولكن غير منهارة:
بيْد أن المسلحين ما زالوا متمسكين بسيطرتهم على المناطق في الوسط والجنوب بما في ذلك مقاطعة جوبالاند. كما أن الموارد المالية والقدرة على الاندماج في المجتمع وتجنيد الأفراد من الأمور التي تساعد على بناء قدرة حركة الشباب على الصمود. وفقًا لأحد الدبلوماسيين الغربيين “يبدو أن الجماعة غارقة في الأحداث، لكنها لم تُسحق” على حد تعبيره.
ومن المتوقع إطالة عمر المعركة لأن تشكيل الجماعة المسلحة من داخل المجتمع الصومالي. ويؤكد عمر محمود “لقد رأينا منذ عقد من الزمان أن غارات الطائرات بدون طيار والعمليات الأمريكية الخاصة لم تغير شيئًا، لأنه يجب أن نستثمر الحكومة في المجال الاجتماعي إذا كانت تريد الانتصار على حركة الشباب”، ووفقا لباحث ICG (المجموعة الدولية الأميركية) فإن النصر سوف يتوقف على قدرة الحكومة على إعادة بسط سلطتها والسلطات العامة على الأراضي المستعادة.
لكن ثمة مخاوف تُثار حول الدور الذي لعبته جماعات المعاويصلية وغيرها من الميليشيات الأخرى. وقد أبدى رئيس منظمة إنسانية، طلب عدم الكشف عن هويته، عن خشيته أن يشكل هؤلاء المقاتلين تحديا جديدا في المستقبل، مؤكدا ضرورة دفع الحكومة لهم مقابل مشاركتهم في حملة مكافحة حركة الشباب.
رابط المقال: