بقلم: شينغاي نيوكا
ترجمة:سيدي.م.ويدراوغو
بعد خمس سنوات من الإطاحة بالزعيم القديم روبرت موغابي، لا يزال مناخ الخوف سائدا في البلاد، والحقيقة أن العدد الضئيل من الناس فحسب على الاستعداد للمصارحة علنا ما إذا كانت الحكومة التي تولت السلطة قد أوفت بوعدها بتحويل الدولة سواء من حيث رفع مستوى معيشة أو ما يتعلق باحترام حقوق الإنسان إلى وضعية أفضل.
وقال أحد البائعين لبي بي سي مفضلاً عدم الكشف عن هويته “أنا أعتني بعملي الخاص باعتبار أن بوح بعض الأشخاص عن آرائهم أدى بهم إلى دخول السجن؛ لذلك احتفظ بالأشياء لنفسي وأفعل ما يجب أن أفعله من أجل البقاء على قيد الحياة”.
لم يحدث أي تغيير ملموس منذ رحيل الرئيس موغابي ، بل على العكس يؤكد نشطاء حقوق الإنسان إن العديد من المنتقدين للسلطات الحالية في البلاد ما زالوا معرضين للاعتقال وتوجيه اتهامات لهم بإهانة رئيس الدولة.
يبيع تينداي (اسم مستعار) يخرج البقالة من صندوق سيارته، حيث يتم تكديس مسحوق الغسيل ومزيل العرق والوجبات الخفيفة وزيت الطهي بدقة. على الرغم من تخرجه من الكلية بتخصص مزدوج في التسويق وإدارة الموارد البشرية إلا أنه يقول إن مزاولة مهنة البائع المتجول هي السبيل الوحيد لكسب لقمة العيش لأنه لا توجد وظائف، مضيفا “الوضع كما هو إن لم يكن أسوأ منذ رحيل روبرت موغابي، ولكن حتى لو بدا الأمر بعيد المنال إلا أنني لا أزال أتطلع إلى مستقبل أفضل”.
وقد بلغ معدل التضخم حاليا 268 %وهو أعلى بكثير مما كان عليه عندما ترك موغابي السلطة وفقًا لبيانات الهيئة الوطنية للإحصاءات في زيمبابوي. في الوقت نفسه، تضاعفت تقريبًا نسبة سكان زيمبابوي الذين يعيشون في فقر مدقع من 30% في عام 2017 إلى 50% خلال جائحة فيروس كورونا، بحسب البنك الدولي، الأمر الذي دفع المزيد من الناس إلى اليأس.
هراري، عاصمة البلاد، تعج بالتجار غير الرسميين، بما في ذلك أبناء الطبقة المتوسطة الذين يبيعون البضائع من سياراتهم. امرأة تبيع اللحوم الطازجة في حاويات بلاستيكية من شاحنتها للعملاء الذين يصلون سيرًا على الأقدام أو بالسيارة …
وقال بائع اللحوم لبي بي سي “أنا شخصياً لم أكن أحد الأشخاص الذين شعروا بالسعادة عند استقالة موغابي. لكن لم يكن العديد من الناس يدركون أنهم يحتفلون بكارثة قادمة”. مضيفا “اعتقدوا أنه بعد مغادرته سيحصلون على الخبز بالسمن والمربى والبيض والحليب؛ لكن هذا لم يحدث”، على حد تعبيره.
كانت شوارع هراري في حالة ابتهاج حيث احتفل الزيمبابويون باستقالة موغابي في 21 نوفمبر 2017. وقبل أسبوع، كانت الدبابات اجتاحت شوارع العاصمة بينما استولى الجيش على خدمة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة الوطنية وتم وضع الرئيس البالغ من العمر 93 عاما تحت الإقامة الجبرية. وأعقب ذلك ظهور نائب الرئيس السابق للبلاد، إيمرسون منانجاجوا، كبطل تصدى للرجل القوي مع وعدٍ بإنعاش الاقتصاد وإعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع الدول الغربية.
التمجيد والوعود:
إلا أن المتشككين أشاروا إلى أنه عمل على نحو وثيق مع موغابي لسنوات عديدة عطفا على اتهامه بأنه لعب دورا حاسما في بعض أسوأ الفظائع التي اُرتُكِبت في عهد موغابي ثم تساءلوا ما إذا كان حقا هو الرجل الحقيقي للتغيير لاسيما في ظل بقاء حزب زانو- بي إف السياسي(حزب موغابي) في السلطة.
ومن جانبها، صرّحت بيتينا جابه، الكاتبة والمحامية المتميزة، في حوار إلكتروني مع مؤسسة الفكر SAPES Trust لتوضيح النقطة ذات العلاقة بما بعد الانقلاب “لقد دخلت الحكومة لأنني أحببت بلدي وليس الانقلاب”. علما أنه تم تعينها كمستشارة في وزارة الخارجية ولكنها لم تستمر في منصبها سوى 18 شهرا. وصرّحت أنها غادرت من الحزن والغضب وخيبة الأمل فضلا عن المرارة، وأضافت “اعتقد بعض القادة أن التحول كان معجزة ، وكان لدينا شعور بأن شيئًا جديدًا سيحدث؛ لكن لسوء الحظ لم يحدث ذلك” على حد تعبيرها.
لكن يُتّوقع من زيارة وفد الكومنولث المكلف بمراجعة إعادة قبول زيمبابوي إحداث تغيير إيجابي منذ مغادرة الرئيس موغابي باعتبار عدم إمكانية تصوّر القيام بزيارة من هذا النوع من ذي قبل. وللتذكير، انسحبت زيمبابوي من عضوية المنظمة في عام 2003 مُدينة في ذلك الوقت ما وصفته بـ”تحالف أنجلوسكسوني شرير موجّه ضد زيمبابوي”. وتم تعليق زمبابوي العام المنصرم بسبب انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك الاستيلاء على مزارع البيض واضطهاد نشطاء المعارضة. لكن تُعتبر عودة زيمبابوي إلى الكومنولث انتصارا رمزيا لحكومة الرئيس مانانجاجوا وهو ما يشير إلى أن نزاعها مع المملكة المتحدة بشأن الأراضي قد انتهى وفقاً لبعض المحللين.
لكن CCC (تحالف المواطنين من أجل التغيير) الحزب المعارض الرئيسي والذي يدّعي استمرار اضطهاد أعضائه والصحفيين وغيرهم من منتقدي الحكومة، يرى ضرورة تحديد شروط مسبقة قبل أن تتمكن زيمبابوي من العودة إلى الكومنولث.
حساسة حيال الشركات الكبيرة:
وخلال أسبوع زيارة الكومنولث تم إطلاق سراح 15 عضوا من أعضاء المجلس بمن فيهم عضو البرلمان غودفري سيثول بكفالة بعد قضاء خمسة أشهر على خلفية توجيه تهمة التحريض على العنف في أعقاب اشتباكات مع أنصار الحكومة في نياتسيم، جنوب هراري، والتي قالوا إنها ذات دوافع سياسية، فيما لقي جوب سيخالة، نائب آخر، المصير ذاته ببقائه خلف القضبان للأسباب نفسها.
وعلى الرغم من أن وفد الكومنولث الذي يترأسه نائب الأمين العام للمنظمة لويس فرانشيشي صرح بأن زيمبابوي حققت “تقدما مبهرا” في الوفاء بشروط إعادة الإدماج فإنه يتعين على البلدان الأعضاء أن تعرف ما إذا كانت الإصلاحات الاقتصادية والانتخابية وحقوق الإنسان كافية لإعادة تفعيل عضويتها.
في هذه المرحلة، لا تزال حكومة زيمبابوي متفائلة. وفي هذا الصدد، صرّح نيك مانجوانا المتحدث باسم حزب Zanu-PF “لقد فعلنا كل ما في وسعنا للعودة إلى المنظمة، وهناك دول في الكومنولث التي يمكن مقارنتها بوضعنا” على حد تعبيره.
وهناك بعض الشركات تزعم أن التغيير كان إيجابيا نتيجة ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي من 17.5 بليون دولار في عام 2017 إلى 20.2 بليون دولار في العام الماضي.
وقال كوراي ماتشيزا، رئيس اتحاد لوبي التصنيع في زيمبابوي للصناعات، إن “هذه الحكومة أكثر استجابة لاحتياجات الأعمال من سابقتها وفي مقدورها فعل المزيد. لكن لا يمكن مقارنتها بالحكومة السابقة،” مشيرا إلى “أن عدد حالات إغلاق الشركات أقل من عدد حالات الإغلاق في عهد موغابي …وقد تكون حال الشركات الكبيرة أفضل من هذا، ولكن التضخم يلحق أشد الضرر بالتجار غير الرسميين”.
وقد نجحت الحكومة في استقطاب استثمارات بمئات الملايين من الدولارات لاسيما في قطاع التعدين ، ويتوقع من شركة Zimplats العملاقة البلاتينية استثمار 1.8 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة على خلفية المفاوضات مع الحكومة. ومن ناحية أخرى تعتزم شركة زيجيانغ هوايو كوبالت الصينية استثمار 300 مليون دولار في منجم الليثيوم.
وفي إطار مساعي تحسين الظروف، تمت إعادة إحياء مشروع الصلب الذي توقف في عهد موغابي وشأنه في ذلك شأن قطاع الزراعة الذي شهد انتعاشا هو الآخر بفضل الاستثمارات في الري الذي أدى إلى تحقيق أعلى معدل إنتاج في القمح منذ سبعة عشر عامًا، كما شهدت البنى التحتية تحسينا تمثّل في ترميم وتشييد الطرق والسدود. ولكن هذا لا يعني حتى الآن توفير العدد الكافي من الوظائف لمنع شباب زيمبابوي من التدافّع لكسب لقمة العيش في أماكن أخرى من العالم.
فما هي خطوات الحكومة؟
أشار مانجوانا، المتحدث باسم الحكومة، إلى “أن الدولة تنفق 50% من الإيرادات على الاستثمارات الرأسمالية – لتحسين حياة مواطني زيمبابوي في الوقت الراهن… ونظرا لضرورة تعزيز النتائج المحرزة، يتعين على الحكومة القيام بدور محفّز في هذا الصدد لاسيما فيما يتعلق بالبنية التحتية”. مضيفا “وفقاً للبنك الدولي، فإن البلاد وصلت إلى مستوى الدخل المتوسط مما يعني زيادة الدخل. لكننا لم نصل إلى الهدف المنشود، وعليه يتعين علينا بذل المزيد” .
ولكن رانجا مبيري، رئيس تحرير موقع Newzwire الإخبارية التجارية، يرى أن الأمر يتطلب أكثر من هذا “إذا كان من الجيد الحديث عن النمو والاستثمار في قطاع التعدين، ما يهم هو ما يوجد على طاولة الطعام وجيوب الناس”. مضيفا “سيظل التضخم يشكّل المشكلة الكبرى التي ستشكّل معيارا يحكم المواطن على ضوئه أداء منانغاغوا. لكن يجب أن يترجم كل شيء إلى ضمان الغذاء. وهذا هو الاختبار الكبير لـ منانجاجوا في عام2023” على حد تعبيره.
رابط المقال: