دلفين لوكيه، نجيدو أردو كين، فنسنت فاديز
ذي كونفرسيشن([1])
مع تسارع وتيرة تغيُّر المناخ؛ تُواجه العديد من البلدان حول العالم بشكل متزايد مخاطر الجفاف، كما أصبحت نُدرة المياه أحد المعوقات الرئيسية لإنتاج الغذاء في القرن الحادي والعشرين، وباتت تمثل تهديدًا كبيرًا لأمننا الغذائي الحالي والمستقبلي.
وفي القرن الإفريقي، أدَّت أربعة مواسم متتالية من النقص في هطول الأمطار إلى تعرُّض أكثر من 16 مليون شخص للجوع الشديد في الصومال وإثيوبيا وكينيا. كما أصبحت موجات الجفاف والصدمات المناخية الأخرى مثل موجة الحر الصيفية هذه أكثر تواترًا في أزمة المناخ الحالية.
ولأن الأمطار هي المصدر الرئيسي للمياه لري المحاصيل في الكثير من المناطق الإفريقية، فقد باتت مُعرَّضة بشدة للجفاف، حتى في الأماكن التي يتوفر فيها للمزارعين مصادر المياه الجوفية، حيث تجفّ الكثير من الأراضي في إفريقيا. وفي المغرب، قد تُصبح الزراعة في مناطق مثل أغادير صعبة أو حتى مستحيلة؛ بسبب أزمة المياه والتنافس مع القطاعات الأخرى.
ومع ذلك، في العشرين إلى الثلاثين عامًا القادمة، سنحتاج إلى زيادة الإنتاج الزراعي بنسبة تصل إلى 70٪، خاصة في إفريقيا. ولأن الزراعة هي المستخدم الأول لموارد المياه (70٪ إلى 80٪)، وبالتالي سنحتاج إلى زيادة كفاءتها بشكل جذري؛ للاستجابة لانخفاض الموارد والطلب المتزايد على مياه الشرب والاستخدامات الأخرى، بما في ذلك الصناعة والسياحة والحفاظ على النظام البيئي.
اختيار المحاصيل وتقنيات الزراعة:
إذن، كيف يمكننا أن ننمّي إنتاج المحاصيل بشكل مستدام في سياق حالات الجفاف التي تكون أكثر تواترًا وشدةً وطويلة الأمد؟ إذا نظرنا إلى العلم، فإن هذا يعود إلى حد كبير إلى اختيار المحاصيل.
وبشكل أكثر تحديدًا، فإن قدرة صنف من القمح أو البازلاء على إنتاج المزيد من الحبوب بمياه أقل هي مزيج من ثلاث ظواهر:
• قدرة النباتات على ضَخّ مياه التربة على مستوى الجذر: هذه هي الطريقة التي تخلق بها الكتلة الحيوية من خلال عملية التمثيل الضوئي دون فقدان الكثير من الماء من خلال التبخر. تحتوي النباتات على أسطح أوراق ذات فتحات مجهرية تسمَّى الثغور والتي تفتح أو تغلق للسماح بتبادل ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء. أظهرت الأبحاث أنه من خلال تعديل آليات الفتح الحساسة للضوء للثغور، يمكن للنبات أن يوفر 25٪ من الماء لنفس الكتلة الحيوية المنتجة.
• زيادة كمية الحبوب التي يُنتجها كل محصول، بما في ذلك عن طريق ضمان استخدامهم للمياه بأكبر قدر ممكن من الكفاءة. فقد أظهر نظام قياس مبتكَر يزن النباتات الفردية ومسح سطح الأوراق في الوقت الفعلي أن فعالية النتح لنباتات مثل الذرة الرفيعة يمكن أن تختلف كثيرًا بين نظيرتها في استهلاك المياه، ولكنْ دون أن تُسْفِر بالضرورة عن أيّ اختلافات في بِنْيتها أو مذاقها، وقد تكون هذه سمة واعدة لتحمُّل الجفاف يجب استكشافها.
• فحص التوليفات المثلى للنباتات -المعروفة باسم تنوع المحاصيل-؛ ففي ظروف الجفاف، يمكن أن يتم إعادة هندسة بقلة اللوبيا، وهي بَقْلة مهمة في غرب إفريقيا، لإنتاج نفس المحصول وبكمية مياه أقل، وهذا يعني أنه يمكن إنتاج محصول إضافي غنيّ بالبروتين من اللوبيا بنفس الكمية من الماء، ومِن ثَم يمكن أن تؤدي زراعة الحبوب والبقوليات معًا في نفس الحقل إلى تحسين موارد المياه في التربة، مما يَحُدّ من تبخر التربة بفضل الغطاء النباتي، وهذا يساهم أيضًا في الأمن الغذائي عن طريق إضافة البروتين إلى النظام الغذائي للأسر العاملة في مجال الزراعة.
هناك استراتيجية أخرى لمكافحة الجفاف تتمثل في تحسين تخزين “المياه الخضراء”، التي يتم الاحتفاظ بها في بنية مسامية للتربة. يمكن تحقيق ذلك من خلال ممارسات الحفاظ على التربة، وهياكل الزراعة المتدرّجة مثل المصاطب أو الزراعة الكنتورية، واستراتيجيات الري الأخرى. على سبيل المثال، الري الناقص هو ممارسة سَقْي النباتات بشكل أقل تكرارًا ولكن بطريقة مستهدَفة، ويمكن أن يجبر النبات على حفر أنظمة جذورها بشكل أعمق ويكون أقل اعتمادًا على الري.
التجارب المحاكاة بالحاسوب وتوجيه عملية صنع القرار:
على مر السنين، طوّرت البحوث الزراعية العديد من الحلول التكنولوجية ضد الجفاف. ومع ذلك، بالنظر إلى المخاطر المتزايدة، نحتاج إلى تحسين اختيار الأفضل لكلّ مزارع؛ حيث تعتمد الاختيارات على البيئة المحددة لكل مزرعة؛ حيث تختلف الظروف الزراعية والمناخية اختلافًا كبيرًا عبر المكان والزمان. ومِن ثَمَّ فإن عدم اليقين بشأن الظروف المناخية الزراعية يعني أن أبحاث المحاصيل التقليدية ليست كافية لاستكشاف وتوسيع نطاق حلول التكيف مع المناخ.
ولكنْ على الجانب الآخر، مكَّنت الاختراقات في السنوات القليلة الماضية الباحثين من استخدام أجهزة استشعار منخفضة التكلفة لقياس رطوبة التربة في الوقت الفعلي، والحالة الهيدرولوجية للنبات، وغيرها من المعايير. فباستخدام الطائرات بدون طيار وغيرها من الأدوات، يمكن أيضًا مسح النباتات مباشرة في الحقل، وحصاد العشرات من المؤشرات مثل درجات حرارة الأوراق (مؤشر الإجهاد المائي) ومؤشرات مساحة الأوراق، والتي تسمح للباحثين بنمذجة كيفية استجابة النباتات للجفاف عند الورقة أو مستوى الجذر. كما أدَّت ثورة البيانات هذه إلى اختيار الذرة الرفيعة “الخضراء” التي يمكنها مقاومة ظروف الجفاف الشديدة.
لكن كيف نفرز كل هذا التعقيد؟ تسمح نمذجة نموّ النبات جنبًا إلى جنب مع النماذج الإحصائية للباحثين بإجراء تجارب زراعية “افتراضية” لتقييم مجموعات المحاصيل والممارسات الزراعية في ظروف التربة والمياه والمناخ المختلفة. وقد سمح هذا النهج بفرز أكثر من 150 نوعًا من أصناف القمح وفقًا لمقاومتها للجفاف في 13 بيئة مختلفة. فمن وجهة نظر المزارعين، سيعتمد تعرُّضهم للجفاف على اختيار المحاصيل والأصناف المزروعة، ووقت البذر (الذي قد يصبح من الصعب للغاية تحديد متى تكون توقعات هطول الأمطار غير مؤكدة أكثر فأكثر)، وكيفية إدارة التربة للاحتفاظ بهذه المياه الثمينة.
ويُعدّ البعد الاقتصادي والسياسي أمرًا بالغ الأهمية؛ حيث يحتاج المزارعون إلى الحفاظ على توازن صعب بين المخاطر وعدم اليقين والفوائد المحتملة. إن المشاركة في إنشاء جدول زمني للجفاف على مدار العام مخصَّص للمزارع الصغيرة في الدول النامية يمكن أن يُحسِّن الزراعة في تلك البلدان بصورة كبيرة؛ حيث سيستطيع حينئذ المزارعون التخطيط بشكل أفضل للمخاطر ولنظام محاصيلهم من سنة إلى أخرى.
ومن خلال التنقل بين اعتبارات الأمن الغذائي والسيادة الغذائية، سيتعين على بعض البلدان الإفريقية مثل السنغال الاستثمار لإنتاج المزيد من الغذاء لكل قطرة. وقد يكون ذلك من خلال التحول الجذري لأنماط الزراعة، من تحويل استثمارات الأرز نحو أنظمة الأرز الجديدة الموفرة للمياه مثل ترطيب وتجفيف الأرز (AWD) في جنوب آسيا، وإدخال القمح في السنغال أو موريتانيا للاستجابة لفاتورة استيراد الغذاء المتزايدة أو تطوير سلاسل قيمة تقليدية لمحاصيل مقاومة للجفاف مثل fonio، وهو دخن محلي في غرب إفريقيا. كل هذه الخيارات الوطنية سيكون لها آثار على تعرُّض المزارعين للجفاف في المستقبل.
يمكن أن يؤدي الجمع بين تجارب السيليكو (المحاكاة بالحاسوب) والأدوات الاجتماعية والاقتصادية إلى تسهيل اتخاذ القرار بشكل كبير تجاه الحلول الأكثر كفاءة للتكيف مع الجفاف – على مستوى النبات (الاختيار المتنوع)، أو المزرعة أو الإقليم (نحو إدارة أكثر تكاملاً للمياه). وفي الفترة من 28 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 2022م، سيُعْقَد المؤتمر السابع بشأن الجفاف المشترك في داكار، السنغال. وهذه هي المرة الأولى التي يُعقَد فيها هذا المؤتمر في القارة التي تُواجه أكثر الآثار المدمّرة لتغير المناخ، وستكون لحظة أساسية لتخيل الزراعة المَرِنة والمُوفّرة للمياه التي يحتاجها مجتمعنا بشكل عاجل.
[1]– على الرابط التالي: