المصدر: لو بونيي أفريك
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
جعلت السلطات الانتقالية في مالي الإصلاحات المؤسسية إحدى أهم أولوياتها، إلى جانب استعادة الأمن في جميع أنحاء البلاد. وأيًّا كانت نواياها في ذلك فإن المجلس العسكري الحاكم يرغب في التقدُّم إلى الأمام.
وفي هذا الإطار، تلقَّى العقيد أسيمي غويتا -يوم الثلاثاء 11 أكتوبر الجاري- مشروع دستور جديد، وهو أحد العناصر الأساسية في المشروع المؤسسي الواسع الذي تذرَّع به الجيش للبقاء على رأس البلاد حتى عام 2024م، وهذه نظرة عامة على التطورات الرئيسية.
في أي سياق تمت صياغة هذا النص؟
تمَّ تسليم “مشروع الدستور” بعد شهرين من التأخير عن الموعد النهائي الأصلي المحدَّد للجنة الصياغة التي تم اختيارها بموجب مرسوم تم إصداره بتاريخ 10 يونيو. وقال رئيس اللجنة فوسيني ساماكي: “إن الموعد النهائي تم تمديده”؛ وأضاف “إن هذا الدستور الجديد يُشكِّل علامة مهمة على عملية إعادة تأسيس الدولة المالية”، وهو “يلبّي الطموحات الكبيرة التي يتطلع إليها الشعب المالي وتحت مظلة المؤتمر الوطني الذي عُقِدَ في ديسمبر 2021م”.
وأعلن الرئيس الانتقالي العقيد أسيمي غويتا -الذي أطاح بالسلطة المدنية في أغسطس 2020م، ثم تم تعيينه رئيسًا للدولة منذ ذلك الحين بعد انقلاب تعديلي- أنه كانت هناك حاجة إلى خطوتين: الأولى هي التشاور مع القوى الوطنية النَّشِطة، والأخرى إعداد مشروع الدستور الأولي، وتقرير نهاية مهمة اللجنة؛ وأضاف “إن الأمل المشترك في الديمقراطية الحقيقية، والدولة الأفضل تنظيمًا على نحو يتناسب مع التحديات الوطنية والدولية يستند إلى مشروع الدستور هذا الذي استلمته للتو”.
وسيتم تقديم النص إلى مجلس الوزراء والهيئة التي تحلّ محل البرلمان للاطلاع وإبداء الرأي، ومن المفترض أن يخضع للاستفتاء في مارس 2023م. لكن رئيس اللجنة المكلفة بصياغة مسودة الدستور حذَّر العقيد غويتا من أنَّ “أيّ دستور سيكون عُرْضَة للطعن والنقد والجدل”؛ على حد تعبيره.
ولطالما اتفق الفاعلون السياسيون في مالي، منذ فترة طويلة، على ضرورة الإصلاح الدستوري باعتبار أن الدستور الحالي الصادر في عام 1992م يُعدّ عاملاً من عوامل الأزمة السياسية التي مرت بها البلاد منذ عدة سنوات، والتي أدَّت إلى تفاقم الأزمة الأمنية الخطيرة التي تشهدها البلاد منذ عام 2012م، واندلاع حركات التمرد الانفصالية والإرهابية في شمال البلاد.
استحالة تحويل مالي إلى دولة فيدرالية:
هنا يُثار تساؤل: ما هي التغييرات الممكنة في دستور مالي الجديد؟ استبعد نص الدستور الجديد فورًا فرضية اتحاد فيدرالي من شأنه أن يمنح استقلالًا ذاتيًّا قويًّا لشمال البلاد، وفقًا لفوسيني سماكي، رئيس اللجنة المكلفة بصياغة مسودة الدستور.
وأوضح لاحقًا الأمين العام السابق للحكومة لـORTM (هيئة الإذاعة والتليفزيون المالية) أن “هناك تأكيدًا واضحًا على الطابع الوحدوي للدولة، مما يفترض أنه لا يوجد شكّ في استحالة إيجاد دولة فيدرالية”؛ على حد قوله.
فيما وقَّعت الجماعات المسلحة التي يسيطر عليها الطوارق ما يسمى باتفاقية سلام “الجزائر” مع الدولة في عام 2015م؛ لمنح مزيد من الحكم الذاتي لشمال البلاد. لكنَّ صعوبة التنفيذ للاتفاقية شكّلت أحد دوافع محاولة تعديلٍ دستوريّ تم إجهاضها أخيرًا في عام 1997م؛ نتيجة مناهضة جزء من الطبقة السياسية بشكل أساسي لمزيد من الحكم الذاتي للشمال.
وتنص المسودة الأولية بشكل أكثر صراحة من دستور عام 1992م على أن تنظيم الإقليم “يقوم على مبادئ عدم تركيز السلطة واللامركزية”، فيما تؤكد المقدّمة الالتزام بـ”الدفاع عن السيادة والوحدة الوطنية وسلامة الأراضي المالية”.
وقد تضمنت الديباجة التأكيد على أن احترام السيادة الوطنية، وأن الاتحاد مع القوات المسلحة التي تكافح انتشار الإرهاب هي جزء من المطالب المهمة للمجلس العسكري الذي أطاح بالسلطة المدنية بالقوة في عام 2020م، بالإضافة إلى محاربة الفساد، فضلاً عن تخصيص فَصْل في الدستور الجديد لقوات الأمن؛ بحيث شكّل ميزةً جديدةً أخرى في المسودة.
تعزيز صلاحيات الرئيس:
مسودة مشروع الدستور الجديد تُعزِّز إلى حد كبير من سلطات الرئيس الذي سوف يتولى في عام 2024م قيادة البلاد التي تمر بأزمة عميقة حال تم اعتماد مسودة الدستور الجديد والتزم المجلس العسكري بتعهداته. فيما تستمر الشكوك حول ما إذا كان الرئيس “الانتقالي”، أسيمي غويتا، سيدخل في المنافسة الانتخابية القادمة على الرغم من تعهُّد الحكومة العسكرية الأولى بعدم سماح للرئيس الانتقالي بالتنافس في الانتخابات المقبلة.
فالدستور الحالي الذي تم إعداده في عام 1992م ينص على أن “الحكومة تحدد وتدير سياسة الأمة”، فيما يشير الدستور الجديد إلى أن “رئيس الجمهورية هو مَن يُحدّد سياسة الدولة”، وأن الحكومة تتولى تنفيذ وقيادة سياسة الدولة التي يحددها الرئيس” الذي يتمتع بصلاحية تعيين رئيس الوزراء والوزراء وإقصائهم من مناصبهم؛ أي أن “الحكومة مسؤولة أمام الرئيس” وليس أمام الجمعية الوطنية.
وتعود مبادرة اقتراح القوانين “بشكل متزامن” إلى الرئيس وأعضاء البرلمان، ولم تَعُد ملكًا للحكومة والجمعية الوطنية. وأوضح فوسيني سماكي أن “البرلمان أو الجمعية لن يكونا قادرين على سحب الثقة من الحكومة، وعلى العكس من ذلك لن يتمكن رئيس الجمهورية بعد الآن من حلّ الجمعية الوطنية”.
وتنص المسودة، التي تمت صياغتها في عهد الانقلاب العسكري مرتين، أيضًا على أن “أي انقلاب عسكري هو جريمة لا تسقط بالتقادم”.
علمانية الدولة:
من المستجدَّات في مسودة الدستور الجديد أيضًا: الابتكار في تحديد المفهوم الحسّاس للغاية للعلمانية في هذا البلد الديني بامتياز. يأتي النص الجديد “لتوضيح تصوُّر دولة مالي عن مفهوم الجمهورية العلمانية”؛ وفقًا لتوضيحات لجنة صياغة مسودة الدستور؛ حيث تهدف العلمانية إلى تعزيز وتقوية العيش المشترك بين كافة المواطنين في المجتمع على أساس التسامح والحوار والتفاهم المتبادل بمقتضى مادة 32 من مسودة الدستور”، ولتطبيق هذا المبدأ لا بد أن “تضمن الدولة احترام جميع المعتقدات، وكذلك حرية الرأي والدين، وحرية ممارسة العبادة”.
_____________________