بقلم: سيساندان كوالا – ذي كونفرسيشن([1])
ترجمة: باسل الحمامي
في أعقاب تفشي مرض جدري القردة مؤخرًا في أوروبا وأمريكا الشمالية، اتُّهِمَت وسائل الإعلام الدولية بالتحيُّز في تقاريرها، وكان الاتهام هو أن وسائل الإعلام كرَّست الصور النمطية السلبية، على سبيل المثال، بتصوير جدري القرود على أنه مرض يصيب الأفارقة فقط، أو المنحدرين من أصل إفريقي.
تنبع تلك الاتهامات من اعتياد الصحافة على استخدام الصور النمطية السائدة للأفارقة أو المنحدرين من أصل إفريقي أو الأشخاص الذين يعيشون في إفريقيا، عند الإبلاغ عن تفشّي المرض الذي أثَّر في الغالب على البلدان في شمال الكرة الأرضية.
وقالت رابطة الصحافة الأجنبية في إفريقيا: إن هذه الأنواع من التقارير أظهرت “افتقارًا صارخًا للكرامة الممنوحة لضحايا تفشي الأمراض من ذوي البشرة السمراء والسود”.
وأظهرت العديد من الأبحاث أن وسائل الإعلام الغربية تسيء تمثيل إفريقيا عند قيامها بنشر تقارير عن الأمراض، وتُصوّر الغرب على أنه متفوّق، بينما تشير إلى أن إفريقيا أقل شأنًا من الغرب.
وتظهر النتائج التي توصلت إليها كاتبة هذه المقالة، في ورقة نُشرت مؤخرًا([2])، أن المطبوعات الإفريقية يمكن أن تكون مذنبةً بنفس قَدْر نظيراتها الغربية؛ فقد سلَّطت الدراسة الضوء على التغطية الإعلامية لتفشي الإيبولا عام 2014م، وكذلك وباء كوفيد19 عام 2000م في صحيفتين؛ الصحيفة اليومية الجنوب إفريقية Sowetan والصحيفة اليومية النيجيرية Daily Trust. وقد قدمت كلتا الصحيفتين تقارير ومواد صحفية عن تفشّي كلا المرضين.
كما قامت الكاتبة بمراجعة الأدبيات التي عالجتها التقارير الإخبارية حول أمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز، وكذلك السرطان.
وقد أظهر البحث أن التقارير الصحفية المنشورة في كلتا الصحيفتين الإفريقيتين قد أساءت تمثيل إفريقيا، وصوَّرت الأفارقة على أنهم أقل شأنًا وعلى أنهم مصدر خطورة، ومِن ثَمَّ وبقيامهم بذلك، فقد كرَّسوا أيديولوجية أخرى تؤكد أن الغرب هو الأفضل، مع تصوير قارة إفريقيا على أنها أقل شأنًا.
كما نظرت الباحثة إلى اللغة المستخدَمة في هذه الصحف، وكذلك حجم التغطية حسب الموضوع والبلد؛ حيث عالجت ما يقرب من 200 تقرير إخباري حول تفشي فيروس إيبولا عام 2014م، وتفشي فيروس كورونا 2020م الذي نشرته ديلي ترست وسويتان، وهما من بين أكثر الصحف قراءةً وتوزيعًا على نطاق واسع في بلدانهم.
وقد اختارت التركيز على نطاقين زمنيين؛ يتكون كل نطاق منهما من 31 يومًا: 1 أغسطس 2014م إلى 31 أغسطس 2014م للإيبولا، و23 مارس 2020م إلى 23 أبريل 2020م لوباء COVID-19. وقد تم اختيار هذه الفترات لأنها تميزت بتطورات مهمة في تفشي فيروس إيبولا وفيروس كورونا، كما كان التركيز منصبًّا على كيفية استخدام اللغة والصور. وحدَّدت التغطية: أولاً من حيث القارات، ثم على أساس كل بلد على حدة.
الشكل رقم (1)
يوضح الشكل رقم (1) عدد التقارير الإخبارية عن تفشي فيروس إيبولا 2014م و2020م على المستوى القاري. كما يوضح الشكل رقم (2) المزيد من التفاصيل، ويوضح البلدان التي حظيت بأكبر قَدْر من التغطية في المنشورات، والفترة التي تم تتبُّعها.
الشكل رقم (2)
عندما يتعلق الأمر بتفشي فيروس كورونا لعام 2020م، كانت ثلاثة من بين البلدان الأربعة الأكثر إصابةً بالمرض هي الدول الغربية؛ أمريكا وإيطاليا وإنجلترا. جميعهم أُصيبوا بمعدلات عالية جدًّا من العدوى والوفاة. رابع أكثر الدول المذكورة كانت الصين؛ حيث منها نشأ الوباء وتفشَّى المرض.
وبالرغم من أن ذلك كان يمكن توقُّعه؛ إلا أن التناقض مع إفريقيا كان صارخًا؛ لأنه لم تذكر التقارير البلدان الإفريقية بصورة منفردة، بالرغم من أن القارة ككل تلقَّت تغطية كبيرة، لكن تلك المنشورات لم تُلْقِ بالاً للتطورات في كلّ بلد إفريقي على حدة، كما كان الحال في تغطية التطورات في البلدان الغربية. كما قامت الدراسة بتحليل العناوين الرئيسية، وحجم المقالات لفهم كيفية استخدام الصحف لكلماتها للتعليق على كلٍّ من الحالتين الإفريقية والغربية.
بعد ذلك قامت بتحليل العناوين الرئيسية، ومحتويات المقالات؛ لفهم كيفية استخدام الكلمات. وقد كان الإطار البحثي الذي استخدمته الدراسة لتحليل مضمون تلك التغطية هو الإطار المعروف باسم المربع الأيديولوجي، والذي يعتمد على استخدام اللغة باعتبارها دلالة على الأيديولوجية، وخاصةً في كيفية تضمينها وتقديرها من خلال الإشارة إلى عبارات مثل “نحن”، وكذلك الإقصاء أو الانتقاص من الآخر من خلال الإشارة إليه بكلمة “هم”. وهذا المنظور التحليلي يُعرَف باسم “نحن ضد الآخر”؛ حيث تشير اللغة المرتبطة بـ”نحن” إلى خصائص جيدة، في حين ترتبط اللغة التي تشير إلى “هم” بخصائص سلبية.
لقد وجدت الدراسة أمثلة على ذلك في تقارير إخبارية عن أفراد معينين أُصيبوا أو ماتوا بسبب أيٍّ من هذين الفيروسين؛ حيث كان الاتجاه هو التأكيد على الأبعاد الإنسانية والسمات الإيجابية للأفراد الغربيين المتضررين، في الوقت الذي تم فيه إخفاء الهوية أو الكتابة بشكل سلبي عن الأفراد الأفارقة، وقد كان هذا واضحًا بشكل خاصّ في التقارير الإخبارية عن الإيبولا.
ولنأخذ مثالاً بالتقرير عن أول ضحية أوروبية للإيبولا كما ورد في ديلي ترست، كمثال على ذلك، وكان: “سلّم الروح في سلام في مدريد القس الإسباني ميغيل باجاريس، أول أوروبي أُصيب بسلالة من فيروس إيبولا التي أودت بحياة أكثر من 932 شخصًا في غرب إفريقيا”.
ونلاحظ هنا أنه يتم تسمية الشخص المصاب، في حين يذهب التقرير إلى أبعد من ذلك ليخبرنا أنه كاهن، وهي صفة تحمل دلالات إيجابية، لكن للإبلاغ عن أول ضحية للإيبولا في نيجيريا فقد تم استخدام عبارات مُبهَمة وتفيد بالتشكيك في أسباب إصابته بالمرض. كما أظهر البحث اختلافات أخرى أيضًا؛ فعلى سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بفيروس كورونا، تم إغفال حقيقة أن البلدان الإفريقية أبقت الوفيات والإصابات في حدّها الأدنى، ولكن بدلاً من ذلك، كان التركيز على التبرعات التي تقدّمها الدول الغربية للدول الإفريقية!
وكذلك عندما يتعلق الأمر بالتأثير الاقتصادي لتفشّي فيروس كورونا؛ أكدت التقارير على التوقعات المتشائمة بشأن كيفية تأثُّر اقتصادات الدول الإفريقية، وعندما يتعلق الأمر بالتطورات المحلية في البلدان المختلفة، كان التركيز على ما يجري بشكل صحيح في الدول الغربية، في حين كان التركيز على الأخطاء التي تحدث في البلدان الإفريقية. ومن الأمثلة على ذلك: عدم وجود تقارير إخبارية عن الغضب الشعبي ضد الإغلاق الحكومي في الدول الغربية. لكن كان هناك العديد من الأخبار عن هذا الإغلاق وآثاره السلبية بالنسبة للدول الإفريقية.
إنّ تفشّي مرضٍ ما، سواء كان محليًّا أو عالميًّا، ليس مجرد مسألة تتعلق بالصحة العامة، ولكنها تتعلق أيضًا بقضايا التواصل في مجال الصحة؛ حيث يحتاج الناس إلى معلومات لمساعدتهم على الاستجابة، في حين تصبح مصادر المعلومات المأمونة، مثل الصحف، حاسمة في تشكيل كيفية فَهْم الجمهور للأزمة والاستجابة لها. لكنَّ المصادر الإعلامية تلعب دورًا آخر أيضًا، فهي تضع إطارًا لكيفية النظر إلى القضايا وتلوّنها بأيديولوجيتها؛ فقد أكَّد البحث أن التغطية ساهمت في إدامة أيديولوجية “نحن ضد هم”، كما عكست المقالات تمثيلًا سلبيًّا للذات بالنسبة للقارة الإفريقية وتمثيلًا إيجابيًّا آخر للدول الغربية بالطريقة نفسها التي تفعلها الصحف الغربية في كثير من الأحيان.
[1]– على الرابط التالي: https://theconversation.com/african-newspapers-can-be-anti-african-too-what-my-research-found-190256
[2]– على هذا الرابط: https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-3-030-95100-9_10#DOI