بقلم/ فولا عينا – ذي أفريكان ريبورت([1])
في مواجهة التهديدات الأمنية الوطنية المتعددة؛ تكافح الدولة النيجيرية باستمرار للحفاظ على شرعيتها ككيان سياسي قادر على ضمان سلامة وأمن مواطنيها. فقد تصاعدت المخاطر بصورة غير مسبوقة مع صعود قُطّاع الطرق المسلحين الذين يتسبّبون في فوضى عارمة في المنطقة الشمالية الغربية لنيجيريا، وهو وضع يزداد تعقيدًا بسبب عودة ظهور أول فصيل منشق عن جماعة بوكو حرام في تلك المنطقة المضطربة.
كما أدّت عمليات القتل الجماعي والخطف بهدف الحصول على فدية، والسرقات والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات، إلى نزوح أكثر من مليون شخص؛ فرارًا من المنطقة الشمالية الغربية. كما شَنَّ المتطرفون في الآونة الأخيرة هجومًا عنيفًا على سجن كوجيه Kuje متوسط التحصين في إقليم العاصمة الفيدرالية، العاصمة السياسية لنيجيريا، وأطلقوا سراح العديد من الإرهابيين، بما في ذلك خالد البرناوي، العقل المدبّر لتفجير مقر الأمم المتحدة في نيجيريا في العام 2013م. بالإضافة إلى إطلاق سراح عدد من أعضاء العصابات المسلحة التي نتج عن أعمال العنف التي قامت بها وفاة 2600 شخص عام 2021م؛ وفقًا لمؤسسة ACLED المتخصصة في تتبُّع النزاعات المسلحة.
وفي الشمال الشرقي، الذي شهد صراعًا طويل الأمد -حيث إنه الآن في عامه الثالث عشر-؛ تستمر الهجمات التي تشنّها جماعة بوكو حرام وتنظيم “الدولة – مقاطعة غرب إفريقيا ISWAP” على المدنيين الأبرياء بلا هوادة؛ كما أنه في المنطقة الجنوبية الشرقية أدَّت أنشطة الحركة الانفصالية المحظورة التي تعمل تحت راية حركة “السكان الأصليين في بيافرا” (IPOB) خاصة من خلال جناحها شبه العسكري المسمى “شبكة الأمن الشرقية (ESN)، إلى مقتل المئات وتدمير العديد من الممتلكات.
كما أدَّى ظهور الجماعات الإجرامية المنظَّمة مثل تلك المتخصصة في عمليات الاختطاف، وأصحاب الأيديولوجيات الشاذة والمسلحين المجهولين الآخرين إلى مقتل العديد من الأبرياء، ومن الأمثلة الحديثة على ذلك أيضًا: عمليات القتل التي جرت في مدينة أوو Owo؛ حيث تم ذبح عدد من الأبرياء بدم بارد؛ عندما كانوا يمارسون عبادتهم في كنيسة كاثوليكية.
اقتصاد نيجيريا في خطر:
هذا أمر مقلق بشكل خاص بالنظر إلى أن الاقتصاد النيجيري الأحادي يعتمد إلى حد كبير على النفط. وفقًا للبنك الدولي، يوجد في نيجيريا الآن أعلى معدل للفقر متعدّد الأبعاد في العالم؛ مما يؤهّلها بجدارة لتُوصَف بأنها “عاصمة الفقر في العالم”. كما ارتفعت نسبة البطالة في نيجيريا من 27.1٪ في الربع الثاني من عام 2020م إلى 33٪ في الربع الأول من عام 2021م. وقد ساهمت الإضرابات المتكررة على مستوى البلاد مثل إضراب الجمعية الطبية النيجيرية واتحاد الموظفين الأكاديميين للجامعات (ASUU) وغيرها، وأدت إلى شبه شلل في وظائف الدولة النيجيرية.
وفي الوقت الذي توصّلت فيه الحكومة الفيدرالية والكيانات دون الوطنية إلى العديد من الإجراءات، بما في ذلك النهج العسكري وغير العسكري؛ فإن مشكلة انعدام الأمن لا تزال قائمة؛ حيث انتشر الجيش النيجيري خارج حدوده في جميع أنحاء البلاد لتهدئة الوضع الأمني المتدهور بصورة متسارعة، وقد سجلت عملياته الأمنية الداخلية المتعدّدة عبر المناطق الجغرافية السياسية الست في البلاد بعض النجاحات، ولكنها مالت أيضًا إلى إضفاء الطابع العسكري على المشكلة، والتي تنبع في الواقع من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكامنة.
ففي ولاية زامفارا، على سبيل المثال، تم إغلاق خدمات الاتصالات مؤقتًا لتعطيل أنشطة الجماعات الإجرامية؛ حيث تؤدي النزاعات المسلحة المستدامة والناتجة عن أنشطة الجماعات المتطرفة العنيفة داخل مجال نفوذ نيجيريا في غرب إفريقيا، ولا سيما في منطقة حوض بحيرة تشاد والساحل، إلى العديد من التهديدات الأمنية المقلقة.
في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، أظهرت نيجيريا الحسم في الأمور المتعلقة بأمنها القومي؛ من خلال توفير القيادة الجيوستراتيجية بالتعاون مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس). كان هذا هو الحال خلال الحروب الأهلية الليبيرية والحرب الأهلية في سيراليون، وكلاهما كان يهدّد السلام والأمن الإقليميين في ذلك الوقت. ولكن من خلال مزيج من التدخلات العسكرية والجهود الدبلوماسية والوساطة الدولية لعبت نيجيريا دورًا رئيسيًّا في استعادة السلام والأمن الإقليميين، وبالتالي تجنُّب الآثار غير المباشرة التي كان من الممكن أن تكون لها عواقب وخيمة على الدولة النيجيرية.
حتى الآن، استجابت الدولة النيجيرية في معظم الأحوال للتحديات الداخلية والخارجية بطريقة متأخرة وليست استباقية؛ فبدلاً من الاستجابة للتهديدات التي يتعرَّض لها أمنها القومي بطريقة مجتزأة يجب أن يكون رد نيجيريا من النوع الذي يأخذ في الاعتبار الروابط الأوسع مع جوانب أخرى من مصلحتها الوطنية، كما يشعر معظم النيجيريين أن الدولة غير قادرة على ضمان سلامتهم، وتتمثل العواقب في استمرار ذلك النهج في تقويض شرعية الدولة، مما قد يدفع المواطنين المُحبَطين إلى البحث عن وسائل بديلة لضمان بقائهم على قيد الحياة.
الاستراتيجيات الكبرى:
في جميع أنحاء العالم، تبنَّت الدول القومية العديد من الاستراتيجيات الكبرى التي تعكس مصالحها الوطنية الأساسية. وتشمل بعض هذه الاستراتيجيات “ضبط النفس“؛ حيث يتم إيلاء الاهتمام في الغالب للحاجة إلى البقاء، وبالتالي إعطاء الأولوية لبناء القدرات العسكرية وتعزيزها. في حين أن “المشاركة العميقة“، وهي نوع آخر من الاستراتيجيات الكبرى التي تَستخدمها الدول الوطنية، ترتكز على المزايا التي تقدّمها المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي لصالح القوى الإقليمية الكبرى، والهدف هنا هو القدرة على منع التهديدات قبل وقت طويل من حدوثها، إلى جانب أهداف أخرى كثيرة.
في حين تم تحديد نوع آخر من الاستراتيجيات التي تتبنَّاها بعض الدول، مثل الاستراتيجية “الأممية الليبرالية“، وهنا الأولوية للمبادرات متعددة الأطراف؛ حيث يمنح هذا النوع من الاستراتيجيات الكبرى اعترافًا بالقوى العظمى المحتملة الأخرى دون محاولة لتقويض نفوذها داخل النظام الدولي، وينصبُّ التركيز هنا على نشر الديمقراطية والعولمة من أجل ضمان الاستقرار العالمي. أما النوع الرابع من الاستراتيجية الكبرى فهو “الأسبقية المحافظة” التي تسعى إلى تفضيل انتشار الديمقراطية على الاستبداد بطريقة وأسلوب لا يُقوّض شرعية المهيمن داخل النظام الدولي.
عند تبنّي استراتيجية كبرى تعكس الإرادة الجماعية للنيجيريين؛ يجب على صانعي السياسات ضمان أن الشفافية والمساءلة هي أولوية قصوى. هذا مهمّ بشكل خاص في إقناع النيجيريين بمعالجة القضايا التي تهم بلدهم. في ذروة التدخلات الجيواستراتيجية لنيجيريا، كانت الاستراتيجية الكبرى للبلاد مدفوعة بموقف دولي ليبرالي؛ حيث اعتمدت نيجيريا على أدوات متعددة الأطراف مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) التي كانت ذات أهمية قصوى لبناء الشرعية في استخدام القوة. عند تحديد أفضل السُّبل لملاءمة مواردها الشحيحة، يجب أن يكون صانعو السياسة النيجيريون قادرين على تحديد الموارد المتاحة للنشر بشكل واقعي واختيار أفضل السُّبُل للقيام بذلك.
بعد مرور عقدين على جمهوريتها الرابعة، يتعين على نيجيريا إعادة ضبط مصالحها الأمنية الوطنية الأساسية في الداخل والخارج. يُعدّ القيام بذلك عاجلاً وليس آجلاً أمرًا أساسيًّا لضمان استقرارها، وكذلك استقرار بقية منطقة غرب إفريقيا الفرعية والقارة الإفريقية والعالم بأسره. لايمكن المبالغة في التأكيد على إلحاح هذا الأمر خاصةً بالنظر إلى التهديدات المتعددة التي تواجهها نيجيريا داخليًّا وخارجيًّا.
ومع تطوُّر الأحداث في نيجيريا خلال العقد المقبل، سيراقب بقية العالم عن كثب لمعرفة ما إذا كان بإمكان الهيمنة الإقليمية في غرب إفريقيا التغلُّب على تحدياتها، مع توفير القيادة الجيواستراتيجية التي تشتد الحاجة إليها لبقية المنطقة وإفريقيا. إن المخاطر كبيرة للغاية، ولا يمكن لنيجيريا أن تخذل نفسها وإفريقيا والعالم.
[1]– على الرابط التالي https://www.theafricareport.com/240218/why-nigeria-needs-a-grand-strategy/