بقلم: ماري-فرنس ريفيلارد
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
منذ تولِّيه السلطة في 5 سبتمبر 2021م شرع مامادي دومبويا في تنفيذ استراتيجية “الأيدي النظيفة” للحد من الفساد، وهي العملية التي أثارت حفيظة الطبقة السياسية في غينيا، كما أن انتهاء فترة العفو وبدء قمع الاحتجاجات يُنْذِر بأُفُق يسوده خيبة أمل لدى الغينيين.. فما هو الوضع الراهن في غينيا بعد انقضاء عام على الانقلاب العسكري؟
كشفت مواقع التواصل الاجتماعي في 5 سبتمبر 2021م عن صور لألفا كوندي مُنْهَكًا على أريكة أمام جنود مسلحين. وبعد فترة وجيزة أكد مامادي دومبويا، الرجل القوي الجديد في غينيا، على التلفزيون الوطني الانقلاب العسكري الذي وضع حدًّا للولاية الثالثة المثيرة للجدل للرئيس الغيني السابق.
وقد واصل دومبويا تأكيده على أن العدالة ستكون “بوصلته”؛ مما نشر الأمل بين المواطنين الغينيين على غرار داديس كامارا في عهده. علمًا بأن التلفزيون الوطني منصته المفضَّلة لإيصال البيانات الرسمية؛ سواء لترقية كبار مسؤولي الدولة أو عزلهم على سبيل المثال.
كما تم إنشاء Crief (المحكمة الخاصة لقمع الجرائم الاقتصادية والمالية) في ديسمبر 2021م في إطار مكافحة الفساد. وفي شهر أبريل تمت إدانة واحتجاز عدد من كبار مسؤولي السلطة السابقين، وأبرزهم إبراهيما كاسوري فوفانا رئيس الوزراء السابق لألفا كوندي بتهم اختلاس الأموال العامة.
وعطفًا على ذلك قامت الحكومة العسكرية في شهر مارس المنصرم بمصادرة الأراضي التي كانت تعتبر ملكية للدولة، وسحبت منزل زعيم المعارضة سيلو دالين ديالو ورئيس حزب UFDG (اتحاد القوات الديمقراطية في غينيا)، واستولت على منزل سيديا توري زعيم حزب UFR (اتحاد القوى الجمهورية) الذي صرح بأنه “وصلتني رسالة تطالبني بإخلاء العقار في غضون أسبوعين؛ فراجعت القضاء الذي أقرَّ من جانبه بعدم الأهلية.. وأخيرًا تمت إزالة المنزل وبناء مدرسة بدلًا منه؛ على الرغم من امتلاكي حق ملكية الأرض والمستندات التي تثبت تكلفة الأرض لأكثر من عشرين عامًا. والواقع أن هذه القضية عادةً ما تسقط بالتقادم. ولكني لا أرغب في تبرأتي بالتقادم؛ لأنني لم أفعل شيئًا”؛ حسب ما صرّح به سيلو دالين ديالو لصحيفة لا تريبيون أفريك.
اقتصاد صامد أمام حالة الشك وعدم اليقين:
يؤثر عدم الاستقرار السياسي الداخلي على مناخ الأعمال. وفي هذا السياق تمت إقالة رئيس الوزراء من منصبه بينما يخضع للعلاج في إيطاليا.
وعلى الصعيد الإقليمي فإن إعلان المجلس العسكري عن فترة انتقالية تستغرق ستة وثلاثين شهرًا في مايو الماضي أثار رد فعل من السيدياو (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا) والاتحاد الإفريقي اللذين هددا غينيا بفرض عقوبات عليها.
لكن التعديل الدستوري، وترشيد إدارة المال العام، ومكافحة الفساد، وحصر تعداد السكان بدقة، وإصلاح قانون التعدين أو التجديد الحضري، كل ذلك يُشكّل قضايا ملحة أمام مامادي دومبويا. في ظل وجود حوالي 14.3 مليون نسمة، مع ناتج محلي إجمالي يبلغ 17.6 مليار دولار في عام 2021م وفقًا لصندوق النقد الدولي؛ من هنا يجب على المجلس العسكري توفير فرص عمل ومستقبل أفضل لـ44٪ من الغينيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، لا سيما أن التضخُّم بلغ أعلى معدلاته (فوق 12٪) في عام 2021م.
وعلى الرغم من تأثير وباء كوفيد على غينيا في عام 2020م؛ فإن “برج مياه إفريقيا” نجحت في الحفاظ على معدل نمو يبلغ 4.6% بحلول عام 2020م. وفي عام 2021م تباطأ النمو إلى 4.2 في المائة، ولكن من المتوقع أن يتسارع النمو إلى 6.3 في المائة بحلول عام 2023م وفقًا لما ذكرته وزارة الخزانة.
هذا ويتدفق المستثمرون إلى غينيا من جميع المشارب نتيجة إصلاح قانون التعدين والإمكانات الكبيرة التي تمتلكها غينيا (الاحتياطيات العالمية الأولى من البوكسيت، و3 بلايين طن من احتياطيات الحديد، و700 طن من الذهب، واحتياطيات الماس الكبيرة).
ومع ذلك، فإن هذا النمو ليس مرادفًا للتنمية باعتبار أن قطاع التعدين الذي يمثل الجزء الأكبر من الصادرات والإيرادات المرتبطة بها، لا يقترن بالضرورة بخَلْق فرص العمل. علاوة على ذلك، يتساءل البعض حول ما إذا كان يسمح التفويض للمجلس العسكري بالبدء في إصلاحات هيكلية، أم أنه يختزلها في تهيئة الظروف لتنظيم الانتخابات المقبلة فقط؟
شعبية العقيد آخذة في التراجع:
انقضاء فترة السماح للعقيد دومبويا الذي حظي بدعم من غالبية الغينيين عند وصوله إلى السلطة، والذي لم يَعُد يتمتع بالإجماع على الرغم من العديد من الملفات الساخنة المطروحة على الطاولة، بما في ذلك حادثة 28 سبتمبر 2009م (المذابح التي وقعت في ملعب كوناكري الذي استضاف مظاهرة لمعارضة ترشح داديس كامارا للرئاسة، وأودى بحياة 157 شخصًا على الأقل). كان من المتوقع أن تبدأ المحاكمة “بشكل طبيعي” في 26 سبتمبر، أي بعد أكثر من 12 عامًا على الأحداث، وفقًا لبيان صدر مؤخرًا عن وزير العدل الغيني ألفونس تشارلز رايت لإذاعة فرنسا الدولية.
وفقًا لاستطلاع رأي الغينيين الذي قامت به AGSP (الرابطة الغينية للعلوم السياسية) يشير إلى أن في سبتمبر 2021م (بعد أسبوع واحد من الانقلاب) كانت الأغلبية الساحقة من الغينيين 63.65٪ ترى أن الانقلاب “جاء في الوقت المناسب”، وعلى النقيض من ذلك أظهر الاستطلاع الذي تم نشره في يونيو من قِبل AGSP أن 53٪ ممن شملهم الاستطلاع يرون أن كفاح المعارضة بزعامة FNDC (الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور)، وخاصة فيما يتعلق بتحديد مسار المرحلة الانتقالية في إطار حوار شامل “نبيل ومبرر”.
لكن بطء الإجراءات المتخذة لتنظيم الانتخابات والاعتقالات التي اعتبرت متسرعة وحظر التظاهرات (منذ 13 مايو) خلال ستة أشهر حتى فترات الحملة الانتخابية بحجة “عدم المساس بالهدوء الاجتماعي وصحة تنفيذ الأنشطة الواردة في الأجندة” شوَّهت صورة العقيد دومبويا إلى حد كبير. وفقًا للمحلل السياسي الغيني كابينت فوفانا: “يوجد اليوم نوع من القمع النفسي في غينيا يُلقي بثقله على الفاعلين السياسيين والاجتماعيين”.
سجن القادة السياسيين أو نفيهم:
“لقد حدث انقلاب دستوري صاحبته سرقة انتخابات بزعامة ألفا كوندي، وتم اعتقال المئات من الناشطين قبل انقلاب 5 سبتمبر. وحين أعلن المجلس العسكري عن رغبته في إعادة السلطة إلى الشعب لم يكن من مقدوري غير الموافقة فقط”؛ يشرح سيلو دالين ديالو بأثر رجعي.
فيما صرّح زعيم UFDG (اتحاد القوى الديمقراطية في غينيا)، الذي يعيش في المنفى منذ هدم منزله في كوناكري، أن النشوة التي سادت الأيام الأولى اتسمت بالتسرّع؛ حيث “تم الترحيب برحيل ألفا كوندي كحدث رئيسي. والواقع أن وعد العقيد بإجراء انتخابات مبكرة من دون مشاركة المجلس العسكري الحاكم في غينيا كان سببًا في طمأنة الشعب الغيني. لكننا أدركنا أن النظام العسكري يدير عملية الانتقال أحادية الجانب واستبدادية، وأنه يرغب في البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة. بل إننا حتى الآن لا نعرف تكوين المجلس الوطني الانتقالي على الرغم من مطالبنا المتكررة… بل إن أنصار فكرة مرحلة انتقالية قصيرة يُنظر إليهم باعتبارهم خصومًا أو حتى أعداء للنظام العسكري الحاكم.
ويؤكد زعيم المعارضة الذي اتُّهم بالفساد المالي في ملف طيران غينيا أنه يعتزم العودة إلى غينيا في الوقت المناسب “مع الوقت” مشيرًا إلى “أنهم ينسبون إليَّ خصخصة الشركة قبل عشرين عامًا، بينما يدرك كل الشعب الغيني أنني لم ألعب أيّ دور في هذه القضية على الإطلاق”؛ على حد تعبيره.
قمع المظاهرات بعنف:
حظر التظاهر وحل FNDC (الحزب الوطني الديمقراطي) من العقيد الذي سعى لتوحيد الغينيين حول تجديد ديمقراطي، زاد من حدة النغمة؛ “إن تفاقم الاحتجاجات في الشوارع هو الذي دفَع السلطات إلى قمعها. كان لابد من حظر للحيلولة دون وصولهم إلى السلطة … ومامادي دومبويا الذي وعد بوضع حد لممارسات الماضي، هو أيضًا في طور تقييد حرية التجمع والتظاهر واعتقال زعماء المعارضة”؛ وفقًا لتحليلات كابينيه فوفانا.
احتفلت كوناكري بذكرى العام الأول لوصول مامادي دومبويا إلى السلطة قبل أيام قلائل؛ في وقت تم فيه إعلان كوناكري “المدينة الميتة”، كما “اندلعت المشاجرات على طول طريق لو برنس في 5 سبتمبر. كان من الممكن أن تؤدي المظاهرات إلى مقتل أكثر من عشرة أشخاص”.
ووفقًا للعقيد موري كبا نائب مدير الاتصالات بوزارة الأمن فإن مظاهرة 5 سبتمبر 2022م سجلت إصابة 10 أفراد من قوات الأمن بما في ذلك 4 إصابات خطيرة. وهذا يدعو للتساؤل: هل يُخشى من تصعيد العنف في غينيا؟ وهل بالإمكان تكرار سيناريو داديس كمارا؟. للتذكير فقط فقد تولى موسى داديس السلطة في نهاية عام 2008م.
“بقينا في الترقب لمدة عام في سياق تفاقم الأزمة السياسية دون اتخاذ أي مبادرة للعودة إلى النظام الدستوري. اليوم، نحن مرة أخرى في هذا النمط. هل الديناميات هي نفسها؟ من الصعب الجزم بالقول”؛ وفقًا لـكابينيه فوفانا الذي يتذكر مع ذلك أنه “في الذاكرة الجماعية الغينية تظل حلقة داديس كمارا حاضرةً على الرغم من استمرار العقيد دومبويا حتى أبريل الماضي في اكتساب ثمة شعبية بين بعض الطبقات الشعبية”؛ على حد قوله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: