بقلم بيتر موانجانجي
بي بي سي نيوز، نيروبي
ترجمة: باسل الحمامي
عندما سأل أحد الطلاب الرئيس الكيني أوهورو كينياتا في عام 2018م عن الكيفية التي يودّ أن يتذكّره الناس بها عندما يغادر منصبه؟ بدا أنه قد فُوجئ بالسؤال، قبل أن يذكر أمرين.. وقال وسط تصفيق من الحضور: “الأول هو أنني سأكون قد تركت مجتمعًا موحدًا ومتماسكًا. والثاني أننا سوف نكون انتصرنا في الحرب على الفساد”.
وبينما يستعد لترك السلطة بعد فترتين في الرئاسة، وتسليمها إلى حليفه السابق الذي تحوّل إلى منافسه اللدود؛ ويليام روتو، فهل حقق كينياتا هذه الأهداف وغيرها؟
أهم خطوة نحو الوحدة الوطنية كانت في مارس 2018م، عندما صافح كينياتا زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق رايلا أودينغا كعلامة على الهدنة السياسية.
أنهت “المصافحة” الشهيرة شهورًا من عدم الاستقرار والاضطرابات في أعقاب الانتخابات التي ألغتها المحكمة العليا في عام 2017م، وقاطعها السيد أودينغا، الذي أجرى بعد ذلك حفلًا وهميًّا لأداء اليمين في العاصمة نيروبي.
لكنَّ اتفاق كينياتا وأودينغا لم يلقَ استحسانًا من جانب نائب الرئيس ويليام روتو، …، أدَّى هذا في النهاية إلى اشتعال الخلاف بين الاثنين؛ حيث سحب كينياتا دعمه لويليام روتو، وبدلاً من ذلك دعم منافسه، أودينغا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
استمرت التوترات بين كينياتا ونائبه حتى بعد الانتخابات. فلم يقم بتهنئة روتو علنًا على فوزه حتى الآن، رغم أنه قال: إنه سيسهّل انتقالًا سلسًا للسلطة.
ربما لم تتم الوحدة التي سعى إليها كينياتا كما كان يتمنى، ولكنَّ المراقبين يقولون: إنها كانت فعّالة بالنسبة لبلدٍ يسعى إلى الابتعاد عن عنف عرقيّ واسع النطاق اندلع في أعقاب انتخابات 2007م المتنازع عليها، والتي قُتل فيها حوالي 1200 شخص، وأُجبر آلاف آخرون على الفرار من منازلهم.
ومع مرور الانتخابات الأخيرة بسلام، يعتقد المحللون أن كينياتا قد حقّق سعيه لتحقيق الوحدة وبناء مجتمع متماسك، حتى وإن خسر مرشحه أودينجا الذي كان يدعمه.
“خلقت المصافحة شعورًا بالشمولية؛ لأنه إذا كان هناك شيء ما سيقسم هذا البلد، ويلقي به لقمة سائغة لأعدائه، فستكون فكرة أن بعض الناس يشعرون بالإقصاء، أو أن الحكومة تنتمي نوعًا ما إلى قسم أو مجتمع معين”؛ هكذا يقول إيجاري كاباجي، أستاذ الآداب في جامعة ماسيندي موليرو للعلوم والتكنولوجيا.
لكن هذه الهدنة تركت فراغًا في المعارضة، تقول نيريما واكو أوجيوا، المحللة السياسية ورئيسة جمعية تساعد الشباب على الانخراط في السياسة: “لقد زاد ذلك من الارتباك حول من كان في الحكومة وقتها ومن لم يكن فيها”.
ربما يكون عدم وجود معارضة قوية تكبح تجاوزات الحكومة قد لعب دورًا في فشل كينياتا في إنهاء الفساد الجامح وإهدار الموارد العامة.
أثناء حملته الانتخابية من أجل أودينغا، اعترف كينياتا بأنه كان متساهلاً للغاية في التعامل مع الأفراد الفاسدين. وفي عام 2021م، قال: “إن البلاد تخسر نحو ملياري شلن كيني (17 مليون دولار؛ أو 14 مليون جنيه إسترليني) كل يوم بسبب الفساد”.
“بالنسبة لي، السؤال الواضح هو: حسنًا، إذا كنت تعرف ذلك، فلماذا لم تفعل شيئًا حياله؟ هناك الكثير من القضايا في المحكمة، ولكن يبدو أنها تسير في الاتجاه الخطأ”، يقول نيخيل هيرا، خبير الضرائب في شركة كودي أفريكا.
استثمرت إدارة كينياتا بشكل كبير في البنية التحتية لجميع أنحاء البلاد بمشاريع تمتد من السدود الضخمة والملاعب الرياضية، ووصلات الكهرباء، والسكك الحديدية والطرق، كطريق نيروبي السريع.
أصبحت هذه الاستثمارات متاحة من خلال عمليات الاقتراض الضخمة، ولكن أثيرت أسئلة حول قيمة التكاليف وعائد الاستثمار علي للمواطنين.
على سبيل المثال، كلف خط السكك الحديدية القياسي الصيني من مدينة مومباسا الساحلية إلى نيروبي دافعي الضرائب 3.2 مليار دولار، والتي يقول المحللون: إنها تكلفة مبالغ فيها مقارنة بالمشاريع المماثلة التي تم تنفيذها في تنزانيا وإثيوبيا.
رفعت عمليات الاقتراض الدَّيْن العام للبلاد إلى مستويات قياسية، والتي سيتعين على الدولة سدادها لسنوات عديدة قادمة.
في نهاية عام 2021م، بلغت ديون البلاد 72.6 مليار دولار، أي ما يعادل 68٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ38٪ من الناتج المحلي الإجمالي عندما أصبح كينياتا رئيسًا في عام 2013م.
بينما يتفق المراقبون على أن البلاد بحاجة إلى بنية تحتية جديدة لتسريع النمو الاقتصادي لأكبر اقتصاد في شرق إفريقيا، فقد أثاروا مخاوف بشأن سوء إدارة الأموال. “بينما لا حرج في الديون، فإن القضية هي كيف نستخدمها؟”؛ يقول احد المتخصصين.
بصرف النظر عن النقاشات السياسية، سيفتقد البعض شخصية كينياتا السهلة؛ خاصةً عند التعامل مع أشخاص في ارتباطات أقل رسمية؛ حيث يكون علي سجيته.
سيتم تصوره وهو يتجول على مهل في أحد شوارع نيروبي مع أمنه المتخلّف عنه، ليأكل “نياما تشوما” (لحمًا مشويًّا) في سوق محاط بالسكان المحليين والزعماء، أو يحضر بطولات الجولف؛ حيث يتصرف بطبيعته.
كما أنه غالبًا ما يخرج عن النص عند إلقاء الخطب ويعطي الجمهور تلميحًا لما يحدث وراء الكواليس.
في عام 2013م، وعد كينياتا بشراء أجهزة كمبيوتر محمولة وأجهزة لوحية لجميع أطفال المدارس لمساعدتهم في جانب المهارات الرقمية. لكن الخطة لم تتعدَّ المرحلة التجريبية؛ حيث ظلت الأجهزة التي تم توفيرها لبعض المدارس غير مستخدَمة وسُرِقَ البعض الآخر بسبب نقص غرف التخزين.
قال مراقبون في قطاع التعليم: إن فشل هذا المشروع كان بسبب قلة تدريب المعلمين وضعف إمدادات الكهرباء، من بين أمور أخرى.
يقول أ. كبجي “لقد نصحنا الحكومة ببناء مختبرات كمبيوتر في جميع المدارس وتخزينها بدلاً من ذلك، وكان من الممكن أن يتحقق ذلك بسهولة بالغة، ولكن بطريقة ما لم يستمع أولئك الذين يتخذون القرارات إلى البعض منا. وكان ذلك مؤسفًا للغاية”. ومع ذلك، تمكنت إدارة كينياتا من إصلاح المناهج الوطنية.
وعلى الرغم من وجود بعض الانتقادات لعمليات التطوير في النظام التعليمي، إلا أن النظام الجديد يهدف إلى إبراز الإمكانات الإبداعية للطلاب؛ من خلال منحهم المهارات التي سيحتاجون إليها للحصول على وظائف، بدلاً من التركيز فقط على اجتياز الاختبارات.
بينما لم يتم تنفيذ خطة طموحة لنشر الرعاية الصحية الشاملة في جميع أنحاء البلاد بشكل كامل، فقد تحسنت سعة المستشفيات بشكل كبير وتم بناء مستشفيات جديدة.
وبعيدًا عن المشهد المحلي، على الصعيد الدولي، تحسنت مكانة كينيا عالميًّا خلال العقد الماضي؛ حيث تولت كينيا الرئاسة الدورية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ وتصدرت عناوين الصحف في فبراير 2022م بعد إدانتها حرب روسيا على أوكرانيا. وفي بيان انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، أجرى سفير كينيا لدى الأمم المتحدة، مارتن كيماني، مقارنات بين معاناة إفريقيا من الاستعمار والأزمة الروسية الأوكرانية.
وقررت العديد من الدول الإفريقية الأخرى الامتناع عن التصويت، بدلاً من الانحياز إلى جانب أحد الطرفين في الصراع الروسي الأوكراني.
شغل كينياتا أيضًا منصب رئيس مجموعة شرق إفريقيا؛ حيث عمل على حل النزاعات في إثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتم تعيينه وسيطًا للمجموعة.
ومع ذلك، يقول أنتوني فرانسيس مفيانج، رئيس الشراكة من أجل البحوث الاجتماعية والحوكمة في إفريقيا: “إنه كان من الخطأ متابعة صفقات تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بدلاً من التفاوض من خلال مجموعة شرق إفريقيا”.
ويضيف الدكتور مفيانج: “قد يؤثر ذلك على علاقة كينيا بالدول في الكتل الإقليمية التي تتمتع بالعضوية فيها”.
بشكل عام، واجهت كينيا تحديات غير متوقعة خلال فترة ولاية كينياتا، مثل الهجمات التي شنّها مسلحون في نيروبي وأماكن أخرى، ووباء كورونا، وارتفاع تكاليف المعيشة الناجمة جزئيًّا عن الحرب الروسية الأوكرانية.
وبينما يُسلّم كينياتا مقاليد السلطة للحكومة الجديدة؛ فإن التحدي الذي يواجه الحكومة القادمة لن يكون فقط في تحقيق بعض الوعود الكبيرة التي قطعتها للناخبين خلال الحملات الانتخابية، ولكن أيضًا لتلبية بعض الاحتياجات المُلِحَّة التي تواجه المواطنين. ويشمل هذه ارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، مع ارتفاع التضخم إلى مستوى قياسي بلغ 8.5٪ في أغسطس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط التقرير: https://www.bbc.com/news/world-africa-62838122