بقلم: بيرنارد كبوري
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
تُشكِّل زيارة العقيد داميبا، رئيس المجلس العسكري البوركيني إلى باماكو، رسالة قوية حول ضرورة إعادة النظر في المسار الاستراتيجي الراهن في واغادوغو.
وفي هذا السياق، وجَّه أحد الصحفيين سؤالاً إلى رئيس الوزراء البوركيني؛ ألبرت ويدراوغو، خلال مقابلة صحفية أُجرِيتْ مع التلفزيون الحكومي حول نتائج ستة أشهر قضاها على رأس الحكومة بالقول: “يا فخامة رئيس الوزراء، تُعتبر فرنسا شريكنا الكلاسيكي، لكن هناك مَن يفكر في روسيا والعديد من البلدان الأخرى عطفًا على اعتقاد المزيد والمزيد من البوركينيين أنه من الضروري الانفصال بشكل نهائي عن فرنسا، هل تعتقدون أنهم على حق؟”
فجاء ردّ ألبرت ويدراوغو “أتفهم ادعاءاتهم؛ لأن فرنسا هي الشريك التاريخي وحتى الشريك الأول… وإذا كان هذا التعاون الذي استمر لسنوات عدة لا يؤدي بنا إلى الاستغناء عن المساعدات؛ فهذا يستدعي طرح تلك التساؤلات. وأنا أتفق تمامًا على أنه يتعيَّن علينا اليوم إعادة النظر فيه؛ لأنه ليس من مقدورنا –كقادة- الإصرار على تجاهل مطالب شريحة معتبرة من مكونات شعبنا”، مشيرًا إلى أنه “لا توجد مشكلة بين الشعبين البوركيني والفرنسي”، وإنما “المشكلة تبرز على صعيد السياسة وعلاقات التعاون”، وهذا التصريح لفت انتباه جزء من الرأي العام حول كيفية تخطيط السلطات الحالية في بوركينا فاسو لنشر شراكاتها العسكرية والسياسية.
بداية تغيير الاستراتيجيات:
وبعيدًا عن الكلمات المختارة؛ هناك اتجاه محوري من حيث التخطيط الاستراتيجي نحو التغيير. لذلك تبدو السلطات الناتجة عن الانقلاب في نهاية شهر يناير أكثر من أيّ وقت مضى مصمّمة على مضاعفة الحلول الممكنة للتعامل مع العنف الإرهابي الذي تسبّب -خلال سبع سنوات- في مقتل عدة آلاف من المدنيين والجنود، وأدَّى إلى نزوح 10٪ من سكان بوركينا فاسو أو قرابة مليوني شخص.
وفي هذا السياق، حدّد رئيس حكومة بوركينا فاسو أربع ركائز أساسية لتوجيه هذا التنوع خلال المقابلة نفسها التي أُجرِيت مع التلفزيون الوطني، وتتصدر النقاط المعنية “حرية اختيار الشريك الذي يناسبنا… حتى لو تم اعتبار ذلك إساءة إلى شركاء تاريخيين معينين”، وتليها “الشراكة رابحة”، ثم “الاستقلال الإقليمي للحيلولة دون قيام القوات الأجنبية بالقتال بدلاً من القوات المسلحة البوركينية”، وأخيرًا “تحسين نقاط القوة لكل شريك لغرض الاستفادة من مميّزاته”.
مثل هذه التأكيدات تؤدي حتمًا إلى التساؤل عما إذا كانت واغادوغو مستعدّة لفك علاقات التعاون العسكري مع شريك تاريخي.
وقد حذّر بيان أصدره رئيس أركان الجيش الفرنسي قائلاً: “لقد تسبّب التعاون الفرنسي مع مالي في إحباط هجمات كبرى وإلحاق خسائر فادحة بالإرهابيين”.
التكيُّف بشكل أفضل مع السياق الراهن:
وفقًا للعديد من المراقبين والمحللين؛ فإن هذه المبادرات تُمليها الضرورة لمواجهة التحديات الجيوسياسية والاستراتيجية الراهنة. والسياق الإقليمي الفرعي يُفسح المجال لهذا لا سيما بعد تفكك مجموعة دول الساحل الخمس عقب انسحاب مالي التي تشترك معها بوركينا والنيجر فيما يسمى بمنطقة “الحدود الثلاثة”؛ حيث تتفشَّى الأعمال الإرهابية بوتيرة مثيرة للقلق.
وعليه اتفقت واغادوغو ونيامي على أن “مالي تُشكِّل الحلقة المحورية المفقودة حاليًا عن التعاون في مجال الدفاع”؛ وفقًا لوزير الدفاع النيجيري لكاسوم إنداتو، والذي انتهز الفرصة لدعوة باماكو للعودة إلى الإطار المشترك و”تحمل مسؤولياتها”.
بالنسبة لمحامودو سافادوغو، الباحث في قضايا التطرف العنيف والراديكالية؛ فإن هذا التعاون بين الدول المجاورة لمنطقة الساحل أصبح الآن ضرورة أكثر من أي وقت مضى؛ نظرًا للتنظيم القوي مِن قِبَل الجماعتين المسلحتين اللتين لهما نشاط مسلح في منطقة الساحل؛ وهما (EIGS: تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى) و (GSIM: مجموعة أنصار الإسلام والمسلمين)، ثم طبيعة توغلاتهم العابرة للحدود “لسوء الحظ دولنا غائبة أو كانت غائبة دائمًا حتى تتأثر”؛ يأسف الخبير الأمني الذي “يُوجِب على البلدان الالتزام بالتعاون الثنائي”.
وعندما طرح السفير السابق لبوركينا في الجزائر، بشيرو سانوغو، خلال مؤتمر عام في واغادوغو، لماذا استغرق هذا التعاون الثنائي المعزز بين الدول المجاورة بعض الوقت قبل التشكيل بالنسبة لبعض البلدان أو المكافحة من أجل الاشتراك بالنسبة لدول أخرى؟ فردَّ عليه العقيد أوغست دينيس باري، وزير الأمن السابق والأستاذ والباحث في القضايا الأمنية والجيوسياسية بأن “رجال السياسة عندنا يفتقرون إلى الجرأة في كثير من الأحيان”، و”مع ذلك” يرى المسؤول المدني البارز كاليفارا سيري أنه في ظل مواجهة التحديات الأمنية الهائلة “لم يعد هناك حظرٌ فيما يتعلق بالشراكة”؛ على حد تعبيره.
كيف يمكن الاستفادة بشكل أفضل من التعاون دون الإقليمي؟
ولتحقيق أقصى استفادة من التعاون دون الإقليمي؛ فإن تفعيل التعاون فيما بين بلدان الجنوب يحتاج من دول الساحل أن تملك الاستقلال الاستراتيجي؛ على حد تعبير كاليفارا سيري، مضيفًا أنه “لا بد من كبح سوء الفهم إزاء هذا الاستقلال الاستراتيجي الذي يتعين على الدول من خلاله -على سبيل المثال- أن تعمل على إنشاء مصانع أسلحة محلية لمعالجة مشكلة المعدات الفرعية لجيشنا”، ويقول العقيد أوغست دينيس باري: “ولكن في المقام الأول سوف يتطلب التعاون الثنائي الثقة بين البلدان”، مضيفًا “إذا لم تكن الثقة قائمة فإن التعاون سوف يكون صعبًا”.
وفي هذا الصدد يرى محمودو سافاوغو أن هذه المهمة قد تكون أكثر صعوبة؛ نظرًا للنزاعات التاريخية بين الدول المجاورة. ولنتأمل هنا حالة بنين التي تتصارع مع غابة كالو في بوركينا فاسو التي تحولت الآن إلى منطقة غير قانونية. ويقول محلل الأمن: “إن الجشع الذي يستحوذ على كلا البلدين يجعل هذه المنطقة اليوم خارج بنين وبوركينا فاسو، وهي تشكل بدلاً من ذلك قاعدة لوجستية للمجموعات المسلحة”، وهذا يعني ضرورة تولي زمام التعاون العسكري دون الإقليمي من أجل إحراز تقدم مشترك على نحو أفضل. وقد عملت السلطات العسكرية في واغادوغو على تعزيز الاتصالات مع الجيران.
إيلاء المزيد من الأهمية في تنويع الشراكات:
في أوائل أغسطس الماضي قام وفد برئاسة وزير الدفاع البوركينابي إميه بارتيليمي سيمبوري بزيارة مصر. وفي الوقت نفسه تقريبًا زار رئيس الأركان العامة للجيش العقيد ديفيد كابري نيجيريا، ثم كوت ديفوار وعقد اجتماعًا مع نظرائه في البلدين.
كما تم تكريم أعضاء بعثة عسكرية تابعة لجمهورية روسيا الاتحادية في نهاية مهمتهم (والمتمثلة في تدريب جنود من بوركينا فاسو؛ بحسب ما أفادت التقارير) بأوسمة في بوركينا فاسو في واغادوغو في وقت سابق من هذا العام وتحديدًا في أواخر يوليو.
ولقد أشارت قيادة الجيش الروسي إلى الجهود التي تبذلها القوات المسلحة الوطنية لتعزيز التعاون العسكري بين روسيا وبوركينا فاسو دون المزيد من التفاصيل حول هذه “الجهود”. وعلى الصعيد دون الإقليمي كان أهم تعبير ملموس عن الرغبة في التعاون العسكري هو العمل الرسمي المتعلق بالتقارب بين وزيري الدفاع البوركيني ونظيره النيجيري يوم 21 أغسطس الماضي، وهي خطوة ذات دلالة رمزية بامتياز.
تعزيز محور واغادوغو – نيامي:
قامت بوركينا فاسو بالتعاون مع جارتها النيجر التي تواجه أعمال عنف أيضًا؛ حيث قامت الجماعات المسلحة بعدة عمليات وهجمات عسكرية عليها، ولا يزال يتذكر العديد العمليات الأخيرة التي وقعت في شهر أبريل حين بدأت عملية تانلي في الحدود الشرقية لبوركينا فاسو، والتي أدَّت إلى القضاء على مائة من الإرهابيين طبقًا لقادة أركان البلدين، بالإضافة إلى اتفاق البلدين بالفعل على بناء “تحالف استراتيجي قوي ضد التهديدات الإرهابية” بما يؤدي في نهاية المطاف إلى استراتيجية مشتركة لمكافحة الإرهاب، مع الأخذ في الاعتبار التطورات على الأرض والضرورات الاستراتيجية.
وأكد وزير الدفاع النيجيري ألكاسوم إنداتو في واغادوغو بالقول: “نخطط للقيام بعمليات أكثر انتظامًا ودوامًا على الأرض بين مختلف القوات المسلحة لضمان السيطرة على الأرض وحمايتها وعدم التخلي عن سنتيمتر واحد للإرهابيين”.
وقد زار رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة البوركينية كلاً من أبيدجان وأبوجا للبحث عن “سبل جديدة لتحسين التعاون في المجالات العملياتية والفنية”، وفي الوقت نفسه وقَّعت مصر “بروتوكول تعاون عسكري وتبادل الخبرات في مختلف المجالات بما في ذلك مكافحة الإرهاب”.
وفي ظل إعادة ترتيب الأوراق بشكل كبير على الصعيد الدولي لا سيما مع إفريقيا باعتبارها أرضًا خصبة؛ فإن من الضروري الآن أن ندرس على نحو أفضل كيف يمكن للقوات العسكرية الحاكمة في منطقة الساحل أن تتفاعل فيما بينها ومع الأنظمة المدنية الأخرى التي تواجه الإرهاب في المنطقة دون الإقليمية أيضًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: