بقلم/ راما ياد وتيريل جونيوس([1]) – أتلانتيك كاونسل([2])
ترجمة:قراءات إفريقية
في الوقت الذي تتنافس فيه الصين والولايات المتحدة وروسيا في إفريقيا بطرقٍ تُذكّرنا بمنافسات الحرب الباردة في القارة؛ فإن اليابان تدخل هي الأخرى ساحة المنافسة الإفريقية، بمؤتمر طوكيو الدولي الثامن حول التنمية الإفريقية (TICAD8)، والذي اختُتِمَت أعماله في تونس.
ويرى البعض أن اليابان، ودول آسيوية كبرى أخرى، يمكن أن تكون بدائل محتملة للصين كشركاء في إفريقيا. ومع إطلاق TICAD في عام 1993م، كانت اليابان هي الدولة الثانية، بعد فرنسا، التي تنشئ آلية رسمية للتعاون مع كافة الدول في إفريقيا.
وبينما تنعي اليابان في هذه الأيام رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، الذي ساعد في بناء إرث ياباني جديد في إفريقيا؛ فإن رئيس الوزراء الحالي فوميو كيشيدا يبدو أنه عازم على مواصلة عمل سابقه مع اقترابه من عام كامل في السلطة. فتحت قيادة آبي، تحول تعاون اليابان من المساعدة إلى الاستثمار التجاري في القطاع الخاص، في حين يهدف كيشيدا إلى تعزيز كلا الهدفين من خلال إنشاء اتفاق بين القطاعين العام والخاص مدته ثلاث سنوات، باستثمار يبلغ ثلاثين مليار دولار، تم الإعلان عنها في مؤتمر (TICAD8).
وفي الواقع فإن نتائج مؤتمر طوكيو الدول (TICAD8) الذي انعقد في تونس العاصمة، بحضور حوالي عشرين رئيس دولة وحكومة إفريقية من بين خمسة آلاف مشارك، تعكس الهدف الواضح لليابان في تمييز نفسها عن الصين؛ فقد أقام المؤتمر عددًا من الجلسات الفرعية حول قضايا تتراوح ما بين مكافحة التَّصحُّر والتحوُّل الرقمي إلى قضايا الزراعة، بما يعكس حجم وقوة اليابان التقنية، كما ركزت اللقاءات –سواء على مستوى الوزراء وعلى مستوى القمة- على أهم الدول في كل من غرب وشرق إفريقيا وفي منطقة الساحل.
وقد يكون حجم الاستثمار في اليابان أقل بكثير من مبادرة الصين ومبادرة “الحزام والطريق” للبنية التحتية، لكن من الواضح أن اليابان تريد أن تضع نفسها كشريك رئيسي؛ ففي الخطاب الختامي للمؤتمر، دعا كيشيدا إلى الحصول على مقعد إفريقي دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأعلن أن بلاده ستدفع في هذا الاتجاه عندما تصبح عضوًا غير دائم في الفترة ما بين عامي 2023 و2024م. فاليابان تستطيع أن تُحدِث فارقًا بالدور المحوري لقطاعها الخاص القوي في مجالات التعاون الياباني الإفريقي، بشركات عملاقة مثل Toyota Tsusho و Rakuten و Sony و Nippon Steel و Ajinomoto، والتي ستقوم بقيادة وتعبيد الطريق أمام اليابان.
فقد ازداد عدد الشركات اليابانية العاملة على الساحة الإفريقية من 169 عام 2013م إلى 259 عام 2019م، والتي تعمل في مجالات الابتكار؛ حيث تحقق تلك الشركات تفوقًا واضحًا مقارنة بالصين، والتي تركز أكثر على البنية التحتية.
ومن أجل تتويج تلك السياسة فإن وكالة التعاون الدولي اليابانية أنشأت برنامج “ابتكار المستقبل مع اليابان” من أجل مزيد من خلق فرص الاستثمار والابتكار وخلق الأعمال، ومِن ثَم تستطيع إفريقيا أن تتعلم دروسًا من تجربة اليابان باعتبارها صاحبة أطول تاريخ في عمر شركات الأعمال؛ حيث لديها 33 ألف شركة يبلغ عمرها قرنًا من الزمان، ومِن ثَم تستطيع أن تساعد الشركات الناشئة في إفريقيا، والتي هي في أمس الحاجة إلى دعم اليابان في مجالات استدامة الأعمال وتوسيع نطاقها.
مكمن القوة اليابانية:
لدى اليابان الكثير من مكامن القوة بما يجعلها محقَّة في رَفْع سقف طموحاتها في إفريقيا؛ فاليابان باتت قوة عالمية في مجال الاقتصاد، وتستطيع الاستفادة من نقاط قوتها الهائلة في إفريقيا، فالعلاقة بين الجانبين ليست جديدة، فقد وصل ياسوكي إفريقي المولد من موزمبيق كأحد العبيد في اليابان إلى بداية القرن السادس عشر، قبل أن يصبح أول ساموراي أجنبي في البلاد، وتاريخيًّا كان انخراط اليابان في الشأن العالمي محدودًا بسبب جغرافيتها المعزولة في الفترة ما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر.
وحتى الآن لا يوجد سوى اثني عشر ألف إفريقي في اليابان، مقارنة بنحو 11 مليون في أوروبا، وخمسة ملايين في الشرق الأوسط، وأكثر من ثلاثة ملايين في أمريكا الشمالية، وما يُقدّر بنحو نصف مليون في الصين، ومع ذلك بدأت اليابان طريق الانفتاح؛ حيث بلغ عدد الأجانب المقيمين رسميًّا في اليابان لعام 2017م رقمًا قياسيًّا وهو 2.56 مليون أجنبي.
كما تعزز قدرة اليابانيين على السفر هذا الاتجاه الانفتاحي الجديد؛ حيث يستطيع المواطن الياباني السفر إلى عدد غير كبير من الوجهات دون الحاجة إلى تأشيرة، مقارنةً بأقرانهم من أي دولة أخرى. بينما تمتلك سيشيل أقوى جواز سفر في إفريقيا، فإن تحسين وصول الدول الإفريقية الأخرى للسفر بحرية إلى اليابان سيؤدي إلى الابتكار وبناء الثقة وتمكين مجموعة متنوعة من الأجانب من المشاركة في فُرَص الأعمال المحلية.
وفي الرياضة أيضًا، تُظهر اليابان التزامًا جديدًا بالتنوع؛ من خلال مفهوم الألعاب الأولمبية الصيفية في طوكيو لعام 2020م “الوحدة في التنوع”، والذي تم تعديله لاحقًا إلى “متحدون بالعاطفة”، بمشاركة الرياضيين البارزين مثل لاعب كرة السلة الياباني البنيني الأصل روي هاشيمورا، ونجمة التنس اليابانية من أصل هاييتي نعومي أوساكا.
وعندما استضافت اليابان كأس العالم للرجبي في عام 2019م، وصلت إلى المراكز الثمانية الأولى بأكثر من نصف قائمة اللاعبين المولودين في الخارج. قال شينيتشي إينو، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة All Nippon Airways، هذا العام: “بدون هذا التنوع، لا أعتقد أنه كان بإمكانهم إنجاز ما فعلوه”.
تتمتع اليابان أيضًا بمزايا فريدة في إفريقيا: فهي ليست إمبراطورية استعمارية سابقة ولا قوة عالمية ذات وجهات نظر مهيمنة، ويوفّر هذا لليابان حرية استكشاف مجالات مختلفة من التعاون وبناء علاقة مبتكرة مع الأجيال الجديدة.
وباعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في العالم؛ يمكن لليابان الاستفادة من قوتها التصنيعية في مجالات صناعة النقل وتصنيع المعدات الإلكترونية والصلب لتطوير البنية التحتية، فضلاً عن قوتها الناعمة في الفنون التقليدية وعلوم الطهي والرياضة والصناعات الإبداعية والفضاء والألعاب والعلوم والتكنولوجيا، ففي قارة لديها حاجة ماسّة لخلق فرص العمل وتحويل اقتصادها، فيمكن لليابان أن تغيّر قواعد اللعبة.
كما تكمل اليابان وإفريقيا بعضهما البعض بطرق يمكن أن تساعد الدولة الواقعة في شرق آسيا على تحقيق أهدافها المحلية؛ حيث تواجه جهود اليابان لتحديث اقتصادها والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون العديد من التحديات؛ فهي أعلى دولة فيما يتعلق بالديون الداخلية في العالم بنسبة 234 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأعلى نسبة من إجمالي السكان فوق سن 65، فتضاؤل عدد القوى البشرية في سنّ العمالة يخلق مجتمعًا هرمًا يعوق النمو الاقتصادي، فطبقًا للإحصاءات الحكومية فإن الشركات تعرض 129 وظيفة لكل مائة طالب عمل في اليابان، في حين أن إفريقيا لديها أسرع النِّسب نموًّا للشباب في سنّ العمل، بالإضافة إلى العديد من الاقتصادات الأسرع نموًّا في العالم كذلك، ومِن ثَم تستطيع إفريقيا أن تساعد في جسر تلك الهوة في مجال التوظيف وتضخ القوة في الاقتصاد الياباني.
الاستثمار في العلاقات الإنسانية:
يمكن للديموغرافية الإفريقية أن تكون أصلاً من أصول العلاقة اليابانية الإفريقية، وبخاصة عندما ترتفع معدلات التعليم والتدريب في القارة وينخفض مستوى الفقر، فعن طريق فتح الحدود مع إفريقيا تستطيع اليابان أن تطوّر علاقات نافعة بين الشعبين، وإيجاد حلول لتحديات انخفاض معدلات الإنتاج وارتفاع معدلات الشيخوخة لدى السكان في اليابان. فالأفارقة الذين ترعرعوا وهم يعرفون أربع لغات في المتوسط في تلك القارة التي بها آلاف اللهجات، قد تعرّضوا بصورة مكثفة إلى لغة المندرين الصينية في فصولهم مع تزايد النفوذ الصيني في القارة، ولكن بالمقارنة، فهناك فقط 13 ألف إفريقي تعلموا اللغة اليابانية حتى عام 2018م، ومِن ثَم فإننا نستطيع الوصول إلى صحوة ثقافية في القارة مع مزيد من المعرفة والفهم.
الاستفادة من نقل التكنولوجيا:
تحتل اليابان المرتبة الثالثة في العالم في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بحصة سوقية تبلغ 6.4 في المائة، وتضع رهانات كبيرة على شبكات الجيل الخامس والحوسبة السحابية والحوسبة المتطورة. ومع ذلك، فإن التكنولوجيا وحدها لن تحلّ المعضلات الاجتماعية التي تعوق النمو الشامل؛ ففي عام 2016م، جاء مجلس العلوم والتكنولوجيا والابتكار بمفهوم Society 5.0، والذي يُعرَّف بأنه “مجتمع محوره الإنسان يوازن بين التقدم الاقتصادي وحل المشكلات الاجتماعية من خلال نظام يدمج بشكل كبير الفضاء الإلكتروني والمساحات الفعلية”؛ إنها النسخة اليابانية من Metaverse العالم الافتراضي لفيسبوك، ولكنها تهدف حقًّا إلى حل المشكلات الاجتماعية.
ولإطلاق العنان لهذه الأفكار؛ يجب أن يكون هناك توجُّه حكومي كلّي متكامل الأركان، ومن أجل تنفيذ توصيات مؤتمر TICAD8 يجب على القادة الأفارقة أن ينظروا في كيفية مساهمة الأفارقة الشباب في تلك الرؤية الشاملة، وما هي الاستثمارات المطلوبة في البنية التحتية الرقمية لتحقيق أهداف كل من إفريقيا واليابان على حد سواء.
الموازنة بين المناخ والتنمية:
في وقت سابق من هذا العام2022، أقر الكونجرس الأمريكي قانون خفض التضخم، والذي يتضمن ضخ ما يقرب من 400 مليار دولار من الاستثمارات التي تهدف إلى مكافحة تغيُّر المناخ؛ فباعتبارها ثاني أكبر ملوِّث في العالم، بعد الصين، قامت الولايات المتحدة باتخاذ خطوات ملموسة نحو تحقيق هدف استثمار 4.5 تريليون دولار إلى 5 تريليونات دولار من الاستثمارات المناخية المطلوبة كل عام؛ لمنع ارتفاع درجة حرارة أكثر من 1.5 درجة مئوية سنويًّا، ومِن ثَم ينبغي لليابان أن تهتم بتقرير التوقعات الاقتصادية لإفريقيا 2022م لتلبية أهداف الطاقة لإفريقيا.
علاوة على ذلك، فإن الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDG)؛ هو الاهتمام بمبادرات الطاقة النظيفة والميسورة التكلفة، وهو مجال يبدو أن اليابان قد بدأت تخسر نفوذها الاستراتيجي فيه بالفعل، فهناك حاجة ماسة لوجود خطط تمويل لإنجاز أهداف التنمية المستدامة في إفريقيا؛ حيث باتت القارة الآن في منتصف الطريق فقط لتحقيق تلك الأهداف بحلول عام 2030. وهذا أكثر أهميةً؛ لأن اليابان أعطت الأولوية لهذه القضية في المؤتمر السابق TICAD7 لعام 2019م، وبشكل أكثر تحديدًا في منظومة مرصد يوكوهاما لمتابعة خطط العمل، وهي منصة عبر الإنترنت تُتيح للشركاء الإبلاغ عن التَّقدُّم المُحرَز في مؤشرات الأداء الرئيسية.
وهذه الأهداف تتوافق بشكل جيد مع خطة تطوير البنية التحتية لبرنامج الاتحاد الإفريقي، والشراكة العالمية لمجموعة الدول السبع (G7) من أجل مبادرة البنية التحتية العالمية، والحوار 2 + 2 بين الهند والولايات المتحدة.
وعلى الرغم من تعطلها بسبب الوباء العالمي “جائحة كورونا”، والآن الحرب الروسية على أوكرانيا، فإن هذه المبادرات توفر فرصًا لليابان للشراكة مع حلفائها العالميين، وبناء نهج جماعي لتطوير القارة، كما يوفّر السياق التنافسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ فرصة تاريخية لمثل هذا التعاون بين الغرب (تحديدًا الولايات المتحدة وفرنسا) والقوى الآسيوية الكبرى (اليابان والهند)؛ وهذا هو خير دليل على جاذبية القارة الإفريقية.
-[1] راما ياد هي كبيرة مديري مركز إفريقيا التابع للمجلس الأطلسي وزميلة أولى في مركز أوروبا. وهي أستاذة في كلية العلوم السياسية بباريس وجامعة محمد 6 بوليتكنيك في المغرب. كانت عضوًا في مجلس الوزراء الفرنسي، وشغلت منصب نائب وزير الخارجية وحقوق الإنسان وسفيرة لدى اليونسكو.
تيريل جونيوس هو المدير المساعد لمركز إفريقيا التابع للمجلس الأطلسي. عمل متطوعًا في فيلق السلام الأمريكي في زامبيا، وحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية الدراسات العليا للإدارة في جامعة غلوبس في طوكيو.
[2]– نشر على الرابط التالي: https://www.atlanticcouncil.org/blogs/africasource/japans-opportunity-to-build-a-new-legacy-in-africa/