كنعان مالك – الجارديان([1])
“هناك سيطرة تامة من الدولة وأجهزة الأمن ومراقبة دائمة على المستوى الوطني في رواندا للمعارضين غير المرحّب بهم، ولا يجدون أي تسامح من الحكومة الرواندية، والتي تعمل على اعتقالهم تعسفيًّا وتعذيبهم، وحتى قتلهم خارج نطاق القضاء، وكلها وسائل مشروعة لدى الحكومة الرواندية لتمارس سيطرتها بالقوة على البلاد”؛ هذه هي نص رسالة البريد الإلكتروني المسرَّبة التي أرسلها مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية إلى زملائه في وزارة الداخلية؛ ردًّا على خطط بريطانيا لترحيل طالبي اللجوء الروانديين إلى بلادهم؛ وذلك خلال النظر في قضيتهم التي عُرضت الأسبوع الماضي على القضاء البريطاني، والتي حاول خلالها عدد من المؤسسات الإعلامية والحقوقية المهتمة وكذا عدد من المُرحّلين المحتمَلين إجبار الحكومة على نشر تلك المعلومات التي تَحتفظ بها كوثائق سرية.
وقضت المحكمة بضرورة الإفراج عن غالبية الفقرات في الوثائق الداخلية المتعلقة بتقييمات وزارة الخارجية لرواندا وحقوق الإنسان فيها، على الرغم من إمكانية حذف عدد صغير من محتوياتها؛ بسبب حساسيتها السياسية، وستُعقَد جلسة الاستماع في المحكمة بشأن شرعية مخطط ترحيل اللاجئين من رواندا في وقت لاحق من سبتمبر الجاري.
وفي الواقع لم تكن وجهة نظر المحلل في وزارة الخارجية -الذي لم تذكر اسمه الوثائق- مفاجأة لأي شخص يتابع السياسة الرواندية؛ فلقد تعافت رواندا بشكل ملحوظ من الإبادة الجماعية عام 1994م، لكنها منذ ذلك الحين محكومة بوحشية مِن قِبَل الرئيس بول كاغامي؛ فالاعتقال التعسفي والتعذيب هما القاعدة في التعامل مع منتقديه، وحتى الأبطال الذين أنقذوا أرواح الآلاف خلال الإبادة الجماعية لم يَسْلموا من بَطشه؛ حيث يواجه الروانديون في الخارج عقوبات على أيّ شكل من أشكال المعارضة، كما يخضع المنتقدون للمراقبة المستمرة. أما داخل البلاد، فاختفاء الصحفيين بات أمرًا روتينيًّا، كما يتم سحق المعارضين بوحشية، في حين نجح بعض اللاجئين في الفرار خارج رواندا بأعجوبة.
كل هذا معروف لدى الشعب الرواندي، ولكن ما تحاول الحكومة البريطانية فعله الآن هو إخفاء حقيقة أن هذا هو رأيها الرسمي أيضًا، وذلك في محاولة منها لتنفيذ خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا. ويبدو أن وزيرة الخارجية البريطانية -ورئيسة مجلس الوزراء المنتخبة- “ليز تروس” أوقفت نشر التقرير السنوي عن حقوق الإنسان في رواندا الصادر عن وزارة الخارجية؛ حتى لا تنشر انتقاداتها لنظام كاغامي.
وعلى مستوى حرية الرأي، فعندما يجرؤ أي شخص على انتقاد رواندا على الإنترنت، عادةً ما يكون هناك مجموعات من اللجان الإلكترونية من المؤيدين لكاجامي الذين يحاولون الرد وتعقُّب هذه الانتقادات وتشويه المنتقدين.
وفي وقت سابق من هذا العام، بعد أن أثار الكشف عن صفقة رواندا مع بريطانيا انتقادات عامة، انضم عدد كبير من مستخدمي الإنترنت إلى مناهضي الحكومة الرواندية، منهم وزراء من حزب المحافظين ونوّاب وإعلاميون اكتشفوا فجأة مؤهلاتهم المناهضة للعنصرية، فقط عندما أرادوا معارضة الحكومة البريطانية الحالية.
وزعمت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، أن انتقاد مخطط الترحيل “يكشف عن تحيز يصل إلى حد العنصرية”، في حين صرح دانييل كاوتشينسكي، النائب عن حزب المحافظين، لمحطة “إل بي سي إيان ديل” بأن الرد كان “عنصريًّا للغاية”.
وهنا يبدو أن كاوتشينسكي لا يفهم المخطط على الإطلاق؛ فهو يظن أن الحكومة البريطانية سترسل اللاجئين إلى رواندا لتقوم الحكومة هناك بإعادة تأهيلهم، ثم إرسالهم مرة ثانية إلى بريطانيا، فهو لا يعلم أنها تذكرة سفر ذات اتجاه واحد بلا عودة، وهذا يكشف عن مدى قدراته التحليلية للسياسات.
في حين زعم أحد أعضاء حزب المحافظين ومستشار مجلس التجارة البريطاني دانيال هنان بأن منتقدي مخطط الترحيل كانوا يُظهرون “مواقف تقلل من شأنهم، كما أن تصريحاتهم عنصرية”، وأصر على أن “رواندا بلد آمن ومزدهر يا رفاق”. مضيفًا “حاول أن تتغلب على الصور النمطية الخاصة بك عن إفريقيا”. قد يكون هذا صحيحًا إذا كان من الممكن وصف الدولة التي تحبس معارضيها ويصفها البنك الدولي بأنها دولة ذات دخل منخفض بأنها “آمنة ومزدهرة”.
إن الكثير من السياسيين والصحفيين في بريطانيا ينظرون إلى انتقاد الحكومات الإفريقية على أنها سياسات عنصرية، ولا يعلمون أن ذلك الانتقاد ليس بسبب العِرْق، ولكن بسبب السياسات التي تُمارسها تلك الحكومات، فوصف بيئة ما بأنها بيئة معادية لا يعني عنصريةً أو تعصبًا بقدر ما يعني عدم إغماض العين عن تلك الممارسات الوحشية ضد حقوق الإنسان.
كما أننا نعارض مخطط الترحيل في حد ذاته حتى لو كان لبلد ديموقراطي يحافظ على حقوق الإنسان مثل فرنسا أو السويد أو نيويورك أو سدني، فسيظل هذا المخطط غير مقبول؛ لأنه أيضًا لن يكون إلى بلد ديموقراطي، ولكن إلى بلد به انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وما نراه اليوم هو أن الدول الغنية تغلق أبوابها، وتجعل البلدان الفقيرة تعمل كملاجئ للمشردين “غير المرغوب فيهم”. حيث تنظر بريطانيا إلى طالبي اللجوء على أنهم مشكلة سياسية، لذا فقد استخدمت نفوذها الاقتصادي وثقلها السياسي لجعل دولة أفقر تنظّف ما تَعتبره هي فوضى نيابةً عنها، ففي الواقع فإن وزارة الداخلية البريطانية تبحث عن دول نامية أخرى لتقديم خدمة مماثلة، على الرغم من أن العديد منها قد رَفضها بالفعل بازدراء.
لا يختلف مخطط الترحيل الذي وَضعته وزيرة الداخلية، بريتي باتيل عن مخططات الدول الغنية التي تَستغل الفقراء كمستودعات لنفاياتهم السامة، باستثناء أن “النفايات السامة” في هذه الحالة تعيش وتتنفس؛ فهم بشر وأشخاص لديهم أحلام وآمال وتطلعات تحوّلوا إلى سِلَع يتم تداولها على المسرح العالمي. وبريطانيا ليست وحدها في هذا؛ فعلى مدى العقود الماضية، انتقلت العديد من الدول الغنية من استبعاد طالبي اللجوء إلى “النقل إلى الخارج” باستخدام دول أخرى كمراكز معالجة لطالبي اللجوء، ثم انتقلت إلى مرحلة الترحيل الجماعي المباشر دون أيّ اعتبار للمتورطين أو خلفياتهم أو مستقبلهم.
فمن أستراليا التي ألقت بطالبي اللجوء في مانوس وناورو إلى الاتحاد الأوروبي الذي قام باستخدام الميليشيات وأمراء الحرب في إفريقيا للقبض على المهاجرين المحتملين وسجنهم قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، إلى أمريكا التي توظّف قوات خارج حدودها لمنع الأشخاص غير المصرّح لهم من التحرك نحو الولايات المتحدة، مع الحفاظ على غير المرغوب فيهم داخل عالم البلدان الفقيرة، بما أصبح يشكل ظاهرة عالمية.
كما هو الحال مع مخطط بريطانيا لترحيل لاجئي رواندا، فلقد أدّى هوس الدول الغنية باستخدام الدول الأكثر فقرًا كصفائح احتجاز للغرب لتوقيف غير المرغوب فيهم، إلى سحق أي اعتبارات لحقوق الإنسان أو حتى لأبسط المعايير الأخلاقية.
إن ما يتشكل الآن هو إمبريالية جديدة أصبحت فيها ضوابط الهجرة عبارة عن أداة لتقسيم العالم إلى دول غنية محاطة ببوابات وأسوار عالية، وأخرى فقيرة تقوم بالتحكم في المهاجرين المحتملين نيابة عن الغرب. لذا، يجب أن نشعر بالقلق إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في رواندا، وأن نشعر بقلق أكبر بشأن نظام إدارة “النفايات” الذي يتم إنشاؤه الآن مِن قِبَل أغنى دول العالم.
[1] على الرابط التالي: https://www.theguardian.com/commentisfree/2022/aug/21/treating-refugees-like-waste-people-is-abhorrent-wherever-they-end-up