بقلم: الدكتور مايكل شوركين*
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
إن إعادة انتشار القوات العسكرية في منطقة الساحل من خلال وحدات صغيرة الحجم؛ بحيث تصبح أكثر فعالية في الحركة والتكامل؛ من شأنه أن يعزّز دعم ممارسات مكافحة التمرد بشكل أفضل، مع ضرورة التركيز على السكان لتغيير معادلة تزايد الهجمات المتطرفة العنيفة.
العناصر الأساسية:
– شهدت مالي وبوركينا فاسو والنيجر نموًّا مطردًا تقريبًا في أعمال عنف وهجمات ترتكبها جماعات التطرف المسلح على مدى العقد الماضي؛ مما يُبرز الحاجة إلى استراتيجية أمنية بديلة. ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن هذه الجماعات المتطرفة العنيفة تستخدم تكتيكات غير منظمة، وتعمل كحركات تمرد محلية، الأمر الذي يتطلب شنّ حملة قوية طويلة النفس لمكافحة التمرد.
– يتطلب تحسين فعالية القوات في منطقة الساحل أن يكون هيكل القوات أكثر تكاملاً وقدرةً على الحركة مع التركيز على سلامة السكان، ودعمها من خلال تعزيز القدرات اللوجستية والجوية المحسنة.
– العلاقات الإيجابية مع السكان المحليين ليست مسألة أخلاقية أو شرعية فحسب، وإنما هي أيضًا وسيلة أساسية لإضعاف دعم المتمردين.
تجدر الإشارة إلى أن العنف الإرهابي المتشدد في منطقة الساحل يتسارع بوتيرة أسرع من أيّ منطقة أخرى في إفريقيا باعتبار تصاعُد أحداث العنف لمدة تقارب العقد من الصراع في منطقة الساحل (تحديدًا في بوركينا فاسو ومالي وغرب النيجر) بزيادة بنسبة 140٪ منذ عام 2020م، وعدم وجود مؤشرات على التراجع.
ويمثل عنف الجماعات الإرهابية المتشددة ضد المدنيين في منطقة الساحل 60٪ من جميع أعمال العنف في إفريقيا، ومن المتوقع أن تزداد بأكثر من 40٪ في عام 2022م(1)، كما أدى هذا التصعيد المستمر للعنف إلى نزوح أكثر من 2.5 مليون شخص، ومن المتوقع أن يتسبّب العنف في سقوط أكثر من 8000 ضحية خلال العام الجاري 2022م (شكل رقم خريطة 1).
(شكل رقم 1)
حصيلة الوفيات الناجمة عن عنف المجموعات الإرهابية الناشطة في الساحل
من جهة أخرى تراجعت سيطرة الحكومات على هذه الأراضي الشاسعة والوعرة على مرّ السنين، مما سلط الضوء على عدم القدرة على مواصلة الضغط على الجماعات الإرهابية المتشددة والحفاظ على أمن المجتمعات، عطفًا على الخسائر الفادحة التي تكبَّدتها قوات الأمن في منطقة الساحل في هذا الصراع، عطفًا على تمكين المسلحين من استهداف قوات الأمن والدفاع في هجماتهم في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
ونتيجة لقدرات التنقل والاستخبارات الفائقة التي تمتلكها الجماعات المسلحة تمكَّنت من السيطرة على قواعد عسكرية ثابتة مما أدَّى إلى سقوط مئات الضحايا في صفوف القوات المسلحة. بالإضافة إلى ذلك؛ أدَّت الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو إلى تحويل الانتباه عن هذا الصراع، مما سمح للمتشددين باكتساب القوة والانتشار. وفي عام 2021م، شهدت 73 منطقة إدارية أحداثًا عنيفة مرتبطة بالجماعات الإرهابية المتشددة مقارنة بـ 35 منطقة في عام 2017م(2).
وتجدر الإشارة إلى أن الأزمة في منطقة الساحل معقدة، ولا يمكن اختزالها في عامل واحد. ورغم ذلك فإن تدهور البيئة الأمنية يسلط الضوء على الحاجة إلى إعادة فحص وإعادة ضبط الاستراتيجية التي تستخدمها دول الساحل لقواتها الأمنية من أجل مواجهة هذا التهديد المتزايد؛ علمًا بأن كلاً من مالي وبوركينا فاسو والنيجر تواجه حركات تمرد محلية (بدلاً من تهديدات إرهابية معزولة). لذلك، فإن إعادة تشكيل قوات الأمن على وجه التحديد لمكافحة التمرد أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل، الأمر الذي يستلزم عدة تغييرات مهمة فيما يتعلق بقدرات وعقيدة وهيكلية القوات العسكرية، فضلاً عن مكانة الجيوش في السياق الأوسع للعدالة وضبط الأمن.
تطوير اتجاه استراتيجي لمكافحة التمرد:
تتمثل الخطوة الأولى في تقييم الاستراتيجية الأمنية في استيعاب التهديد. وفي هذا السياق تتعرض مالي وبوركينا فاسو والنيجر للتهديد مِن قِبَل الجماعات المتطرفة العنيفة المتباينة التي تم حشدها بدوافع جغرافية وعِرْقية وأيديولوجية وسياسية متميزة.
من هذه الجماعات المسلحة: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم الدولة في الصحراء الكبرى. ويُعتبر المسلحون في منطقة الساحل أكثر تعبيرًا عن الصراعات الداخلية؛ من كونهم امتدادًا للمنظمات الإرهابية العالمية.
تلك الجماعات المتشددة المعنية يقودها مثيرو الشغب المحليون الذين يتمتعون بشخصيات كاريزمية وذات عقلية سياسية، والذين يوجهون ويستغلون المظالم المحلية المتعلقة بالظلم المتصوّر والتهميش السياسي والتمييز العرقي والفقر لضم الأتباع.
لكن بعض الناس يتقبلون وجهات نظر هذه الجماعات المسلحة بسبب نقاط الضعف الحقيقية في حكومات منطقة الساحل، والتي يمكن تصويرها على أنها مهملة في أحسن الأحوال وفي أسوأ الأحوال مسيئة. وغالبًا ما ينظر سكان الساحل إلى أنظمة العدالة المحدودة في بلادهم على أنها بطيئة وفاشلة، بالإضافة إلى شعور واسع الانتشار بالإفلات من العقاب عندما يتعلق الأمر بسوء المعاملة والظلم والفساد.
وبالنظر إلى الطبيعة المحلية والمجتمعية للتهديدات الأمنية في منطقة الساحل؛ فإن من الضروري تغيير التوجه الاستراتيجي لتوجيه القوات المسلحة لمنطقة الساحل نحو مكافحة التمرد؛ مما يتطلب اعتماد نهج “محوره السكان”؛ مما يعني التقليل إلى أقصى حد من أعمال العنف. كما يهدف إلى استكمال العمل العسكري بمبادرات ترمي إلى تحسين الأحوال المعيشية، وضمان العدالة، واحترام القانون. وباختصار فإن نجاح مكافحة الإرهاب يتطلب نوعًا مختلفًا يدمج بين الاستراتيجيات العسكرية وسياسات الحكم الرشيد وحقوق الإنسان.
وتتطلب هذه الفرضيات الأساسية لمكافحة التمرد قدرات تسمح للجيوش بالتفاعل مع المجتمعات المحلية وبناء علاقات إيجابية. وهذه العلاقات ضرورية؛ مثل احترام قانون الحرب وسيادة القانون. وقد يكون من المبالغة القول: إن من المهم للجنود أن يتعلموا أن يكونوا مواطنين نموذجيين بدلاً من أن يكونوا بارعين في التكتيكات القتالية، لكن هذا سيكون أمرًا عادلاً ومقبولاً واستراتيجية فعالة عندما تتمتع قوات الأمن الإفريقية بقبول وثقة الأشخاص الذين تحميهم وتخدمهم(3).
وهذا يعني أن القوات المسلحة في الساحل يجب أن تكون “جمهورية”، بمعنى أنها يجب أن توالي وتتجسد فيها قِيَم الأُمَّة التي تدافع عنها(4)، ويجب أن تتمتع بعلاقات جيدة مع السكان، فلكل هذا آثار ملموسة على تعزيز قوة ومتانة العلاقات في المجتمع بين قوات الأمن والمواطنين؛ باعتبار أن التنوع يفرض تحديات مرتبطة بالتماسك. غير أن تعزيز التماسك والانسجام بين مختلف التشكيلات يمكن أن يُحسّن من قدرات الجيش، مع تعزيز مكانته الوطنية(5).
فضلاً عن أن العدالة الأمنية تشكل عنصرًا أساسيًّا في هذا السياق، كما تلعب قوات الدرك الوطنية، المنتشرة في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، دورًا مركزيًّا؛ من خلال التداخل والترابط بين الجيش والشرطة. تقوم قوات الدرك عمومًا بمراقبة السكان المدنيين، ولديها وظيفة حراسة، مما يعني أنها تشرف على القوات المسلحة. ويجب تزويد قوات الدرك والشرطة بما يلزم من الموظفين والموارد لمعالجة الشكاوى المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك على الأقل إلى الحد من حالات إساءة قوات الأمن للمدنيين، والتي لا تؤدي إلى نتائج عكسية فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى تجنيد المتمردين. واحترام حقوق الإنسان يُعزّز أيضًا شرعية الحكومة، كما يمكن تخصيص “قوات خاصة تُشكّل مرجعية في حقوق الإنسان” في عملية ما، مما يجعلها مسؤولة عن الامتثال للأحكام المتعلقة بالنزاع المسلح وحقوق الإنسان الدولية(6). ويمكن أن يؤدي دمج الفرق المدنية على مستوى الكتيبة لتحديد قضايا الحوكمة، وكذلك فرص حشد الدعم الشعبي إلى تعزيز جهود مكافحة التمرد(7).
وتساعد هذه الفِرَق على ضمان أن تعمل الحكومة على المسائل المتعلقة بإنفاذ القانون والهياكل الأساسية والرعاية الصحية والتعليم والزراعة والخدمات البيطرية، وأن تستجيب بفعالية للمصالح واحتياجات السكان المحليين. ولدى المجموعات المعنية بتوفير الأمن، والتي غالبًا ما تكون في المراحل الأولى من وصولها لهذه المناطق، القدرة على تلبية احتياجات المدنيين، وتعمل كجهة رائدة للخدمات الحكومية. وهي بذلك تضع الأساس لعقد اجتماعي جديد يمكن أن يرتب توازن الثقة مع الحكومة في النزاعات ضد التمرد. وقد صاغ الجنرال أومارو ناماتا غازاما، القائد النيجيري لقوة الساحل المشتركة G5 في 2019-2021م، مصطلح “البعثات الميدانية” في إشارة إلى الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف الذي يدمج بين البعدين الأمني والاجتماعي. كانت الفكرة أن يرافق المسؤولون المدنيون والفرق الطبية وخبراء التنمية العمليات العسكرية لإعادة إنشاء دولة جنينية في المناطق التي لم تكن تعمل فيها.
الضرورات الأساسية للجيش لمكافحة التمرد في منطقة الساحل:
بالإضافة إلى التوجُّه الاستراتيجي للقوات المسلحة في الساحل، يجب إعادة انتشار القوات الأمنية وفقًا للظروف الأمنية السائدة في منطقة الساحل؛ حيث إن ندرة الموارد مقارنة باتساع مساحات مسرح العمليات في الأماكن تجعل القوات غير كافية. وبدلاً من ذلك ستستفيد القوات المسلحة من وحدات مناورة خفيفة قابلة للتكيُّف مزودة بدعم جوي غير مباشر وقدرات استخباراتية ووحدات لوجستية وقدرة على الصيانة ودقة تشغيلية تتجنَّب المواقع الثابتة قدر الإمكان، وتشمل تلك الضرورات الأساسية للجيش لمكافحة التمرد في منطقة الساحل ما يلي:
1- الحاجة إلى قيادة فعَّالة للمهمة:
تتطلب حملة مكافحة التمرد الناجحة في السياق الساحلي درجة عالية مما يسميه الأمريكيون “قيادة المهمة”، والفكرة الفرنسية “الدعم”، والتي تُرجمت إلى إنشاء وحدات مناورة مشتركة صغيرة ونمطية تمارس درجة عالية من الاستقلال الذاتي(8). وهذا يعني تشكيل وحدات مناورة متنقلة على شكل سرايا تتكون من 60 إلى 200 رجل، أو حتى نصف سرية تضم عناصر مختلفة بما في ذلك الاستخبارات والهندسة والشؤون المدنية العسكرية حسب الاقتضاء. وهذا الدمج بين وحدات البعثة يتيح مجموعة كبيرة من القدرات داخل قوة صغيرة من أجل تحقيق قدر أكبر من الاستقلالية في أداء المهمة.
بَيْد أن “قيادة المهمة” تتجاوز تشكيل الوحدات؛ حيث يتطلب الأمر ضباطًا وضباط صفّ ذوي جودة عالية ممن لديهم القدرة والسلطة للعمل على النحو الذي يرونه مناسبًا لتحقيق أوامر قادتهم أثناء العمليات البرية الموحدة(9).
ويظل التوظيف وإدارة الموارد البشرية والتدريب بطبيعة الحال عناصر أساسية. ولغاية الآن، فشلت محاولات تطور وحدات مناورة الأسلحة المشتركة على غرار GTIAs (مجموعات الأسلحة التكتيكية المشتركة في مالي). ويُعزَى ذلك جزئيًّا إلى سوء القاعدة الإدارية ونقص رأس المال البشري(10)، علاوةً على ذلك؛ فإن تعزيز تماسك الوحدة فيما قد يكون خليطًا من الأفراد المختارين من الوحدات الحالية قد شكَّل تحديات كبيرة على الرغم من أنه كان متوقعًا.
2- سرعة الحركة وإمكانية التنقل:
يجب على جيش الساحل، نظرًا لوعورة الأرض واتساعها، التخلي عن المركبات الثقيلة لصالح المركبات الأخف وزنًا، وحيثما أمكن العمل كقوات جوية أو حتى قوات محمولة جوًّا. وتعتبر الشاحنات الصغيرة المجهزة بالسلاح غالبًا ما تسمى “المركبات التقنية”، والدراجات النارية، وغيرها من المركبات التكتيكية الخفيفة مفيدة جدًّا. تعمل ULRI (وحدات الاستطلاع والتدخل الخفيف في مالي) المجهزة بالدراجات النارية كقوة مشاة تقليدية وسلاح فرسان خفيف. يمكن لفصائل هذه الوحدات بحجم السرية تغطية أكبر قدر ممكن من الأرض، وبسرعة مع تجنُّب الطرق التي قد تحتوي على عبوات ناسفة مرتجلة.
عادة ما يتم الحصول على التنقل على حساب الحماية والقوة النارية، ويتعين أن تتمتع القوات بالبراعة للعمل مثل المتمردين فيما يتعلق بالتنقل، لكن يجب أن يكونوا أفضل. على وجه التحديد، يجب أن تكون جيوش الساحل قوية بما يكفي لتتمكَّن من هزيمة خصومها في معظم الوقت(11). قد يكفي عدد قليل من المركبات المدرعة المجهزة بمدافع رشاشة من عيار 50، بشرط أن تكون هذه المركبات مناسبة تمامًا للمناخ والتضاريس. مركبة مدرعة مثل VAB الفرنسية (Véhicule de l’avant-Armoré) أو MRAP (مركبة مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن) بنفس السلاح كان من الممكن أن تحدث فرقًا حاسمًا في عام 2017م عندما كانت القوات النيجيرية، برفقة القوات الخاصة الأمريكية، أثناء قيامها بدورية بالقرب من بلدة تونغو تونغو.
من جهة أخرى؛ هناك نوعان أساسيان من الوحدات المتنقلة يوفران إمكانات كبيرة: قوة هجومية متحركة مكونة من “تقنيات” وقوة ردّ فعل سريع محمولة جوًّا أو متنقلة جوًّا. الأول، على الأقل، سيكون لديه أيضًا بعض القدرات المدفعية علمًا بأن جيوش الساحل تمتلك في الوقت الحالي قذائف هاون ومنصات إطلاق نار مباشرة وغير مباشرة خفيفة وغير مكلفة، لكن بكميات غير كافية. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الدمج الفعلي لهذه المنصات في وضع الأسلحة المشتركة يمثل تحديًا لجميع الجيوش؛ حيث يتطلب ساعات من التدريب والإعداد، وبالتالي الموارد. كما قامت جيوش الساحل بسحب المدفعية، لكن فائدتها في ضوء المتطلبات اللوجستية أمر مشكوك فيه.
3- الحصول على الدعم الجوي:
الوضع الأمثل هو أن تكون قوات الساحل قادرة على طلب الدعم الجوي المباشر. وفي هذا الصدد، تعتبر التكتيكات الفرنسية في تشاد في 1969-1972م مفيدة؛ حيث كانت فرنسا قد نشرت قوة مشاة خفيفة هناك، والتي كانت في ذروتها تتكون من خمس سرايا وسرية من عربات الرشاشات. وقد عوّضت عن هذا العدد الصغير بحركة عالية (سهَّل ذلك انخفاض المتطلبات اللوجستية) وأسطول صغير من طائرات النقل وسرب من ستة إلى تسعة مقاتلات هجومية أرضية من طراز AD-4 Skyraider. كما اعتمد الفرنسيون على أن يكون جنودهم بارعين بما يكفي للبقاء على قيد الحياة أثناء القتال مع قوات العدو لفترة كافية حتى تصلهم قوات الدعم الجوي “سكاي رايدر” لتوفير قوة عسكرية حاسمة.
تعتبر الطائرات المقاتلة Super Tucano الحالية ذات الدفع التوربيني، بالإضافة إلى العدد المتزايد من طائرات الهجوم والاستطلاع والنقل وطائرات الهليكوبتر التابعة لأساطيل الساحل ( Mi-17 وMi-24 وTetras وما إلى ذلك) أكثر من مجرد النقل والاستطلاع ومهام الدعم الناري. وبحيازة مالي مروحيات هجومية من طراز Super Tucanos في مخزونها. كانت طائرات الهليكوبتر فعَّالة، ولكن ليس لدينا معلومات عن توكانوس. غير أن طائرات النقل، سواء كانت ثابتة أو ذات أجنحة دوارة، تُعزّز بشكل كبير من قدرات الإخلاء الطبي، والتي تقطع شوطًا طويلاً في الحفاظ على الروح المعنوية للقوة. ومع ذلك، فإن تطوير منصات الصيانة ضروري لبناء هذا المخزون لمنع المعدات من الوقوع في حالة سيئة وإغراق أسطول الدعم الجوي.
(شكل رقم 2)
العناصر الأساسية للاستراتيجية الفعالة لمكافحة التمرد
4- توفر المعلومات الاستخباراتية:
الاستخبارات مهمة للغاية في أيّ نزاع أهلي، لا سيما عندما تكون الأجهزة الأمنية الحكومية تفتقر إلى المعلومات الكمية والنوعية. فبدون معلومات استخباراتية جيدة تخاطر قوات الأمن بالتصرف بشكل أعمى وإلحاق ضرر أكبر بكثير مما ينفع؛ حيث إنهم بحاجة إلى تحديد المستهدفين، وأماكن وجودهم والجهات التي يقصدونها، وكيف يميزون المسلحين عن الأبرياء. وعليه فإن أوجه القصور في أجهزة المخابرات في منطقة الساحل لا تتعلق بالمعدات بقدر ما تتعلق بالمهارات والسياسة. وعلى سبيل المثال، يعتبر تبادل المعلومات الاستخبارية بين الوكالات تحديًا كبيرًا.
5- اللوجستيات والصيانة:
يعتبر الدعم اللوجستي أمرًا في غاية الأهمية، لكن الملاحظ إهماله. كما تمثل اللوجستيات تحديًا لأيّ جيش خاصةً الجيوش ذات الموارد القليلة. ومع ذلك، فإن اللوجستيات الاستكشافية من النوع المطلوب لنوع قوة الساحل المتصورة هنا صعبة بقدر ما هي ضرورية.
يجب أن يكون الهدف من الخدمات اللوجستية هو تعظيم الاكتفاء الذاتي لوحدات المناورة(12)، وهذا يتطلب وسائل لتوصيل الإمدادات الضرورية إلى المكان المناسب في الوقت المناسب، لكن محدودية قدرات معظم الأنظمة تسبّب لها تحديات، وغالبًا ما تُحبس القوات في دولة مالي في قواعدها بسبب نقص المركبات العاملة.
وبعد هجوم كارثي على قاعدة الدرك في بوركينا فاسو في نوفمبر 2021، تم الكشف عن ضعف الحامية بسبب الجوع وقلة الطعام. حتى الجيش الفرنسي، الذي يتفوق في هذا النوع من العمليات كاد يواجه مشكلات أثناء عملية سيرفال في عام 2013م عندما كافح لضمان حصول قواته التي تتقدم بسرعة على ما يكفي من المياه للبقاء على قيد الحياة في شمال مالي. يؤدي هذا إلى درسين لوجستيين أساسيين لجيوش الساحل: الأول هو الاستثمار قدر الإمكان في تطوير قدراتهم اللوجستية، والثاني هو بذل كل ما في وسعهم لتقليل احتياجاتهم اللوجستية.
لكن ULRIs (وحدات الاستطلاع والتدخل الخفيف في مالي)، حظيت بتحسينات ملموسة في قدرتها على التنقل بفضل الدراجات النارية الصينية الرخيصة على سبيل المثال. والأهم من ذلك، كان من السهل على القوات المالية صيانتها وإصلاحها؛ حيث كان بإمكانها شراء قِطَع غيار من السوق المحلية؛ مما قلَّل من اعتمادها على سلاسل التوريد المعيبة. من ناحية أخرى، كان الجنود الماليون الآخرون في كثير من الأحيان عاجزين عن التصرف نتيجة عدم الاحتفاظ بمركباتهم في حالة جيدة؛ بسبب ضعف إمداداتهم اللوجستية على وجه الخصوص. كانت ULRIs ستستفيد أيضًا من تخصيص البيك آب وأجهزة الراديو المتاحة بشكل شائع في منطقة الساحل.
غالبًا ما تمتلك جيوش الساحل، من جانبها، مخزونًا من المعدات غير مناسب؛ مما يعكس تنوُّع الجهات المانحة، ولكن أيضًا عدم وجود احتياجات واضحة المعالم، وقد لا يشعر جنود الساحل بالقدرة على رفض التبرعات أو قد لا تكون لديهم سياسة لتحديد ما قد يكون مفيدًا أو غير مفيد. كما يؤدي التنوع الناتج في المعدات إلى إعاقة القوات التي تكون قدراتها اللوجستية ضعيفة بالفعل.
6- اعتماد استراتيجية المواقع المتحرّكة:
تعتبر القواعد التي تتمتع بموقع جيد، وتتمتع بحماية جيدة أمرًا ضروريًّا لتكون قادرة على إنشاء العمليات وانتشار القوات في المناطق النائية. لكن الإشكالية تكمن في إيجاد توازن مناسب بين الانتشار والتجمُّع باعتبارها ضرورة لتفادي الدفاعات الثابتة والقواعد الدائمة التي تصبح أهدافًا سهلة، وتجعل من الصعب على القوات الأخذ بزمام المبادرة، بالإضافة إلى ثغرات المواضع الثابتة المتمثلة في سهولة رصدها من العدو نتيجة معرفة الممرات المتوقعة كما تصبح العمليات مكشوفة. وعلاوة على ذلك، حتى القواعد الأمامية التي توفر حلاً وسطًا بين التنقل والحماية والتحكم في المنطقة المحيطة يجب أن تكون مؤقتة بين ما بين 10 إلى 30 يومًا(13).
وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن قوات الساحل تميل إلى تبنّي مواقف ثابتة؛ مما يحدّ من التفاعل مع السكان المحليين وقدرتهم على جمع المعلومات الاستخبارية. كما تميل القوات المالية، ولا سيما في شمال مالي، إلى التمركز في قواعد كبيرة للاحتماء ولكون المركبات منهارة.
كما يجد المتمردون أنه من السهل نسبيًّا منع حركة القوات الحكومية من خلال تقويض الطرق التي يستخدمونها بانتظام للتنقل بين القواعد أو مغادرة القواعد لإجراء العمليات. وقد تكبّد جنود الساحل المعزولون خسائر فادحة في الأرواح بعد اجتياح قواعدهم، فضلاً عن أن استخدام القواعد الأمامية المؤقتة أيضًا يتطلب مهندسين ومهارات هندسية. ويمكن للسواتر والخنادق والأسوار وغيرها من اللبنات البسيطة أن تحسّن الحماية بتكلفة قليلة مرتبطة بها بصرف النظر عن العمالة والمعرفة. يمكن أيضًا تكييف هذه التكتيكات الدفاعية مع الوحدات المتنقلة.
نماذج إفريقية:
يقدم نموذجان إفريقيان لمكافحة التمرد وجهات نظر ذات صلة بمنطقة الساحل: GSI (مجموعات التدخل الخاصة في موريتانيا) وBIR (لواء التدخل السريع في الكاميرون)، وقد تمت الإشادة بكليهما؛ نظرًا لفعاليتهما ضد قُطّاع الطرق والجماعات المسلحة، على الرغم من أن انتهاكات حقوق الإنسان شوَّهت سمعة الوحدات الكاميرونية. كلاهما يُنسّقان تحركاتهما مع القوات الجوية التي تعمل كمنصات نقل واستطلاع وتوفر الدعم الناري.
يُظهر تقرير لواء التدخل السريع في الكاميرون “مرونة تكتيكية وعملياتية” مماثلة للعمليات الروديسية والجنوب إفريقية في السبعينيات والثمانينيات(14)، وتتألف المجوعة المعنية من حوالي 5000 رجل مقسمين إلى 5 كتائب. وتشمل هذه الوحدات المحمولة جوًّا، والبرمائية، والمدرّعة للاستطلاع والاستخبارات، فضلاً عن وحدة سلاح الفرسان المحمولة جوًّا تسمى Airmobile (مجموعة الرد السريع) العنصر التكتيكي الأساسي في BIR وLUI (وحدة التدخل الخفيف) بحجم السرية التي يتم إرفاق عناصر الدروع والمدفعية (الهاون) والاستخبارات بها.
يمكن لقادة UIL استدعاء دعم مدفعي كافٍ لسحق حتى خصم متفوق عدديًّا، كما تتمتع مجموعات القوات المسلحة الكاميرونية المشتركة بهيكل قيادة لا مركزي شبيه بـ”قيادة المهمة” مما يحسن خفة حركتها وقدرتها على التكيف أثناء العمليات. بالإضافة إلى ذلك، تشتهر الكاميرون باستغلالها الفعال لقدراتها الجوية، وبالتالي مضاعفة مزايا مجموعات الأسلحة القتالية المشتركة(15).
تمتلك القوات المسلحة الكاميرونية طائرات ألفا، بالإضافة إلى ثلاثة أسراب من طائرات الهليكوبتر الهجومية والنقل بما في ذلك طائرات Mi-24 وطائرات دورية/ استطلاع مختلفة توفّر دعمًا جويًّا كبيرًا، كما تم إلحاق Mi-24s بـBIR، بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الكاميرون مركبات مدرعة حديثة في مخزونها بما في ذلك Bastion الفرنسية MRAPs وGAIA Thunders الإسرائيلية، وكلاهما يمثل مزيجًا مناسبًا من التنقل والحماية والقوة النارية.
مجموعات القتال بحجم كتيبة (حوالي 1000 جندي)، مثل تلك التي تقدّمها الكاميرون مع BIR، هي أحد النماذج الممكنة. ومع ذلك، قد يتطلب هذا النموذج موارد لا تمتلكها جيوش الساحل. هذا الشكل يجعل من الممكن رسم العناصر المكونة للمشاة والدروع الدائمة ومختلف أفواج الدعم القتالي ودعم الخدمة القتالية، وفقًا للاحتياجات. وهذا يُترجم إلى درجة من النمطية قد تكافح بوركينا فاسو ومالي والنيجر لتكرارها والحفاظ عليها.
ويتعيّنُ على القوات المسلحة في الساحل التخلّي عن هذا النموذج مقابل وحدات أسلحة مشتركة دائمة ذات قدرات عضوية مماثلة بمجموعات التدخل الخاصة في موريتانيا والمكوّنة من ثماني فرَق صغيرة متعددة الاستخدامات في كل من التخطيط والتنفيذ. وكانت الفرق القتالية مجهّزة جيدًا بالمركبات الخفيفة والإمدادات بما في ذلك الوقود والماء والذخيرة للعمليات المستقلة المستمرة لعدة أيام في الصحراء. ولتعزيز تماسك المجموعة وتحفيزها تتكون كل وحدة من حوالي 200 رجل خدموا معًا لعدة سنوات. والأهم من ذلك، لديهم القدرة على الحركة والدعم القتالي ودعم الخدمة القتالية التي يحتاجون إليها لتنفيذ مهمتهم.
كان الدعم الجوي المعزّز ضروريًّا لهذه العمليات البرية حتى لو ظل التنسيق أوليًّا. ورغم الافتقار النسبي للطيارين الموريتانيين إلى القدرات المتقدمة لنظرائهم في شمال إفريقيا غير أن القليل من الإمكانيات المتوفرة (طائرات المراقبة من طراز سيسنا وسوبر توكانوس والمروحيات الصينية)؛ أثبتت أنها كافية لاكتشاف النشاط المشبوه، وقيام الوحدات الخاصة الموريتانية بالعملية في الميدان. لعبت الاستخبارات المتكاملة أيضًا دورًا مهمًّا في عمليات الوحدات الخاصة الموريتانية، كما حفّز صعود النشاط الإرهابي المتشدد في منطقة الساحل الجهود لتطوير شبكات استخبارات بشرية على الأرض وقدرات تقنية. وتتراوح هذه الأنشطة بين تعزيز المهارات والقدرات الحالية المناسبة للعمليات في المناطق الصحراوية البعيدة، بالإضافة إلى الحصول على رادارات المراقبة الحديثة(16)، ويعمل العديد من هذه الابتكارات كأمثلة مفيدة لبلدان أخرى في منطقة الساحل.
الدعم الدولي والتعاون الأمني:
لطالما عانى شركاء الأمن الدوليون من التناقض حول أفضل السبل لدعم بلدان الساحل دون التورط في صراعاتهم السياسية الداخلية. ببساطة، لقد كانوا على استعداد لمساعدة حكومات الساحل في محاربة “الإرهابيين” دون المتمردين المسلحين، لكن التمييز مشكوك فيه باعتبار أن التشابك بدا واضحًا: الميل إلى محاولة توفير قدرات منفصلة لعدد محدود من الجنود بدلاً من محاولة تحسين قدرات القوة بأكملها.
وقد تم الكشف عن عدم جدوى وجود عدد قليل من السرايا السريعة في ظل عدم دفع أجور بقية القوات، ويفتقرون إلى خزانات ذخائر لأسلحتهم ولديهم فقط مركبات معطلة. حتى بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي لدعم الجيش المالي امتنعت عن تجهيز الوحدات التي تعمل معها. ونتيجة لذلك، فإن أفضل القوات في منطقة الساحل تعوقها مشاكل أساسية مثل نقص رافعات البنادق ناهيك عن الإمداد الكافي من ذخيرة الهاون للتدريب.
في غياب إجماع واضح على نموذج أساسي لقوات الساحل اتَّجه شركاء الأمن الدوليون إلى تقديم حلول “جاهزة للاستخدام” غير ذات صلة. بدلاً من ذلك، يجب على شركاء المساعدة الأمنية التفكير فيما يتعلق بمكافحة التمرد ومساعدة جيوش الساحل على تطوير القدرات المناسبة.
وثمة مشكلة أخرى هي أن التركيز على مكافحة الإرهاب الذي يشجّعه التَّحفّظ عن معالجة المشكلات الداخلية في منطقة الساحل يعني التركيز على العمليات القتالية؛ عن طريق إهمال الجوانب غير القتالية لنهج يركز على السكان؛ وعليه فإن تغيير النموذج في مكافحة التمرد أمر ضروري.
وفي بعض الحالات يشكل هذا تحديًا للبلدان المانحة بسبب الانقسامات البيروقراطية فيما يتعلق بمعرفة من يمكنه العمل مع القوات المسلحة، ومن يستطيع العمل مع قوات الأمن. إن جيوش محاربة الإرهاب تحتاج إلى إدماج تطبيق القانون والنظام القضائي العسكري. وينبغي للشركاء الدوليين أيضًا أن يفكروا في تحسين فعالية التدريب المتكامل مثل شبكة GTIA وقدرة المجموعات الفرعية داخل هذه الدورات على العمل بشكل مستقل.
لقد قطعت جيوش منطقة الساحل شوطًا طويلاً منذ الحرب الباردة، وما يزال هناك طراز T-55 وBTR جنبًا إلى جنب مع قطع مدفعية تعود إلى الثمانينيات (إن لم يكن أكثر). ومعظمها مهجور ويملأ المخازن. غير أن هناك الكثير من المركبات الخفيفة والطائرات المناسبة والطائرات ذات المحركات العالية جدًّا أكثر ملاءمة من حيث الاستخدام. وهذا لا يعني إحداث تغيير جذري في قوائم جرد المعدات بل هو بالأحرى إنجاز يتعلق بإكمال تطور القوات بحيث يتبنون عقيدة مكافحة التمرد.
على الورق، على سبيل المثال، يمتلك الجيش المالي عددًا كبيرًا من المجموعات العسكرية بما في ذلك جميع GTIAs (المجموعات التكتيكية المشتركة بين وحدات الجيش) الثمانية، مما يشير إلى درجة من التنقل والنمطية. ومع ذلك، فإنه من الناحية العملية يفتقر إلى التماسك والمهارات اللازمة للعمل كما ينبغي ويرجع جزء منه إلى الفشل الإداري. وتعني إدارة الموارد البشرية السيئة عدم معرفة الجنود الذين تم تدريبهم، ومن قام بتدريبهم، وأن الجنود المعينين في GTIAs يخرجون على أساس التناوب. لذلك تميل المهارات التي يكتسبها الماليون إلى التبديد(17)، وهذا يفسّر إلى حد كبير سبب إحراز الجيش المالي وفرق العمل المشتركة بين الوكالات (GTIA) تقدمًا متواضعًا فقط خلال السنوات التسع التي دعمتها بعثة التدريب الأوروبية. على الرغم من أن GTIA تعمل بشكل جيد؛ إلا أنها تفتقر إلى القدرات المحددة المطلوبة لمكافحة التمرد لا سيما في مجالات العدالة العسكرية والعلاقات المدنية العسكرية. وإلى أن تتم معالجة هذه القضايا، فإن المساعدة الدولية الموجهة إلى أولويات أخرى لن تساعد.
بناء جيش ساحلي أكثر فعالية:
تحتاج حكومات منطقة الساحل إلى استراتيجية واضحة وعقيدة عسكرية لهياكل قوتها من أجل الاستجابة بفعالية للتهديدات التي يتعرض لها أمنها. قد تكون الخطوة الأولى المفيدة هي اعتماد نموذج مكافحة التمرد من خلال ترجمته إلى استراتيجية تجمع بين العمليات القتالية والنهج المتمحور حول السكان؛ بهدف تعزيز العلاقات مع السكان المحليين، وإعادة تشكيل العقد الاجتماعي.
هناك حاجة إلى قوة تضم عناصر متكاملة للعمل مع المجتمعات المحلية، وتحقيق العدالة، وإنفاذ القانون وتوفير الإشراف العسكري. بدون هذا، فإن نهج العمليات القتالية البحتة محكوم عليه بالفشل؛ حيث لا يمكن لقوات الساحل ببساطة تحييد ما يكفي من المتمردين لتحقيق الانتصار، وقد أدت محاولاتهم للقيام بذلك إلى نتائج عكسية. يجب أن تقدم قوة مكافحة التمرد، على الأقل، ميزة عدم مهاجمة المدنيين، وكحد أقصى، الضغط المستمر على الجماعات المتمردة جنبًا إلى جنب مع حماية المجتمعات. ويتبع سلسلة من التوصيات والأولويات السياسية التي تساهم في تحقيق هذه الأهداف.
ويجب القيام ببناء قوة برية حول فرق عمل متنقلة للأسلحة على مستوى الكتيبة وفقًا لاستراتيجية مكافحة التمرد التي تركز على السكان. تتطلب هذه القوة دمج الشرطة والدرك والعناصر المدنية التي تركز على تقديم الخدمات الحكومية الأساسية، ولا يمكن المبالغة في أهمية هذه النقطة. هذه العناصر تكمل استراتيجية تتمحور حول الناس، والتي تعيد العلاقات مع المجتمعات المحلية، وتستخدم قدرات استخباراتية عضوية لتقويض تهديدات المتمردين.
إلى جانب قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، يجب على القوات العملياتية المشتركة للأسلحة أن تنمي ثقافة القيادة على أساس ممارسة “قيادة المهمة” من أجل مساعدة جيش الساحل على تحقيق أقصى استفادة من قواته الصغيرة في بيئته ذات موارد محدودة.
ولتحقيق هذه الغاية، سيتعين على قوات الساحل تحديد خطوات عملية وواقعية لتطوير قواتها المشتركة حسب النقاط التالية:
–دمج النيران غير المباشرة في العمليات المشتركة الحقيقية في المعارك؛ حيث تعتبر قذائف الهاون خيارًا مناسبًا وغير مكلف ومتحرك نسبيًّا.
-تطوير قدرة هندسية قوية على الأقل بهدف تحسين الدفاع الثابت.
-إنشاء قوات دعم جوي قادرة على القيام بالغارات اللازمة، وأيضًا على تنفيذ عمليات جوية سريعة مع خيارات ممكنة من الاستقلالية والاستجابة السريعة والتعزيز.
وعلى الرغم من أن التحويل الكامل لوجهات ومقاصد القوات العسكرية عملية طويلة تمتد لسنوات عديدة، وتتطلب إعادة متكررة مع دعم وتكييف مستمرين، حتى تسفر الخطوات الأولى المتخذة في هذا الاتجاه عن تحسينات، ومن الخطوات المهمة في هذا الاتجاه:
1- التعامل مع العلاقات المجتمعية والمشاركة على محمل الجد:
والأكثر أهمية من اعتبارات هيكل القوة والتنقل، من الضروري إقامة علاقات إيجابية مع السكان المحليين. هذه ليست فقط مسألة الأخلاق والشرعية (أمران مهمان في مكافحة التمرد)، ولكن أيضًا لتجنب الأعمال التي تأتي بنتائج عكسية مثل قتل المدنيين، والتي تميل إلى تقوية القضية لدى المتمردين. وبالتالي، فإن عدم رغبة أو عدم قدرة حكومات منطقة الساحل على توفير وسائل الحماية يجب أن يدفع باتجاه أشكالًا أخرى من مشاركة الشركاء الدوليين.
2- تعزيز القدرات الاستخباراتية:
هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار في قدرات التجميع الفنية، بما في ذلك أجهزة الاستشعار الأرضية والطائرات بدون طيار والقدرة على اعتراض الاتصالات الهاتفية وغيرها، لتحسين جمع وتحليل المعلومات الاستخبارية، عطفًا على ضرورة تدريب الجامعين والمحللين على جميع المستويات.
بالإضافة إلى ذلك، تحتاج بلدان الساحل إلى تطوير آليات مؤسسية لتبادل المعلومات سواء على المستوى التكتيكي أو على المستويات الأعلى، وهذا يتطلب دعمًا سياسيًّا رفيع المستوى لتشجيع الدوائر المختلفة على التعاون والتنسيق. كما يجب تمكين أيّ كيان قريب من رئيس الدولة من لعب دور مشابه لدور مكتب الولايات المتحدة لمدير المخابرات الوطنية أو مجلس الأمن القومي الذي يشرف على الاستخبارات، ويمكن أن يوفّر توجيهًا رفيع المستوى لجميع كيانات الاستخبارات، ويكون ذلك مصحوبًا بضمانات قوية ضد إساءة استخدام القدرات الاستخباراتية لأغراض سياسية.
3- الاستثمار في القدرات اللوجستية ودعمها للحفاظ على موقف مكافحة التمرد:
يجب أن تسعى قوات الساحل جاهدة لتكون متجانسة قدر الإمكان من حيث المركبات وأنظمة الأسلحة من أجل تخفيف الأعباء اللوجستية. ويجب أن توفر المساعدة الأمنية مخزونًا كبيرًا من العناصر المشتركة، وأن تساعد جيوش الساحل على تطوير قدراتها اللوجستية والدعم. والوضع الأمثل هو أنه يمكن للشركاء الغربيين التفكير في مجموعات أكبر حجمًا (على سبيل المثال: آلاف البنادق الهجومية من نفس النموذج مع المعدات والرافعات المرتبطة بها ومئات قذائف الهاون من عيارات مختلفة وذخيرة كافية).
4- دعم الجيوش العسكرية بقوات الانتشار السريع القادرة على تنفيذ مجموعة واسعة من العمليات:
تحتاج جيوش الساحل إلى قوة رد فعل سريع، وبالأحرى جوالة، لكنها تعمل بطريقة أخرى بمركبات تقنية وربما بعضMRAPs . وهذا يفترض وجود مجموعة دعم جوي تكتيكي، والتي تستخدم الطائرات ذات الأجنحة الثابتة والدوارة للقيام بمهام متنوعة تتراوح من الإخلاء الطبي إلى الهجمات الجوية والدعم الناري. وتحتاج مالي والنيجر أيضًا إلى قوات بحرية، والتي يمكن أن توفرها مجموعة منفصلة وليست عضوية في Battlegroups ولكنها قادرة على التعاون مع أيّ منها، إذا لزم الأمر.
5- ضرورة عمل الشركاء الدوليين مع شركائهم من البلدان المضيفة لوضع خطط متسقة ودعم عمليات التدريب والتأهيل:
ينبغي للاستراتيجية في الساحل أن تقدم معلومات عن شراكاتها الدولية، وأن توجه ما يدرسه الشركاء الدوليون، وما يقدمونه من معدات. ويمكن للشركاء الأمنيين الذين يتشاركون نفس الأفكار النظر في إقامة مشاريع دولية مشتركة لتوفير مجموعات أكبر من المعدات القابلة للتشغيل المتبادل للحد من الهدر، وتجنب العوائق اللوجستية. وينبغي للشركاء الدوليين أيضًا أن يمتنعوا عن توفير المعدات إذا لم يكونوا من النوع الموجود بالفعل في المخزونات العسكرية.
ويمكن أيضًا للبرامج الدولية للمساعدة الأمنية أن تضمن أن يستفيد الشركاء في الساحل من القدرات المشتركة بين الجيوش ودعم عمليات التدريب والتأهيل العسكري، وتعزيز العمل على مستويات أصغر وأضخم من المجموعات التكتيكية على مستوى الكتيبة.
وينبغي لمقدمي المساعدة التخطيط في تحسين فعالية التدريب المتكامل في سياق دول الساحل. وستكون قدرة المجموعات الفرعية على العمل على نحو مستقل أمرًا أساسيًّا؛ نظرًا لضخامة حجم الميدان ومحدودية الموارد. وهذا يتطلب قدرًا أعظم من الاهتمام بتدريب الوحدات وزعمائها العسكريين المحترفين في الأمد البعيد. وثمة حاجة إلى نهج أكثر شمولاً للتدريب يشمل دورة حياة الجندي الساحلي بأكملها.
____________________________
الهوامش والإحالات:
*الدكتور مايكل شوركين، مدير البرامج العالمية في North Strategies 14 ومؤسس Shurbros Global Strategies. عمل محللًا سياسيًّا في وكالة المخابرات المركزية، وهو عالم وسياسي كبير في مؤسسة RAND .
(1)Centre d’études stratégiques de l’Afrique, « La hausse de la violence des militants islamistes au Sahel, une dynamique qui domine le combat de l’Afrique contre les extrémistes », Infographie, 26 janvier 2022.
(2) Daniel Eizenga et Wendy Williams, « Le puzzle formé par le JNIM et les groupes islamistes militants au Sahel », Bulletin de la sécurité africaine n° 38, Centre d’études stratégiques de l’Afrique, décembre 2020.
(3) Helmoed Heitman, « Optimiser les structures des forces de sécurité africaine », Bulletin de la sécurité africaine n° 13, Centre d’études stratégiques de l’Afrique, mai 2011.
(4)Michael Shurkin, John Gordon IV, Bryan Frederick et Christopher G. Pernin, « Building Armies, Building Nations : Toward a New Approach to Security Force Assistance », RAND Corporation, 2017a ; Michael Shurkin, Stephanie Pezard et S. Rebecca Zimmerman, « Mali’s Next Battle : Improving Counterterrorism Capabilities », RAND Corporation, 2017b.
(5) Shurkin 2017a
(6)Pauline Le Roux, « Répondre à l’essor de l’extrémisme violent au Sahel », Bulletin de la sécurité africaine n° 36, Centre d’études stratégiques de l’Afrique, décembre 2019.
(7) Eeben Barlow, Composite Warfare : The Conduct of Successful Ground Force Operations in Africa (Pinetown, Afrique du Sud : 30° South, 2016).
(8) Armée de Terre, Doctrine d’emploi des forces terrestres en zones désertique et semi-désertique, Edition-Provisoire, EP 20.440 (Paris: Centre de Doctrine d’Emploi des Forces, 2013); Barlow, Composite Warfare; Laurent Touchard and Michel Goya, Une révolution militaire africaine: Lutter contre les organisations armées en Afrique subsaharienne, 2018.
(9) Michael Shurkin, « France’s War in Mali: Lessons for an Expeditionary Army », RAND Corporation, 2014.
(10) Denis M. Tull, « La mission de formation de l’Union européenne et la difficile reconstruction de l’armée au Mali », Note de recherche n° 89, Institut de recherche stratégique de l’école militaire, Paris, 2020.
(11)Touchard et Goya.
(12) Armée de Terre, 9.
(13) Armée de Terre, 34.
(14) ⇑ Laurent Touchard, Forces armées africaines : organisation, équipements, état des lieux et capacités (Paris : Éditions LT, 2017), 338.
(15) Touchard, 339.
(16) Anouar Boukhars, « Contrer le terrorisme en Mauritanie », Éclairage, Centre d’études stratégiques de l’Afrique, 25 juin 2020.
(17)Dan Hampton, « Instaurer des capacités durables de maintien de la paix en Afrique », Bulletin de la sécurité africaine n° 27, Centre d’études stratégiques de l’Afrique, avril 2014.
__________________________
رابط المقالة: