ديكنز أوليوي – بي بي سي نيوز، نيروبي([1])
ترجمة: قراءات إفريقية
حتى اليوم، لا يزال شبح جريمة قتل كريس مساندو، رئيس قسم التكنولوجيا في اللجنة الانتخابية الكينية، قبل خمس سنوات، يطارد كينيا في الانتخابات المقرر إجراؤها الأيام القادمة. فقد كان كريس مساندو هو أحد كبار المسؤولين عن تقنيات التصويت في انتخابات 2017م، والذي قُتِلَ بدوافع سياسية فيما يبدو.
من ناحيته سعى رئيس اللجنة الانتخابية المستقلة، المشرفة على الانتخابات الحالية، مرارًا وتكرارًا، إلى طمأنة الجمهور المتشكك، بأن فريقه قادر على تقديم تصويت ذي مصداقية، لكنه حذَّر أيضًا من حملة منسّقة، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي لإيذاء موظّفي الفريق وترهيبهم.
وقد صرح وافولا تشيبوكاتي للصحفيين قائلاً: “موظفونا في اللجنة، وخاصة [العاملين] في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، خائفون الآن… أريد فقط أن أحثّ الأشخاص الذين يقفون وراء تلك الحملات على وقف ما يفعلونه”.
وهو بالفعل لديه أسباب وجيهة للقلق؛ فقبل خمس سنوات تم اختطاف المسؤول عن التكنولوجيا آنذاك، كريس مساندو، وقُتِلَ بوحشية، مع صديقته كارول نغومبو البالغة من العمر 21 عامًا؛ حيث تم العثور على جثتيهما في الأدغال في ضواحي العاصمة نيروبي، ولم يتمَّ القبض على أيّ شخص أو توجيه اتهامات له بارتكاب جريمة القتل تلك التي لا تزال يكتنفها الغموض.
وقد صرح المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في كينيا إيرنغو هوتون لمحطة تلفزيونية محلية مؤخرًا: “بالتأكيد مع وجود خدمة شرطة محترفة وحكومة محترفة وفعَّالة، سنستطيع أن نصل إلى حلّ، وأن نغلق هذه القضية، فحتى الآن لا تَعرف الأمة مَن قتل مسؤول الانتخابات الذي كان يتعامل مع قطاع حسَّاس للغاية من الانتخابات”.
فقد كان المغدور السيد مساندو يظهر بصورة منتظمة في محطات التلفاز المحلية؛ للتأكيد على الإجراءات التي يتم اتخاذها لضمان عدم تزوير الانتخابات، وقال في إحدى المقابلات: “الناخبون الأموات لن يظهروا هذه المرة في الانتخابات طالما أنا موجود”؛ فقد وضع ثقته في البيانات البيومترية للتحقق من استخدام بصمات الناخبين ونظام إلكتروني آمن لنقل النتائج، حيث تبنَّت هيئة الانتخابات مثل هذه التكنولوجيا في أعقاب تداعيات استطلاعات الرأي عام 2007م عندما أدَّت اتهامات بملء وتكديس أوراق الاقتراع بمعرفة الموظفين إلى أسابيع من العنف قُتِلَ خلالها ما لا يقلّ عن ألف ومائتي شخص، وفَّر حوالي ستمائة ألف من منازلهم، في الوقت الذي اعترف فيه رئيس اللجنة الانتخابية آنذاك أنه “غير متأكّد ممن هو الفائز”!.
ومن المتوقع أن تشهد هذه الانتخابات سباقًا محمومًا بين المرشح الأوفر حظًّا رايلا أودينجا زعيم المعارضة المخضرم، والذي يترشح للرئاسة للمرة الخامسة، وبين نائب الرئيس وليام روتو.
التكنولوجيا ليست الديمقراطية:
ولجعل الأمور أكثر دراماتيكية؛ فإن الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا يؤيد السيد أودينجا، وهو عدو تحوَّل إلى حليف، ليخلفه بعد انهيار علاقته مع السيد روتو، كما سيختار الناخبون المحافظين وأعضاء مجلس الشيوخ والنواب وأعضاء مجلس المقاطعات.
ومع ذلك، فإن الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا في استطلاعات الرأي الثلاثة منذ عام 2007م لم يتمتع بالمصداقية، وفي عام 2017م أدَّى ذلك إلى إلغاء المحكمة العليا للتصويت، والأمر بإجراء انتخابات جديدة.
وقد صرَّحت نانجيرا سامبولي، محلّلة التكنولوجيا والحوكمة، لبي بي سي قائلة: “على الرغم من الإخفاقات في عام 2013م، فقد تم شراء المزيد من التكنولوجيا في عام 2017م؛ حيث قفزت تكلفة الانتخابات من 10 دولارات [8 جنيهات إسترلينية] لكل ناخب مسجل في الانتخابات الأولى إلى 25 دولارًا في إعادة الانتخابات، مما أكسب كينيا مكانة عالية التكلفة بإجرائها أغلى انتخابات في إفريقيا”. وقد أضافت السيدة سامبولي قائلة: “التكنولوجيا ليست الديمقراطية”.
وقضت المحكمة العليا بأن تصويت أغسطس 2017م “باطل وفاسد وغير شرعي”؛ حيث فشل حوالي عشرة آلاف مركز اقتراع في نقل الأصوات إلكترونيًّا. وقال المحامي الدستوري جيمس مامبوليو لـ”بي بي سي”: “كان هذا رقمًا كبيرًا، بالإضافة إلى أن اللجنة الانتخابية قدمت الأعذار عندما طُلِبَ منها فتح خوادم الحاسوب لمراجعة ما حدث؛ حيث قالوا: إن المفوضية يجب أن تكون مسؤولة أمام الناس في جميع العمليات؛ من تسجيل الناخبين إلى نظام نقل فعَّال”.
ومِن ثَم فقد أثَّر الحكم على الثقة في السيد تشيبوكاتي، لكنه تمكَّن من البقاء في منصبه على الرغم من الضغط المستمر عليه للاستقالة. هذه المرة، ستعيد اللجنة استخدام عشرات الآلاف من مجموعات التحقق الإلكترونية للعملية الانتخابية التي تم شراؤها لإعادة انتخابات أكتوبر 2017م والتي شددت اللجنة في إجراءاتها. كانت لجنة الانتخابات قد خططت لاستخدام النظام الإلكتروني حصريًّا لتحديد هوية الناخبين، لكنَّ حكمًا قضائيًّا صدر في اللحظة الأخيرة قضى بضرورة توفر سجل مطبوع للهويات في حالة فشل نظام القياسات الحيوية؛ حيث سيتم إرسال النتائج رقميًّا من أكثر من خمسين ألف مركز اقتراع بدلاً من إرسال رسالة نصية، وهي الطريقة التي كانت مستخدمة سابقًا.
وهذه هي الطريقة التي ستعمل بها اللجنة في الاقتراع الرئاسي:
يجب التحقق من جميع الناخبين باستخدام بصمة الإصبع أو بطاقة الهوية.
بعد إغلاق الاقتراع، سيتم إرسال صورة من استمارة النتائج، موقَّعة من الرئيس ووكلاء الحزب، إلكترونيًّا باستخدام حقيبة الاقتراع المتكاملة إلى مراكز الفرز على مستوى الدائرة والمستوى الوطني.
سيتم تسليم نسخة من الاستمارة لوكلاء الحزب، ونشرها خارج مركز الاقتراع.
سيتم تأمين مجموعات التحقق من الناخبين جغرافيًّا في محطات الاقتراع الفردية لمنع الاحتيال.
سيتم الإعلان عن الفائز فقط بعد استلام اللجنة استمارة النتائج المادية للتحقق من الصورة المرسلة في البداية.
وقال جوستوس نيانجايا أحد مفوضي الانتخابات لبي بي سي: “سنجعل من الصعب للغاية في هذه الانتخابات أن يذهب الناس إلى المحكمة للطعن في النتائج التي لدينا؛ لأننا نتحلَّى بالشفافية لدرجة أنه حتى لو أرادوا الذهاب إلى المحكمة، فسيكونون مُحرجين للغاية من القيام بذلك”.
وقال أيضًا: إن مجموعة تحديد هوية الناخبين سترسل معلومات إلى مركز الفرز الوطني كل ساعتين، والتي يقول: إنها ستفشل محاولات تعبئة صناديق الاقتراع.
وحث رئيس اللجنة الانتخابية -الذي لا يزال يعاني من جراء الانتخابات الأخيرة- وسائل الإعلام والأحزاب السياسية والجمعيات المدنية على فرز الأصوات الخاصة بهم.
وقال المحلل السياسي حسبون أويلا لبي بي سي: “شيبوكاتي عازم على إجراء تعديلات من خلال تحمُّل المسؤولية الكاملة كرئيس، وإقامة نظام يضمن انتخابات حرة ونزيهة وشفافة يمكن التحقق منها؛ لتبرئة نفسه من إرث الرئيس المعروف بانتخابات فاشلة، كفرد فقد تعلَّم من أخطاء الماضي، ولكن كمواطنين كينيين يمكننا أيضًا أن نكون يقظين”.
ويوافق السيد مامبوليو قائلاً: “هل حاولت اللجنة الانتخابية الارتقاء إلى مستوى المعايير العالية التي حددها حكم المحكمة العليا لعام 2017م؟ من وجهة نظري، نعم. فلقد أشركوا الأحزاب السياسية والمرشحين والجمهور بطرق لم نَرها في الانتخابات الماضية”.
دعوة للعدالة:
بموجب القانون، أمام اللجنة الانتخابية سبعة أيام بعد التصويت لإعلان الفائزين، ومن خلال تشجيع وسائل الإعلام وغيرها على إحصاء النتائج؛ يأمل تشيبوكاتي في أن تبرأ شفافيته وتبرئه اللجنة، وسيكون ذلك بالتأكيد معلمًا مهمًّا لكينيا إذا تم تحقيق ذلك.
ومع إحياء أسرتي مساندو ونجومبو الذكرى السنوية الخامسة لقتلهما الشهر الماضي، قالوا مرة أخرى: إن الديمقراطية الكينية يجب أن ترتكز على سيادة القانون، وأمّلوا في يوم من الأيام أن يحصلوا هم أيضًا على العدالة. وكتبت عائلة مساندو في نعي في إحدى الصحف المحلية: “نصلي من أجل أن نصل إلى الحقيقة يومًا ما”.
[1]– نشر على موقع البي بي سي في الخامس من أغسطس 2022م، على الرابط التالي: https://www.bbc.com/news/world-africa-62423445