بقلم: أغنيس فايفر
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
يتعين على الرئيس كابوري الأخذ في الحسبان الرأي العام الساخن في بوركينا فاسو على خلفية المواجهة بين باريس وباماكو فيما يتعلق بمجموعة فاغنر. لكن السؤال المطروح هو: “هل فاغنر حلُّ أم مشكلة في محاربة الإرهاب؟”؛ هكذا تساءل موقع وَكات سيرا البوركيني في افتتاحية حَذِرة كردّ فِعْل على انتشار مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية في مالي الذي أعلنته بعض القوى الغربية قبل نفي الخبر من قبل باماكو.
وهذا اللاعب الجديد على مشهد مكافحة الإرهاب والذي يُشكِّل مصدر التوترات الدبلوماسية بين مالي وشركائها الغربيين، يخضع للتدقيق عن كثب في بوركينا فاسو المجاورة التي تتعرض بشكل شبه يومي لاعتداءات الجماعات المسلحة. لكن “وكات سيرا” يتساءل ما إذا كان من غير الوهم أن نأمل في إنهاء المشروع الكارثي للإرهابيين بوضع أنفسهم تحت سيطرة قوى أجنبية جديدة؟
تتساءل الصحافة:
كانت الصحيفة البوركينية” لوبي يي” اليومية أقل تحفُّظًا في تعليقها على بيان 14 دولة من الاتحاد الأوروبي بمشاركة المملكة المتحدة وكندا، والذي يدين “انتشار المرتزقة على الأراضي المالية”، ويعتبره “لن يؤدي إلا إلى تفاقم تدهور الوضع الأمني في إفريقيا”، مؤكدًا “الدعم المادي” الروسي لمجموعة فاغنر، التي فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ثمانية من أعضائها في 13 ديسمبر.
لكن الصحيفة تساءلت “أقيامٌ بالوعظ في الصحراء؟ كل الإشارات توحي بذلك”؛ على حد ما ورد في صحيفة لو بي يي. كما أشارت إلى أن عدم إحراز القوات الأجنبية الموجودة في منطقة الساحل نتائج ملموسة وضعٌ لا يمكن إلا أن يشجع باماكو على تحمل تكاليف خدمات فاغنر، إنه “ازدراء حقيقي لفرنسا” يسخر عابرًا. ثم أضاف أن ذلك علامة على “استقلال” مالي بامتياز الذي “يبدو أنه قرر تقرير مصيره بنفسه […] من خلال الصمود أمام مواجهة التهديدات المستترة أو العلنية من القوى العظمى. [هذا] منعطف جديد في إدارة علاقاتها مع الغرب”؛ على حد قول الصحيفة.
الشراكة مع فاغنر على الواجهة:
هل ستطال فكرة الشراكة مع فاغنر أيضًا أرض توماس سنكارا؟ بعيدًا عن عمليات الاتصال للمجموعة شبه العسكرية على الشبكات الاجتماعية أو التصور الإيجابي في واغادوغو عن أسيمي غويتا، رئيس المجلس العسكري المالي، لا يبدو أن هذا الخيار مستبعَد في الرأي العام. ويشرح سياكا كوليبالي، رئيس مركز مراقبة المواطنين وتحليل السياسات العامة، أن هذا الخيار يندرج تحت “البراغماتية أكثر منها أيديولوجية”؛ باعتبار”أن دولة بوركينافاسو تتعرض منذ ست سنوات لاعتداءات إرهابية شرسة، ولا يكاد يخلو، في واغادوغو، شخص لم يهرب قريب له من العنف المسلح، عطفًا على إيواء العديد من العائلات النازحين داخليًّا. كما شهدوا سلسلة من التعديلات الوزارية ومجالس الدفاع؛ لكن مقترحات الحكومة أو الجيش تلاشت. لكن يتساءل البعض من متابعي ما يجري في مالي في الوقت الحاضر” ما المانع من تجربة شيء مغاير؟”.
تنامي بوادر الخلاف على الوجود العسكري الفرنسي:
يستمد هذا التوجه قوته من تدهور الوضع الأمني المستمر في بوركينا فاسو بعد أن أدَّى عنف الجماعات الإرهابية المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة وEIGS (تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى) إلى مقتل ما لا يقل عن 2000 شخص فصلاً عن 1.4 مليون نازح منذ عام 2015م. وكذلك أدى إلى تزايد حدّة الانتقادات التي يتم التعبير عنها -كما هو الحال في مالي- تجاه الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل.
وقد تمثل التعبير عن هذا الاستياء الكبير بوضوح في مظاهرة 18 نوفمبر التي جمعت آلاف المتظاهرين، قاموا خلالها بمحاصرة قافلة لوجستية من عملية برخان تربط أبيدجان وغاو في مدينة كايا، على بعد 100 كيلومتر شمال شرق واغادوغو؛ احتجاجًا على اشتباه التواطؤ بين الجيش الفرنسي والإرهابيين، وكانوا يحملون هتافات مكتوبة عليها “فرنسا، اخرج” أو “تسقط فرنسا”.
وقد أجبرت الحشود المتظاهرة القافلة العسكرية على التراجع بعد حصار استمر ثلاثة أيام؛ مما يشكّل حدثًا غير مسبوق. لكن الشرارة، مرة أخرى، انطلقت من انعدام الأمن، وخاصة بعد أيام قلائل من مجزرة إيناتا في مقاطعة سوم على الحدود مع مالي، في 14 نوفمبر، التي أودت بحياة 57 شخصًا منهم 54 من رجال الدرك؛ فضلاً عن أنهم سقطوا في ميدان الشرف أثناء القتال على معدة فارغة بعد مطالبة المفرزة في إيناتا الإمدادات الغذائية منذ أسبوعين بدون جدوى.
الرئيس كابوري تحت الضغط:
على الصعيد السياسي؛ حاول رئيس الدولة روش مارك كريستيان كابوري، الذي أضعفته هذه المأساة الوطنية الجديدة والاستياء الناجم عنها، احتواء الغضب من خلال القيام بجملة من الخطوات شملت إقالة الضباط والمطالبة بالتحقيق في ملابسات هجوم إيناتا، والإعلان عن عملية “الأيدي النظيفة”، ثم تعديل وزاري نتج عنه تشكيل إدارة تنفيذية جديدة تضم 26 عضوًا (مقارنة بـ 34 سابقًا) برئاسة لاسينا زيربو، المسؤول الأممي الأسبق، في 13 ديسمبر.
وفي اليوم نفسه، استقبل رئيس الدولة أيضًا السفير الفرنسي في بوركينا فاسو، لوك هالادي، ومدير منطقة كواي دورساي الإفريقية، وكريستوف بيجوت، والضباط الفرنسيين، بالإضافة إلى وزيري الدفاع والأمن في بوركينا فاسو ورئيس هيئة أركان القوات المسلحة بهدف دراسة “المحاور المحتملة للتعاون من أجل رد عسكري أكثر فعالية على الإرهاب”؛ إنها بالتأكيد عملية حساسة للرئيس كبوري.
عدم التخلي عن التعاون مع فرنسا:
“إنه تحلى بشجاعة كبيرة نظرًا إلى حجم ضغوط الرأي العام والشبكات الاجتماعية التي ترى أن فرنسا ليست الشريك المناسب، ولا فعالة بما فيه الكفاية في مكافحة الإرهاب. ومع ذلك اختارت بوركينا فاسو دعوة جهة فاعلة موجودة في منطقة الساحل لديها وسائل مهمة للعمل على الأرض؛ إنه قرار واقعي. والهدف هو تعزيز التعاون العسكري والدفاعي لمواجهة ومنع الهجمات التي تشنّها الجماعات الإرهابية المسلحة بشكل أفضل، وأن تكون في موقع الهجوم وليس رد الفعل أو الاندفاع. لذلك ستخطط بوركينا فاسو وفرنسا للعمليات معًا، وهذا تحوُّل كبير في علاقتنا الثنائية؛ هذه بعض التلميحات التي صدرت من مصدر دبلوماسي فرنسي.
النتيجة: التحول في العلاقات الثنائية
في الواقع، لا يعني هذا التغيير تعزيز عدد عناصر العسكريين الأجانب نتيجة “إصرار بوركينا فاسو على مبدئها الرافض لوجود العسكري الأجنبي على أراضيها؛ وعليه سوف نستخدم وسائلنا الخاصة مع مزيد من التنسيق. وستشمل إعادة انتشار برخان أيضًا نقل مركز قيادة نجامينا إلى نيامي القريبة “حيث سيتم الآن استخدام قوات برخان وقوات سابْر(المتمركزة في ضواحي واغادوغو مع دمج عناصر من القوات الخاصة) التي كانت تتدخل تارة بناء على طلب واغادوغو “للدعم اللوجستي أو لجلب الجنود الجرحى”، وحشدها في تقديم الدعم لقوات بوركينا فاسو. ويواصل هذا المصدر الدبلوماسي “نأمل في الوصول إلى النتائج وإسكات المنتقدين”؛ على حد قوله.
الحالة الطارئة: تغيير الصورة السلبية عن فرنسا
بالإضافة إلى انتقاد عدم فعالية عملية برخان أو فرقة عمل تاكوبا في الساحل، فإن نظرية المؤامرة القائلة بأن فرنسا تقوم بتسليح وتدريب الإرهابين في بوركينا فاسو اخترقت المستويات الاجتماعية والأجيال وأحيانًا المؤسسات.
وفي نوفمبر، شجبت الخارجية الفرنسية على لسان، جان إيف لودريان، ما وصفهم بـ”المتلاعبين” و”الانتهازيين من بعض الصحفيين”؛ بتأثير من قيادة روسيا. وهو رد فعل -في شكل هجوم- بالكاد يكون بنّاءً وفقًا لدبلوماسي فرنسي سابق.
و”نحن أمام حقيقة جديدة فيما وراء الصرخات وإدانات السلطات الفرنسية والتي تتمثل في تغيير صورة فرنسا على مستوى الآراء العامة. وعلى الرغم من عدم إمكانية إنكار وجود التلاعب إلا أن ترسيخ هذا الخطاب يشير إلى حقيقة.
وعليه، فإن التحدي في هذه الحلقة سيكون السعي لفهم هذه الحقيقة الاجتماعية، وأيضًا التساؤل عن أهمية تعريض الجنود الفرنسيين لبيئة معادية. وبدلاً من ذلك، اقتصرت فرنسا على اعتبار الوضع والشكوى، والسلطات الوطنية، لم تتمكن من إزالة هذه العوائق بسرعة”؛ على حد قوله.
ومن جانبه، أشار المحلل السياسي سياكا كوليبالي إلى أن “باريس منزعجة لرؤية تنامي الاستياء ضد فرنسا، لكن ما هو العمل الذي يجب القيام به لإعادة إضفاء الشرعية على الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل؟ دعا الرئيس كبوري في خطابه إلى الأمة في 11 ديسمبر “إلى عدم ارتكاب الخطأ في تحديد العدو”، ولكن ما الذي يمتلكه البوركينيون من سكان منطقة واغادوغو أو كايا -المدينة المضيفة للعديد من النازحين؛ حيث تم حظر القافلة العسكرية الفرنسية- من المبررات لمواجهة فكرة أن فرنسا تدعم “الإرهابيين”؟ ليس كثيرًا … بل المبررات ضئيلة”؛ على حد تعبيره.
كما أن إعلان هيئة الأركان العامة للجيش في باريس عن تحييد سومانا بورا، رئيس مجموعة EIGS العاملة في منطقة الحدود الثلاثة (مالي، بوركينا فاسو، النيجر) في النيجر، على سبيل المثال، لم يكن له صدى يذكر في واغادوغو.
وقد تأثرت الصحافة أكثر بمقتل أربعة VDP (متطوعين للدفاع عن الوطن)، وهم المساعدون المدنيون إلى جانب جيش بوركينا فاسو) الذين يدفعون ثمنًا باهظًا في القتال ضد الجماعات الإرهابية، وقد سقط العديد منهم في كمين نصبوا له أثناء مرافقتهم للتجار إلى تيتاو (إقليم لوروم بالمنطقة الشمالية)، ومن بينهم زعيمهم الحاج يورو “البطل القومي في مكافحة الإرهاب” بحسب وكالة أنباء بوركينا فاسو. وبلغ عدد قتلى هجوم، الذي استهدف قافلة التجار برفقة المتطوعين للدفاع عن الوطن، 41 قتيلاً، وفقًا للحكومة التي أصدرت بهذا الصدد مرسوم حداد لمدة 48 ساعة.
ديناميات متناقضة في الميدان:
اليوم، وفقًا لسياكا كوليبالي، “لا يزال الوضع هشًّا للغاية والشعب البوركيني في انتظار النتائج، ويمكن لهجوم كبير أن يرفع الضغط”؛ كأن الردود السياسية قد غطت فقط فوهة البركان، كما أن تعزيز التعاون العسكري بين فرنسا وبوركينا فاسو سلاح ذو حدين.
ويتذكر الدبلوماسي الفرنسي السابق أن “الوجود العسكري الأجنبي طويل الأمد، في لحظة معينة، يَفْقد شرعيته في نظر السكان”؛ عطفًا على تساؤله عن طبيعة الشراكات الدفاعية في منطقة الساحل.
و”على مدى عقود، كانت فرنسا تهدر التعاون العسكري باعتبار أن الفرضية الأولية المتعلقة بمساعدة الدولة الشريكة على إعادة هيكلة جيشها، خاطئة. وخاصة أنه يُنظر إلى الجيش في بلدان الساحل في الأساس على أنه قوة توازن سياسي. وإذا أصبحت أكثر قوة وفعالية، فيمكنها اقتحام اللعبة السياسية. والجيش هو الملاذ الأخير عندما تفشل الطبقة السياسية. وتم حلُّ RSP (كتيبة الأمن الرئاسي) 1995-2015) ) الذي كان يُنظَر إليه على أنه تهديد للسلطة عندما كان القوة الوحيدة التي تتمتع بقدرات تشغيلية واستخباراتية. وعليه، هناك افتقار أولي إلى الفهم، وهو ما يُفسّر لماذا تجد فرنسا نفسها تقوم بالعمل القذر وأخطر المهمات وتعريض نفسها لانتقام الشعب”؛ على حد تعبيره.
__________________
رابط المقال: