د. مرتضى محمود مُعَاذ*
تبحث هذه الدراسة محتوى تعليم اللغة العربية بغرب إفريقيا، وتهدف إلى اختبار ملائمة هذه المناهج والبرامج الدراسية للمتعلّم الإفريقي، في عملية تنمية جميع مهاراته اللغوية، بعيداً عن سياقها العربي.
سنأخذ جمهورية غانا نموذجاً؛ لأنّ واقع تعليم اللغة العربية في مدارسها ينعكس على معظم مناهج اكتساب العربية في غرب إفريقيا، وتشترك معها في مكوّنات عناصرها التعليمية، وفي سياقها التاريخي الذي نشأت فيه هذه المدارس.
أولاً: تعليم العربية ووسائل تعليمها في غانا:
تتوزع المواد في هذه المدارس بين مجموعتَيْن، اللغوية والإسلامية، ويدرسهما المتعلّم في فترةٍ واحدة، تستغرق في معظم المدارس ساعتَيْن عموماً، وساعتَيْن ونصف الساعة على الأخص.
ويمكن تقسيم المستوى الابتدائي إلى ثلاثة مستويات حسب المواد المدروسة، يضمّ المستوى الأول: الصّفيَنْ الأول والثاني، والمستوى الثاني: الصّفيَنْ الثالث والرابع، والمستوى الأخير: الصّفيَنْ الخامس والسادس. ولا يدلّ هذا التقسيم على الانسجام التامّ بين المواد المدروسة، ولكنه قائمٌ على التقارب في مستويَي الصّفين.
أما الكتب المدرسية المقرّرة للتعليم؛ فقد كانت هناك أشباه مقرّرات متناثرة ومختلفة ومتباينة، من مدرسةٍ إلى أخرى، حسب اجتهاد المدرسة في استيرادها، في معظم الأحيان من السعودية أو مصر وغيرهما، على الرغم من أنّ هذه الكتب ليست هي المستخدمة في دولها حاليّاً، بل بعضها لم يعد يُعرف فيها، ولم تعد مستعملة في سياقها الثقافي الذي نشأت منه.
حديثاً؛ تعتمد معظم المدارس في غانا على كِتَاب (معلّم القراءة)، في خضم جهودٍ بذلها بعض الغيورين على اللغة، سعياً إلى توحيد برامج تعليم العربية في المدارس الإسلامية الحكومية، تحت الإشراف غير المباشر لوحدة التعليم الإسلامي Islamic Education Unit. إلا أنّ هذ الجهد اعتراه رَبْكةٌ شديدة، قادته تقريباً إلى نقطةٍ فارغة، إذ لم يحقّق الأهداف المرجوّة من تصميم برامج تعليم اللغة لغير الناطقين بها، وهو ما سنبيّنه.
1 – وضعية كتب تعليم العربية في غانا:
إنّ المناهج التعليمية يجب أن تسير على خطّة مدروسة لا مرتجلة، قبل تقريرها على المتعلّمين، وهو ما يوجب علينا دراسة كتب تعليم وتعلّم العربية بغانا، واختبار مدى صلاحيتها للمتعلّمين، ولمعرفة وضع هذه الكتب لا بدّ من الإجابة عن الأسئلة الآتية: ما المقصود بكُتب تعليم العربية بغانا؟ ما مصادرها؟ ما الأهداف المرجو تحقيقها من هذه الكتب؟
وسنكتفي بمقررات (المرحلة الابتدائية/ الصفوف: الأول والثاني والثالث) فقط دون غيرها من المراحل.
المقصود بـ«كتب تعليم العربية بغانا»: هي الكتب المقرّرة والمستخدمة في جميع المدارس الإسلامية- على العموم- بغانا لتعليم اللغة العربية، وهي كتب لها مصادرها، وسياقاتها الخاصّة التي صيغت لها.
كانت معظم هذه الكتب المقرّرة تأتي من بعض الدول العربية، مثل المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر، وقد تأتي من دولٍ عربية غيرهما، كحالةٍ استثنائية من المغرب، أو من محاولة غانية نادرة.
(1- أ) الكتب الوافدة من السعودية:
كانت السعودية تتكفل ببعض كتب تعليم العربية لبعض المدارس الإسلامية التي تلتزم بشروطها، مثل تبنّي برنامجها التعليمي دون غيره، مما قد يضمن لهذه المدارس ما يُسمّى بالمعادلة؛ أي معادلة البرنامج التعليمي اللغوي للمدرسة التي تتبنّى هذا البرنامج، لبرنامج تعليم اللغة العربية بالمملكة، ومن المحفزات المقدّمة لتبنّي هذا البرنامج، أنّ الطالب بهذه المدرسة قد يحصل على فرصة متابعة دراسته العربية أو الإسلامية بالسعودية. وعليه فإنّ هناك مجموعة كبيرة من المدارس تستخدم كتب المملكة، مع ندرتها حاليّاً، غير أنّ السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: هل تستخدم هذه الكتب نفسها في السعودية حاليّاً؟
(1- ب) الكتب المستوردة من مصر:
كان الأزهر أول مؤسّسة إسلامية تقدّم دعماً للتعليم العربي والإسلامي في غانا، ومن هذا الدعم: إرسال البعثات لتعليم اللغة العربية، حيث تأتي البعثات ومعها المقررات التعليمية الأزهرية، ومن ثَمّ تتسرب هذه الكتب إلى بعض المدارس، وهي أول مقرّرات منظّمة دخلت البلاد بعد التعليم النظامي للغة العربية. وأشهر هذه الكتب المصرية المنتشره لتعليم العربية للغانيين: سلسلة كِتَاب (معلّم القراءة) بأجزائه المختلفة، والتي تمثّل محاولة توحيد المناهج والبرامج من بعضهم حاليّاً، وهي سلسلة تقادم عليها الزمان، ولم تعد تستجيب لمعايير اللسانيات التطبيقية في تصميم برامج التعليم لغير الناطقين بها.
(1- ج) المحاولة الداخلية:
نظراً لقلّة الكتب التي تحصل عليها المدارس، وتجاوباً مع روح المسؤولية تجاه الفوضى المنهجية الموجودة في كُتب التعليم العربي وقلّتها، قدّم بعض الأفراد محاولةً متواضعة لتسهيل حصول المدارس على مقرّرات تعليم العربية، مع اعتمادها على الوسائل المتاحة، يمثّل هذه الكتب ما ألّفه أحد الغانيّين، معتمداً فيه الترجمة إلى الإنجليزية كوسيلةٍ مساعدة في التعليم.
2- محتوى الكتب المقررة:
إذا أردنا تقديم تصوّرٍ أوليّ عن مضمون الكتب المستخدمة، قبل مناقشة صلاحيتها، فإنه يلزمنا التطرّق إلى العناصر الآتية:
(2- أ) المستوى التركيبي للكتب المقررة:
سنركّز في أنواع الأساليب التي تحكم معظم التراكيب اللغوية في هذه الكتب، ونراعي طبيعة النصوص الواردة من حيث الطول والقصر حسب المستهدَفين، مع الالتزام بنفس الكتب التي تمّ التعرض لها.
نلاحظ في كِتَاب الصّف الأول للمدرسة السَّلفية (مدرسة ابتدائية وإعدادية)، أنّ الأسلوب عبارة عن سؤال وجواب بين شخصَيْن، يدور الحوار في الدّرس الأول بين (عبد الحميد، وطاهر)، مما فرض على الكتاب اعتماد أسلوب السؤال والجواب، مثل: (مَا اسْمُكَ يَا أَخِي؟ الجواب: اسْمِي طَاهِر. إلى أَيْنَ تَذْهَب؟ أذهبُ إلى المَدْرَسَة)، وطبيعي أن نتوقع الأسلوب نفسه بتراكيب مشابهة في الدرس الثاني، حيث نعثر على جمل من قبيل: (كَيْفَ أَصْبَحْتَ عبدَ الوَهَّاب؟ أصبحتُ بِخَيْرٍ. وكَيْفَ حَالُ أَبِيك؟ بخيرٍ وللهِ الحَمْد.. إلخ)، بينما إذا أخذنا الدّرس الأول للصف الثاني بالمدرسة نفسها، الذي يبدأ بعنوان: (الرُّجُوع إلَى المَدْرَسَة)؛ فإنّ النصَّ تمّ سرده بأسلوبٍ واحدٍ إخباري، من مثل: (عُدنا إلَى المَدْرَسَة، قَضَيْنَا العُطْلَة، نَحُسّ بِنَشَاط، المُعلّمون يَجْتَهِدُون.. إلخ).
أما من حيث الطول والقصر؛ فنجد النصوص في الصّف الأول تمتاز بالقصر، بينما نصوص الصف الثاني طويلة.
وقد تنوعت الأساليب في الدرس الثاني، بسرد أمثلة من الأحاديث الشريفة، مثل أسلوب الشرط والجواب نحو: (إذَا سَألتَ فَاسْألِ الله)[1]، و (مَن دَلّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِله)[2]، والأسلوب الخبري نحو: (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيه)[3]، والتوكيد نحو: (إنّ اللهَ يُحِبُّ إذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلاً أنْ يُتْقِنَه)[4]، والنهي نحو: (لا تَخُنْ مَنْ خَانَك)[5].
(2- ب) المستوى الدّلالي في الكتب المقررة:
أي الحقول الدلالية لمفردات الجُمل، والحمولة الدلالية الموجودة داخل النصوص القرائية للكتب، ونلاحظ في هذا المستوى ما يأتي؛ في الدرس الأول والثاني من الكِتَاب المقرّر في المدرسة السَّلفية:
1- دوران المعاني حول ما يتعلّق بالحقل المدرسي، مثل: (الكتب، والأقلام، والمحفظة، والتحية).
2- التطرّق إلى بعض الدلالات الاجتماعية، مثل: (السوق، البيت، الأب والأخ… إلخ).
ولنأخذ أيضاً نموذجَيْن من كتابَي الصّف الثاني والثالث من مدرسة أنْصَار السنّة، نجد عنوان الدرس الثالث: (انْظُر) بكتاب الصّف الثاني، يتحدّث عن (أرنب، ودجاجة، وحمامة)، وفي القصّة وردت كلمات: (الصّباح، الظُهر، المَساء). والدرس الرابع بعنوان: (الصَّباح)، يدور النصّ حول أدبيات الاستيقاظ من النوم، ومنها: (ذكر الله، والوضوء، والصّلاة، والتّحية للوالدين).
وإذا انتقلنا إلى الصف الثالث بالمدرسة نفسها، فسيصادفنا عنوان: (الوطن)، وهو درسٌ يبتدئ بخريطة للملكة العربية السعودية، وقد ذكرت في الدرس دلالات مجازية، وغيرها، حيث نعثر من خلاله على دلالات مثل: (وُلِدْنَا عَلَى أَرْضِه، وعِشْنَا تَحْتَ سَمَائِه، ونَحْمِل السِّلاحَ لِلكِفَاح… إلخ). وباختصار؛ فإنّ النصّ يحاول غرس روح الوطنية في التلاميذ، ومن ثَمَّ فإنّ المعنى «حماسي» بالدرجة الأولى.
(2- ج) المستوى التداولي في الكتب المقررة:
إنّ نصوص تعليم اللغة، وبخاصّة نصوص المستوى الابتدائي، تحكمها ضوابط محدّدة، في توظيف النصوص لسياقات معيّنة، وبتصفّح الكتب التي نتحدّث عنها، يظهر لنا على «المستوى التداولي» ما يأتي:
في كِتَابي الصّف الأول والثاني للمدرسة السَّلفية- على سبيل المثال لا الحصر-، في الدرس الأول للكتاب يُبرز المؤلّف صورةً مرسومةً لتلميذَيْن يتحدثان، ويهدف النصّ بذلك إلى تعليم المحادثة، في موضوعٍ يقتصر على السّياق المدرسي فقط، ثم يتطرّق الدّرس الثاني من الكتاب نفسه إلى محادثةٍ مشابهة للأولى، لكنه هذه المرّة يمسّ بعض السياقات الاجتماعية، مثل: (مَنْ أبُوك، أَيْنَ أخُوك، أَبِي اسْمُه، أَخِي ذَهَبَ إِلَى السُّوق… إلخ)، وإذا انتقل التلميذُ إلى الصّف الثاني، في الدّرس الأول- كمثال-، يجد أمامَه نصّاً بعنوان: (المدرسة) مع صورة لمجموعةٍ من التلاميذ في المدرسة، والنصُّ سردٌ خالص دون محادثة.
وحتى لا ننحصر في مدرسةٍ واحدة؛ نأخذ الكتاب المدرسي لأنصار السنّة، ومعظم نصوصه بشكلٍ عمودي، فهو سَرْدٍ دون محادثة، ومعظم العناوين فيه كالآتي: (انْظُر)، للحديث عن (الأرنب، والحمامة، والدجاجة)، ومثل: (الصّباح، الغُرفة، حَسَن يُسَاعِد، خَالِد، الرَّجل الغَبِي، سَارَة… إلخ) من النصوص العمودية. وقد تتابع الأسلوب نفسه في كِتَاب الصّف الثالث، بموضوعات مثل: (مِنْ آياتِ اللهِ البيّنَات، من أَحادِيث الرّسُولِ صلى الله عليه وسلم، ربّاه، الوَطَن، الصّدق، أُمّي، العَاقِلُ مَن اتّعظَ بغَيرِه، طُفُولَةُ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، النّخلَة، بِئْرُ زَمْزَم… إلخ)، دون مواقف تداولية تُذكر.
(2- د) التقييــم في الكتب المقررة:
للتقييم Evaluation دَوْرٌ كبيرٌ في قياس مدى تجاوب التلاميذ مع البرامج المقررة، مما يوجب علينا رصد التقييم وطريقته في هذه الكتب.
بصفةٍ عامّة؛ تعتمد جلّ هذه الكتب على التمارين، التي تعقب كلّ درسٍ، كوسيلة لتقييم التحصيل لدى التلاميذ وتقويمه، وتأخذ معظمها الأشكال الآتية إجمالاً: (اِمْلَأ الفراغَ الآتي، ضَعْ لكلّ سؤالٍ جواباً ممّا يأتي)، ومثل: (لماذا؟ وما هو؟… إلخ) بشكلٍ روتيني.
ثانياً: دراسة نقدية لكُتب تعليم العربية، واقتراح بديلٍ لها:
سنختبر الآن مدى اكتساب التلميذ المهارات اللغوية الأربعة من خلال هذه الكتب، وإلى أيّ مدًى تستجيب لمعايير اللسّانيات التطبيقية في تعليم العربية لغير الناطقين بها، مما يفرض علينا مناقشة العناصر المتحكّمة في برامج تعليم اللغة الثانية.
بين تعليم اللغة لأبنائها وتعليمها لغير الناطقين بها:
ينبغي أن يختلف الكتاب المدرسي لتعليم اللغة لغير الناطقين بها عن الكتاب المدرسي لتعليم اللغة لأبنائها، من حيث الغَرَض والبناء والوسيلة. وقد تنبّه لنتائج نقل البرامج اللغوية، الموضوعة لسياقٍ ثقافيٍّ معيّن إلى سياقٍ مختلف، الدكتور علي القاسمي، حين قال وهو يخاطب بعض الدول العربية التي تحاول دعم التعليم العربي في الدول غير العربية: «لكننا أغفلنا هذه الفروق الأساسية زمناً طويلاً، وكنّا– وما نزال للأسف- نبعث بالكتب التي نستعملها في مدارسنا العربية؛ إلى البلدان الصديقة التي تطلب مساعدتنا في تعليم لغتنا في مدارسها»[6].
ولو كانت المقرّرات نفسها هي المستخدمة بالدولتَيْن في الوقت نفسه لقلّت المشكلة، أما أن تنسى الدولة التي استُوردت منها الكتب أنها جادت بها مرّة من المرات، فهذا ما يستدعي التأسّف، حيث ترجع بعض هذه الكتب إلى سنة 1987م، بل أبعد من هذا التاريخ، دون تجديد.
ولوضع النقاط على الحروف؛ تستدعي دراستنا لهذه الكتب مناقشة العناصر الآتية فيها:
1- مراعاة النصوص لطبيعة التلاميذ وفلسفة المجتمع:
لإعداد المواد التعليمية لتعليم اللغة لغير الناطقين بها لا بدّ من مراعاة: الأسس الثقافية والاجتماعية، والأُسس السيكولوجية، والأُسس اللغوية والتربوية[7]، كما يجب أن يلائم الكتابُ المدرسيُّ المتعلّمين من حيث: العمر، القابلية، المستوى اللغوي والتعليمي، الميول، والوقت الذي يستطيعون تكريسه للعربية[8].
واعتماداً على المفهوم الإجرائي، لبرنامج اللغة العربية في المرحلة الأساسية، يجب أن يراعي هذا البرنامج طبيعة التلميذ، ومتطلبات نموّه العقلي والجِسمي والاجتماعي، خصوصاً عندما يتعلّق التعليم بالصغار.
إلا أنّ الكتب الموجودة بين أيدينا تتضمن مجموعة من النصوص التعليمية المتناقضة مع طبيعة الدارس لها، وسنكتفي بنموذجٍ واحدٍ فقط من كِتَاب مدرسة أنْصَار السنّة، والآخر للمدرسة السَّلفية.
في الدرس الرابع من الكتاب المدرسي للصف الثالث، وعنوانه: (الوطن)؛ كما هو واضح في الصورتَيْن الآتيتَيْن مباشرة:
إنّ الثقافة تحتل مكانةً مهمّةً في تعليم اللغة وتعلّمها، بوصفها الوعاء اللُّغوي، والمكوّنٌ الأساسيّ والمكمّل للمحتوى التعليمي، لذلك لا بدّ أن تحمل المادة التعليمية للغة العناصر الثقافية، بل ينبغي أن تندمج هذه العناصر اندماجاً كليّاً في مادة تعليم اللغة وتعلّمها؛ استناداً إلى أن تعلّم اللغة يتوقف على مقدار نموّ المهارات اللغوية، وفي الوقت نفسه نموّ الحصيلة الثقافية الفكرية.
ومن أحسن ما يُغرس في التلميذ بهذه المرحلة، على المستوى الثقافي والنفسي، حبّ الوطن، مما يجعل عنوان الدّرس مقبولاً، مع التعبيرات الرائعة المصاحبة للنصّ. إلا أنّ السؤال هو: ما الوطن الذي نغرسُ حبَّه في المتعلّم الغانيّ؟!
واضحٌ أنّ الخريطة المرسومة في الدّرس ليست لدولة غانا، بل خريطة المملكة السعودية، كذلك العَلَم الموجود، على الرغم من أهمّية غرس وحدانية الله (لا إله إلا الله) في تلاميذ المسلمين، إلا أنّ العَلَم هنا رمزٌ لدولةٍ معيّنة تحت عنوان «الوطن»، وهذا المتعلّم هو نفسه الذي يتعلّم في دروس العلوم الإنجليزية: أنّ راية بلاده هي تلك الراية التي بها الألوان: (الأحمر، والأخضر، والأصفر، والنجم الأسود في الوسط)، ثمّ يُصادَف بخريطةٍ للوطن في الدرس مباينة لما سمعه في باقي العلوم، مما قد يؤدّي بتفكير التلميذ الصغير إلى الاعتقاد بوجودِ عَلَمَيْن وخريطتَيْن لدولته، وما أكثر هذه التناقضات في جميع الكتب المستخدمة.
ولنأخذ مثالاً آخر من كِتَاب الصف الثاني بالمدرسة السَّلفية، وهو درسٌ بعنوان (الرُّجوع إلى المدرسة)، كما في الصورة الآتية مباشرة:
هذا العنوان مناسبٌ كأول درس يبدأ به المتعلّم بعد عودته من عُطلة العام، إلا أنّ الملاحظ من النصّ وجود جُمَل؛ منها: (عُدْنَا إِلَى المَدْرَسَةِ بَعْدَ أَنْ قَضَيْنَا عُطْلَةَ الصَّيْف)، ومن المحتمل أن يكون العام الدراسي الجديد في الدول التي وُضع لها الكتاب يبدأ في توقيتٍ مختلف، فلا شك في أنّ مثل هذه الأخطاء الفنيّة مما ينمّي بعض الأخطاء الدلالية الشائعة في معظم دارسي العربية في غرب إفريقيا، وقد تترّسخ فيهم ويصعب استئصالها بعد هذه المرحلة؛ لكونها تعليماً في الصِّغر؛ فصارت كالنّقش على الحَجَر.
وإذا تتّبعنا النصوص الوظيفية الموجودة في هذه الكُتب؛ فسنجد معظمها لا يسرد إلا نصوصاً عمودية، ولا توجد نصوصٌ تفجّر طاقات التواصل في المتعلّمين.
وربما طُرح سؤال: هل يحتاج برنامج تعليم العربية بغانا إلى نصوصٍ وظيفية للتواصل؛ والمجتمع لا يتداول العربية؟ والردّ بسيط: لأنّ اللغة الآن يتواصل بها المتعلّمون مع أهلها وغيرهم في أي وقتٍ من الأوقات، بفضل مواقع التواصل الاجتماعية، ولا يوجد متعلّم يستغني عن الملكة التواصلية في اللغة التي يتعلّمها.
2- مراعاة السّياق الثقافي والسياسي للبلاد:
لبناء البرنامج التعليمي؛ لا بدّ من مراعاة السياسة التربوية واللغوية التي تتبنّاها الدولة التي يُعدّ لها، لأنّ هذه السياسة هي التي تحدّد اختيار لغة أجنبية معيّنة من بين اللغات الأخرى، كما يجب في هذا البرنامج مراعاة الطابع الحضاريّ الثقافيّ العام في البلاد، خصوصاً أنّ هذه الكتب تُدرّس في المدارس الحكومية.
لكن إذا تتبعنا صفحات الكتب المقرّرة للتعليم العربي، ستصادفنا مجموعة من التناقضات لهذا المبدأ، من أهمّها وجود نصوص وصور وأفكار تناقض السياسة التربوية في البلاد، ويكفي مثلاً النموذج الذي قدّمناه في درس (الوطن) للصف الثالث الابتدائي، لمدرسة أنْصَار السنّة.
ثالثاً: نحو اقتراح بديل لتصميم برامج تعليم العربية بوصفها «اللغة الثانية» في غانا:
يشير مفهوم «البرنامج» إلى ما يُعرف بالمحتويات والطُّرق التعليمية، أي أنّ البرنامج: أهداف ومحتويات وطُرق ووسائل التعليم والتعلّم. فهو مشروع تربوي يحدّد[9]:
1- مرامي وأهداف وأغراض العملية التعليمية.
2- الوسائل والأنشطة المتوفرة لتحقيق الأهداف والأغراض.
3- الوسائل التي تُمكِّنُ من معرفة مدى تحقّق ما كان منتظراً من العملية التعليمية.
وهناك أنواعٌ كثيرةٌ من البرامج اللغوية، وأهمها- بالنظر إلى النشاط والقُدرة التي يراد تنميتها لدى المتعلمين- ثلاثة أنواع رئيسة. وهي:
1- البرنامج البنيوي (النحوي):
جاء هذا البرنامج جواباً لسؤال: كيف يعبّر مستعملو اللغة الثانية عن أنفسهم؟ ويرى هذا البرنامج أنّ حاجة المتعلمين تتركز في الأشياء التي يمكن التعامل معها بسهولةٍ وبطريقةٍ صحيحة، وهي في النهاية حاجةٌ نحوية، ومن ثَمَّ فإنّ البرنامج النحوي البنيوي الخالص، يقدّم الأدوات اللغوية إلى المتعلّمين مع تقليل باقي العناصر الموجودة في تعليم اللغة[10].
وقد وُجّهت انتقادات عدّة إلى البرنامج البنيوي، من أهمها: أنّه يسيء في تقديم الظاهرة الطبيعية للغة، حيث كانت كلّ الجهود منصبّة على جزءٍ واحدٍ للغة، وكانت الكتب البنيوية لتعليم اللغة تبدأ في تعليمها من البنية، ثم تجزئتها، كالآتي: العبارة: (الفعل + الاسم + الحرف + الاسم)، مثال: ذَهَبَ زيدٌ إلى المدرسة.
وكان من ضمن الانتقادات الموجّهة: لماذا يخفق المتعلّمون في تعلّم بعض القواعد النحوية في مرحلةٍ من المراحل، والتي سبق تعليمها لهم منفصلة؟ ثمّ ما نوع النشاط التعليمي الذي يُسهّل تعلّم اللغة[11]؟
لم تكن الإجابة عن هذه الأسئلة سهلة لأصحاب هذه المقاربة؛ ما أدّى إلى التفكير في مقاربةٍ بديلة، فكان بذلك ظهور المقاربة التواصلية.
2- البرنامج الوظيفي التواصلي:
إنّ التصوّر الحاصل في السبعينيّات، نتيجة بروز «البرنامج التواصلي»، شجّع كثيراً من المعلّمين والمتعلّمين على التعامل مع اللغة بوظيفة تواصلية، حيث شرع الباحثون في تحديد أساليب تقديم اللغات المتكلَّمة، ورأوا أنّ التدريب على (الاستماع والمحادثة) له قيمة خاصّة في حياة المتعلّمين[12].
فركّزت هذه المقاربة في قُدرة المتعلّمين على استعمال اللغة في سياقات معيّنة، حيث تعطى الأهمية لوظائف اللغة ومساعدة المتعلّمين على اكتساب القُدرة التواصلية، فالهدف الرئيس لهذا البرنامج هو: أن تعلّم اللغة لا يتمثل في استخدام الجُمل النحوية الصحيحة فحسب، لكن أيضاً في معرفة: متى، وأين، وإلى من تُستخدم تلك اللغة[13]، فأهمّ ما يجب تقديمه للمتعلّمين في مثل هذا البرنامج، هو تعليم المحادثة، ويتمّ التعليم بشكل التواصل التدريجي، كما يشير إلى هذا النوع من
التعليم الرسم (1) الآتي:
في مثل هذا السياق؛ برغم أنّ الهدف معرفة العُمْر بالسنين والشهور لشخص في المحادثة، لكنه بدأ بالسؤال: كم عُمْرُ أخيك؟ ثم تتابعت بعض الموضوعات الممكنة في هذا المقام[14].
والمهم هو إكساب المتعلّم القدرة على المشاركة الاجتماعية في الدولة الأجنبية التي يتعلّم لغتها.
كما ينبغي لمحتوى مثل هذا البرنامج أن يدور حول موضوعات ووحدات رئيسة، وتمثل هذه الوحدات، تقسيماً للنشاطات العالمية، يتمّ اختيارها حسب حاجات المتعلّمين ونشاطاتهم، ويمكن تمثيل المحتوى الدراسي لها في الرسم (2) الآتي:
رسم توضيحي 2
وبصورةٍ عامّة؛ فإنّ (الوحدة الأولى) ستتناول موضوعات تتعلق بالتواصل مع الأسرة والأصدقاء، وتهتم (الوحدة الثانية) بموضوعات تتعلق بالناس خارج الأسر والأصدقاء كالنشاطات الاجتماعية، وتثير (الوحدة الثالثة)، قضايا ثقافية عامّة، وتتعلق (الوحدة الرابعة) بالأسئلة المهمّة حول العالم في الطبيعة والمحيط والعلوم والتكنولوجيا[15]، وكلّ هذه الوحدات يجب أن تَكُون في محتوى البرنامج خلال السنوات الثلاث الأولى.
وقد نال هذا البرنامج أيضاً نصيبه من الانتقادات، مثل عدم استجابته لتعليم جميع المهارات اللغوية الأربعة، بل إنه يستجيب بشكلٍ أساسيّ لمهارتَي النُّطق والاستماع على حساب باقي المهارات وهي القراءة والكتابة، حيث وَجَد المخطِّطون للبرنامج صعوبةً تتعلق بنوع المواد التي ينبغي إدراجها في المحتوى؛ بعد أن تأكدوا من عدم صلاحية اختيار المواد اللغوية النحوية فقط، فكان تركيزهم في إدراج مواد بإمكانها أن تزوّد المتعلّم بـ«مهاراتٍ تواصلية» للّغة المتعلّمة.
ومن ثَمَّ كانت الانتقادات الموجّهة للبرنامج التواصلي البَحْت لا تقلّ عن تلك الموجهة إلى البرنامج البنيوي النحوي، وكما أشار ويدوسون، منذ 1979م، أنّ معطيات البرنامج التواصلي الوظيفي لا تعكس عملية تعلّم اللغة بالضبط[16]، لأنه لا يمكن القول إنّ شخصاً ما قد تعلّم لغة معيّنة ولا يتقن إلا الحديث بها فقط، والاستماع إليها، دون الكتابة الجيدة والقراءة، لأنّ المهارات اللغوية جزءٌ لا يتجزأ، وإن كان هذا لا ينفي وجود التفاوت في نسبيّة تعليم هذه المهارات؛ حسب الغرض المراد تحقيقه لدى المتعلّمين.
3- بناء البرنامج باعتماد المهارات اللغوية:
يمكن وصف القُدرة على فَهْم اللغة وإنتاجها بأنها: القُدرة على القراءة والكتابة، وترجمة وكتابة ما يسمع، وإصدار الرسالة… إلخ، مما يُسمّى «المهارات اللغوية»، فليس بالضرورة أن نقيّد أنفسنا بممارسة نشاطٍ معيّن إذا أردنا تعليم القراءة، لأننا في أثناء تعليم القراءة قد نتطرّق إلى الكتابة والمحادثة، فلو ركّزنا في مهارة المحادثة وحدها؛ فإنّ المهارة الوحيدة التي يمكن تعلّمها في النهاية هي الكلام؛ مما يؤدّي إلى فقدان جانب التلقّي (الاستماع) لدى المتعلّم.
أما فيما يتعلق باستراتيجية التعليم؛ فلا شك أنّ تعليم بعض النشاطات النطقية مثلاً يجب تقديمها منطقيّاً على بعض نشاطات الكتابة، كما يجب تعليم شيء من القراءة البدائية قبل المحادثة.
ويجرّنا الحديث عن تعليم اللغات باعتماد المهارات؛ إلى الحديث عن تعليم اللغة باعتماد طريقة الوحدة والفروع.
فالفروع تؤدّي مجتمعةً إلى تعلّم اللغة، ومنها:
– القراءة: تدريب على ربط الشكل بالمضمون.
– الإملاء: تدريب على الكتابة الصحيحة.
– الخط: تمرين على فن الكتابة الصحيحة.
– المحفوظات: تعني مضمون اللغة، بما تغذيه في التلميذ من معانٍ ومواقف وصور، كما تزوّده بأنماط التعبير الجيّد، وتجعله يتذوّق مواطن الجَمَال وصور التعبير عنها… وتعلّمه، مع القواعد، أصول الضبط، وطرق بناء الجُمل السليمة.
– التعبير: يهيئ له مواقف؛ تستثير ما حصَّله من الفروع السابقة[17].
أما طريقة الوحدة: فهي أن يقوم البرنامج على الترابط والتكامل بين المواد الدراسية، وتطبيق هذا البرنامج على اللغة العربية يكون باتخاذ إحدى المواد اللغوية محوراً تدور حوله جميع الدراسات اللغوية، ليكون هو: موضوع القراءة والتعبير، والحفظ والإملاء والخطّ والكتابة، والتدريب اللغوي، لأنّ مفهوم المهارات اللغوية؛ هو أداء لغوي صوتي (القراءة والتعبير الشفهي)، أو غير صوتي (الكتابة بأنواعها) يمتاز بالسرعة والدّقة والكفاية والفَهْم، ومراعاة القواعد اللغوية المنطوقة والمكتوبة، فإذا امتلك المتعلّم المهارات اللغوية كانت لديه القُدرة اللغوية، ومن ثَمَّ يكتسب من خلالها القُدرة على التواصل[18].
وهذا ما أدى بالباحثين إلى التركيز في هذا النوع من البرامج، خصوصاً في تعليم اللغة للصغار.
(3- أ) خطوات وتصميم البرنامج باعتماد المهارات:
إنّ البرنامج الجيّد لا يحدث صدفة؛ بل يتمّ التخطيط له بدقّة، ومن أهمّ الخطوات الأولية، في عملية بناء البرنامج اللغوي، تحديد نوع اللغة التي سيتم تعليمها، بعد تحديد الأهداف المرجو تحقيقها، لكي يتمّ التركيز فيها، كما يجب على البرنامج أن يخضع لاستراتيجية المجتمع الذي يشكّل المتعلّمون جزءاً منه، ثم أخيراً لا بدّ من تقييم البرنامج بشكلٍ مستمر[19]، مما يفرض علينا مناقشة: طبيعة التلاميذ المستهدَفين، وطبيعة مجتمع المتعلّمين (بيئتهم التعليمية الاجتماعية والثقافية)، وسياسة المؤسّسات التي ستستخدم البرنامج، والأطر الكفيلة بإنجاح البرنامج.
(3- ب) مستويات البرنامج وطُرق تحقيق أهدافه:
بناءً على المشكلة التعليمية، وحاجات جمهور المتعلّمين وخصائصهم المحدّدة، يجب تحديد الأهداف التعليمية التي تمثّل خطوات معيّنة، تقود إلى أهدافٍ عريضةٍ للتوجّه التعليمي المستهدَف[20].
والهدف هو بيانٌ وعرضٌ لنتيجة يجب التوصّل إليها، وتتمّ صياغته بدقة، فهو يقدّم أولاً عن طريق الصياغة العامّة، وبذلك يوفي بالهدف العام[21].
وتختلف الطُّرق المعتمَدة حسب مستويات الدراسة وأهدافها، كما يأتي:
(ب-1) المستوى الأول والثاني:
يُعدّ المستوى الأول في الواقع تمهيداً وإعداداً للمستوى المتوسط، الذي يتكون فيه الوضوح اللغوي في ذهن المتعلّم، ويبلغ فيه مستوى أعلى في النّضج اللغوي، ومن ثَمّ يجب أن يُراعى التطوّر في اختيار مادة الدراسة في المستويَيَن، بحيث تلائم نضجَه العقليّ من ناحية، ومستواه اللغويّ من ناحية أخرى.
ويعتمد البرنامج المطبّق بالمستوى الأول والثاني: الطريقة السمعية البصرية، على النهج المتداول في تعليم اللغات الحيّة، لتنمية مهارة التواصل الشَّفهي والكتابي، ويستعين هذا النهج بأشرطةٍ أو أقراصٍ سمعية وبصرية، تُشخّص المواقف الوظيفية من خلال نصوصٍ حوارية متنوعة[22].
ويُتوقع من المتعلّم قرب نهاية المرحلة الثانية، أن يسترسل في القراءة، ويصحّح لنفسه، ويحسن ما يقرأ، وينطلق في التعبير عمّا في نفسه دون خوفٍ أو تحرّجٍ من حواجز اللغة، وأن يستعمل الأنماط اللغوية التي مُرّن عليها استعمالاً صحيحاً يتفق مع قواعد اللغة.
ومن القواعد التي ينبغي أن يتدرّب على أنماطها الطالب في المرحلة الأولى: أدوات التعريف، والتنوين، الاسم المفرد المذكر والمؤنث، اسم الإشارة المفرد المذكر والمؤنث، الضمير المنفصل المفرد مذكّراً ومؤنّثاً، أدوات الاستفهام، الجُملة الاسمية مع اسم الفاعل، واسم المفعول، والصّفة مذكّرةً ومؤنثةً[23].
كما يجب الاعتماد بشكلٍ مكثّف على الممارسة الشَّفوية في هذَيْن المستويَيْن، مع تأخير تكثيف القراءة الطويلة والكتابة إلى المستوى المتقدّم. وتُؤخذ القواعد في هذَيْن المستويَيْن انطلاقاً من مواقف حيّة: (يسمع ويشاهد ويعبّر)، دون التشديد على قواعد بنية النصّ، والتي يتعلّمها الدارس بطريقة ضمنية عن طريق الممارسة والتدريبات الكثيرة والمتنوعة[24]، عقب كلّ درس.
(ب-2) المستوى الثالث والرابع، أو المرحلة المتوسطة:
يعتمد البرنامج المطبّق بالمستوى الثالث والرابع (المتوسط) على دراسة النصوص، وربط تدريبات المهارات اللغوية بها، مع مراعاة: تطعيم نصوص المستويَيْن بنصوصٍ وظيفية، مستمدّة من المواقف التواصلية المتداولة، التي لها صلةٌ متينة بالحياة اليومية، وتنويع النصوص والمواقف لتشمل نصوصاً وظيفية وسردية، ووصفية إعلامية، وتعزيز الكتاب المدرسي بمُعجم وظيفي، يشتمل على صورٍ توضيحية، تساعد على الفَهْم والاستيعاب.
وتحتاج الطريقة المطبّقة بهذَيْن المستويَين إلى دراسة النصوص في إطارٍ موسّع، للتدريب على المهارات اللغوية والتواصلية، مع الاستعانة بالطرائق السمعية البصرية، واستراتيجية القراءة والكتابة[25]. ويتدرّب المتعلّم على أنماط القواعد الآتية: الضمير المتصل المفرد، الضمير المنفصل، اسم الإشارة، المثنى، الجمع، الفعل وأنواعه، الجملة الفعلية، الفعل المنصوب، وبعض أدوات النّصب، الفعل المجزوم، وبعض أدوات الجزم، النفي للمضارع والماضي والمستقبل، والمقصور والمنقوص.
(ب-3) المستوى المتقدّم أو المرحلة المتقدّمة (Advanced Level):
يُقبَل بهذه المرحلة المتعلّم الذي وصل إلى درجة الاسترسال في القراءة، ودرجة المقدرة على تصحيح الأخطاء لنفسه، والفَهْمَ الجيّد لما يقرأ، والانطلاق في التعبير عمّا في نفسه، واستعمال بعض الأنماط اللغوية استعمالاً سليماً يتفق مع قواعد اللغة، كما ينبغي ألا تقلّ ثروته اللغوية عن أَلْفَيْن من المفردات، ويمكن عدّ هذه المرحلة فترةً دراسيةً مستقلة؛ لأنها تؤدّي غرضاً قائماً بذاته، فالمتعلّم غير العربي، بعد الانتهاء من دراسة هذا المستوى، يستطيع متابعة الدراسة وحدَه دون عناء؛ لأنه يصل به إلى درجةٍ يمكنه معها تخطي العقبات الرئيسة الأولى، وقراءة صحيفة عربية، وفَهْم ما فيها دون عناء، والاستماع إلى الإذاعات العربية.
وتتلخّص الأهداف التي ترمي إليها دراسة البرنامج فيما يأتي:
1- زيادة الثروة اللغوية للمتعلّم إلى ألفَي كلمة، فوق ما حصّله في المرحلتْين السابقتَيْن، والتدريب على استعمالها في فروع اللغة المختلفة وفي الحياة العامّة.
2- تحطيم خوف الطالب من مواجهة الأساليب الطبيعية للغة العربية في مصادرها، وليس في الكتب المدرسية، وهي: الكتب والصُّحف والخُطب والإذاعات.
3- كما يتأهّب لمواجهة اللغة في بيئتها الطبيعية.
4- نموّ القُدرة على القراءة إلى درجةٍ يتوفّر فيها عنصر السرعة والفَهْم الصحيح.
5- اكتساب القُدرة على تتبّع ما يسمع من حديثٍ ومقالٍ وخطابٍ وإذاعةٍ في يسر دون جَهْد[26].
كما يشتمل البرنامج على فروع المواد الآتية: القراءة، والتعبير، والنصوص القرائية، والتدريب على استعمال القواميس وفهارس المكتبات.
(ب-4) تنظيم محتوى البرنامج:
المحتوى: مجموعة من المعارف والمهارات والمواقف والقِيَم المطروحة للتعلّم.
ويطرح محتوى البرنامج: مُشكل الانتقاء ومُشكل التنظيم، حيث لا بدّ من معايير محدّدة تحكم اختيار هذا المحتوى، والتي يمكن سوق أهمّها فيما يأتي[27]:
1- المصداقية: أن تَكُون المعرفة المقدّمة صحيحة، ليست خاطئة ولا متجاوزة، وأن تَكُون قادرة على تحقيق أهداف التعليم المتوقّعة منها.
2- الدّلالة: أن تَكُون المعرفة المقدّمة ذات معنى، ذلك أنّ الأحداث والمعطيات الجزئية لا قيمة لها في حدّ ذاتها، وينبغي وضعها في إطار الأفكار الأساسية والمبادئ التي هي أهمّ منها.
3- الاهتمام: ينبغي للمحتوى أ*ن يثير اهتمام التلاميذ ويشدّ انتباههم.
4- القابلية للتعلّم: أن يكون مناسباً لمستوى النّضج لدى التلاميذ، ومستوى قدراتهم المختلفة.
هذه المعايير تحكم الانتقاء فقط، أما الضوابط العامّة التي تسبق عملية الانتقاء فكثيرة، ومنها: الابتعاد عن الأساليب الخيالية في انتقاء المحتوى، والنظرة البعيدة نحو مستقبل الناشئة، وربطه بتحصيلهم، بغية إعدادهم للحياة الجديدة، والمرونة في التطبيق، بحيث تتسع الخطّة لكلّ جديدٍ مفيد، قادرٍ على التخلّص من كلّ ما كانت نتائجه سيّئة أو ضعيفة[28].
(ب-5) خطّة تنظيم محتوى الكتاب المقرر لتعليم العربية بغانا:
يُقترح أن يشتمل كِتَاب كلّ صفٍ على عددٍ يتراوح بين 25-30 درساً، حتى تغطي عدد أسابيع الدراسة في كلّ صفٍ على مدار العام، على أن تتوزع هذه الدروس، على وحدات، يربط موضوعات كلٌّ منها خيطٌ معيّن يصلح عنواناً للوحدة.
أما من حيث الدروس الأولية في كلٍّ من كتب المستويات الثلاثة؛ فينبغي أن يشتمل الجزء الأول على عددٍ من دروس تنمية الاستعداد للقراءة والكتابة، بينما يشتمل كلٌّ من كتابَي الصف الثاني والثالث على عددٍ من تدريبات المراجعة العامّة لما سبقت دراسته بغرض التذكير به[29] وتثبيته، وتهيئة التلاميذ لما سوف يتعلّمونه في الكتاب الجديد.
كما ينبغي للمؤلّف الاعتناء بإخراج الكتاب فيما يتصل بالرسومات والصُّور، والأشكال والألوان، والمسافات بين السطور، وغير ذلك من الجوانب الفنية، وأن يُبرز التكامل عند إعداد محتوى كتب تعليم اللغة العربية للصفوف الثلاث، وذلك على مستويين:
1- التكامل الأفقي: أن يتكون كلّ كِتَاب من وحداتٍ ترتبط فيما بينها، وتتدّرج فيها المفاهيم والأفكار والرصيد اللغوي المقدّم من وحدةٍ إلى أخرى.
2- التكامل الرأسي: أن تُبنى المفردات والتراكيب والمفاهيم اللغوية، في كِتَاب الصّف الثاني على ما قُدّم في كِتَاب الصف الأول، ويُبنى ما يقدّم في كِتَاب الصّف الثالث على ما قُدّم في الصّفين السابقَيْن، فضلاً عن إعداد التلميذ لدراسة كِتَاب الصف الرابع.
* رئيس قسم تربية اللغات/ كلية التربية وعلوم الاتصالات- جامعة التربية وينبا- غانا.
[1] أخرجه أحمد (رقم 2600)، والترمذي (رقم 2553).
[2] رواه مسلم (رقم 1893).
[3] أخرجه الترمذي (رقم 2344).
[4] رواه أبو يعلى (رقم 4272)، وصححه الألباني في الصحيحة (رقم 1113).
[5] رواه الترمذي (رقم 1264)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
[6] القاسمي، علي (1991): التقنيات التربوية في تدريس العربية لغير الناطقين بها. ط إيسيسكو، الرباط، ص57.
[7] الغالي، ناصر عبد الله وعبد الحميد عبد الله (د. ت)، أساس إعداد الكتب التعليمية لغير الناطقين بالعربية، دار الغالي، الرياض، ص19.
[8] القاسمي، علي مُحَمَّد (1979): اتجاهات حديثة في تعليم العربية للناطقين بلغة أخرى، عمادة شؤون المكتبات، الرياض، ص113.
[9] الملكي، المروني (1993): البيداغوجية المعاصرة وقضايا التعليم النظامي. ط. شركة الهلال العربية، من منشورات كلية الآداب بالربط، ص71.
[10] Rogger, T.Bell (1981), An Introduction to Applied Linguistics. Academic and Education LTD.Basford.
[11] Nunan, David (1996), Syllabus Design. Oxford University Press. (p.32). Djigunovic J. Mihaljevic, M. Medved. Krajnovic. (2013), Language Teaching Methodology and Second Language Acquisition. University of Zagreb, Croatia, (p:6-7).
[12] Roost, Michael (1993), Listening In Language Learning. Longman INC. New York, (p:28-29).
[13] Anderson, E.S., Krashen, S.D. & Scarcella, R.C. (1990). Developing Communicative Competence in a Second Language, (p.6). Carter, Ronald (1993), Introducing Applied Linguistics. Penguin books LTD, (p.11).
[14] All right, Richard (1989), Language Learning through Communication Practice, In: The Communicative Approach to Language teaching. Edited by Brunfit and co. Oxford University Press, (p.198).
[15] Coder, Spit (1987), Introducing Applied Linguistics. Hazel Watson and Viney LTD. London, (p.3).
[16] Nunan, (1996: 37).
[17] الموسى، نهاد (2003): الأساليب، مناهج ونماذج في تعليم اللغة العربية. ط1، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، ص (69-70).
[18] عليان، أحمد فؤاد محمود (1992): المهارات اللغوية، ماهيتها وطرائق تدريسها. دار المسلم للنشر والتوزيع. ط1- الرياض، ص (8-9).
[19] As worth, Mary (1985), Beyond Methodology, Second Language Teaching And The Community. Cambridge Press. (p.7).
[20] الهادي، مُحَمَّد (2002): التعليم الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت. ط، الدار المصري اللبناني، القاهرة، ص130.
[21] بلانت، جاك ترجمة: مومن دحاني (1995): تقييم البرنامج. ط2، وزارة التربية الوطنية، مغرب، ص32.
[22] ميلود، أحبدو (2004): تقويم تجربة وحدة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في كلية علوم التربية. مجلة التدريس- العدد 2، من السلسلة الجديدة، الرباط، ص76.
[23] الحديدي، علي (2008): مشكلة تعليم اللغة العربية لغير العرب. دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، ص (128-129).
[24] الصوري، عباس (1991): تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. مجلة التدريس، من منشورات كلية التربية، جامعة مُحَمَّد الخامس، العدد 18، الرباط، ص85.
[25] ميلود، أحبدو (2004)، ص76.
[26] الحديدي، (2008: 169).
[27] الملكي، (1993: 86).
[28] القوزي، عوض بن حمد (2002): مناهج تعليم اللغة العربية. أعمال ندوة: تعليم اللغة العربية وتعليم المتعدد، إعداد كنزة بن عمر وغيرها، ج:2. من منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، الرباط، ص50.
[29] طعيمة، رشدي (1998): مناهج تدريس اللغة العربية بالتعليم الأساسي. دار الفكر العربي، القاهرة، ص140.