بقلم: كاميل دوكروك
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
بعيدًا عن طعن المعارضة في نزاهة الانتخابات الرئاسية؛ يتعين على خليفة يحيى جامع تخفيف معاناة البلاد اقتصاديًّا. وذلك على الرغم من شروع منافسي آداما بارو في غامبيا في الاحتجاج على النتائج حتى قبل الإعلان عنها بشكل رسمي، لكنَّ الرئيس المنتهية ولايته فاز برئاسة البلاد لمدة خمس سنوات إضافية في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت يوم السبت 4 ديسمبر 2021، كما تم تقديم نتائج هذا الاقتراع من جولة واحدة في عدد قليل من الدوائر الانتخابية من مساء السبت وطوال يوم الأحد. وأعيد انتخاب رئيس الدولة، الذي واجَه خمسة مرشحين آخرين، بنسبة 53٪ وفقًا لأرقام رسمية من مفوضية الانتخابات.
بين التعبئة والاحتجاج:
كانت الانتخابات الرئاسية هي الأولى منذ الهزيمة التاريخية للمستبد السابق يحيى جامع في عام 2016م الذي حكم البلاد بقبضة من حديد زهاء 22 عامًا. وبنسبة مشاركة بلغت 89٪ أدَّى هذا الاقتراع غير المسبوق إلى تعبئة المجتمع المدني إلى حد كبير، وتم تسجيل أقل من مليون شخص في القوائم الانتخابية من أصل 2.2 مليون نسمة في هذا البلد الصغير الواقع في غرب إفريقيا، وبعد حملة انتخابية مفتوحة اتسمت بمنافسة حقيقية كان من المتوقع التوصل إلى النتيجة المعلنة.
ومن جانبه عقد أوسينو دربو، المعارض التاريخي ليحيى جامع، والمعلم السياسي السابق لأداما بارو، مؤتمرًا صحفيًّا إلى جانب عيسى فال وماما كانده (المرشحين المستقلين) المدعومين من يحيى جامع للطعن في النتائج، مشيرين إلى “المخالفات المحتملة” خلال عمليات التصويت. وصرح داربو أن “كل الخيارات السياسية مطروحة على الطاولة”، وجاء المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، البالغ من العمر 73 عامًا الذي ترشّح لمنصب الرئيس للمرة الخامسة، في المرتبة الثانية بنسبة 27.7٪ من الأصوات.
نشاز المعارضة بعد إعلان النتائج:
بينما احتفل أنصار أداما بارو إلى وقت متأخر من الليل بانتصار الرئيس المنتهية ولايته في شوارع العاصمة بانجول، واصلت المعارضة من جانبها رَفْض النتيجة الرسمية قبل تراجع عيسى فال أخيرًا، وتأكيد ماما كانده رفضه تهنئة الرئيس المنتخب.
وفي نهاية اليوم، تجمع حوالي 100 من أنصار يوسينو داربوي أمام منزل الأخير للتعبير عن استيائهم من إعادة انتخاب الرئيس بارو، أعقبه تفريقهم مِن قِبَل سلطات تنفيذ القانون بالغاز المسيل للدموع، وأصيب أكثر من عشرة أشخاص، من بينهم صحفيون.
داربوي يدعو إلى الهدوء وسط الشكوك الحائمة في الأفق:
طلب أوسينو داربوي من مؤيديه المغادرة و”التزام الهدوء والسلمية” أثناء بدء الإجراءات القانونية، مشيرًا إلى أنه “سوف نلجأ إلى المحكمة حال توفير الأدلة لدى محامينا”؛ على حد قوله. وفقًا لقانون الانتخابات، أمام المرشحين عشرة أيام بعد الانتخابات لتقديم استئناف، بينما ينص الدستور على ثلاثين يومًا، وهذا التعارض القانوني يجعل الإجراءات “معقدة” حسب ما اعترفت به فاتو جاني سنغور “نحن لا نعرف حتى الآن كيف ستسير الأمور”؛ على حد قولها.
وحتى هذه اللحظة لم يتم اللجوء إلى المحكمة “الأعصاب متوترة والدولة عالقة على قرار معسكر داربوي حول اتخاذ إجراء قانوني من عدمه. وهل سيقبل مؤيدوه القرار النهائي إذا لم يفعل؟”؛ تتساءل المحامية. وقد انتشرت دعوات للعنف مؤخرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وواتساب، واعتقلت السلطات بعض الجناة، وأدان أوسينو داربوي هذه الأعمال بشدة، فيما لا يزال هناك مَن يعتقد أن الانتخابات مسروقة.
إقرار المراقبين بانسجام الاقتراع مع المعايير الدولية:
اتسمت الانتخابات بسلاسة سواء أثناء الحملة الانتخابية أو يوم الاقتراع، لا سيما أن توطيد الديمقراطية كان أحد تحديات الاقتراع بعد خمس سنوات من نهاية نظام جامع القمعي. وقد أقرت بعثة المراقبة التابعة لـ ECOWAS (الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا)، التي تدخلت عسكريًّا أثناء رفض يحيى جامع التخلي عن السلطة في عام 2016م قبل إجباره على النزوح إلى غينيا الاستوائية؛ حيث يعيش حتى اليوم، بأن الانتخابات أُجريت “وفقًا للمعايير الدولية”؛ كما أشاد مراقبو الاتحاد الأوروبي بـ”شفافية عملية التصويت والفرز”، وتحدثوا عن “تطور ديمقراطي”.
دعوة إلى الإصلاحات:
وعلى الرغم من ذلك؛ فقد أكَّد العديد من المراقبين استمرار وجود “عيوب خطيرة” فيما يتعلق بقانون الانتخابات، والتي لم يتم إصلاحها منذ عام 2016م، ويشيرون بشكل خاص إلى عدم مراجعة الدستور والقوانين القمعية لعصر جامع، والتي كان آدم بارو قد وعَد بها عقب انتخابه في عام 2016م، لكن البرلمان صوّت في سبتمبر 2020م “ضد” الدستور الجديد الذي اقترحه رئيس الدولة، مما أثار انتقادات كثيرة له.
فضلاً عن التعديل المعني كان يشكل واحدة من المجالات التي كانت محور التطلعات المتوقعة من وكيل العقارات السابق؛ لكنه صرح في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء عن رغبته في اعتبار مراجعة الدستور “أولوية” لولايته الثانية التي تبدأ رسميًّا في يناير، عطفًا على وعده بأن تشمل المراجعة “تحديد مدة الفترات الرئاسية والأغلبية المطلقة”؛ على حد قوله.
أولوية المصالحة والعدالة:
وفقًا لفاتو جاني سنغور؛ فإن “المصالحة والعدالة هي الأولوية” للأشهر المقبلة لتخفيف التوترات الحالية، مضيفة أنه “حال عدم تسوية ديون بلادنا فستبقى هشَّة ومنقسمة”، وهذا هو سبب توجُّه الأنظار نحو أداما بارو بشكل خاص فيما يتعلق بمصير تقرير لجنة تقصِّي الحقائق والمصالحة والتعويض الذي تم تقديمه إليه في 25 نوفمبر.
وقد وجّهت اللجنة، التي انطلقت بمبادرة منه ثُم كُلِّفت بالتحقيق في الجرائم المرتكبة تحت سلطة المستبد جامع، نداء إلى تقديم المسؤولين إلى العدالة غير أنه لم يتم الإعلان عن الأسماء بعدُ. لكن أمام الرئيس ستة أشهر لنشر كتاب أبيض يشرح فيه كيف يُخطّط لتنفيذ توصيات التقرير.
انتظار ضحايا جامع العدالة:
لا يزال ضحايا عهد جامع ينتظرون تحقيق العدالة، ولهذه الانتخابات أهمية كبيرة بالنسبة لهم، عطفًا على تعليق العديد آمالهم عبر تغيير الحكومة في مواجهة العلاقات “المبهمة” بين رئيس الدولة وأنصار المستبد السابق نتيجة تحالف أداما بارو، في سبتمبر الماضي، مع بعض مؤيدي الديكتاتور السابق لإعادة انتخابه، فضلاً عن أن من شأن احتمال وجود بعض مرتكبي الجرائم في عهد جامع بين هؤلاء المسؤولين، ما يسهم في تعزيز إشكالية محاكمتهم المحتملة في المستقبل. لكن الرئيس المعاد انتخابه أكّد في مؤتمره الصحفي بعد الانتخابات أن “العدالة ستتحقق”، ويبقى أن نرى الشكل الذي سيعطيه.
ضرورة الإصلاح الأمني:
وسيتعين تحقيق ذلك من خلال إصلاح قطاع الأمن “لا يزال هناك دائمًا أشخاص ارتبطت أسماؤهم بالفظائع المرتكبَة في عهد جامع، مما أدى إلى اعتقاد البعض بعدم مقدرة قواتنا الوطنية على لعب دورها كاملًا كقوة جمهورية قبل إجراء عملية التمحيص”؛ حسب توضيحات المحامية، مضيفة أنه “ستكون الأشهر الستة المقبلة حاسمة، كما سينتبه الجميع لقرارات الحكومة، وهذه تحديات صعبة أمام الرئيس، لكن عليه التحلّي بالشجاعة للتعامل معها الآن، بينما لا يزال الجو مؤاتيًا وقبل نفاد صبر الغامبيين واستيلاء المناورات السياسية على زمام الأمور”؛ على حد تعبيرها.
______________
رابط المقال: