بقلم: جوستين برابانت و أنطوني فوشارد
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
ما هو القاسم المشترك بين العيادات البيطرية المتنقلة في العراق وبين اللجان القروية في شمال شرق جمهورية إفريقيا الوسطى؟ بين مزارع الأوكالبتوس في مالي وبناء فصول دراسية في النيجر؟ كل هذه المشاريع التي تقع في مناطق الخطر، وفقًا لوزارة الشؤون الخارجية، تمولها AFD (وكالة التنمية الفرنسية)، وتنفذها المنظمات غير الحكومية الشريكة.
وقبل الإفراج عن الأموال اللازمة، قامت الوكالة الفرنسية للتنمية والمنظمات المدعومة بإجراء العديد من التحرِّيات والرصد من خلال الاعتماد على قواعد البيانات التي تسرد العقوبات الدولية مثل تلك المفروضة من الإنتربول، فإن هذه الرقابة لها هدف واحد: منع المساعدات الممنوحة للمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى؛ (حيث موَّلت الوكالة الفرنسية للتنمية ما قيمته 410 ملايين يورو عام 2020م) عن الوقوع في جيوب الجماعات المسلحة أو التنظيمات الإرهابية.
التمحيص:
كان تركيز هذا التدقيق يتمحور على اللاعبين الرئيسيين على غرار محاسبي المنظمات غير الحكومية أو مديري الموارد البشرية أو العاملين الميدانيين قبل دعوة الوكالة الفرنسية للتنمية إلى تشديد الضوابط منذ أكثر من عام بقيادة وزارتيها التنفيذيتين: وزارة الخارجية ووزارة الاقتصاد والمالية؛ لكن كيف؟ من خلال توسيع دائرة ما يسمَّى بإجراء “المراقبة” على جميع المستفيدين من المساعدات الفرنسية، وفي مقدمتها المنظمات الإنسانية، عطفًا على الاتصال المباشر مع المستفيدين المعنيين.
وقد تم تلخيص المشكلة من طرف فرانسوا جرونيوالد، مدير URD “المراقبة والاستباقية” المؤسسة الفكرية التي تلجأ إليها الدولة الفرنسية بانتظام لإجراء تقييمات للسياسة العامة (لا سيما في منطقة الساحل) على النحو التالي: “منظمة غير حكومية تتلقى أموالًا من الوكالة الفرنسية للتنمية؛ لتوزيع أكياس من الأرز، وتم الإقرار بمنح اثنين منها لهارونا توري -أحد سكان قرية في شمال مالي-، سيتعين عليها، نيابة عن الوكالة الفرنسية للتنمية، التأكد من أن المعنيّ هو المستفيد فعلاً، وأنه لن يتم تسليم أحد الأكياس من الأرز للإرهابيين”؛ على حد قوله.
العمل الإنساني عرضة للتهديد:
تبدو الفكرة بسيطة نظريًّا وتسمح، وفقًا لتوضيحات الوكالة الفرنسية للتنمية، بالامتثال للوائح الدولية الخاصة بالعقوبات المالية، غير أنها، من الناحية العملية، قد تكون سابقة لا تتعارض فقط مع القوانين والمعاهدات الأخرى (القانون الدولي الإنساني الذي ينص على “عدم التمييز” في توزيع المساعدات على الأشخاص المعرَّضين للخطر الإنساني)، وإنما قد تُعرِّض أيضًا عمل المنظمات الإنسانية والقائمين عليه على الساحة للخطر بشكل كبير.
ومن جانبه، تساءل جان فرانسوا دوبوست، مدير تعبئة لمنظمة CCFD Terre-Solidaire (اللجنة الكاثوليكية للتنمية ومكافحة الجوع، الأرض المتضامنة): إذا كان “من المفترض أن نساعد بطريقة محايدة وغير متحيزة ومستقلة وغير تمييزية؛ فعلى أيّ أساس ولأيّ غرض سنطالب المنظمات غير الحكومية بدراسة ملفات تعريف الأشخاص الذين تساعدهم بتفصيل؟ وخاصة أن حوالي 7.3 مليون شخص معنيون بدعم المنظمات التي تموّلها الوكالة الفرنسية للتنمية، وهو العدد نفسه من الهويات التي يجب التحقق منها؛ إنها تكاد تكون مهمة مستحيلة، علمًا بأن مليار شخص في العالم ليس لديهم وثيقة إثبات هوية.
وفي هذا السياق، استقبلت إدارة الوكالة الفرنسية للتنسيق في الجنوب، التي تضم أكثر من 170 منظمة مجتمع مدني فرنسية، لمناقشة موضوع الفرز، غير أن المباحثات لم تسمح بالتوصل إلى حل وسط؛ نتيجة إغلاق التنسيقية الجنوبية باب المفاوضات، مما أدى إلى انهيار الحوار. وأشار جان فرانسوا دوبوست إلى أنه “ليس من صلاحية منظماتنا تحمُّل هذا النوع من المسؤولية”؛ حيث إن إرادة الوكالة الفرنسية للتنمية ووزاراتها التنفيذية تشبه “استراتيجية نقل الإدارة والمسؤولية إلى العاملين في المجال الإنساني”؛ كما يشير فرانسوا جرونيوالد.
وفقًا لوجهة نظر أحد العاملين في المجال الإنساني الذي يتلقى دعم العديد من مشاريعه من الوكالة الفرنسية للتنمية، يرى أن “من المستحيل إثبات أن ما تُقدّمه لشخص ما سيبقى في يده وخاصة في المشاريع الحساسة؛ حيث يوجد دائمًا عنصر مجهول”، مضيفًا “وهذا يعني أننا لن نتدخل بعد الآن في أي مكان، وهذا ما سيؤدي إلى حرمان مجموعات سكانية بأكملها لمجرد محاولة الوكالات حماية نفسها”.
الغموض المستمر:
تبنّى CDCS (مركز الأزمات والدعم) التابع لوزارة الخارجية، والذي يُموِّل أيضًا البرامج في مناطق الأزمات، موقفًا رافضًا في مواجهة اعتراضات المنظمات غير الحكومية على لسان مديرها، إريك شوفا لييه، الذي وعد بعدم تطبيق إثبات الهوية في سياقات “الطوارئ” الإنسانية. ولكن ماذا عن مناطق “الاستقرار” و”التنمية” والمناطق “الرمادية” على غرار مالي؟
يتساءل أحد العاملين في المجال الإنساني المتمركز في منطقة الساحل، وأضاف “سيعتبر مشروع توزيع الغذاء في وسط مالي حالة طارئة، وعليه لن يُخضَع أحد للمطالبة بإثبات الهوية؛ لكن في حال تصور توزيع المساعدات في اليوم التالي؛ ستُجبر المنظمة غير الحكومية على المطالبة بإثبات الهوية؛ إنه جنون تمامًا “وضبابية”، وحال اكتشافنا -بناءً على قاعدة البيانات- أن الشخص الذي أمامنا هو أمير حرب مطلوب، أو أنه أحد أفراد عائلة المعنيّ، فماذا يجب علينا فعله؟”، مضيفًا “هل نمتنع عن مساعدته باختراع ذريعة أو نقول له: آسف يا سيدي، أنت مُدْرَج في قائمة قاعدة بيانات كذا وكذا، لذا فهي ليست كذلك؟ وهذا يُعرِّض فِرَقنا الموجودة على الساحة للخطر، والتي كانت حتى الآن محمية بمبدأ الحياد والاستقلالية”؛ على حد تعبيره.
ومن جانبها اعترفت AFD (الوكالة الفرنسية للتنمية) نفسها بأن التمييز بين سياقات الطوارئ وسياقات “الاستقرار”، أو “التنمية”؛ ليس بالمهمة السهلة؛ حيث صرحت الوكالة -ردًّا على موقع ديس كلوس وميديا بارت- بالقول: “علينا التوفيق بين اللوائح المختلفة التي تنطبق على مشاريعنا”، مشيرة إلى أنها تدرس الحالات التي يمكن فيها إعفاء المنظمات غير الحكومية من هذا التمحيص.
ومن المقرّر عقد اجتماع جديد بين ممثلي المنظمات غير الحكومية والوكالة الفرنسية للتنمية في الأسابيع المقبلة، وتتطلع المنظمات المنتشرة في الميدان إلى التمكُّن أخيرًا من رؤية الوثيقة بالتفصيل على أساس كل حالة منفردة سواء لتطبيق التمحيص من عدمه، “مذكرة زرقاء بين الوزارات”، كانوا يطالبون بها من المؤسسة العامة منذ شهور بدون جدوى.
_______________________
رابط المقال: