المصدر: لوبونيي أفريك
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
دعت منظمة أوكسفام فرنسا ومنصة الديون والتنمية إلى اليقظة بسبب عدم استقرار وضع بعض البلدان تجاه الدائنين من القطاع الخاص، وخاصة أن الوصول إلى الموارد المالية -وخاصة لتحسين النظم الصحية- يثير قلقًا لإفريقيا أكثر من تداعيات عدم المساواة في اللقاحات على الاقتصادات الإفريقية، رغم استفادة العديد من البلدان التي تواجه صعوبات نتيجة جائحة كوفيد-19 من تجميد عام للديون، في عامي 2020 و2021م، مع إمكانية الصرف من خلال آليات صندوق النقد الدولي والشركاء متعددي الأطراف على غرار البنك الدولي.
كما دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تعليق خدمة الديون، أو حتى إلغائها، إلى جانب تحسين الوصول إلى حقوق السحب الخاصة (SDRs) الصادرة عن صندوق النقد الدولي لدعم الدول الإفريقية.
وإذا كان الإجراء الفرنسي قد مكّن بشكل ملحوظ من مشاركة الدائنين الثنائيين الرئيسيين مثل الصين إلا أن الإجراءات الطارئة المعنية، التي وصلت إلى نهايتها، تتعلق فقط بالديون الثنائية والمتعددة الأطراف، في حين أن 60٪ من الديون الإفريقية مستحقة للعديد من الدائنين من القطاع الخاص وبمصالح وملامح مختلفة؟ لكن منظمة أوكسفام فرنسا غير الحكومية ومنصة الديون والتنمية أدانتا، في تقرير نُشر في 12 أكتوبر، ما وصفتاه بالنهج المتحيّز نتيجة عدم خضوع الدائنين من القطاع الخاص الرئيسيين، ولا سيما البنوك الخاصة لقيود؛ فضلاً عن مطالبتهما بضرورة الاستعجال في إلغاء سداد الديون التي تحول دون الخروج من الأزمة بشكل عادل وشامل.
المؤسسات المالية الفرنسية على المحك :
يتميّز هذا الموضوع بتعقيد كبير؛ حيث كشفت أوكسفام ومصادر أخرى عن بيانات عامة من البنك الدولي حول المديونية الدولية تشير إلى أن البنوك الفرنسية “تلعب” لغاية الآن “دورًا مركزيًّا” في مديونية العديد من الدول النامية التي تُواصل في سداد 2.8 مليار دولار شهريًّا، رغم تداعيات الجائحة، تعود معظمها للدائنين من القطاع الخاص.
واللافت للنظر هو أن “الديون المصرفية التي تحتفظ بها المؤسسات المالية الفرنسية على البلدان المؤهلة للاستفادة من ISSD [مبادرة تعليق خدمة الدَّين التي اعتمدتها مجموعة العشرين في أبريل 2020م] تضاعفت أربع مرات منذ عام 2010م، وفي ظروف لا يمكن تحملها في بعض الأحيان”؛ على حد تعبير نيكولاس جانديئو، المتخصص في الديون في منظمة أوكسفام فرنسا، في بيان صحفي.
وأهم القطاعات الثلاثة التي تنشط فيها المؤسسات المالية الفرنسية الخاصة، وتسهم في الارتفاع السريع لمديونية البلدان الأشد فقرًا؛ تتمثل في “الائتمان المصرفي، وخدمات إصدار السندات وشراء السندات السيادية”، وذلك لاكتنازهم أكثر من 200 مليون دولار على شكل مدفوعات، وبفوائد تُقدَّر بـ40 مليون دولار قبل الوباء الذي يُعتَبر مجرد عامل تفاقم.
وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى أن البنوك الفرنسية نَشِطَة بشكلٍ ملحوظ في تقديم الخدمات المالية أثناء إصدار السندات مقابل عمولات خيالية، وفي مقدمتها ثلاثة بنوك: مصرف باريس الوطني باريبا، الشركة العامة والبنك الشعبي/صندوق الادخار، وهي من بين المجموعات المالية العالمية الخمس عشرة التي استحوذت على أكبر حجم من إصدارات السندات من المدينين المؤهلين للحصول على القرض منذ يناير 2011م”، عطفًا على وضع ما يقرب من “8 مليارات دولار في الأسواق المالية نيابة عن ثمانية من أفقر البلدان”، وتم كل ذلك في إطار بعيد عن الشفافية؛ حيث “تتم العملية بطريقة تضمن أقصى درجات السرية فيما يتعلق بالمبالغ وأسعار الفائدة المطبقة”، مشيرًا إلى “أن كلًّا من الشركة العامة ومصرف باريس الوطني باريبا وضعت في الأسواق المالية قرابة 2.1 مليار دولار من سندات اليوروبوند من البلدان المؤهلة للاستفادة من ISSD (بنين والكاميرون والسنغال وأوزبكستان وكوت ديفوار) دون الإفصاح عن حجم العمولات المقبوضة”؛ على حد تعبير لويس- نيكولاس جانديئو.
الدول في مواجهة الدائنين الأقوياء لوحدها:
يبدو أن كوت ديفوار والسنغال من أكثر الدول تجسيدًا للوضع المستعصي الذي تغلغلت فيه دول إفريقية معينة باعتبار احتضانهما فروعًا للبنوك الفرنسية لفترة طويلة، عطفًا على كون اعتيادهما ممارسات الأسواق المالية الدولية؛ غير أن سبب الافتقار إلى “التمويل الكافي لضمان إعادة إعمار البلد” جعل من كوت ديفوار “مثقلة بالديون من خلال مضاعفة إصدارات السندات”، حسب ما اطلعنا عليه “في التقرير”، والنتيجة أنه في عام 2019م، قدّرت سداد الفوائد على دينها العام الخارجي بحوالي 520 مليون دولار. وهذا يعني أنه على الرغم من الأزمة الصحية وعضويتها في ISSD سيتعين على كوت ديفوار أن تدفع لدائنيها من القطاع الخاص، بين مايو 2020م وديسمبر 2021م، أكثر من ميزانيتها الصحية.
كما تواجه السنغال أيضًا ثقلًا متزايدًا لدائنيها من القطاع الخاص لامتلاكهم زهاء 40٪ من ديونها في نهاية عام 2020م، “وحتى حال طلب السنغال الانضمام إلى ISSD لتقليل آجال استحقاقها أثناء الوباء سيتعين عليها سداد 821 مليون دولار بين مايو 2020م وديسمبر 2021م إلى أصحاب السندات السيادية”؛ حسب ما ورد في التقرير. وفي هذه المرة أيضًا شاركت البنوك الفرنسية في جميع إصدارات السندات الدولية للبلاد تقريبًا منذ عام 2009م، وشمل ذلك سندات فترة أزمة كوفيد-19.
لكنَّ أكثر الحالات إثارة للدهشة هي حالة تشاد التي اضطرت، في عام 2020م، إلى سداد 260 مليون دولار لشركة جلينكور وحدها فقط، وهو ما يعادل 2.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، أي ما يفوق من ضعف ميزانية الصحة في البلاد، و”أصبحت البلاد مثالاً واضحًا عن أكثر الدول ضحيةً لدائنين خاصين عديمي الضمير وغير مكترثين بشيء آخر غير تحقيق مكاسبهم الخاصة. لكنَّ السلطات التشادية، بعد سنوات من المفاوضات، توصلت إلى اتفاق مبدئي مع شركة جلينكور في فبراير 2018م لإعادة الهيكلة التي ساعدت على استعادة القدرة على تحمل الديون؛ وذلك للحيلولة دون التخلف عن سداد الديون على المدى الطويل.
وعلى الرغم من “انتظار الشركة السويسرية اضطرار تشاد إلى تطبيق سياسات تقشف قوية شملت تخفيض رواتب موظفي الخدمة المدنية والميزانيات المخصصة للتعليم والصحة؛ إلا أن تلك التدابير لم تمنع العجز عن السداد؛ فأصبحت الدولة معتمدة على حسن نية هذا الدائن الخاصة”، حسب ما ورد في التقرير.
والأدهى من ذلك كله هو أنه كلما زاد اعتبار البلد أكثر عرضةً لخطر المديونية المفرطة ارتفع سعر الفائدة المفروض؛ حيث يصل متوسط أسعار الفائدة على السندات السيادية الغانية والكاميرونية التي ترجع للمستثمرين الفرنسيين، على سبيل المثال، إلى مستويات باهظة تبلغ 9.2٪ و9.5٪.
ضرورة التقييد لتجنُّب أزمة ديون جديدة:
تضمنت توصيات منظمة أوكسفام ومنصة الديون والتنمية للدول، ولا سيما فرنسا، ضرورة اتخاذ تدابير ملزمة تجاه الدائنين من القطاع الخاص، عطفًا على إجبارهم على “تعليق سداد الديون والقيام بدورهم في التخفيف القادم”، ولكن أيضًا “لحماية البلدان المدينة من الإجراءات القانونية التي يطلقها الدائنون من القطاع الخاص” على غرار إصدار بلجيكا قانونًا ضد “الصناديق الانتهازية”، وهي صناديق الاستثمار المضاربة التي تُعيد شراء سندات الدَّيْن في السوق الثانوية للبلدان التي تواجه صعوبة كبيرة أو تتخلف عن السداد مقابل خصم مبالغ فيه على قيمة السوق.
وفقًا لمنظمة أوكسفام، يتعين على الدول “إلزام الدائنين من القطاع الخاص بإيجاد المزيد من الشفافية بشأن سندات الدين التي يمتلكونها”، كما يجب على الدول المستفيدة من ISSD تعزيز “شفافية ديونها وخدمتها” إلى جانب ضرورة “دفع مجموعة العشرين إلى اتخاذ قرارات شجاعة بشأن الدائنين من القطاع الخاص، وإنشاء إطار مشترك لإعادة هيكلة الديون”، وفقًا لمطالب الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والشعوب في القارة، عطفًا على ضرورة التفاوض بين الدول ضمن إطار مشترك بشأن جميع ديونها السيادية.
__________________
رابط المقال: