أ.د. وائل نبيل إبراهيم
أستاذ اللغة السواحيلية وآدابها بقسم اللغات الإفريقية
كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر- مصر
ملخص:
تعود العلاقة بين مصر وشرق إفريقيا إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في عهد الملكة حتشبسوت؛ عندما أرسلت سفينة تجارية إلى بلاد بونت، وجَلبت البخور والعاج من هناك. وكانت شرق إفريقيا آنذاك جزءًا من بلاد بونت، وقد أيَّد عِلْم الآثار هذا الرأي، على الرغم من أن بعض العلماء قد ذهبوا إلى أن بلاد بونت كنت تقع في منطقة شمال شرق إفريقيا؛ أي في الصومال وإثيوبيا. ومِن ثمَّ، كان لهذا الارتباط التاريخي بالغ الأثر في قلوب الأدباء السواحيليين؛ حيث وصفوا الحياة بشكل عام في مصر من خلال رواياتهم. وقد تناول هذا البحث بالدراسة والتحليل هذه الروايات.
مقدمة:
ترجع العلاقة بين مصر وشرق إفريقيا إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد؛ أي في عصر الدولة المصرية الحديثة، وتحديدًا في عهد الملكة حتشبسوت، حينما أرسلت أسطولًا تجاريًّا إلى بلاد بونت Punt، لجلب البخور والعاج. وقد ذكر تشامي (Chami 2002: 23)، أن شرق إفريقيا كان جزءًا من بلاد بونت، وأن عِلْم الآثار قد دعَّم هذا الرأي، على الرغم من ميل بعض العلماء إلى أنها كانت في شمال شرق إفريقيا، أي في الصومال وإثيوبيا.
ومِن ثمَّ، كان لهذه العلاقة التاريخية عظيم الأثر في نفوس الأدباء السواحيليين؛ حيث عرضوا لوصف بعض مظاهر الحياة بشكلها العام في مصر من خلال أعمالهم الأدبية. جدير بالذكر أن جُلّ هذه الأعمال قد تندرج تحت “أدب الرحلات”، الذي عرَّفه وهبة (1974م: 577) بأنه يتناول انطباعات المؤلف عن رحلاته في بلاد مختلفة، وقد يتعرض فيها لوصف ما يراه من عادات وسلوك وأخلاق، ولتسجيل دقيق للمناظر الطبيعية التي يشاهدها، أو يسرد مراحل رحلته مرحلةً مرحلةً، أو يجمع بين كل هذا في آنٍ واحدٍ. ويعتبر أدب الرحلات -إلى جانب قيمته الترفيهية أو الأدبية أحيانًا- مصدرًا مهمًّا للدراسات التاريخية المقارنة.
وقد عبَّر مباتيا (2001: 18) Mbatia في معجمه الأدبي عن مصطلح “أدب الرحلات”
بـ Fasihi ya Usafiri، معرفًا إيَّاه بأنه:
Masimulizi ambayo aghalabu hutolewa na mtunzi mwenyewe juu ya tajiriba zake akiwa safarini. Mara nyingi, masimulizi kama hayo yanahusu mambo yaliyomshangaza, kumtumbuiza au kumwelimisha msimulizi.
القصص التي غالبًا يقدّمها المؤلف بنفسه عن تجاربه أثناء سفره. وغالبًا ما تدور هذه القصص حول أمور أدهشت الراوي وأمتعته أو تعلَّم منها.
وذكر مباتيا نموذجين لأدب الرحلات في السواحيلية هما؛ رواية “ما رأيناه وما فعلناه في إنجلترا” Tulivyoona na tulivyofanya Ingereza، التي ألَّفها كايامبا H.M.T. Kayamba، ورواية “رحلتي إلى روسيا وسيبيريا” Safari yangu ya Urusi na Siberia، للمؤلف سالم بن أباكاري Salim Bin Abakari، مشيرًا إلى أن هاتين الروايتين مفعمتان بالتفاصيل المذهلة لما رآه كل من المؤلفين في هذه الدول الأجنبية (Mbatia 2001: 18).
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن مادومولا Madumulla (2009: 42) قد صنّف النثر السواحيلي إلى عدة تيارات، منها تيار خاص بالرحلات والأخلاقMikondo ya kisafari na kimaadili ، وذكر نموذجًا لهذا التيار وهو كتاب: “حياة حامد محمد المرجبي أو تيبو تيب بكلماته هو”
“Maisha ya Hamed Muhamed el Murjebi au Tippu Tip, kwa maneno yake mwenyewe”.
وعندما أشار واميتيلا Wamitila (2008: 115) إلى رواية الرحلات Riwaya ya Safari، قال:
“Katika riwaya ya aina hii, motifu ya safari au kusafiri kutoka sehemu A hadi D (kupitia B na C) huchukua nafasi kubwa sana”
في هذا النوع من الرواية، عادةً ما تحتل الفكرة الرئيسية في الرحلة أو السفر من الجزء A إلى D (مرورًا بـ B و C) مساحة كبيرة جدًّا.
ومِن ثَم، يتَّضح أن أدب الرحلات المكتوب باللغة السواحيلية هو قصص يرويها الأديب مُدوِّنًا فيها كل ما رآه وكلّ ما تعلّمه أثناء سفره. وقد دوَّن كثير من السواحيليين منذ القدم ما رأوه في أسفارهم، ومنهم على سبيل المثال:
-سلمان بن مويني تشاندي بن مويني خميس الشيرازيSleman bin Mwenyi Tshande bin Mwenyi Hamisi esh Shirazi، الذي دوَّن رحلته لقارة إفريقيا Safari yangu ya bara Afrika. وذلك خلال القرن التاسع عشر الميلادي (Velten, 1901:281).
-سالم بن أباكاري Selim bin Abakari، الذي سجَّل رحلته إلى نياسا Safari yangu ya Nyassa، ومن دار السلام إلى برلين Safari yangu ya Ulaya toka Daressalama hata Berlin، ورحلته إلى روسيا Safari yangu ya Russia. وذلك خلال القرن التاسع عشر الميلادي (Velten, 1901:281).
-متورو بن مويني باكاري Mtoro bin Mwenyi Bakari، الذي دوَّن رحلته من أودوي إلى أوزيجوا Safari yangu Udoe hata Uzigua، وأخبار بلاد وازارامو وتقاليدهم Khabari ya nchi za Wazaramu na desturi za Wazaramu. وذلك خلال القرن التاسع عشر الميلادي (Velten, 1901:281)
-عبد الله بن راشد Abdallah bin Rashid، الذي سجَّل رحلته لإفريقيا Safari yangu ya Afrika. خلال القرن التاسع عشر الميلادي (Velten, 1901:281)
-حامد المرجبي المعروف بتيبو تيب، الذي دوّن أسفاره في تنجانيقا والكونغو في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. (Madumulla, 2009: 42)
-كايامبا Kayamba، الذي قصَّ رحلته إلى إنجلترا في روايته الموسومة بـ Tulivyoona na Tulivyofanya Ingereza، “ما رأيناه وما فعلناه في إنجلترا” المنشورة عام 1932م. (Kayamba, 1932)
أما حديثًا فهناك كثير من الأدباء السواحيليين الذين برعوا في هذا النوع الأدبي؛ منهم على سبيل المثال:
-جون هابوي John Habwe الذي دوَّن رحلته إلى جزيرة لامو Safari ya Lamu. في روايته المنشورة عام 2011م. (Habwe, 2011)
-شافي آدم شافي Shafi Adam Shafi، الذي سجَّل رحلته إلى أوروبا، في روايته ” Mbali na Nyumbani بعيدًا عن الوطن” المنشورة عام 2013م. (Shafi, 2013)
-روتشا تشيميرا Rocha Chemira، الذي دوَّن رحلة وفد شانجا لمصر من أجل تقوية العلاقات بين البلدين، في روايته Siri Sirini “سر في سر”، وذلك في الجزء الأول من هذه الروية المنشورة عام 2013م. (Chemira, 2013)
مادة البحث
اتخذ الباحث آخر روايتين مذكورتين في القائمة السابقة ليكونا مادة لهذا البحث؛ وهما رواية “بعيدًا عن الوطن” للأديب التنزاني شافي آدم شافي، ورواية “سر في سر”، للأديب الكيني روتشا تشيميرا؛ حيث رسم كلّ منهما صورة معبّرة عن مصر في روايتيهما بأسلوب أدبي بديع.
أما الرواية الأولى فهي تمتد عبر 482 صفحة من الحجم المتوسط، موزعة على 44 فصلًا، يحمل كل فصل عنوانًا يوضح مضمونه، ومِن ثَمَّ فإن كل فصل يمثل محطة في رحلة الأديب. ويُلاحظ أن عدد الصفحات غير منتظم في كلّ فصل، وكأنها تُحدّد بناء على كثرة تعاقب الأحداث أو قلّتها، فكلما توالت الأحداث وكثرت في فصل أدَّى ذلك لزيادة عدد صفحاته، والعكس صحيح.
ويُفهَم من عنوان الرواية أنها تدور حول موضوع السفر والاغتراب بعيدًا عن الوطن، وبالفعل فقد بدأ الكاتب يسترجع ذكريات سفره مُدوِّنًا إياها عام 2001م، عندما وعَد ابنته بأنه سيكرّس وقتًا لكتابة تفاصيل رحلته من بلده قاصدًا الذهاب إلى إنجلترا ليكمل تعليمه هناك، وكان ذلك في شهر أبريل عام 1960م؛ حيث كان الاستعمار الإنجليزي يحكم زنجبار آنذاك، وكان آدم شافي لا يزال طالبًا يدرس في معهد المعلمين بزنجبار في منطقة بيت الرأس Beit-el-ras، على المحيط الهندي مباشرة، وكان ينظر إلى السفن من وقتٍ لآخر وتتوق نفسه شوقًا للسفر، حتى عقد العزم وسافر إلى عدن ومنها إلى مومباسا في كينيا.
وبعد أن مكث في مومباسا ونيروبي عدة أيام استأنف سفره فمرَّ بأوغندا ثم بالعاصمة السودانية الخرطوم، إلى أن وصل إلى القاهرة، والتحق هناك بمعسكر تابع للجيش المصري، وأخذ قسطًا وافرًا من التدريبات العسكرية، ثم عاد إلى زنجبار في اليوم الأول من شهر يونيو عام 1961م؛ حيث استغرقت رحلته هذه عامًا كاملًا، وفي شهر أغسطس من نفس العام سافر مرة أخرى إلى نيروبي، ومنها إلى العاصمة الألمانية برلين، ودرس هناك أيضًا العلوم العسكرية وتعلم اللغة الألمانية، ثم عاد إلى زنجبار، وبعد أربعة وأربعين عامًا وتحديدًا في شهر أكتوبر عام 2005م، ذهب إلى العاصمة الأوغندية كمبالا؛ حيث حضر مهرجان تكريم الكُتَّاب الأفارقة الذي أقامه المركز البريطاني هناك، وفي عام 2009م، انتهى من كتابة سيرته الذاتية.
وأما الرواية الثانية فهي تتكون من ثلاثة أجزاء؛ الجزء الأول (Chimera 2013) -وهو الذي ستعتمد عليه هذه الدراسة- بعنوان “الشاعر والسجين” Mshairi na Mfungwa، ويمتد عبر 403 صفحات من الحجم المتوسط، موزعةً على عشرين فصلًا، يحمل كلّ فصل منها رقمًا ولا يحمل عنوانًا، وملحق بها 54 صفحة لشرح الكلمات الصعبة، والقارئ لهذه الرواية، يكتشف أن فصولها نامية متطورة الأحداث، متلاحمة، مترابطة عضويًّا، فلا يمكن فَصْل أحد الفصول عن الآخر، ومن المُلاحَظ أن الكاتب قد جسَّد فيها رؤيته الذاتية، وتجربته الإنسانية، ومِن ثمَّ، فهو عمل أدبي متكامل.
يدور الجزء الأول من هذه الرواية حول احتجاز الشاعر السواحيلي المعروف فومو ليونجو Liyongo Fumo، وسجنه في مدينة شانجا Shanga، ثم هروبه منها إلى مدينة أوزي Ozi المُجاوِرة، وسفر الوفد الحكومي إلى مصر، وما رآه هذا الوفد منذ اللحظات الأولى من وصوله إلى مصر وحتى عودته إلى مدينة شانجا، وهذا هو بيت القصيد.
صورة مصر كما رسمتها مادة البحث
من خلال استقراء الروايتين -مادة البحث- يتضح أن الأديبين (شافي وتشيميرا) قد رسما صورة واضحة ومعبرة عن مصر من خلال رصدهما لمعالمها، ووصفهما لمظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فيها، وذلك على النحو التالي:
1- المعالم المصرية في مادة البحث
استطاع الأديبان وصف المعالم المصرية وصفًا واقعيًّا دقيقًا بأسلوب أدبي بليغ في روايتيهما، ومن هذه المعالم: القاهرة، والجيزة، والإسكندرية، وبورسعيد، وصعيد مصر.
أ-المعالم المصرية عند تشيميرا:
في رواية تشيميرا، أرسل ملك شانجا وفدًا رسميًّا إلى مصر، كان هذا الوفد مكوّنًا من أربعة أفراد؛ هم: رئيس الوزراء، وكبير المستشارين، وابن الملك، ووزير الخارجية. ركب هذا الوفد الباخرة من شانجا التي كانت في جزيرة باتي Pate آنذاك، إلى جزيرة لامو، ومنها ركبوا الباخرة المصرية التي كانت في انتظارهم هناك، فأبحرت بهم في المحيط الهندي مارَّة بالبحر الأحمر، وعندما وطئت أقدامهم الأراضي المصرية استقبلهم وفد مصري رفيع المستوى، ومعهم موكب مكوّن من أربعة جِمال لتوصيلهم عبر الصحراء إلى مدينة القاهرة. ومِن ثمَّ، وصف تشيميرا المعالم المصرية التي رآها وفد شانجا خلال هذه الزيارة الرسمية إلى مصر، وكان ضمن هذه المعالم التي وصفها: القاهرة، والجيزة، والإسكندرية.
-معالم القاهرة:
بمجرد وصول أعضاء وفد شانجا إلى القاهرة انبهروا مما رأوه؛ كما أخبر تشيميرا:
“Waliona barabara pana, si vile vichororo vya kwao, vijibarara vya punda na mikokotoni!” (Chimera 2013: 248)
لقد رأوا طرقًا واسعة، ليست كتلك الحارات التي عندهم (في شانجا)، وممرات الحمير والعربات اليدوية!
وبعد انتهاء الجلسة الأولى من اجتماع وفد شانجا مع نظيره المصري، كان ضمن برنامج الزيارة أن يتجول الوفد في مدينة القاهرة، فحكى تشيميرا عن مدى دهشة ابن ملك شانجا مما رآه آنذاك قائلاً:
“Aliziangalia barabara za Kahra akaziona jinsi zilivyokuwa pana, ndefu na zisizopindapinda ovyo… Si hivyo tu, bali barabara zenyewe zilikuwa si za kifusi kama barabara za kwao zilivyokuwa. Hizi za Kahra zilikuwa zimejengwa maridadi kwa mawe ya chokaa yaliyopondwapondwa na kugandwagandwa yakageuka kuwa saruji maridadi. Kwa jinsi hii mji mzima ulikuwa hauna vumbi ijapokuwa barabara zenyewe zilijaa charioti nyingi wakati wote.” (Chimera 2013: 283)
نظر (ابن ملك شانجا) إلى طرق القاهرة فرأى مدى اتساعها وطولها، وأنها ليست بها منحنيات بشكل عشوائي. وليس هذا فحسب، بل إن الطرق لم يكن بها ركام مثلما كان الحال عندهم (في شانجا). لقد كانت مرصوفة بدقة من الأحجار الجيرية المُكسَّرة فتحولت إلى خرسانة مزخرفة. وبهذه الطريقة، أصبحت المدينة بأكملها ليس بها غبار على الرغم من أن الطرق كانت ممتلئة بالعربات (التي تجرّها الخيول) طوال الوقت.
يُلاحظ أن أول منظر جذب أنظار وفد شانجا وأثار دهشتهم هو اتساع طرق القاهرة، وحُسْن تخطيطها وجمال رصفها، مما يدل على مدى تقدم مصر وتطورها في هذه الفترة التي يتحدث عنها تشيميرا، والتي ربما كانت في نهاية القرن العاشر أو خلال القرن الحادي عشر الميلادي. وأشار القزويني (د.ت: 240) إلى القاهرة قائلًا: إنها المدينة المشهورة بجنب الفسطاط بمصر يجمعها سور واحد، وهي اليوم المدينة العظمى.
– نهر النيل:
يعتبر نهر النيل من أهم المعالم المصرية التي تجذب أنظار الزائرين، ومِن ثمَّ، فقد أُعجب وفد شانجا بنهر النيل كما أخبر تشيميرا قائلًا:
“Waliona mto Nili, Nili kweli, samawati ya mbingu, mpana uliozagaa pengine pengine jijini Kahra, merekebu nyingi na majahazi, vyombo ashirafu, vikielea kwa maringo na madaha kama watu…!” (Chimera 2013: 248, 249)
لقد رأوا نهر النيل، النيل الحقيقي، بزُرقته السماوية، وامتداده الشاسع في أرجاء القاهرة، والعديد من القوارب والسفن، إنها مراكب الوجهاء، تطفو على الماء في زهو وخيلاء مثل الناس.
أُعجب وفد شانجا بنهر النيل وبلونه الأزرق السماوي المميز، وامتداده في قلب القاهرة، وزاد إعجابهم بالعديد من القوارب والسفن التي تبحر فيه. وتجدر الإشارة إلى أن تشيميرا قد لفت نظره الزهو والخيلاء الذي يسير الناس به فشبَّه سَيْر مراكب الوجهاء بهم. مما يشير إلى جمال هذه القوارب وروعة منظرها. وذكر القزويني (دت: 265) أن نهر النيل من عجائب مصر، وهو أطول نهر على وجه الأرض.
-قصر المُلْك:
وصف تشيميرا مدى ذهول ابن ملك شانجا عندما رأى قصر المُلْك في القاهرة بقوله:
“Hatimaye wakaliona gongwa la Mfalme wa Misri. We, baba we! Mwanafaume moyo ulimpiga pute, akaona aibu kujaribu kulinganisha magongwa ya babake na hili gome lililoshambuliwa macho yake bila mbwawazi! Si fahari hiyo! Si upambe huo! Si kivuta-nadhari hicho! Si anasa hizo!” (Chimera 2013: 249)
وأخيرًا رأوا قصر مَلِك مصر. يا للعجب، يا أبي! خفق قلب ابن ملك شانجا، ورأى أنه من العيب مقارنة قصور والده بهذا القلعة العظيمة التي داهمت عينيه بدون إنذار! أليس هذا هو الفخر! أليست هذه هي الزينة! ألا يخطف هذا النظر! أليس هذا هو الترف!
خفق قلب ابن ملك شانجا تعبيرًا عن شدة إعجابه بقصر ملك مصر ومساحته الشاسعة، حتى رأى أنه من العيب عقد مقارنة بين قصور والده في شانجا وبين هذا القصر المنيف؛ حيث وصفه بكلمة Gome، وهذه الكلمة تعني القلعة الكبيرة، مما يشير إلى عظمة هذا القصر.
وقد أكد القزويني (د.ت: 240) على ذلك قائلًا: وبها (أي في القاهرة) دار المُلْك… بها قصران عظيمان يقصر الوصف دونهما عن يمين السوق وشماله، وليس في شيء من البلاد مثلهما. وأكد زكي (1966: 34) على عظمة قصر المُلْك في مصر آنذاك من خلال نقله لكلام الرحالة ناصر خسرو عندما قال: “ويقع قصر السلطان في وسط القاهرة، وهو طلق من جميع الجهات ولا يتصل به أي بناء”. وهذا يدل على مدى ضخامة هذا القصر.
–حديقة قصر المُلْك:
عُقِد الاجتماع الأول الذي تم بين وفد شانجا ونظيره المصري في حديقة كبيرة ملحقة بقصر المُلْك في القاهرة، وقد وصف الراوي هذه الحديقة وما فيها من ورود وثمار وطيور تجسّد مدى احتفاء المصريين بأفراد وفد شانجا وحبّهم لهم قائلًا:
“Bustani yenyewe ilikuwa na maajabu mengi… Ilikuwa na maua ya aina aina tena ya kila rangi. Ndani ya bustani pia mlipatikana miti ya matunda waijuayo Washanga na mingi tu wasioijua…Fauka ya hayo, bustani mlikuwa mmejaa ndege aina mbalimbali, wakubwa kwa wadogo, wakirukaruka mahali pote bila kuogopa wanadamu…katika sehemu fulani fulani, kulikuwa na vijito ambavyo vilikuwa vikitiririka daima… Vile vile maji yalitoka na kutiririka katika vinywa vya vichwa vya simba wa kutengenezwa kwa mikono ya watu… Nyuma ya simba hao miale ya jua iliweza kupenya na kuimulika michirizi hiyo ya mvua daima dawamu”. (Chimera 2013: 273, 274)
كانت الحديقة مليئة بالعجائب… كان هناك زهور من جميع الأنواع ومختلفة الألوان. وكان هناك داخل الحديقة أشجار فاكهة، منها ما يعرفه أهل شانجا، والكثير منها لا يعرفونه… بالإضافة إلى ذلك، كانت الحديقة مليئة بالطيور من جميع الأنواع، الكبيرة والصغيرة، تطير في كل مكان دون خوف من البشر… في بعض الأماكن، كانت هناك أغادير تتدفق باستمرار… وكانت تتدفق من أفواه رؤوس أسود من صنع الإنسان. وراء الأسود، يمكن لأشعة الشمس أن تتخلل هذه المياه المتدفقة وتُنيرها باستمرار.
وأشار زكي (1966: 35) إلى روعة هذه الحدائق الموجودة في قصر المُلْك في مصر آنذاك من خلال نقله لكلام الرحالة ناصر خسرو قائلًا: “وفي قصر السلطان بساتين لا نظير لها، وقد نُصبت السواقي لديها، وغُرست الأشجار فوق الأسطح فصارت منتزهات”. ولم يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل وصف تشيميرا ما في هذه الحديقة من آثار تجسّد التاريخ المصري قائلًا:
“Sanamu hizo, kwa kuziangalia tu, zilieleza mapisi yote ya Misri kongwe. Baadhi ya sanamu zilizokuwamo ni kama vile za mafarao Ramesisi wa kwanza na wa pili, Amen Hotep, mkewe Malkia Nefrititi, Tutankhamon, Malkia Hatshepsut na hata watawala wa zama za majuzijuzi kama vile Khalikizanda Mtukuka na Malkia Kliopatra”. (Chimera 2013: 274)
هذه التماثيل، بمجرد مشاهدتها، توضح جميع العصور التاريخية لمصر القديمة. وتضمّنت بعض هذه التماثيل تماثيل الفراعنة؛ مثل رمسيس الأول والثاني وأمنحتب، وزوجته الملكة نفرتيتي، وتوت عنخ آمون، والملكة حتشبسوت، وحتى الحكام الأحدث مثل الإسكندر الأكبر، والملكة كليوباترا.
من يدقق النظر في هذه الحديقة التي عُقِد فيها الاجتماع، يجد أن اختيارها لم يكن عشوائيًّا، بل جاء اختيارًا مُوفَّقًا مناسبًا للحدث. فهذه الزهور المختلفة في ألوانها تدلّ على الفرحة والبهجة التي ملأت هذا اللقاء الأخوي، وهذه الثمار المتعددة التي يعرف أهل شانجا بعضها ولا يعرفون أكثرها، دليلٌ على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال التي حظي بها وفد شانجا الشقيق من الحكومة المصرية آنذاك. وهذه الطيور الكثيرة التي تطير هنا وهناك دون خوف من أحد، دليل على الأمن والأمان والسلام والاستقرار الذي يسود ربوع مصر. وهذه الأغادير التي تتدفق من أفواه رؤوس الأسود والتي تتخللها أشعة الشمس، فهذا المنظر من شأنه أن يريح الأعصاب ويُضْفِي جمالًا وطمأنينة للجلسة.
وأما عن الآثار المصرية القديمة، فوجودها في هذا المكان يُذكِّر بأصالة الحضارة المصرية وعراقتها وقِدَمها، التي هي من أقدم الحضارات في العالم. ومِن ثمَّ، فقد استوحى وزير خارجية شانجا من هذه الآثار المصرية ومما رآه في هذا المكان ما قاله في خطبته التي ألقاها بين يدي الحضور، مؤكدًا على أن:
“Misri ni ulimwengu na ulimwengu ni Misri” (Chimera 2013: 277)
مصر هي العالم، والعالم هو مصر، وبدون مصر لن يكون للعالم أي قيمة ولا قَدْر، وإن مصر هي التي علَّمت العالم الإنسانية، وإنها هي مصدر التنمية، ومهد الحضارات، وأرض الأنبياء التي جاء إليها سيدنا يوسف، وسيدنا موسى، وسيدنا عيسى، وسيدنا محمد -عليهم الصلاة والسلام أجمعين-.
وكانت بداية الدين المسيحي على أرض مصر، ومِن ثَمَّ، فإن أقدم كنيسة في العالم بُنِيَتْ في مصر؛ إنها الكنيسة القبطية. وإن علاقة مصر بالساحل الإفريقي تمتد لعصور تاريخية قديمة جدًّا، وبدأت هذه العلاقة في عهد الملكة حتشبسوت بين 1490 و1469 قبل الميلاد. حيث كان هناك علاقات تجارية بين مصر والساحل الإفريقي الذي أُطلق عليه بلاد بونت Punt آنذاك، والتي ينطقها أهل اللغة السواحيلية Pwani، وإن هذه الكلمة من ضمن الكلمات القليلة القديمة جدًّا في اللغة السواحيلية ولا تزال مستخدمة حتى الآن. (Chimera 2013: 277-280)
يُلاحظ من خلال الكلام السابق الذي ذكره وزير خارجية شانجا أن بعض الحقائق التاريخية المذكورة صحيحة، وبعضها الآخر غير دقيق. فقد أكد عبد الجواد (1984: 97) على ما قاله وزير خارجية شانجا بخصوص أن مصر أرض الأنبياء، قائلًا: إذا تتبعنا الأنبياء الذين جاءوا إلى مصر نجد أن أبا الأنبياء إبراهيم ويعقوب وموسى وعيسى -عليهم السلام-، قد جاءوا إلى أرض مصر. بعضهم مكث شهورًا قليلة مثل أبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام-، ومنهم من مكث سنوات حتى مات بأرض مصر مثل يعقوب -عليه السلام- الذي مات بمصر وعمره 147 عامًا. وعيسى -عليه السلام- الذي مكث بأرض مصر 14 عامًا مع أمه العذراء مريم. أما يوسف -عليه السلام- فقد جاء إلى مصر وعمره 13 عاما، ومات بها وعمره 110 أعوام.
ولم يذكر أحد ممن دوَّنوا سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه زار مصر؛ كما ذكر تشيميرا على لسان وزير خارجية شانجا. أما بخصوص بداية ظهور الدين المسيحي في مصر، فكما أشار شيحة (1988: 13) إلى أن الدين المسيحي ظهر بعد هروب العائلة المقدسة إلى مصر في العام الأول الميلادي؛ خوفًا من اضطهاد الحكام في فلسطين. وأن الكنيسة القبطية تُعدّ من أقدم كنائس العالم؛ إذ إنها تؤرّخ عادة بعصر الرسل الأوائل، على الرغم من عدم توافر الوثائق المادية التي ترجعها إلى هذا التاريخ، شأنها في ذلك شأن الكنائس السورية والرومانية الأولى. فمن خلال هذا الكلام يتضح أنها ليست أقدم كنيسة في العالم؛ كما ذكر وزير خارجية شانجا.
وأما بخصوص الملكة حتشبسوت، فقد أكد سَليم (1989: 148) أن هذه الملكة قد سجلت على الجدار الذي يقسم الرواق الأعلى من معبد الدير البحري أخبار رحلتها التي أرسلتها إلى بلاد بونت، وكانت تتكون من خمس سفن شراعية كبيرة، وقد أحضرت السفن معها منتجات هذه البلاد من العاج والأبنوس والأخشاب وجلود الفهد والقردة والنسانيس، وأحضرت معها كذلك أشجار البخور التي نُقلت بجذورها محفوظة في سلات وقدور من الفخار. وأوضح تشامي (Chami 2002: 23)، أن ساحل شرق إفريقيا كان ضمن بلاد بونت، وأن علم الآثار قد دعَّم هذا الرأي، على الرغم من أن هناك علماء آخرين يرون أن بلاد بونت كانت في شمال شرق إفريقيا، أي في الصومال وإثيوبيا.
وإذا كانت كلمة Punt، ينطقها أهل اللغة السواحيلية Pwani، طبقًا لما ذكره تشيميرا، فإن هذا قد يشير إلى أن هذه البلاد منذ عصر ما قبل الميلاد كانت تُسمَّى بلاد الساحل؛ لأن كلمة Pwani، بمعنى ساحل. وقد أكد ريوش Reusch (1961: 11)، على أن هناك تطابقًا في النطق بين هاتين الكلمتين (Punt، و Pwani)؛ لأن النطق في اللغة المصرية القديمة يسمح بذلك.
-معالم الجيزة:
وكان ضمن برنامج زيارة وفد شانجا لمصر زيارتهم لأهرامات الجيزة وتمثال “أبو الهول”، وبمجرد وصولهم هناك طاشت عقولهم بسبب ما رأوه. وبدأوا في طرح الأسئلة التي ترددت في خاطرهم على النحو التالي:
“Jamani! Iliwezekanaje kulijenga jisanamu lile la kichwa cha mtu na mguu wa simba, jisanamu la aushi lililokula miaka kikwi kadhaa! Na hizi piramidi je? Si zilijengwa na Nabii Musa pamoja na Firauni hizi? Ni miaka mingapi kabla ya kuzaliwa Nabii Issa?! … Waliona mizigo ya mawe yaliyotumiwa kuzijengea, miamba mikubwa kuliko kimo cha mtu! Na piramidi zenyewe zilikuwa ndefu, ndefu mno zikilekea mawinguni”. (Chimera 2013: 290,291)
يا قوم! كيف يمكن بناء ذلك التمثال الكبير برأس إنسان وقدم أسد، تمثال دام لآلاف السنين! وماذا عن هذه الأهرامات؟ ألم يَبْنها النبي موسى وفرعون؟ قبل ولادة النبي عيسى بكم سنة؟! …لقد رأوا الكثير من الأحجار المستخدَمة في البناء، والصخور التي هي أطول من الإنسان! والأهرامات نفسها كانت طويلة، طويلة جدًّا ومتجهة نحو السماء.
وقف وفد شانجا تنتابه الدهشة والذهول متأملًا تمثال “أبو الهول” والأهرامات الثلاثة. فكانت لزيارتهم دلالة عميقة للتأكيد على مدى رفعة الحضارة المصرية القديمة وعظمتها. وقد وصف القزويني (د.ت: 269) “أبو الهول” قائلًا: إنه من عجائب مصر. وهو صورة آدمي عظيمة مصنعة، وقد غطى الرمل أكثره… وهو عظيم جدًّا، وصورته مليحة كأن الصانع الآن فرغ منه. وقال عن الأهرامات (القزويني، د.ت: 267): إنها أيضًا من عجائب مصر، كل واحد منها له جسم من أعظم الحجارة، مربع القاعدة مخروط الشكل… وهو مع هذا العظم من أحكم الصنعة وإتقان الهندام وحسن التقدير، لم يتأثر من تضاعف الرياح وهطل السحاب وزعزعة الزلازل.
ويُلاحظ أن ما ذكره تشيميرا على لسان وفد شانجا في صيغة سؤال بخصوص أن النبي موسى وفرعون هما اللذان بنيا الأهرامات، فهذه المعلومة غير دقيقة؛ لأن بناة الأهرامات -كما ذكر شيحة (1988: 58)- ينتمون إلى الأسرة الرابعة في الدولة القديمة. بينما أثبتت البحوث الحديثة –وفقًا لما ذكره عبد الجواد (1984:116)- أن فرعون موسى هو مرنبتاح بن رمسيس الثاني (في الأسرة التاسعة عشر).
-معالم الإسكندرية:
بعد زيارة وفد شانجا لأهرامات الجيزة كان من المقرر -طبقًا لبرنامج الزيارة- السفر إلى مدينة الإسكندرية، وبمجرد وصولهم قال تشيميرا:
“Wakakanyaga ardhi ya jiji la Khalikzandria. Wageni wakashtuka hadi walipobaini uzuri wa jiji hilo jinsi walivyoliona toka pale bandarini walipokuwa. Mwanamfaume alishangaa sana alipoona jiji lililorefuka kuambaana na bahari masafa marefu, marefu sana, kiasi mwisho wake ukamshinda kabisa kukadiria kutoka pale walipokuwa.” (Chimera 2013: 302)
وطئ الزوار أرض مدينة الإسكندرية. فاندهشوا من جمالها عندما رأوها من الميناء. ولقد اندهش ابن ملك شانجا من رؤية هذه المدينة التي امتدت على طول البحر لمسافات طويلة، طويلة جدًّا، لدرجة أنه أخفق في النهاية في تحديد مكان وجودهم.
بمجرد أن رست السفينة التي تُقِلّ وفد شانجا في ميناء الإسكندرية انبهر الوفد من جمال منظر مدينة الإسكندرية وامتدادها على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وهذا يدلُّ على مدى روعة هذه المدينة وسِحْرها الذي يأسر القلوب قبل الأبصار. ومِن ثَمَّ، فقد وصفها ابن حوقل (1992: 141) قائلًا: إنها من مشاهير مدن مصر وعجيب آثارها، وهي مدينة على نحر بحر الروم رسومها بيِّنة، وآثار أهلها ظاهرة، تنطق عن مُلكٍ وقدرةٍ وتُعرَف عن تمكن في البلاد وسمو ونصرة وتُفصح عن عظة وعبرة كبيرة. لها طرقات مفروشة بأنواع الرخام والحجر الملون.
وقال القزويني (د.ت: 143) عن الإسكندرية: إنها المدينة المشهورة بمصر، على ساحل البحر. اختلف أهل السِّيَر في بانيها: فمنهم مَن ذهب إلى أن بانيها الإسكندر الأول، وهو ذو القرنين اشك بن سلوكوس الرومي… ومنهم من قال: بناها الإسكندر بن دارا ابن بنت الفيلسوف الرومي.
وبعد انبهار الوفد بمدينة الإسكندرية أراد ابن ملك شانجا أن يعرف شيئًا عن تاريخ هذه المدينة العظيمة، فأجابه وزير خارجية شانجا أن الذي بناها هو الإسكندر الأكبر، وذلك قبل ميلاد السيد المسيح بثلاثة عقود. وقد تتلمذ على يد الفيلسوف المعروف أرسطو وهو ابن ستة عشر عامًا. وعندما بلغ ثمانية عشر عامًا أصبح حاكمًا لمقدونيا، وقاد حربًا ضد اليونان، وكان النصر حليفه. (Chimera 2013: 302-307)
ب-المعالم المصرية عند شافي:
عندما زار شافي مصر عام 1961م، وصف الأماكن التي مرَّ بها بداية من قرية الشلال في صعيد مصر، عندما كان قادمًا بالقطار من هناك، مرورًا بالقاهرة؛ حيث تنقل فيها، إلى أن سافر إلى بورسعيد في طريق عودته إلى زنجبار.
-صعيد مصر:
عندما ركب شافي القطار من قرية الشلال جنوب أسوان متَّجهًا إلى القاهرة مرَّ على محافظات صعيد مصر فوصفها قائلًا:
“Tulipita kandokando ya mashamba yaliyostawi mimea vizuri kwa baraka ya maji ya Mto Nile… Mara mojamoja tuliwaona wakulima wakilima kwa majembe yaliyokuwa yakikokotwa na nyati. Treni ilipopita pempezoni mwa mashamba yao walitupungia mikono kutusalimu.” (Shafi 2013: 367).
مررنا على حقول بها نباتات مزدهرة بمباركة مياه نهر النيل. وفجأة رأينا مزارعين يزرعون بمحاريث تجرها الجاموس. وبينما كان القطار يمر بجوار حقولهم، لوّحوا بأيديهم تحيةً لنا.
تحرك شافي راكبًا القطار من قرية الشلال متَّجهًا إلى القاهرة، وعلى جانبي هذا الطريق تنتشر الأراضي الزراعية التي يرويها نهر النيل كما ذكر شافي. ويبدو أن وقت سير القطار كان في الساعات الأولى من الصباح لذلك رأى شافي المزارعين يعملون في حقولهم، وبمجرد رؤيتهم للقطار لوّحوا بأيديهم ترحيبًا بركاب القطار. وهذا ربما يشير إلى صفة الكرم التي اتسم بها جُلّ أهل الصعيد.
-معالم القاهرة:
بمجرد وصول شافي إلى القاهرة بدَت عليه الدهشة بسبب ما رأى:
“Tulitoka katika eneo la stesheni ya reli tukaingia ndani ya jiji la Kairo, jiji kubwa kuliko miji yote ya Afrika. Tuliliona jiji hilo jinsi lilivyokuwa limejaa shughuli. Watu walikuwa wamejaa barabarani, wengi kama siafu. Mabasi yalikuwa yamesheheni abiria mpaka wengine wakining’inia nje. Kwa mara ya kwanza niliziona treni zilizotembea barabarani, nazo zilikuwa zimesheheni abiria tele”. (Shafi 2013: 369, 370)
خرجنا من محطة السكة الحديد ودخلنا مدينة القاهرة، إنها أكبر مدينة في إفريقيا. لقد رأينا هذه المدينة مليئة بالنشاط. وكانت الطرق مزدحمة بكثير من الناس مثل النمل. وكانت الحافلات ممتلئة بالركاب حتى إن بعضهم قد تعلق خارجها، ورأيت للمرة الأولى قطارات تسير في الشارع، وكانت ممتلئة بكثير من الركاب.
أشار شافي في بداية روايته إلى أنه زار القاهرة خلال عام 1961م، ولا يخفى على أحد أن قبيل هذه الفترة بحوالي خمس سنوات تعرضت مصر لحرب 56، وتكبَّدت خسائر فادحة، فضلًا عن عدد السكان الذي زاد آنذاك عن 27 مليون نسمة تقريبًا. ومِن ثمَّ، فإن ما رآه شافي من كثرة الناس في الطرقات والازدحام الشديد في وسائل النقل، مما قد يشير إلى وجود نقص آنذاك في وسائل النقل العامة، وهذا شيء متوقع وطبيعي بعد هذه الفترة العصيبة والظروف القاسية التي مرت بها مصر.
-ميدان التحرير:
وعندما كان شافي متجهًا إلى منطقة الزمالك مرَّ بميدان التحرير فوصفه قائلًا:
“Hapo palikuwa “Midan-el-tahrir” au uwanja wa uhuru. Ule mzunguko wa kuzunguka magari ulikuwa katikati ya njia kuu nne kila moja ikielekea upande wake. Upande wetu wa kulia kilikuwepo kituo cha treni za barabarani na watu waliokuwa wamejaa hapo tele waligombania kuingia katika kila treni iliyosimama hapo. Upande wetu wa kushoto lilikuwepo jengo kubwa ambalo baadaye tulikuja elewa kuwa humo zilikuwemo ofisi mbalimbali za serikali. Mbele yetu lilitusimamia pandikizi la nyumba, juu limebeba maandishi yaliyoandikwa “Nile Hilton”. (Shafi 2013: 376)
كان هناك “ميدان التحرير” أو ميدان الحرية. إنه الميدان الذي التفت حوله السيارات، وفيه أربعة طرق رئيسية يأخذ كل منها اتجاهًا معينًا. كان عن يميننا محطة الترام؛ حيث يتسابق حشد من الناس للوصول إلى كل ترام يقف فيها. وعن يسارنا كان هناك مبنى كبير أدركنا لاحقًا أنه يضم مكاتب حكومية مختلفة. وأمامنا منزل ضخم عليه لافتة مكتوبًا عليها “النيل هيلتون”.
يُعتبر ميدان التحرير من المعالم المصرية، وهو أكبر ميادين القاهرة؛ حيث يربط بين أهم المناطق التي في وسطها، وكان فيه آنذاك محطة للترام. أما المبنى الذي كان عن يسار شافي فهو مجمع المصالح الحكومية المعروف باسم “مبنى مجمع التحرير”. وأما المنزل الضخم الذي كان أمام شافي فهو فندق من أفخم الفنادق المصرية آنذاك معروف باسم فندق النيل هيلتون.
-كوبري الزمالك:
ومما أبهر شافي أثناء جولته في القاهرة كوبري الزمالك؛ حيث لم يمر عليه مر الكرام، بل وصفه قائلًا:
“Daraja la Zamalek lilikuwa limebebwa na mihimili ya zege zito na vyuma madhubuti. vilikuwa vimeshindiliwa kuanzia chini ya maji ya Mto Nile hadi juu ya lililotandikwa daraja hilo, kuanzia ng’ambo moja ya jiji la Kairo hadi ng’ambo nyingine”. (Shafi 2013: 380)
تم تبطين كوبري الزمالك بالعوارض الخرسانية الثقيلة والفولاذ الصلب. وقد تم تثبيتها من قاع نهر النيل إلى قمة هذا الكوبري، وهو يمتد من أحد جوانب القاهرة إلى الجانب الآخر.
كوبري الزمالك هو جسر يربط بين منطقة الزمالك في الجيزة وحي بولاق أبو العلا في القاهرة، وقد ساعد هذا الكوبري في زيادة إعمار منطقة الزمالك منذ عام 1912م (الطرابيلي 1996: 165). عندما مرَّ شافي على كوبري الزمالك اندهش من ضخامة العوارض الحديدية التي أقيمت على هذا الجسر وكونها مثبتة في قاع النهر، مما يدل على أنه لم يَرَ مثل هذا الجسر من قبل، وهذا يشير إلى مدى تقدُّم مصر آنذاك على الرغم من الحروب التي مرت بها.
-نهر النيل:
انبهر شافي أيضًا بمنظر نهر النيل أثناء مروره عليه متجهًا إلى منطقة الزمالك؛ حيث كان يسكن بعض أصدقائه آنذاك قائلًا:
“Hapo, mto ulikuwa ukielea taratibu kama kwamba ulikuwa umechoka sana baada ya safari ndefu ya kutokea Uganda. Mashua na merikebu zilikuwa zimeegesha pempezoni mwa mto huo na kuonyesha mandhari ya bandari iliyokuwa barabarani.” (Shafi 2013: 378)
هناك، كان النهر يتدفق ببطء كما لو كان مُتعبًا جدًّا بعد رحلة طويلة من أوغندا. وكانت القوارب والمراكب متوقفة على ضفاف النهر موضحة منظر الميناء الذي كان على الطريق.
عندما نظر شافي إلى نهر النيل تذكَّر المسافة الطويلة التي قطعها هذا النهر من منبعه في أوغندا حتى وصل إلى القاهرة، وفي الوقت ذاته تذكَّر رحلته الشاقة التي قطعها هو من زنجبار حتى وصل إلى القاهرة، فتخيَّل أن النهر قد أصابه ما أصابه من التعب بسبب هذه الرحلة الطويلة، ومِن ثَمَّ، فهو يتدفق ببطء؛ لأنه متعب مثله.
وقد عبَّر الظاهري (1997: 22) عن هذه الرحلة التي يقطعها نهر النيل قائلًا: فإنه يسير مسيرة شهرين في البلدان العامرة، وعشرة أيام في الأقاليم التي بها عامر وخراب، ومسيرة شهرين في بلاد النوبة، وأربعة أشهر في الخراب؛ حيث لا عمارة إلى أن يخرج من مكانه، وإن صبابه في البحر المحيط من ثغر رشيد وثغر دمياط. وأكد أحمد (2006: 224) على ذلك بقوله: يمر نهر النيل في رحلته من المنبع إلى المصب، بعديد من الدول العربية والإفريقية؛ أوغندا – إثيوبيا – إريتريا – السودان – الكونغو الديمقراطية – بوروندي – تنزانيا – رواندا – كينيا – مصر، ويعتبر شريان الحياة لهذه الدول.
-الأحوال الجوية لمدينة القاهرة:
وصف شافي حالة الطقس في الفترة التي زار فيها القاهرة قائلًا:
“Kairo palikuwa na baridi ya kuburudisha na kuchangamsha. Ulikuwa msimu wa kipupwe.” (Shafi 2013: 375).
كان برد القاهرة منعشًا ومنشطًا. إنه كان فصل الشتاء.
لعل شافي زار القاهرة خلال الفترة من شهر ديسمبر 1960م حتى شهر فبراير 1961م؛ حيث تُعدّ هذه الفترة هي موسم الشتاء في مصر.
-معالم بورسعيد:
وصف شافي المنظر الذي رآه من نافذة الغرفة التي نزل بها عندما ذهب إلى بورسعيد قائلًا:
“Nilipolivuta pazia la drisha la chumba kile na kuangalia nje, niliona bahari ya Mediteranian kwa mbali imekoza rangi ya feruzi. Mapovu meupe ya mawimbi yalikuwa yakipwitapwita juu yake. Ilikuwa imetanda mpaka upeo wa macho, kule ilikokutana na mawingu ya zambarau yaliyojitokeza kuikaribisha asubuhi ya siku ile.” (Shafi 2013: 414, 415).
عندما سحبت ستارة نافذة الغرفة ونظرت إلى الخارج، رأيت البحر الأبيض المتوسط من بعيد يظهر باللون الأرجواني. وكان عباب الأمواج الأبيض يلوح فوقه. وقد امتد إلى الأفق؛ حيث قابل السحب الأرجوانية التي بدت ترحب بصباح ذلك اليوم.
تحدث شافي عن منظر البحر الأبيض المتوسط الذي تطل عليه محافظة بورسعيد من جهة الشمال، واصفًا إياه بلونه الأرجواني المنعكس من لون السحاب، وامتزاجه باللون الأبيض الذي يظهر بسبب تدافع الأمواج، ومدى سرعة حركة هذه الأمواج وارتفاعها. وهذه الصورة الرائعة التي عبَّر عنها الأديب قد تبعث في النفس الشعور بالراحة والاسترخاء والاستقرار والهدوء والطمأنينة والسكينة.
مظاهر الحياة في مصر كما صوّرتها مادة البحث
سجَّل شافي وتشيميرا في روايتيهما جانبًا من مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي كانت سائدة في مصر في الفترة التي وقعت فيها أحداث رواية كلّ منهما، وذلك على النحو التالي:
أولًا: مظاهر الحياة الاجتماعية:
من مظاهر الحياة الاجتماعية التي وردت في الروايتين –مادة البحث– وصف ملابس أفراد المجتمع المصري، ووصف أفراد هذا المجتمع.
–وصف الملابس في رواية تشيميرا:
كانت الملابس في العصر الفاطمي في مصر تدلّ على طبقة الفرد الاجتماعية التي ينتمي إليها، ومن ثمَّ، وصف تشيميرا في روايته ملابس النساء والرجال وسائقي العربات التي كانت تجرّها الخيول، والتي ركبها وفد شانجا بمجرد وصوله لضواحي القاهرة.
-ملابس النساء:
وصف تشيميرا ملابس النساء في روايته بقوله:
“Wanawake ambao walikuwa wamevaa mavazi yaliyovifunika viwiliwili vyao gubigubi isipokuwa macho tu… Wanawake wengine walikuwa wana mapambo vichwani na mabegani kama yale yaliyoonekana kwenye picha za Malkia wa kale Nefrititi.” (Chimera 2013: 327)
كانت النساء يرتدين ثيابًا تغطي أجسامهن من الرأس حتى القدم عدا العينين فقط… وارتدت نساء أُخريات الحلي على رؤوسهن وأكتافهن، كما هو موضّح في صور الملكة القديمة نفرتيتي.
أشار تشيميرا إلى ملابس فئتين من النساء اللائي حضرن مأدبة الوداع التي أعدَّها ملك مصر آنذاك لوفد شانجا قائلًا: إن الفئة الأولى ربما تكون فئة العوام من النساء؛ حيث يرتدين ثيابًا تغطي جميع الجسم عدا العينين، وهذا ما أشار إليه أحمد (1993: 154-157) بقوله: فكانت المرأة في العصر الفاطمي في الغالب تلبس ثوبًا طويلًا يصل إلى القدم، ويكون أحيانًا له ذيل طويل… ولقد عرفت المرأة النقاب في العصر الفاطمي، ولم يقتصر على المرأة المسلمة، بل لبسته غير المسلمة أيضًا، فكان يغطي الوجه ولكن به فتحتان للعينين.
وأما الفئة الثانية من هؤلاء النساء فيرتدين الحلي على رؤوسهن وأكتافهن، مثلما كانت ترتديه الملكة نفرتيتي. وهذا الحلي يسمى التاج كما ذكر أحمد (1993: 151) وهو نوع من أغطية الرأس التي تلبسها النساء في العصر الفاطمي، ويكون طاقية عالية مكلّلة بالدّر ومرصَّعة بالجواهر، ويبدو أنها كانت خاصة بنساء الطبقة الحاكمة، والطبقة الارستقراطية من المجتمع.
-ملابس الرجال:
أما عن ملابس الرجال الذين كانوا في استقبال وفد شانجا فقد وصفها قائلًا:
“Watu hao walikuwa wamevalia mavazi ashirafu ajabu, mavazi yaliyompendeza kila mwenye kumbonekeza. Kuwatazama tu, wageni wakaamua kuwa wenyeji hao ni baadhi ya waungwana wa Misri wa tabaka la juu.” (Chimera 2013: 245)
كان الرجال يرتدون ملابس الوجهاء العجيبة التي تجذب كلّ مَن ينظر إليها. بمجرد النظر إليهم، يجزم الأجانب أن هؤلاء السكان هم بعض نبلاء مصر من الطبقة العليا.
وصف تشيميرا ملابس الرجال الذين كانوا في استقبال وفد شانجا بمجرد وصوله إلى الأراضي المصرية بأنهم كانوا من الوجهاء والأعيان، وذلك من خلال ملابسهم الفخمة اللافتة للنظر. وقد أشار الأحمر (2012: 220) إلى ملابس رجال الدولة في العصر الفاطمي قائلًا: كانت ملابس الأمراء والقواد تُنسج من الأقمشة المزركشة، وكان كبار الأمراء يتميزون عن غيرهم بلبس قلادة من قماش مُذَهَّب، تُوضع حول العنق، يُطلق عليها “طوق”… وكان الأمراء بصفة عامة يلبسون على رؤوسهم عمائم من القماش المطرز بالذهب والمرصع بقطع صغيرة من المعدن المذهب أو المفضض.
فمن الملاحظ أن الوصف الذي ذكره تشيميرا بخصوص ملابس هؤلاء الرجال، وأنهم كانوا يرتدون ثياب الوجهاء يعبِّر تمامًا عمَّا أشار إليه الأحمر بخصوص ملابس الأمراء والقادة، كما يدل على وجود النظام الطبقي في المجتمع المصري آنذاك.
-ملابس سائقي العربات:
وأما عن ملابس سائقي العربات التي كانت تجرها الخيول والتي استقلها وفد شانجا عندما وصل لمدينة القاهرة فقد وصفها تشيميرا بما يلي:
“Walikuwa hawakuvaa libasi zozote kutoka kiunoni kwenda juu, shingoni walikuwa wamevalia mapambo mapambe kabisa yaliyoshukia chini na kuziba vifua vyao na mabega. Kutoka viunoni walikuwa wamevaa aina ya saroni zilizokuwa maridadi sana.” (Chimera 2013: 248)
لم يكونوا يرتدون أي ثياب من الخصر إلى أعلى، كانوا يرتدون حُلة رائعة للغاية حول الرقبة تنسدل لأسفل وتغطي صدورهم وأكتافهم. ومن الخصر إلى الأسفل كانوا يرتدون نوعًا من الإزار الأنيق جدًّا.
إنَّ الوصف الذي ذكره تشيميرا ينطبق تمامًا على فئة العسكر التابعين للبلاط الملكي آنذاك، وقد أشار ماجد (1955: 59) إلى الزي الذي تميز به هؤلاء بقوله: إنهم كانوا يلبسون زيًّا خاصًّا، وكانوا يخرجون في المواكب بالدروع المسبلة. وذكر إبراهيم (2007: 104) أنه انتشر في العصر الفاطمي في ملابس الجنود والفرسان الجواشن، وهي القمصان الحديدية التي تُلْبَس على الجسم ولها أكمام قصيرة.
فلو تأمل القارئ فيما عبَّر به تشيميرا عن الحُلّة الرائعة التي كانوا يرتدونها حول الرقبة وتنسدل لأسفل وتغطي صدورهم وأكتافهم، فهذه هي الدروع المسبلة التي ذكرها ماجد، وربما تكون هذه هي القمصان الحديدية التي أشار إليها إبراهيم في وصفه لزي الجنود والفرسان في العصر الفاطمي.
-وصف الملابس في رواية شافي:
وصف شافي ملابس المصريين الذين رآهم في صعيد مصر قائلًا:
“Pale Shellal tulianza kuona dalili za kuwa tumeshaingia Misri kutokana na libasi ya watu wa hapo. Wanaume ndani ya makanzu mapana bwangabwanga na tarbushi kichwani, wanawake ndani ya mabuibui meusi.” (Shafi 2013: 367).
بدأنا في قرية الشلال نرى علامات دخولنا لمصر بسبب الملابس المحلية. فالرجال يرتدون الجلاليب الواسعة الفضفاضة مع الطربوش على الرأس، والنساء يرتدين العباءات السوداء.
في ستينيات القرن العشرين كان هناك بعض المصريين وخصوصًا في الصعيد لا يزالون متمسكين بارتداء الجلابية والطربوش، وقد أشار إبراهيم (2002: 299) إلى أن الطربوش هو عبارة عن غطاء للرأس شاع استعماله مع بداية العصر الحديث في بلاد الشام ومصر والمغرب.
أما النساء المصريات في الصعيد آنذاك فكن يرتدين العباءة السوداء الواسعة. ويذكر علماء الحملة الفرنسية (1993: 116) أن نساء الريف كن لا يرتدين إلا سروالًا من فوقه قميص واسع جدًّا، أكمامه طويلة وواسعة تنزل حتى الردفين.
-وصف طبيعة المجتمع المصري في الروايتين
لقد وصف شافي وتشيميرا المجتمع المصري بالزهو والخيلاء في روايتيهما. ففي رواية تشيميرا رأى وفد شانجا القوارب والسفن تبحر في نهر النيل:
“Merekebu nyingi na majahazi, vyombo ashirafu, vikielea kwa maringo na madaha kama watu…!” (Chimera 2013: 248, 249)
العديد من القوارب والسفن، إنها مراكب الوجهاء، تطفو على الماء في زهو وخيلاء مثل الناس.
فقد شبّه تشيميرا القوارب والسفن بالناس في زهوهم وخيلائهم. وأما في رواية شافي، عندما كان هو وصديقه عبد الله يسألان المارة عن منطقة الزمالك لم يجدا اهتمامًا من الناس؛ فقال شافي لعبد الله:
“Si nilikwambia kuwa tumefika nchi ya Firauni? … Firauni alikuwa anajiona ni yeye tu, hakuna mwingine kama yeye, na watu wa nchi hii wamerithi tabia hiyo.” (Shafi 2013: 375).
ألم أقل لك: إننا وصلنا إلى بلد فرعون…. كان فرعون يتباهى بنفسه، ولا أحد مثله، وقد ورث أهل هذا البلد هذه الطبيعة.
فمن خلال كلام تشيميرا وشافي يُلاحظ أن كلًا منهما قد وصف أفراد المجتمع المصري عمومًا بسمة التعالي والتكبر. وهذا حكم عامّ، ولا يصح إطلاق حكم عام على مجتمع ما، لأي سبب من الأسباب؛ لأن كل مجتمع فيه الصالح والطالح، ومِن ثَمَّ، يكون هذا الحكم العام غير عادل.
ثانيًا: مظاهر الحياة الاقتصادية:
أشار تشيميرا وشافي إلى مظاهر الحياة الاقتصادية في مصر من خلال ذكرهما لوسائل النقل المستخدَمة آنذاك، والمستوى الاقتصادي للمجتمع المصري، وتحدث شافي أيضًا عن مدى كثرة الأسواق التجارية في شوارع المنيرة، وذلك على النحو التالي:
-وسائل النقل في مصر في رواية تشيميرا:
كانت وسائل النقل المتاحة في رواية تشيميرا هي الجِمَال التي ركبها وفد شانجا بمجرد وصولهم للأراضي المصرية، والعربات التي تجرّها الخيول التي ركبوها بمجرد وصولهم للقاهرة، والسفينة التي جاءوا فيها من لامو إلى مصر.
-الجمل:
أطلق العرب على الجمل اسم سفينة الصحراء، لأنه يقطع مسافة 330كم في مسير متواصل في اليوم، وهو بذلك يفوق في مسيره ثلاثة أضعاف مسير الحصان، ويحمل على ظهره حمولة تبلغ 200كج (مقداد، 2008: 262). ومن ثمَّ، فقد كان الجمل يُستخدم في مصر في العصر الفاطمي كوسيلة مواصلات في الطرق الصحراوية. لذلك عندما وصل وفد شانجا إلى الحدود المصرية عبر البحر الأحمر، وجدوا بعض الجِمَال في انتظارهم لتوصيلهم إلى القاهرة، فوصف تشيميرا هذه الجِمَال وراكبيها بقوله:
“Palikuwapo na ngamia wanne ambao walikuwa wametandikwa matandiko bora zaidi kuliko yale ya ngamia wa wenyeji. Ngamia hao wanne walikuwa na wapanzi ambao hawakuonekana kuwa ni waungwana kulingana na libasi zao.” (Chimera 2013: 246)
كانت هناك أربعة جمال تم سَرْجها أفضل من جمال أهل البلد. وكان لهذه الجمال الأربعة عمَّال لا يبدو عليهم أنهم من السادة؛ نظرًا لتواضع ثيابهم.
ذكر تشيميرا أن الهوادج التي كانت تحملها هذه الجمال كان شكلها رائعًا جدًّا، وقد أشار ماجد (1955: 78،79) إلى أن هذه الهوادج تسمى بالعمَّاريات، وكانت لهذه العمَّاريات آنذاك ستائر من الديباج الأحمر أو الأصفر أو القرمزي، أو من السِقلاطون المبطن، مضبوطة بشرائط “زنانير” من الحرير، وبدائر هيكلها أحزمة من الجلد “مناطق”؛ عليها نقوش “كوابج” من الفضة مسمَّرة في الجلد.
أما عن عمَّال هذه الجِمَال، فهم من صغار الموظفين في الدولة الفاطمية، ومن ثمّ، فقد أشار الأحمر (2012: 220) إلى ملابسهم قائلًا: أما صغار الموظفين فكانت ملابسهم أقل كلفة؛ حيث كانت تتكون من قطعتين فقط، قميص وسروال، وتصنع غالبًا من الصوف والحرير. وهذا بالفعل ما ذكره تشيميرا بخصوص ملابس عمَّال هذه الجمال؛ حيث قال ما معناه: إن ملابسهم إذا ما قُورنت بملابس الطبقة العليا فهي أقل في جودتها وفخامتها.
-الخيل:
يرتبط الخيل بالفروسية عند العرب، ولقد اشتهروا منذ أقدم عصور التاريخ بالمحافظة على الخيل وأنسابه وعدم الخلط بين سلالاتها (عشوب، 2013: 29). وكان الخيل في العصر الفاطمي يُستخدم كوسيلة مواصلات داخلية، لذلك عندما وصل وفد شانجا إلى حدود القاهرة كان في استقبالهم عربات تجرها الخيول. ولقد انبهر تشيميرا من منظر هذه الخيول فوصفها قائلًا:
“Jamani, farasi walikuwa wanapendeza we! Mbona walikuwa wameoshwa! Mbona manyoya yao yalikuwa yamelala maridadi na kuonekana laini mno, yenye kumetameta kama yaliyopakwa mafuta!” (Chimera 2013: 248)
يا قوم، كانت الخيول لطيفة للغاية! كيف تم غسلها! لماذا، وكيف كان شعرها جميلًا جدًّا لدرجة أنه بدا ناعمًا جدًا ولامعًا وكأنه مضمخ بالزيوت!
اندهش وفد شانجا من جمال منظر الخيول التي كانت في استقبالهم منذ وصولهم لضواحي مدينة القاهرة، وفضلًا عن جمال منظر هذه الخيول، ذكر ماجد (1955: 22) أن سروجها كانت محلاة بنقوش، وقلائد وأطواق لأعناق الخيل، وروادف وقرابيس للخلف والأمام مرصَّعة بالجواهر الفائقة، ولجامها من الذهب والفضة.
– العربات التي تجرها الخيول:
وأما العربة التي استقلها وفد شانجا في القاهرة فقد وصفها تشيميرا بقوله:
“Na charioti je? Gari nadhifu zenye magurudumu ya chuma zilizo na uwezo wa kwenda kasi kama vimondo, katika ardhi kavu!” (Chimera 2013: 248)
وماذا عن العربة؟ إنها عربة نظيفة ذات عجلات معدنية يمكنها التحرك بسرعة على الأرض الصلبة بسرعة الشهب!
أعرب تشيميرا عن بالغ دهشة وفد شانجا عندما استقل العربة التي كانت تجرّها الخيول الجميلة، والتي كانت في استقبالهم عندما وصلوا لضواحي القاهرة، فكانت هذه العربة نظيفة جدًّا، ولها عجلات معدنية تسير بسرعة كبيرة.
– السفينة:
ركب وفد شانجا سفينة من بلدهم إلى ميناء جزيرة لامو في كينيا عبر المحيط الهندي، ثم ركبوا من لامو السفينة المصرية التي أوصلتهم إلى حدود مصر عبر البحر المتوسط، وقد وصف تشيميرا الرحلة من لامو إلى مصر بقوله:
“Safari ya kuelekea Misri ilikuwa tofauti katika kila namna… Safari yenyewe ilikuwa shwari kabisa na ya kupendeza.” (Chimera 2013: 244, 245)
كانت الرحلة إلى مصر مختلفة من جميع النواحي… كانت الرحلة نفسها هادئة وممتعة للغاية.
وهذا قد يشير إلى مدى تقدم تكنولوجيا صناعة السفن في مصر في العصر الفاطمي، وقد أكد على ذلك وصف تشيميرا للسفينة التي ركبها أعضاء وفد شانجا عندما كانوا ذاهبين إلى الإسكندرية بقوله:
“Mfalme wa Misri aliwapa wageni wake merikebu yake binafsi: ‘Merikebu ya Mfalme’. Chombo hiki kilikuwa anasa tupu, kizuri upeo wa fani. Juu ya hivyo, kilikuwa kimepambwa kupindukia kama kwamba Mfalme mwenyewe alikuwa safarini.” (Chimera 2013: 301)
أعطى ملك مصر لضيوفه سفينته الخاصة: “سفينة الملك”. كانت هذه السفينة ترفًا محضًا، وفي منتهى الجمال. وعلاوة على ذلك، فقد تم تزيينها بزخارف كثيرة كما لو كان الملك نفسه في سفر بها.
وقد أكَّد زكي (1966: 39) على روعة منظر السفن التي امتلكها ملك مصر آنذاك، ناقلًا كلام الرحالة ناصر خسرو قائلًا: “وكان للسلطان إحدى وعشرون سفينة… طول كل سفينة منها خمسون ذراعًا، وعرضها عشرون ذراعًا، مزينة بالذهب والفضة والجواهر الديباج”، وهذا يدل على مدى الترف الذي كان يعيش فيه ملك مصر آنذاك.
-وسائل النقل في مصر في رواية شافي:
كانت وسائل النقل المستخدمة في رواية شافي هي القطار الذي ركبه شافي من قرية الشلال في جنوب أسوان متجهًا إلى القاهرة، وسيارة الأجرة التي ركبها من محطة مصر متجهًا إلى منطقة الزمالك، والحافلة التي ركبها متجهًا إلى المعسكر وسط صحراء الجيزة.
-القطار:
وصف شافي القطار الذي ركبه من قرية الشلال في الصعيد متجهًا إلى محطة مصر بالقاهرة قائلًا:
“Ndani ya treni viti havikuwa vya kugombania kama ilivyokuwa ndani ya treni tuliyosafiri nayo kutoka Khartoum hadi Wadi Halfa… Tuliingia katika behewa na tulilikuta tayari limejaa. Tulikimbilia behewa jingine, nalo lilikuwa tayari limejaa. Tuliendelea na kuelekea katika behewa la mbele zaidi. Hilo tulilikuta bado lilikuwa na mapengo mapengo ya viti vitupu.” (Shafi 2013: 367).
داخل القطار، لم تكن المقاعد متقابلة مثل تلك الموجودة في القطار الذي سافرنا فيه من الخرطوم إلى وادي حلفا … دخلنا في عربة فوجدناها قد امتلأت. فأسرعنا إلى عربة أخرى، فكانت أيضًا ممتلئة. واصلنا السير إلى العربة الأمامية. فوجدناها لا تزال بها مقاعد فارغة.
كان القطار ولا يزال وسيلة نقل آمنة وسريعة، يربط بين كثير من المناطق، وكان شافي قد ركب هذا القطار من محطة السكة الحديدية بقرية الشلال جنوب أسوان متجهًا إلى القاهرة.
-سيارة الأجرة:
تعد سيارة الأجرة المعروفة في مصر بـ”التاكسي” وسيلة مواصلات داخل المدن المصرية، وقد ركب شافي هذه السيارة من محطة السكة الحديد عقب وصوله إلى القاهرة؛ حيث تزاحمت عليه سيارات الأجرة، كل سائق يريده أن يركب معه، فركب في إحدى هذه السيارات متجهًا إلى منطقة الزمالك:
“Tuliingia ndani ya moja ya teksi hizo na tulimtajia dereva anuani ya pale tulipotaka kwenda. Zamalek, Barabara ya Ahmed Hishmet, nyumba nambari Kumi na Tano. Dereva aliirekebisha mita ya kuhesabu pesa na safari ilianza.” (Shafi 2013: 369).
ركبنا إحدى سيارات الأجرة وأخبرنا السائق بالعنوان. الزمالك شارع أحمد حشمت منزل رقم 15. قام السائق بضبط العداد الذي يحسب النقود وبدأت الرحلة.
يُفهَم من خلال كلام شافي أن سيارات الأجرة كانت كثيرة ومتوافرة، مما يشير إلى وفرة وسائل النقل الخاصة في مصر آنذاك، ولعل ذلك قد ساعد -إلى حد ما- على القضاء على الازدحام وتكدس الناس على وسيلة نقل واحدة.
-الحافلة:
وصف شافي الحافلة التي ركبها متجهًا إلى معسكر التجنيد قائلًا:
“Gari lililokuja kuchukua lilikuwa ni mkweche uliochoka kazi. Liliposimama mbele yetu breki zake zilikwaruzana kama zilizokuwa zikipigwa tupa. Lilisimama likayumba mbele na nyuma, halafu lilitulia huku likihema na kutoa moshi. Tuliingia humo mmoja mmoja. Gari lilikuwa na nafasi tele na tuliokwemo humo tulipwaya ndani yake.” (Shafi 2013: 389).
كانت السيارة التي أتت لنركبها قديمة ومتهالكة. عندما توقفت أمامنا، احتكت مكابحها كما لو كانت ألقي بها. فوقفت وتأرجحت ذهابًا وإيابًا، ثم هدأت وهي تتحرك وتطلق الدخان. فركبناها واحدًا تلو الآخر. كان في السيارة أماكن كثيرة وكنا نغوص بداخلها.
من الملاحظ أن وسائل النقل التي أشار إليها شافي في روايته بداية من القطار وسيارة الأجرة والحافلة كلها كانت وسائل نقل حديثة آنذاك ومستخدمة بالفعل خلال القرن العشرين في مصر.
-الترام:
كان الترام من وسائل المواصلات المستخدمة في القاهرة خلال القرن العشرين؛ حيث بدأت قطاراته تسير في شوارع العاصمة منذ يوم 12 أغسطس 1897م، كما أشار كيلاني (2010: 5). وقد ذكر شافي أنه رأى الترام يسير في شوارع القاهرة:
“Kwa mara ya kwanza niliziona treni zilizotembea barabarani”. (Shafi 2013:370)
ورأيت للمرة الأولى قطارات تسير في الشارع، وكانت ممتلئة بكثير من الركاب.
وهذا قد يشير إلى مدى تقدم مصر آنذاك في مجال وسائل النقل على الرغم من الخسائر التي خلّفتها الحرب، والتي كانت لا تزال تعاني من آثارها آنذاك.
-المستوى الاقتصادي في مصر في رواية تشيميرا:
أشار تشيميرا إلى المستوى الاقتصادي لمصر على لسان وزير خارجية شانجا في خطبته الرسمية التي ألقاها أمام ملك مصر آنذاك قائلًا:
“Leo hii mashamba ya Misri yanazalisha vyakula vya kila aina, na hali hiyo imelifanya taifa hili kujitegemea siku zote.” (Chimera 2013: 278)
تنتج الحقول المصرية اليوم جميع أنواع المواد الغذائية، وهذا ما جعل هذه الأمة مكتفية بذاتها على الدوام.
من خلال هذا الاقتباس يُفهَم أن مصر كانت مُنتِجة لجلّ المحاصيل الزراعية آنذاك، مما جعلها مكتفية بنفسها ذاتيًّا كما أخبر تشيميرا. وقد أشار قلا (2007: 34) إلى ذلك بقوله: وتميزت الزراعة بمصر بأنها كانت تحقق الاكتفاء الذاتي للسكان، بل كانت تمد الحرمين الشريفين بالغلال والحبوب. وهذا يُؤكد على مدى ارتفاع المستوى الاقتصادي في مصر خلال العصر الفاطمي.
-المستوى الاقتصادي في مصر في رواية شافي:
أشار شافي إلى منطقة الزمالك وساكنيها قائلًا:
“Zamalek ni kisiwa kilichozungukwa na Mto Nile. Ni eneo waliloishi mabwenyenye na watu waliokuwa na uluwa na utukufu.” (Shafi 2013: 374).
الزمالك جزيرة محاطة بنهر النيل. إنه المكان الذي أقام فيه الوجهاء والنبلاء.
وقد أكد بركة (2009: 147) على ذلك عندما أدرج منطقة الزمالك ضمن أحياء الطبقة العليا، وقال: إن عام 1947م، كان الزمالك يضم 65000 من الأشخاص المتميزين اجتماعيًّا الذين يمثلون القسم الأكبر من “الطبقة المترفة”.
أما عندما وصف شافي منطقة المنيرة قال:
“Tulihamishwa katika nyumba nyingine iliyokuwepo mtaa wa Munira, mbali kidogo na Zamalek” (Shafi 2013: 373).
نقلنا إلى منزل آخر في منطقة المنيرة، أبعد قليلًا من الزمالك.
ثم وصف شوارع هذه المنطقة قائلًا:
“Tulikuwa tukikata kona za mitaa ya ndanindani iliyokuwa imejaa wachuuzi na maduka ya rejareja” (Shafi 2013: 375).
لقد اختصرنا الطريق في المناطق الداخلية، التي كانت مليئة بالباعة ومحلات التجزئة.
من خلال ما سبق يُلاحظ أن شافي كأنه قد عقد مقارنة بين المستوى الاقتصادي لساكني منطقة الزمالك وساكني منطقة المنيرة، موضحًا أن منطقة الزمالك يحيط بها نهر النيل من كل جانب، ومعظم ساكنيها من الطبقة العليا، وأما منطقة المنيرة التي تبعد عنها قليلًا فهي منطقة مليئة بالباعة ومحلات التجزئة، مما يشير إلى المستوى الاقتصادي المتدني لساكني لهذه المنطقة. وهذا قد يدل على وجود تفاوت بين طبقات المجتمع المصري آنذاك. وهذا التفاوت موجود في كل مكان في العالم وليس في مصر فقط.
-الأسواق التجارية في رواية شافي:
عندما كان شافي متجهًا إلى شارع أحمد حشمت بمنطقة الزمالك، مرَّ بميدان التحرير فوصفه بما يلي:
“Kwenye uwanja huo walikuwepo watu waliokuwa na kila aina ya biashara ndogondogo. Vilikuwepo vibanda vidogo vidogo vya kuuzia vinywaji baridi. Wauza mikate walikuwa wamebeba masusu yaliyokuwa yamejaa mikate ya “eish balad.” Wasafisha viatu walikuwa wakiranda na vibao vyao na kumwania kila waliyemwona na kumlazimisha wamsafishie viatu.” (Shafi 2013: 376, 377)
كان في هذا الميدان أشخاص لديهم من كل أنواع التجارة الصغيرة. وكانت هناك أكشاك صغيرة لبيع المشروبات الباردة. وكان الخبازون يحملون أكياسًا مليئة بأرغفة العيش البلدي. وكان منظّفو الأحذية يدورون بصناديقهم الخشبية ويطلبون بإلحاح مِن كل مَن يرونه تنظيف حذائه.
كان ميدان التحرير آنذاك يعج بالأكشاك والباعة المتجولين، وهذا قد يشير إلى زيادة النشاط التجاري ووفرة البضائع وتنوعها، وبداية تعافي الاقتصادي المصري بعد فترة الحرب الماضية.
ثالثًا: مظاهر الحياة السياسية كما صوّرتها مادة البحث
وصف كل من تشيميرا وشافي الحياة السياسية في مصر وقت وقوع أحداث رواية كل منهما على النحو التالي:
-الحياة السياسية في مصر من خلال رواية تشيميرا:
وقعت أحداث رواية تشيميرا في نهاية القرن العاشر أو في بداية القرن الحادي عشر الميلادي؛ حيث نجد من الشخصيات الرئيسية في هذه الرواية شخصية فومو ليونجو، وقد أشار كل من ليفتزيون Levtzion وبويلس Pouwels (2000: 524) وهاررو Harrow (1991: 38) أن فومو ليونجو عاش في شانجا تحت حكم الملك داود مرينجواري Daudi Mringwari، خلال القرن العاشر الميلادي. وذكر مولوكوزي Mulokozi وسينجو Sengo (1995: 49)، أن فومو ليونجو عاش خلال الفترة من القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر الميلادي. وذكر تشيميرا في روايته هذه أن وزير خارجية شانجا الذي زار مصر ضمن أعضاء الوفد قد جاءها من قبل عندما درس في جامعة الأزهر، ومن المعروف أن جامعة الأزهر قد أُسِّست عام 972م؛ أي في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، وبناء على ذلك، فقد زار وفد شانجا مصر في أواخر القرن العاشر أو خلال القرن الحادي عشر الميلادي.
وكانت مصر خلال هذه الفترة تحت الحكم الفاطمي، وذلك منذ عام 358ه / 969م، عندما جاء جوهر الصقلي من بلاد المغرب قاصدًا مصر، فوصل إلى الإسكندرية واستولى عليها، ثم واصل زحفه إلى الجيزة، وقضى على المقاومة الإخشيدية التي أعدّت لقتاله، ودخل مدينة الفسطاط منتصرًا، واستمر الحكم الفاطمي في مصر حتى عام 567ه/1171م (الأحمر، 2012: 29).
-الحياة السياسية في مصر في رواية شافي:
كانت زيارة شافي للقاهرة خلال عام 1960 – 1961م، وفي هذه الفترة كان النظام السياسي في مصر نظامًا جمهوريًّا تحت قيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي تولى زمام السلطة عام 1954م حتى عام 1970م. وخلال هذه الفترة أسهم عبد الناصر في دعم الاستقلال الوطني في إفريقيا.
وقد أشار شافي إلى هذا المعنى قائلًا:
“Wakati huo Kairo ilikuwa chungu cha siasa ya Afrika… Siasa ilikuwa ikitokota sawasawa. Wananchi wa Afrika walikuwa wakidai uhuru. Vyama vya wapigania uhuru wa Afrika kutoka nchi mbalimbali vilijikusanya pamoja ndani ya nyumba nambari Kumi na Tano, Barabara ya Ahmed Hishmet, Mtaa wa Zamalek. Ndani ya nyumba hiyo kila chama cha kupigania uhuru kilikuwa na ofisi yake, na cha Zanzibar hivyohivyo.” (Shafi 2013: 374).
كانت القاهرة في ذلك الوقت بؤرة السياسة الإفريقية… وكانت السياسة مزدهرة. وكان الأفارقة يطالبون بالاستقلال. تجمعت حركات التحرر الإفريقية من مختلف الدول في البيت رقم 15 شارع أحمد حشمت بمنطقة الزمالك. في هذا المنزل كان لكل حركة تحرُّر مكتبها، وكان نفس الحال بالنسبة لحركة تحرر زنجبار.
وقد أكد شافي على ذلك مرة أخرى بقوله:
“Nyumba nambari Kumi na Tano iliyokuwepo Barabara ya Ahmed Hishmet ilikuwa ni nyumba iliyokuwa imejaa shughuli za kisiasa. Waliokuwemo, wote walikuwa wanaharakati wa kupigania uhuru wa nchi zao. Humo ilizungumzwa lugha moja tu, lugha ya ukombozi wa Afrika.” (Shafi 2013: 382).
كان المنزل رقم 15 بشارع أحمد حشمت منزل مليئًا بالنشاط السياسي. وكان الحاضرون جميعهم نشطاء من أجل استقلال بلادهم. وكانت هناك لغة واحدة فقط، إنها لغة تحرر إفريقيا.
فمن خلال كلام شافي ندرك مدى الدعم الذي قدّمه الرئيس المصري جمال عبد الناصر آنذاك لحركات التحرر الإفريقية ودوره الكبير في مساندتهم من أجل القضاء على الاستعمار واستقلال دولهم.
الخاتمة:
تناول هذا البحث صورة مصر في الرواية السواحيلية الحديثة، واختار الباحث روايتين هما رواية شافي آدم شافي “بعيدًا عن الوطن”، ورواية روتشا تشيميرا “سر في سر”، ليكونا مادة لهذه الدراسة.
وتحدث الباحث في المقدمة عن أدب الرحلات المكتوب باللغة السواحيلية؛ لأنه وجد أن جُلّ هذه النوعية من الروايات من الممكن أن تندرج تحت هذا النوع الأدبي. وقد خرجت هذه الدراسة بالنتائج التالية:
1-يُعد أدب الرحلات المكتوب باللغة السواحيلية نوعًا من الأدب الذي يُدوِّن فيه الكاتب أهم الأحداث التي تسهم في نقل صورة واقعية لمعالم محددة أو وصف لمظاهر حياة حقيقية لشعب معين. وقد نشأ منذ ظهور الكتابة في القرن التاسع عشر الميلادي.
2-قد يكون موضوع السفر فكرة رئيسية في بعض الأعمال الأدبية مثلما كان الحال في رواية شافي، وقد يكون فكرة غير رئيسية مثلما كان الحال في رواية تشيميرا.
3-إذا كان موضوع السفر هو الفكرة الرئيسية في عمل أدبي ما، عادة تُستخدم فيه الحبكة المحكمة التي تترابط أحداثها وتتتابع بحيث يُؤدي كل منها دوره في مكانه وزمانه المناسب، مثلما حدث في رواية شافي.
4-وأما إذا كان موضوع السفر ليس هو الفكرة الرئيسية فقد تُستخدم الحبكة المفككة كما حدث في رواية تشيميرا.
إذا كان المؤلف هو الشخصية الرئيسية في العمل الأدبي مثلما كان الحال في رواية شافي، فعادة يُستخدم الضمير المتصل للمتكلم المفرد {U-} وللجمع{Tu-} .
5-وأما إذا كان المؤلف ليس ضمن شخصيات العمل الأدبي مثلما كان الحال في رواية تشيميرا، فعادة يُستخدم الضمير المتصل للغائب المفرد {A-} والجمع {Wa-}.
6-وصف تشيميرا المعالم المصرية التي رآها وفد شانجا أثناء زيارته لمصر في القرن العاشر الميلادي، مثل: شوارع القاهرة، ونهر النيل، وقصر المُلْك، والحديقة الملحقة به، ومعالم الجيزة، والإسكندرية، مشيرًا إلى مدى التقدم والتكنولوجيا الموجودة آنذاك في مصر.
8-وصف شافي المعالم المصرية التي عاينها بنفسه أثناء رحلته لمصر عام 1961م، مثل: الأراضي الخضراء في صعيد مصر، ومعالم القاهرة، ونهر النيل، ومعالم بورسعيد.
9-صوَّر كل من تشيميرا وشافي مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مصر بشكل واقعي يتناسب مع الفترة التي وقعت فيها أحداث كل رواية منهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
أولًا: المراجع العربية:
إبراهيم، رجب عبد الجواد (2002) المعجم العربي لأسماء الملابس في ضوء المعاجم والنصوص الموثقة من الجاهلية حتى العصر الحديث، دار الآفاق العربية، القاهرة.
إبراهيم، محمد أحمد (2007) تطور الملابس في المجتمع المصري من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر الفاطمي (20- 567ه/ 640- 1171م) دراسة تاريخية، مكتبة مدبولي، القاهرة.
ابن حوقل، أبي قاسم بن حوقل النصي (1992) كتاب صورة الأرض، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان.
أحمد، سيد عاشور (2006) التلوث البيئي في الوطن العربي: واقعه وحلول معالجته، دار الفكر العربي للنشر والتوزيع، القاهرة.
أحمد، نريمان عبد الكريم (1993) المرأة في مصر في العصر الفاطمي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
الأحمر، رمضان محمد رمضان (2012) الحياة الاجتماعية في مصر في عصر الدولة الفاطمية، (358- 567ه/ 969- 1171م)، شركة القدس للنشر والتوزيع، القاهرة.
بركة، ماجدة (2009) الطبقة العليا المصرية بين الثورتين (1919 – 1952م)، ترجمة: محمود ماجد، المركز القومي للترجمة، القاهرة.
زكي، عبد الرحمن (1966) القاهرة تاريخها وآثارها (969- 1825م) من جوهر القائد إلى الجبرتي المؤرخ، دار الطبيعة الحديثة، القاهرة.
سليم، أحمد أمين (1989) في تاريخ الشرق الأدنى القديم مصر – سورية القديمة، دار النهضة للطباعة والنشر، بيروت.
شيحة، مصطفى عبد الله (1988) دراسات في العمارة والفنون القبطية، مطبعة هيئة الآثار المصرية، القاهرة.
الطرابيلي، عباس (1996) شوارع لها تاريخ، سياحة في عقل الأمة، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة.
الظاهري، غرس الدين خليل بن شاهين (1997) زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك، وضع حواشيه: خليل عمران المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
عبد الجواد، توفيق أحمد (1984) العمارة وحضارة مصر الفرعونية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
عشوب، عبد العليم (2013) تاريخ تربية الخيول العربية في مصر، الدار العربية للموسوعات، بيروت.
علماء الحملة الفرنسية (1992) وصف مصر، الجزء الأول، ترجمة زهير الشايب، دار الشايب للنشر، القاهرة.
القزويني، زكريا بن محمد بن محمود (د.ت) آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت، لبنان.
قلا، إبراهيم علي السيد (2007) تاريخ مصر الاسلامية وجوانب من حضاراتها: منذ الفتح الإسلامي حتى نهاية العصر الفاطمي، 20-567ه/640-1171م، مكتبة العلم والإيمان للنشر والتوزيع، القاهرة.
كيلاني، محمد سيد (2010) ترام القاهرة دراسة تاريخية، اجتماعية، أدبية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة.
ماجد، عبد المنعم (1955) نظم الفاطميين ورسومهم في مصر، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
مقداد، خليل (2008) الفسيفساء السورية والمعتقدات الدينية القديمة والميثولوجيا، المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق، الجمهورية العربية السورية.
وهبة، مجدي (1974م) معجم مصطلحات الأدب، – إنكليزي – فرنسي – عربي، لبنان، بيروت، مكتبة لبنان.
ثانيًا: مراجع الأجنبية:
Chami, Felix A. (2002) East Africa and the Middle East relationship from the first millennium BC to about 1500 AD, Tanzania, University of Dar-es-Salaam, Journal des Africanistes 72 (2) 2002: 21-37.
Chimera, Rocha, M. (2013) Siri Sirini (Mshairi na Mfunga), Kitabu cha kwanza, Nairobi, Sasa Sema Publications.
Habwe, John (2011) Safari ya Lamu, Nairobi, Sasa Sema Publications.
Harrow, Kenneth W. (1991) Faces of Islam in African Literature, Studies in African Literature: New Series. Portsmouth, New Hampshire: Heinemann, London.
Kayamba, H.M., (1932) Tulivyoona na Tulivyofanya Ingereza, England, Sheldon Press.
Levtzion, Nehemia &Pouwels, Randall (2000) The History of Islam in Africa, The United States of America, Ohio University press.
Madumulla, Joshua S. (2009) Riwaya ya Kiswahili; Nadharia, Historia na Misingi ya Uchambuzi, Tanzania, Mture Educational Publishers Ltd, Dar es Salaam, Toleo la Kwanza.
Mbatia, Mwenda (2001) Kamusi ya Fasihi, Nairobi, Standard Textbooks Graphics and Publishing.
Mulokozi M.M., Sengo T.S.Y. (1995) History of Kiswahili poetry, A.D. 1000-2000: a report, Institute of Kiswahili Research, University of Dar es Salaam, Tanzania.
Reusch, Richard (1961) History of East Africa, New York, F. Ungar Pub. Co
Shafi, Adam (2013) Mbali na Nyumbani, Nairobi, Kenya, Longhorn Publishers.
Velten, C., (1901) Safari za Wasuaheli, Berlin, Göttingen, Vandenhoeck & Ruprecht.
Wamitila, K.W. (2008) Misingi ya Uchanganuzi wa Fasihi, Kenya, Nairobi, Vide-Muwa Publishers.
Yanjela, David Wafula (2017) Narrated Histories in Selected Kenyan Novels, 1963-2013, South Africa, Dissertation presented for the degree of Doctor of Philosophy in the Faculty of Arts and Social Sciences at Stellenbosch University Stellenbosch University.