أ. منصب محسن عبد الرحمن (*)
الملخص
يسعى هذا البحث للكشف عن التحديات التي تُواجه محكمة القضاء الشرعي في جمهورية كينيا؛ إذ يرجع إنشاء محكمة القضاء الشرعي في جمهورية كينيا إلى تاريخ وصول الإسلام إلى سواحل شرق إفريقيا بعد منتصف القرن السابع الميلادي.
وفي 24 مايو 2010م تقدّم ثلاثة من القضاة لإدراج محكمة القضاء الشرعي في الدستور الكيني؛ رغم أن هذا الدستور ذو صبغة عنصرية ومطعون في شرعيته. وحُسم الأمر كما هو مبيَّن في الدستور الكيني الجديد الذي تم الاستفتاء عليه في أغسطس 2010م في المادة 170؛ حيث أوجب الدستور إنشاء محكمة القضاء الشرعي، ونصَّ على أنها تابعة للمحكمة العليا في كينيا.
ورغم أن الدستور الكيني أكَّد مشروعية محكمة القضاء الشرعي، إلا أنها ما زالت تعاني من عدة عقبات ابتداءً بتقنين الأحوال الشخصيَّة؛ فالأمر متروك لاجتهادات القضاة في استنباط الأحكام الفقهية من كتب الفقه، إضافة إلى عدم تطبيق مبدأ حُجيَّة الأمر المقضي فيه، مما يجعل نفس القضية تُثار مرة تلو الأخرى أمام محكمة أخرى بعد صدور الحكم النهائي.
علاوةً على ذلك هناك مشكلة اختيار القضاة غير المؤهَّلين من خريجي التربية والدراسات الإسلامية ومدرسي المدارس الثانوية.
أما في مسألة الاختصاص فلم يُدْرَك مقصود المشرِّع في إيراد النصّ الدستوري عندما يُورِد لفظ الزواج والطلاق، والميراث مثلاً؛ وهل هو وارد على سبيل الحصر أم التمثيل. فمن هنا تتنازع القوانين بين محكمة القضاء الشرعي ومحكمة الأطفال.
وانتهاء بالطعن في الحكم؛ حيث يجلس القاضي الشرعي أمام محكمة الاستئناف كالمحلف، ويبدي رأيه في الوقائع المتعلقة بالدعوى، ولا يتدخل في إصدار الحكم، ولا يشترط للقاضي المدني أن يكون مُلِمًّا بأحكام الشريعة الإسلامية.
ونظرًا لطبيعة الدراسة اعتمد الكاتب على المنهج الوصفي التحليلي؛ وذلك بدراسة الظواهر الموجودة في أرض الواقع، ووصفها وصفًا دقيقًا دون المبالغة فيها، وتحليل قضايا ذات صلة بمحكمة القضاء الشرعي في جمهورية كينيا.
مقدمة
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله r وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فقد قال الله –تعالى- مخبرًا وآمرًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58]. فالله -سبحانه وتعالى- يأمر الرسول r بالعدل في القضاء، وإعطاء كل ذي حق ما يستحقه حتى تنعم السعادة بين البشرية جمعاء؛ فالقضاء لازم لتستقيم أمر الأمم؛ حيث إن أمر الناس لا يستقيم بدونه، وهو جزءٌ لا يتجزأ من كيان الدولة وسلطة من سلطاتها، ومما يترتب على القضاء هو حماية الشريعة وأنظمتها.
وقد ثبتت مشروعية القضاء في القرآن الكريم بقول الله –تعالى-: ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ [المائدة: 48]. فلم يترك رسول الله شاردةً ولا واردةً إلا بيَّنها؛ فقد روى عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عن النبي أنه قال: «إذَا حَكَمَ الحاكِمُ فَاجْتَهَدَ فأصَاب، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» (1).
وقد أجمع العلماء على مشروعية القضاء، وقرَّروا أن القيام به من فروض الكفايات؛ مُعَلِّلين ذلك بأن أمور الناس لا تستقيم بدونه (2). واستجابةً لتعاليم الدين الإسلامي أُنْشِئَتْ في وقت مبكر محكمة القضاء الشرعي، وبحمد الله وتوفيقه صدرت الموافقة والاعتراف بها من الدستور الكيني لاحقًا.
وبعد بذل كل الجهود؛ فإن محكمة القضاء الشرعي الكيني ما تزال بحاجة إلى التطوير والإصلاح، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى حتى يَثِق الناس في اللجوء إليها؛ فلا يلجأون إلى المحاكم المدنية التي تحكم بقوانين البشر التي يكثر فيها الخطأ.
أولاً: الإطار النظري لمحكمة القضاء الشرعي في جمهورية كينيا
1- لمحة موجزة عن تاريخ محكمة القضاء الشرعي في جمهورية كينيا:
يرجع تأسيس محكمة القضاء الشرعي قبل وصول المستعمر البريطاني إلى سواحل شرق إفريقيا في القرن التاسع عشر الميلادي.(3) وقبل ذلك كان محكمة القضاء الشرعي خاضعة لسلطة سلطنة عمان في زنجبار والتي كانت تحكم شريط ساحل شرق إفريقيا. وكانت هذه المحكمة تحت إدارتها؛ حيث يرجع إليها صلاحية اختيار القضاة الشرعيين، فعرف هؤلاء القضاة باسم الوالي أو المدير أو القاضي(4).
وفي زنجبار تم تعيين القضاة على المذهب الإباضي والسُّنِّي، وفي لامو معظم مَن تولى القضاء الشرعي كان من قبيلة المعاوي؛ أما في ممباسا فقد كان معظمهم من قبيلة المزروعي(5).
ويُذْكَر أنه في عام 1895م تنازل حامد بن ثويني البوسعيدي لبريطانيا عن إدارة شريط ساحل كينيا على امتداد عشرة أميال بمعاهدة عرفت باسم (Ten Mile Coastal strip agreement) لتكون تحت حكم الدولة البريطانية (6).
وبعد الإعلان الرسمي أقام المستعمر البريطاني محكمة مدنية في زنجبار للنظر في قضايا تخصُّ البريطانيين في المنطقة، وعلى جانب آخر كانت محكمة القضاء الشرعي تزاول أعمالها القضائية مما أدَّى لاحقًا إلى ازدوجية القضاء(7).
وقد نوَى البريطانيون توحيد نظام القضاء؛ إلا أنه يصعب تطبيق النظامين في حلّ النزاعات المعروضة أمام كلتا المحكمتين. وامتد هذا الصراع في الساحل الكيني على امتداد عشرة أميال؛ لأن محكمة القضاء الشرعي مُنِحَتْ كافَّة الاختصاصات للنظر في جميع القضايا؛ جنائيَّةً كانت أم مدنيَّة، بينما المسلمون الذين يجاوزون عشرة أميال لا تنطبق عليهم الشريعة الإسلامية إلا أحكام الأسرة مثل: الزواج، والطلاق، والميراث(8).
ونتيجة لذلك؛ فشل الاستعمار البريطاني في بعض الأحيان بالتمييز بين المستعمرة والمحمية (ساحل كينيا) مما أدَّى إلى تنازُع القوانين وإخفاق العدالة. استمر هذا الوضع حتى عام 1831م؛ حيث حدث تغيير جذري في محكمة القضاء الشرعي؛ حيث نُزِعَ منها صلاحية النظر في جميع الاختصاصات، وقُيِّدَ اختصاصها في الأحوال الشخصية فقط، وهي: الزواج، والطلاق، والميراث (9).
وعندما سقطت منطقة الساحل تحت سيطرة البريطانيين في عام 1895م أثَّر ذلك على مصالح العرب والسواحليين والآسيويين الذين يقيمون في شريط ساحل كينيا. مما أسفر لاحقًا عن تحركات ودعوات طلب الاستقلال؛ حيث انعقد مؤتمر Lancaster)) ليضم جزءًا من الساحل إلى كينيا بحضور كلٍّ من السيد دنقن سندي ممثل الحكومة البريطانية، والسيد السلطان عبد الله بن خليفة، وجوموا كينياتا، وغيرهم. وأهم ما جاء في هذه المعاهدة ما يأتي(10):
أ) حرية المعتقدات وصيانة الأديان في جميع الأوقات، كما أنه ينبغي رعاية حقوق المسلمين وذرياتهم وأموالهم، ومعابدهم ومؤسَّسَاتهم.
ب) اختصاص قاضي القضاة مع بقية القضاة للفصل في مسائل تتعلَّق بالأحوال الشخصية، على سبيل المثال الزواج والطلاق والميراث؛ شريطة أن يكون الطرفان يدينان بدين الإسلام.
ج) الموظَّف الإداري في المناطق ذات الأغلبية المسلمة يُشترط أن يكون من المسلمين.
د) نظرًا لأهمية تدريس اللغة العربية، وللحفاظ على الدين الإسلامي؛ يَقتضي تعليم اللغة العربية لأبناء المسلمين. وتحقيقًا لهذا الهدف يُقدَّم العون إلى المدارس الابتدائية للمسلمين، كما يتمُّ صيانة المدارس الموجودة في ساحل كينيا.
2- اعتراف الدستور بمحكمة القضاء الشرعي:
لقد أبلغ وزير الوزراء مزي جوموكيناتا الأمم المتحدة عزمه القيام بمراجعة المواثيق والمعاهدات التي تم إبرامها قبل الاستقلال بإثباتها أو إلغائها أو تعديلها، وإشعار الأطراف المعنيَّة بذلك، ومراعاة المواثيق التي تم فيها الاتفاق على إنشاء محكمة القضاء الشرعي.
وقد صدر أول دستور لكينيا بعد الاستقلال عام 1963م، وكرَّست محكمة القضاء الشرعي في المادة 66 (1) إلى (5) التي تنص على إنشاء المحكمة الآتية(11):
المادة 66 (1) يتم تعيين قاضي القضاة، والذي يحدده القانون والبرلمان؛ شريطة ألا يقل عدد القضاة عن ثلاثة.
المادة 66 (5) تختص محكمة القضاء الشرعي في البتّ في أمور الشريعة الإسلامية المتعلِّقة بالأحوال الشخصية، أو الزواج، أو الطلاق، أو المواريث في الإجراءات التي لها علاقة بالدين الإسلامي.
في بداية الأمر كان هناك ثلاثة قضاة إلا أنَّ العدد ازداد لاحقًا بموجب تأسيس المحاكم في أنحاء الدولة؛ حيث وصل عددهم في عام 1967م إلى أربعة عشر قاضيًا في الولايات السبع (12).
وفي 24 مايو 2010م تقدَّم ثلاثة من القضاة(13) لإدراج محكمة القضاء الشرعي في الدستور الحالي الذي ليس له صفة شرعية، بل إنه ذو صبغة عنصرية.
وحُسم الأمر كما هو مبيَّن في الدستور الكيني الجديد الذي أُجري الاستفتاء عليه في أغسطس 2010م (14) ، في المادة 170؛ حيث أوجب الدستور إنشاء محكمة القضاء الشرعي، ونصَّ على أنها تابعة للمحكمة العليا في كينيا. وتنص المادة المذكورة على ما يأتي: “1- يتم تعيين قاضي القضاة والعدد الذي يحدده قانون البرلمان من القضاة الآخرين على ألا يقل عددهم عن ثلاثة قضاة.
2- لا يعد أيّ شخص مؤهلاً للتعيين لشغل منصب قاضٍ، أو القيام بأعماله ما لم يكن هذا الشخص –
أ. معتنقًا للدين الإسلامي؛ ب. أن يكون على معرفة بالشريعة الإسلامية التي تنطبق على كل المسلمين مما يجعله مؤهلاً في رأي مفوضية الخدمات القضائية لتولي منصب قاضي المحكمة.
3- يؤسس البرلمان محاكم القضاة وتحظى كل منها بالصلاحية القضائية والسلطات التي يمنحها إياها التشريع طبقًا للبند (5).
4- يتم تمكين قاضي القضاة وغيره من القضاء الشرعي، وأي عدد آخر من القضاة (على ألا يقل العدد عن ثلاثة) كما يحدده أي قانون برلماني لتولي محكمة القضاء ذات الصلاحية القضائية داخل كينيا.
5- تقتصر الصلاحية القضائية لمحكمة القضاء الشرعي على البتّ في أمور الشريعة الإسلامية المتعلّقة بالأحوال الشخصية، أو الزواج، أو الطلاق، أو المواريث في الإجراءات التي تخصّ الدين الإسلامي ويخضعون للصلاحية القضائية لمحاكم القضاء الشرعي”(15).
يلاحظ في السنوات الأخيرة زيادة عدد القضاة، وتم إدراج أسماؤهم في الموقع الرسمي للسلطة القضائية(16).
ثانيًا: التحديات التي تواجه محكمة القضاء الشرعي في دولة كينيا
رغم أن الدستور الجديد لدولة كينيا أثبت أحقية محكمة القضاء الشرعي؛ إلا أنها تعاني من عدة مشاكل، تتمثل في الآتي:
1- ضرورة التحكيم أمام محكمة القضاء الشرعي:
فرض الله الحكم بشريعته فقال: ﴿ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ ]البقرة: 213]، بل أكد الله في القرآن الكريم أن الحكم بما أنزل الله من صفات المؤمنين، وأن الحكم بغير ما أنزل الله هو حكم الطاغوت والجاهلية، فقال –تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾[النساء:59].
من هذه النصوص السابقة لا يجوز الاحتكام إلى القوانين الوضعيَّة المخالفة للشريعة الإسلامية إلا عند الضرورة؛ إذا لم توجد محاكم شرعية. ونظرًا لأن الدستور الكيني لم يجعل اللجوء إلى التحكيم أمام محكمة القضاء الشرعي أمرًا إلزاميًّا للخصوم للفصل في منازعاتهم؛ إلا إذا رضي الطرفان بذلك، ويحقّ لأطراف الخصوم رفع الدعوى أمام المحكمة المدنية للنظر في أحكام الأسرة. وهذا السياق يُفْهَم من المادة 170 فقرة (ج) إذ تنص على الآتي: “ويخضعون للصلاحية القضائية لمحاكم القضاة”(17).
2- الحاجة إلى تقنين الأحوال الشخصية:
مفهوم التقنيين: التقنين (Codification) عبارة عن جمع القواعد الخاصة بفرع من فروع القانون -بعد تبويبها وترتيبها، وإزالة ما قد يكون فيها من تناقض، وغموض- في مدونة (Code) واحدة، ثم إصدارها في شكل قانون (Law) تفرضه الدولة، عن طريق الهيئة التي تملك سلطة التشريع فيها، بصرف النظر عما إذا كان مصدر قواعد للتشريع أو العُرف أو العادة أو القضاء أو غير ذلك من مصادر القانون(18).
لقد ظل الفقه الإسلامي غير مقنَّن طيلة العصور الماضية، وحتى أواخر القرن الماضي؛ فكان الحكام والقضاة يرجعون إلى كتب الفقه لمعرفة الأحكام الفقهيَّة الواجب تطبيقها على ما يُعرَض عليهم من منازعات في المحاكم، فالدولة وإن شجَّعت مذهبًا معينًا إلا أنها لم تلزم به القاضي للحكم بموجبه، وتمنع من الحكم بغيره(19).
والواقع أن السلف كانوا غير محتاجين إلى التقنين؛ لأن الوقائع والمنازعات كانت قليلة، فضلاً عن توفُّر أهلية الاجتهاد لقضاة تلك العصور(20).
بناءً على ما سبق لم تُقَنَّن الأحوال الشخصية منذ وصول الإسلام إلى ساحل كينيا في القرن الهجري الأول، وبالتحديد عام 65هـ، وذلك في أيام عبد الملك بن مروان الأموي إلى يومنا هذا، بل أُسْنِدَ الأمر إلى اجتهاد القضاة في استنباط الأحكام من كُتُب الفقه على المذاهب الأربعة. لذا يظل الباب مفتوحًا أمام الناس لاتهام القضاة الشرعيين باتباع الهوى، أو القصور في عملهم أو تطبيقهم. مثلاً لو ترك الأمر للاجتهادات الفقهية في مسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد، لوجدنا آراء مختلفة، واجتهادات متباينة؛ فمنهم:
o مَن يُوقِعه إعمالاً لما ذهبت إليه المذاهب الأربعة.
o ومَن يقضي بعدم وقوعه، واعتباره بدعة محرمة؛ أخذًا بمذهب ابن حزم الظاهري(21) .
o ومَن يقضي بوقوعه طلقة واحدة رجعية؛ أخذًا برأي شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية(22).
o ومن يقضي بغير ما سبق مفرِّقًا بين المدخول بها وغيرها. فيقضي بوقوعه بالعدد المصرَّح به في المدخول بها، وبوقوعه طلقة واحدة في غير المدخول بها؛ أخذًا برأي إسحاق بن راهويه(23).
وهذا مثال لتعارض الأحكام القضائية مع بعضها في واقعة واحدة، ويظهر مدى خطورة عدم توحيد المرجعية. وهناك مسائل عديدة في الأحوال الشخصية من الممكن حدوث الاختلاف حولها، ما لم توحَّد فيها المرجعية. وإن السبيل الوحيد للوصول إلى تلك المنافع، هو التقنين.
2- عدم تطبيق مبدأ حجية الأمر المقضي فيه بين الخصوم: (Resjudicata)
مقتضى هذا المبدأ متى أصبح الحكم نهائيًّا يُعتبر قرينة قانونية قاطعة على صحة ما قُضِيَ به، لا يقبل إثبات ما ينقضها، وذلك لأن الحكم النهائي يجب أن يعتبر حكمًا صحيحًا للضمانات التي أوجدها الشارع في الإجراءات(24).
ولو افترضنا جدلاً بأن رخَّصنا لكل من المتخاصمين بأن يرفعا القضية مرة تلو أخرى بعد صدور الحكم النهائي هيهات أن يصدر الحكم ويرضيهما، ويعتبر هذا من المستحيلات، ومن ثم تصبح أجهزة القضاء لا احترام ولا مكانة لها في المجتمع ما دام ليس له القول الأخير، ذلك بعد استكمال جميع الإجراءات والطعون التي كفَلها الشارع لتحقيق العدالة. ولا يُجهل بأن رفع القضية أمام المحكمة المختصة مرة أخرى بعد مرور الزمن من شأنه أن يُوجِد تضاربًا في الأحكام، وسيؤدِّي ذلك إلى زعزعة الثقة والطمأنينة بالمحاكم (25). وهذا المبدأ غير معمول به في محكمة القضاء الشرعي؛ انظر القضية الآتية:
تتلخص القضية رقم 151/2012 والتي سبق الفصل فيها؛ حيث إن خديجة جمعة حميد المرحومة كانت تمتلك البيت السواحلي رقم 19R-279/XVI الكائن في مومبتيار ممباسا، وليس لديها ورثة إلا الأحفاد. وقد أصدر قاضي القضاة سابقًا أحمد قاسم المزروعي الحكم النهائي في تاريخ 15/5/2013م بالآتي:
أ) رزك بكار موتا (بنت بنت) 50 %.
ب) بكار محمد موتا (ابن ابن الأخ) 33.3 %.
ج) آسية محمد موتا (ابن ابن الأخت) 16.6 %.
وتم بيع البيت السواحلي بقيمة 11 مليون شلغ كيني المعادل 1,100,000 دولار. أثيرت القضية من جديد في تاريخ 3/6/2013م، وأخيرًا حكم قاضي القضاة الحالي أحمد المحضار برد 5.5 مليون شلغ كيني لصالح بكار محمد موتا، ورُفِعَتْ القضية لمحكمة الاستئناف بتاريخ 25/6/2013م (26). من المألوف عند رجال القانون التماس إعادة النظر في الأحكام لا يكون إلا في حالة وقوع الغش إثر الحكم الصادر أو كان أطراف الدعوى لم يكن ممثلاً تمثيلاً صحيحًا في الدعوى. ولكن قبول رفع القضية بعد استكمال جميع الإجراءات والطعون لا تدل إلا على تخبُّط درجات التقاضي وتحايل المتقاضين.
3- الشروط العامة لاختيار القضاة في الفقه الإسلامي والدستوري الكيني:
شرع الله -عز وجل- القضاء لحفظ الحقوق، وإقامة العدل، وفَصْل الخصومات والمنازعات، ولما كانت تجري بين الناس كثير من المعاملات كالنكاح والطلاق ونحوها من العقود والحقوق، فقد وضع الشرع لذلك شروطًا تحكم التعامل بين الناس؛ ليسود العدل والأمن بينهم. ولكن قد تحدث بعض المخالفات لتلك الشروط والقواعد إما عمدًا، أو جهلاً، أو نسيانًا، أو إكراهًا، فتحدث المشاكل، ويحصل النزاع والشقاق والعداوة. ولأجل ذلك وضع الفقه الإسلامي والمشرِّع الكيني (27) عدة شروط تتمثل في الآتي:
أ- شرط الإسلام (28):
لقوله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ [النساء: 141]. ولا سبيل أعظم من القضاء؛ ولأن القضاء من باب الولاية، بل هو أعظم الولايات، والكافر ليس من أهل الولايات (29) . والإسلام شرطٌُ من الشروط الأساسية التي يجب أن تتوافر في القاضي؛ ذلك أن مهمة القاضي الأساسية هي إعمال الحكم الشرعي، بينما غير المسلم لا يهتم بمراعاة ما يتطلبه الشرع من أحكام ومقاصد (30). وهذا الشرط يتوافق مع هو منصوص في النص الدستوري الكيني؛ إذ نصَّ على الآتي: “لا يُعَدُّ أيّ شخص مؤهلاً للتعيين لشغل منصب قاضٍ، أو القيام بأعماله ما لم يكن هذا الشخص: معتنقًا للدين الإسلامي”.
ب- شرط العدالة (31):
وهي -عند الفقهاء- الامتناع عن الكبائر، وعدم الإصرار على الصغائر، والترفُّع عما يقدح في المروءة؛ ولذلك لا يُوَلَّى فاسق القضاء، ويستدل على ذلك بقول الله –تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]؛ فالفاسق لا يصلح أن يكون قاضيًا؛ فمن الأولى أن لا يتولى القضاء. ونظرًا لقانون الخدمة القضائية الكينية في المادة 32 تنص على الآتي: “يجب أن يتمتَّع القاضي بشخصية أخلاقية عالية والنزاهة”، “وألا يكون لديه دعوى قضائية”(32).
جـ- شرط الاجتهاد:
اشترطوا في القاضي أن يكون مجتهدًا، وبهذا قال جمهور الفقهاء وحجتهم أن القضاء آكد من الإفتاء، والمفتي لا يجوز أن يكون عاميًّا مقلِّدًا؛ فالقاضي أولى أن لا يكون مقلدًا؛ مستدلين بقول الله –تعالى-: ﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: 49]. وما أنزل الله يعرفه العالم المجتهد لا المقلد (33).
وقد اشترط النص الدستوري الذي يتولى أمر القضاء بأن يكون على علم و”معرفة بالشريعة الإسلامية”: من الملاحظ في الواقع المعيش يتم اختيار القضاة عشوائيًّا بمجرد أن يكونوا مُلِمِّين بالدين الإسلامي. فكم من القضاة الموجودين في السلك القضائي حاليًا ليسوا من أهل الاختصاص، وهم من خريجي التربية والدراسات الإسلامية!! مع أن مهنة القضاء تستلزم معرفة مسائل فنية وعلمية حتى يمكن للقاضي أن يفصل في النزاع المطروح أمامه. وقلة الفهم لهذه الفنون من طرف القاضي قد يترتب عليها إضرار بحقوق المتنازعين وتطويل أمد التقاضي. ومن بين هذه الفنون:
– الإلمام بإجراءات سير الدعوى.
– الإلمام بإجراءات الحكم.
– الإلمام بوسائل الإثبات.
– الإلمام بفضّ النزاع والتحكيم.
– الإلمام بالصياغة (عريضة الدعوى، وعريضة الدفاع، والحكم والعقود).
والجدير بالذكر أن القائمين على السلك القضائي هم الذين يتولون تعيين القضاة الشرعيين، فيحابون أشخاصًا دون آخرين؛ مما أدَّى إلى تفرُّق رؤساء المسلمين عام 2015م. ونقلاً عن جريدة ستاندد (34) ؛ فقد طلب الشيخ محضار وكيل المجلس الأعلى لشؤون المسلمين في ساحل كينيا إعادة المقابلات مع الذين تم اختيارهم ووصف بأن المقابلات لم تكن نزيهة، ولم تراعِ التوازن في داخل الدولة (country) بأن عشرين قاضيًا ثلاثة فقط منهم تم اختيارهم من الساحل، بينما ثمانية هم من شمال شرق كينيا (منطقة صومالية)؛ مما يؤدِّي في المستقبل إلى فقدان منصب قاضي القضاة الذي دائمًا ما يكون في منطقة ساحل كينيا منذ زمن الاستعمار. ويرى بعض المحللين أن هذه تُعتبر الفترة الأخيرة لمسلمي ساحل كينيا في الهيمنة على المؤسسات الإسلامية في المنطقة.
وقد ردَّ مسؤول في مجلس الأئمة والدعاة الشيخ حسن عمر بأن المقابلات كانت نزيهة، وتم اختيار الأفضل من بين المتقدمين لطلب وظيفة القاضي.
وقد أيَّد الشيخ جمعة نغاو رئيس المجلس الاستشاري الوطني لمسلمي كينيا العشرين قاضيًا الذين تم تعيينهم. وقال: إن قضية التوازن بين المقاطعات (REGIONAL BALANCE) رضي به مسلمو كينيا بأن يكون منصب قاضي القضاة دائمًا من منطقة ساحل كينيا، وذلك منذ عام 1885م، ومن قبيلة عرب المزروعي؛ إلا الشيخ عبدالله فارس الذي عُيِّن قاضي القضاة في أيام الاستقلال.
هـ- شرط الذكورة:
الذكورة شرط عند جمهور الفقهاء، فلا يجوز عندهم تقليد المرأة القضاء مستدلين بقول الرسول : «لن يفلح قوم وَلَّوْا أمرهم امرأة» (35). أيضًا قالوا: القاضي يحتاج إلى مخالطة الرجال من الشهود والخصوم، والمرأة في الأصل ممنوعة من مخالطة الرجال لما يخاف عليها من الفتنة (36).
أما النص الدستوري الكيني فينص على الآتي: “أي شخص مؤهل للتعيين”؛ فبناءً على الدستور الكيني: لا يمنع قانونيًّا تقلُّد المرأة لوظيفة القضاء، وقد دار النقاش حول ذلك؛ وتقدم رئيس القضاة سابقًا (WILLY MUTUNGA) بمقترح توظيف المرأة في مهنة القضاء (37). وقال الشيخ دور الأمين العام لمجلس الأئمة والدعاة (CIPK): إن محكمة القضاء الشرعي لا تتساوى بالمحكمة المدنية؛ ولأن محكمة القضاء الشرعي خاضعة للشريعة الإسلامية، فلا يمكن لأحد تغييرها.
وقال الشيخ عبدالله عبد رئيس المنتدى الوطني لرئاسة المسلمين (NAMLEF) بأن محكمة القضاء هي جهاز إسلامي؛ فيجب أن يُحْتَرم من الجميع. وقد دافع قاضي القضاة أحمد محضار بالقول: إن جمهورية كينيا ليست الدولة الوحيدة التي تريد أن توجد هذه الوظيفة للمرأة، وقد وُجِدَتْ من قبل في مصر وتونس والسودان وتركيا، وآخرون يجيزون تولي المرأة القضاء.
وأضاف بالقول: إن القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية بإمكان المرأة أن تحكم فيها. بمقابل ذلك تنص المادة 27 فقرة (ج) من الدستور الكيني على تسوية فرص العمل بين النساء والرجال في شتى المجالات: السياسية والاقتصادية، والثقافية والاجتماعية. كما أوصت اللجنة المعنية بالإصلاحات القضائية التي أعدها القاضي وليام أوكو بتولية المرأة في مهنة القضاء الشرعي (38).
4- الغموض في الاختصاص (JURISDICTION)
تعتبر المادة 170 من الدستور المجاز لسنة 2010م حمَّالة أوجه؛ إذ تنصُّ على الآتي: تقتصر الصلاحية القضائية لمحكمة القضاة على البتّ في أمور الشريعة الإسلامية المتعلقة بالأحوال الشخصية، أو الزواج، أو الطلاق، أو المواريث في الإجراءات التي يعتنق فيها جميع الأطراف الدين الإسلامي، ويخضعون للصلاحية القضائية لمحاكم القضاء الشرعي.
تناولت المادة الاختصاص النوعي لمحكمة القضاء الشرعي، ولم يُدرك مقصود المشرِّع من إيراد ألفاظ الزواج والطلاق أو الميراث، هل ورد على سبيل الحصر أم التمثيل، ولم يتم تفسير هذه المادة في المذكرة التوضيحية.
ولأن هناك مسائل متعلقة بالأحوال الشخصية منها: المهر والخِطبة، والولاية والحضانة، والنفقة والنسب، والطلاق والخلع، والفسخ، والهبة والوصية، والإرث، وغيرها. من هنا تثار المشكلة في مسألة نوعية الاختصاص، لذا أُنْشِئَتْ محكمة الأطفال (Children’s Court).
وصدر معها قانون الأطفال لسنة 2001م، وله السلطة في النظر في المسائل المتعلقة بالحضانة؛ مما تُثار المشاكل في تنازع القوانين بين محكمة الأطفال ومحكمة القاضي الشرعي، ويمكن تأمل القضية الآتية (39):
تتلخص القضية أن المدعي والمدعى عليه تزوجا بموجب الشريعة الإسلامية تاريخ 12/2/2003م وأنجبا أولادًا، وقعت الفُرْقَة الزوجية في عام 2010م فأربعة أولاد بقوا في حضانة أمهم، إلا أن المولود الثالث يعيش مع أقاربه في مقاطعة لامو كينيا. تفاقمت المشكلة حينما تزوجت أمهم بالزوج الثاني؛ حيث قدم المدعي دعوى إلى محكمة القضاء الشرعي ملتمسًا حضانة أولاده، فقضى القضاء بحضانة الأولاد لكل من الطرفين للمدعي (2) وللمدعى عليه (2). فلم يرضَ المدَّعِي بهذا الحكم حيث رفع القضية إلى المحكمة العليا.
فالاستئناف كان يدور حول فصل الحكم، ما إذا كانت محكمة القضاء الشرعي لها صلاحية الاختصاص في النظر في المسائل المتعلقة بالحضانة.
تقدّم كبير قاضي القضاة بالقول: إن محكمة القضاء الشرعي مُنِحَت اختصاصًا ضمن المادة 170 من الدستور الحالي بأن لها الحق في الفصل في المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية (الزواج، الطلاق، والميراث) والحضانة تابعة للأحوال الشخصية، إضافة إلى أن الحضانة لا تكون إلا نتيجة للطلاق.
وقد ردَّ محامي المدعي بالقول لا أوافق بكل احترام على ما توصل إليه كبير قاضي القضاة؛ لأن النص 170 حدَّد مهام التزامات القضاء الشرعي، ولم يتم تناول مسألة الولاية والحضانة. وبلا شك فإن قانون الأطفال لسنة 2001م منح كافة التشريعات للمسائل المتعلقة بالأطفال في دولة كينيا. وأضاف بأن قاضي القضاة يوافقه تمامًا في القول: “بموجب رأي أن محكمة القضاء الشرعي تفتقد صلاحية الاختصاص في النظر في المسائل المتعلقة بالأطفال؛ لأن القانون لم ينص على ذلك”. إضافة إلى أن محكمة الأطفال مُنِحَتْ كافة الصلاحيات بموجب الجريدة الرسمية. ودعَّم قوله كذلك بأن المحكمة العليا سارت وفق النهج الآتي:
أ) المحكمة العليا في كيسومو قضية رقم 125/2013م.
أفهم أن محكمة القضاء الشرعي مختصة في القضايا المتعلقة بالطلاق، ولا تختص بالولاية والحضانة؛ لأنه غير منصوص عليها في الدستور. أما مسألة الولاية والحضانة فتخص محكمة الأطفال بموجب القانون المرسوم 2001م رقم 8.
ب) المحكمة العليا في نيروبي قضية رقم 53/2013م.
بموجب المادة 170 من الدستور لا يتضح بأن محكمة القضاء الشرعي لها السلطة في النظر في المسائل المتعلقة بالحضانة والولاية.
بعد تحرير نقاط النزاع، حكم قاضي محكمة العليا أديرو (odero) تاريخ 24/9/2014م بالنسبة ما توصل إليه أن محكمة القضاء الشرعي ليس لديه الاختصاص في البتّ عن قضية ذات صلة بموضوع الحضانة والولاية، والحكم الذي صدر من قبل يعتبر باطلاً وملغيًا.
5- الطعن في الحكم (OBJECTION OF RULES)
السلطة القضائية: هي المسؤولة عن تحقيق العدالة، وعن الفصل في المنازعات المعروضة أمامها، وقد تبنَّت دولة كينيا مستوين/درجتين من المحاكم لأغراض التقاضي، وفق ما يلي:
أ- المحكمة الابتدائية: والتي تتشكل بـ (أ) المحكمة الأعلى (supreme court) والتي تتمتع بالصلاحية القضائية في النظر والبت في النزاعات المتعلقة بالانتخابات. و(ب) المحكمة العليا (High court) تحظى بصلاحية قضائية أصلية وغير محدودة في الأمور الجنائية والمدنية؛ وتحظى كذلك بصلاحية قضائية للنظر في استئناف قرار صادر عن مجلس عدلي. وتهتم بتفسير الدستور ومسألة ما إذا كان القانون لا يتفق مع الدستور أو يتعارض معه. وأية مسألة تتعلق بالصلاحيات الدستورية لأجهزة الدولة فيما يخص حكومات المقاطعات، وأية مسألة تتعلق بالعلاقة الدستورية بين مستويات الحكومة. ودور السلطة في الإشراف على جميع المحاكم الثانوية. و(ج) محكمة الاستئناف (court of appeal) تتمتع محكمة الاستئناف بالصلاحية القضائية للنظر في دعاوى الاستئناف المحالة من – أ. المحكمة الأعلى؛ و ب. أية محكمة أو مجلس عدلي آخر كما ينص قانون برلماني.
ج- المحكمة الثانوية: والتي تتشكل بـ(أ) المحاكم العسكرية (Courts Martial)، والمحكمة الصناعية (Industrial Court of Kenya) والمحكمة البيئية (Environment court) ومحكمة القضاء الشرعي (Kadhis court)، وتقتصر الصلاحية القضائية لمحكمة القضاة على البت في أمور المتعلقة بالأحوال الشخصية، أو الزواج، أو الطلاق، أو المواريث (40).
عندما يصدر حكم ابتدائي فمن حق الطرف المتضرر أن يستأنف القضية إلى المحكمة العليا؛ لإعادة النظر في الحكم، فالمحكمة العليا لها السلطة في أن تثبت الحكم الابتدائي أو تلغيه أو تزيد عليه. فيقتصر دور محكمة العليا في البحث عن القضية من جديد وتعيد تقدير الأدلة. بينما تقصر مهمة القاضي الشرعي في هذه المرحلة بأن يجلس كالمحلف (41) (Assesor) ، ويبدي الرأي في الوقائع المتعلقة بالدعوى ولا يتدخل في إصدار الحكم، ولا يشترط لقاضي المحكمة العليا أن يكون مُلِمًّا بأحكام الشريعة الإسلامية. وهذا يتنافى مع مبادئ القضاء في الإسلام؛ إذ يقول عمر بن الخطاب في وصيته لقاضي الكوفة: “ولا يمنعك قضاءٌ قضيتَه بالأمس فراجعتَ فيه نفسَك، وهُديت فيه لرشدك أن ترجع عنه؛ فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل (42) “.
ولتوضيح هذه المسألة تتلخص القضية في الآتي:
بشير حسن أحمد المدعي. ضد آثار علي محمد المدعى عليه.
قضية الإرث تم الفصل فيها للمرحوم عبدالله عمر أحمد مِن قِبَل محكمة القضاء الشرعي في منطقة قاريسا عند القاضي حسن ذفا برقم القضة 241/2014م.
أثار بشير حسن أحمد القضية، وفي حالة الاستجواب والمناقشة ادعى المحلف السيد القاضي حسن ذفا كما هو مطلوب من قانون إجراءات المدنية الفصل (21). تقدم محامي المدعي بول منغول بالقول من تاريخ 26/1/2016م، واستند كلامه إلى المبررات الآتية:
أ.أخطأ القاضي المحترم في إصدار الحكم المتعلقة بملكية العقار رقم (GSA/B/20229) باعتباره مملوكًا لعبد الله عمر.
ب. أخطأ القاضي المحترم بتحويل ملكية العقار من المالكة حليمة شاكول قاسم إلى المرحوم عبدالله عمر؛ لأن القاضي ليس لديه اختصاص في النظر في المسائل المتعلقة بملكية العقار، كما أخطأ في إصدار الحكم بتحويل ملكية العقار.
ج. أخطأ القاضي المحترم بتحكيم مسألة الهبة بأنها غير مشهودة ومزورة.
بناء على المبررات السابقة تبين الآتي:
(أ) حليمة شاكول كانت تمتلك العقار قبل موت الموروث عبدالله عمر أحمد، واتضح أن العقار ليس مملوكًا للمرحوم. (ب) صدر الحكم من القاضي بتزوير المستندات، وسُجِّلت الهبة أمام المحامي كولو (kullow) الذي لم يدَّع أمام محكمة القضاء الشرعي للأخذ باليمين، إضافة إلى أن السيدة حليمة شاكول لم تدع أمام المحكمة للأخذ باليمين. (ج) تبين أن المدعى عليه باع تركة المرحوم تبلغ قيمتها 75000 شلغ كيني الموجودة في مخيم اللاجئين.
تقدم المحلف (القاضي الشرعي) ببيان الوقائع المتعلقة بالدعوى، وصرح بالقول: إن الهبة لم توقع أمام الشخصين كما هو مطلوب في القرآن الكريم. وتسجيل الهبة باسم حليمة حسن كانت بعد وفاة المرحوم مما أوقعت الشك في ذلك. والمدعي ليس لديه حق الإرث مادامت الزوجة والأم وأبناء المرحوم على قيد الحياة. ولا يمكن للمدعي أن يرفع القضية أمام المحكمة نيابة عن أمها حليمة حسن المتواجدة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن يجمع الأجور الشهرية.
وأخيرًا اختتم القاضي المدني الجلسة بالقول:
أ. القاضي المحترم ليس لديه الاختصاص في النظر في المسائل المتعلقة بالملكية.
ب. تبين أن الأرض كانت ملكًا للمرحوم وقت وفاته.
ج. لا يحق للمدعي أن يستأنف القضية أمام المحكمة نيابة عن الآخرين؛ إذ يتوجب ذلك من حليمة شاكول.
د. تبين أن المدعي ليس لديه بينة مقبولة تثبت صحة دعوى الهبة.
بناء على المبررات السابقة اتضح أن الاستئناف ليس له صفة الموضوعية، وأيدت المحكمة قرار القاضي الشرعي(43).
النتائج
توصل الباحث إلى أهم النتائج وهي تتلخص في الآتي:
1- الدستور الأول اعترف بمحكمة القضاء الشرعي في المادة 66 فقرة 1-5، وكذلك الدستور الحالي لعام 2010م يعترف بمحكمة القضاء الشرعي في المادة 170 فقرة 1-5. وهو الأساس لشرعية محكمة القضاء الشرعي.
2- التحكيم أمام محكمة القضاء الشرعي الكيني ليس بواجب قضاءً إلا إذا رضي الطرفان بذلك؛ ولكن التحكيم فيها يدل على إيمان المسلم، وقُربة يتقرب بها إلى الله.
3- تواجه محكمة القضاء الشرعي الضغوطات والتحديات الكبيرة مِن قِبَل الأنظمة القانونية السائدة في الدولة، وتتمثل في الآتي:
أ. عدم تقنيين الأحوال الشخصية.
ب. عدم تطبيق مبدأ حجية الأمر المقضي فيه.
ج. عدم كفاية شروط تعيين القضاة.
د. عدم الاتفاق على اختصاص محكمة القضاء الشرعي.
ه. عدم جواز تدخل القاضي الشرعي عند الطعن في الحكم في محكمة الاستئناف.
التوصيات:
من خلال نتائج الدراسة يظهر جليًّا الفجوة الموجودة في محكمة القضاء الشرعي الكيني، ولهذا يوصى بالآتي:
1- دعاوى المسلمين يجب أن تتم أمام محكمة القضاء الشرعي، مع الخضوع والاستسلام لأوامرها، ومنعهم منعًا باتًّا بالالتجاء إلى المحاكم المدنية.
2- تأسيس معهد شرعي قانوني يتمتع بالاستقلالية التامة إداريًّا وماليًّا بحيث يقوم على تدريب القضاة مع الاستفادة من بعض التجارب في بقية دول العالم الإسلامي.
3- تأهيل القضاة تأهيلاً علميًّا وعمليًّا، بتولية الأصلح فالأصلح؛ حتى يقوموا بدورهم في الدفاع عن الإسلام والمسلمين في ظل الأنظمة القانونية القائمة في البلاد.
4. الالتجاء إلى تقنين فقه الأسرة، ووضع اللوائح والأنظمة لها، بمشاركة العلماء وأهل الخبرة في المجالات المتنوعة من أجل تحقيق التشريع الملائم للمجتمع الكيني.
5. إنشاء مكتبة علمية، وتعيين الباحثين في مجال الشريعة والقانون، ومناقشة السوابق القضائية، مع إصدار مجلة قضائية دورية.
المراجع والمصادر.
أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد، (2004م). سنن الدارقطني، ط1، بيروت: مؤسسة الرسالة.
أبو زهرة محمد، (1377هـ – 1957م). الأحوال الشخصية، ط1، بيروت: دار الفكر العربي.
أحمد نشأت، (2016م). رسالة الإثبات، ط7، القاهرة: دار الفكر العربي.
ترجمة المؤسسة الدولية والانتخابات، (2010م). دستور كينيا، كينيا: تحديث مشروع الدساتير المقارنة.
الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، (2010م). مختصر سنن أبي داود، ط1، الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
الخطيب الشربيني، ( 1997م). مغني المحتاج، ط1، بيروت: دار المعرفة.
الزحيلي وهبة، (1985م). الفقه الإسلامي وأدلته، ط2، دمشق: دار الفكر.
عبد الرحمن محمد ناصر الدين، (2002م). مختصر صحيح الإمام البخاري، ط1، بيروت: مكتبة المعارف للنشر.
عبد الرزاق السنهوري، (1966م). الوجيز في شرح القانون المدني، د.ط، بيروت: دار النهضة العربية.
عبد الكريم زيدان، (1989م). نظام القضاء في الشريعة الإسلامية، ط2، بيروت: مؤسسة الرسالة.
علاء الدين بن أبو بكر مسعود الكاساني، (1402هـ/1982م). بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ط2، بيروت، دار الكتاب العربي.
علي بن محمد حبيب البصري البغدادي الماوردي، (1973م). الأحكام السلطانية، ط2، مصر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي.
محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، (1982م). بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ط2، بيروت: دار المعرفة.
محمد زكي عبدالبر، (د.ت) تقنين الفقه الإسلامي المبدأ والمنهج، د.ط، قطر: إدارة التراث الإسلامي.
محمد عبدالرحمن البكر، (1988م) السلطة القضائية وشخصية القاضي، ط1، مصر: الزهراء للإعلام العربي.
محمد عبدالله النقيرة، (د.ت). انتشار الإسلام في إفريقيا ومناهضة الغرب له، د.م، د.ط.
محيي الدين بن شرف النووي، (د.ت). المجموع شرح المهذب في فقه الشافعية، ط1، جد: مكتبة الإرشاد.
مصطفى السيوطي الرحيباني، (د.ت). مطالب أولي النهى، د.ط، مصر: المكتب الإسلامي.
موفّق الدين ابن قدامة، (1997م) المغنى، د.ط، بيروت: دار عالم الكتب.
نصر فريد محمد واصل، (1977م). السلطة القضائية ونظام القضاء في الإسلام، ط1، مصر: مطبعة الأمانة.
يوسف القرضاوي، (1994م). الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد، ط1، دمشق: مكتبة وهبة.
المراجع الأجنبية والمواثيق:
1) Aid to passing CPs section 1 Law introductory notes past examination Questions fully solved Ashiq Hussein .publisher Heineman Education Books (EA) ltd 1885.
2) Chesworth, J, (2010). Kadhi’s Courts in Kenya: Reactions and Responses. In Islam, African Publics and Religious Values. University of Cape Town, 20 March 2010. Cape Town, South Africa.
3) Hashin, A., (2012). “Shaping of the Sharia Courts: British Policies on Transforming the Kadhi Courts in colonial Zanzibar.” Social Dynamics
Journal Africa Affairs Pwani c Kenya memory document and successions politics in coastal Kenya Justin wills 4/12/2012.
4) Kevin Odembe Wanyoyi, Kadhis court in Kenya thesis submitted in Lund University to attain master in development study, year 2016.
5) Kenya Coastal Strip Agreement between of the United Kingdom, His Highness the Sultan of Zanzibar the Government of Kenya and the Government of Zanzibar London October 1963.
6) Kenya justin wills, pwani c Kenya memory document and successions politicts in coastal (journal Africa Affairs 4/121/2012).
7) Kuria Mwangi, The Application and Development of Sharia in Kenya, 1895-1990, National seminar on contemporary islam in Kenya, 1995 mewa, signal press limited.
الجرائد ومواقع الإنترنت:
Daily Nation Monday May 24/2010 Kadhis Court illegal judge rules
Daily Nation Thursday 5 August/2010 Interim Independent Electoral Commission chairman Ahmed Isaack Hassan during a briefing on the Kenya referendum at the Bomas of Kenya in nairobi, August 4, 2010
http://www.judiciary.go.ke/portal/page/kadhis.
http://www.judiciary.go.ke/portal/page/kadhis Civil appeal Bihija Ali Sempa & another v Bakari Mohammed Motte.
www.mwnuk.co.uk/shari_ah-female-judge-irk-kenya-muslim-html.5/10/2011.
http://www.judiciary.go.ke/portal/page/kadhis Civil appeal no 15 of 2015.HMM v KJD (2014)ekrl
http://www.judiciary.go.ke/portal/page/kadhis Civil appeal no 4 of 2015 Bishar Hassan
ahmed vs Athar Ali mohammed (2016)eKLR.
الاحالات والهوامش:
(*) محاضر جامعة الأمة – جمهورية كينيا
(1) المنذري، الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي، مختصر سنن أبي داود، تحقيق: محمد صبحي بن حسن حلاق، (الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط1، 2010م) ج2، ص 506، رقم الحديث 3430.
(2) ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد، المغني، (بيروت: دار عالم الكتب، د.ط، 1997م)، ج 9، ص 34.
(3) Wanyoyi, Kevin, Kadhis court in Kenya, thesis submitted in Lund University to attain master in development study, year 2016. Pg 14
(4) Cussac, A, (2008).“Muslims and Politics in Kenya: The Issue of the Kadhis’ Courts in the Constitution Review Process”. Journal of Muslim Minority Affairs, 28 (2), 289-302.
(5) Ibid, Wanyoyi, Kevin, pg 15
(6) Kenya justin wills, pwani c Kenya memory document and successions politicts in coastal (journal Africa Affairs 4/121/2012)
(7) Hashin, A., (2012). “Shaping of the Sharia Courts: British Policies on Transforming the Kadhi Courts in colonial Zanzibar.” Social Dynamics, 38(3), pg 385
(8) Kuria Mwangi, The Application and Development of Sharia in Kenya, 1895-1990, National seminar on contemporary islam in Kenya, 1995 mewa, signal press limited, pg 254
(9) Ibid, Kuria Mwangi, pg 254
(10) Kenya Coastal Strip Agreement between of the United Kingdom, His Highness the Sultan of Zanzibar the Government of Kenya and the Government of Zanzibar London October 1963 (The free exercise of any creed or religion wills at all times be safe guarded and, in particular, his highness present subjects who are of the Muslim faith and their descendants will at all times be ensured of complete freedom of worship and the preservation of their own religious buildings and instititutiens.2. The jurisdiction of Chief Kadhis will at all times be preserved and will be extended to the determination of questions of Muslim law relating to personal status in the proceedings in which all parties profess the Muslim religion.3.Administrative officers in predominantly Muslim areas should, so far as is reasonably practicable, themselves be Muslims. In view of the importance of the teaching of Arabic to the maintenance of the Muslim religion, Muslim Children will so far as in reasonably practicable be taught Arabic and for this purpose the present grant iu-aid to Muslim primary schools now established in the coast region will be maintained.
(11) There shall be a Chief Kadhi and such number, not being less than three, of other Kadhis as may be prescribed by or under an Act of Parliament (5) The jurisdiction of a Kadhi’s court shall extend to the determination of questions of Muslim law relating to personal status, marriage, divorce or inheritance in proceedings in which all the parties profess the Muslim religion.
(12) Chesworth, J, (2010). Kadhi’s Courts in Kenya: Reactions and Responses. In Islam, African Publics and Religious Values. University of Cape Town, 20 March 2010. Cape Town, South Africa: National Research Foundation. 3-17. At pp. 5-6. Hereinafter referred to as Chesworth.
(13) Daily Nation Monday May 24/2010 Kadhis Court illegal judge rules
(14) Daily Nation Thursday 5 August/2010 Interim Independent Electoral Commission chairman Ahmed Isaack Hassan during a briefing on the Kenya referendum at the Bomas of Kenya in nairobi, August 4, 2010
(15) ترجمة المؤسسة الدولية والانتخابات، تحديث مشروع الدساتير المقارنة، دستور كينيا الصادر عام 2010م، المادة 170، ص 80.
(16) http://www.judiciary.go.ke/portal/page/kadhis.Seen 4-5-2017.
(17) Law of Kenya,. The ConsTiTuTion of Kenya, 2010, Published by the National Council for Law Reporting with the Authority of the Attorney General, Act 170 “ and submit to the jurisdiction of the Kadhi’s courts” pg 80
(18) محمد زكى عبدالبر، تقنين الفقه الإسلامي المبدأ والمنهج، (قطر: إدارة التراث الإسلامي، د.ت)، ص 8 .
(19) وبهذا الصدد دار الخلاف بين العلماء في مسألة التقنين على النحو الآتي: ذهب فريق من العلماء المعاصرين أمثال: محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ بكر أبو زيد، والشيخ عبد الله عبد الرحمن البسام وغيرهم بأنه “لا يجوز لولي الأمر أن يُلْزِم القاضي بالحكم برأي معين، وحجة هذا الرأي أن القاضي أُمِرَ بأن يحكم بالحق، وهو ما يراه محققًا للعدل؛ قال الله –تعالى-: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ [ص: 26]. والحق لا يتعين في مذهبٍ بعينه، وقد يظهر الحق في غير ذلك المذهب. واستدلوا بقول النبي r: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ، اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ؛ رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ»، بأنَّ الْقَاضِيَ إِذَا اجْتَهَدَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ. وإن المانع من الإثم هو الذي يرى القاضي أنه الحق، والرأي المدون ليس بالضرورة هو رأي الحق في نظر القاضي؛ فإن قضى بخلافه ما عرف أنه الحق أَثِمَ، والنتيجة تلزم منع التقنين.
وذهب فريق من العلماء المعاصرين أمثال: الشيخ صالح بن غصون، والشيخ محمد جبير، والشيخ عبد الله منيع، والدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم إلى جواز تقنين الفقه الإسلامي. مبرِّرين أقوالهم بأن:
– الإجماع يكاد يكون منعقدًا على أن مَن توفرت فيه شروط الاجتهاد من القضاة لا يجوز إلزامه بالحكم بمذهب معيَّن.
– إذا كان القاضي مقلِّدًا كما هو حال أكثر القضاة اليوم؛ فإن إلزام هؤلاء بالحكم بمذهب معين أمر سائغ.
– حاجة المستجدات المعاصرة إلى حكم شرعي يتم بناء عليه التقنين، وترك ذلك لاجتهاد القضاة ليس من الحكمة؛ لكثرة مشاغلهم، وعدم تفرغهم للبحث والاستقصاء في كل مستجد.
– ترك القضاة يحكمون يما يصل إليه اجتهادهم يؤدِّي إلى فوضى واختلاف في الأحكام للقضية الواحدة.
ويرجح الكاتب القول الثاني لأسباب، منها ما يلي: (أ) التيسير على القضاة والمتقاضين في معرفة الحكم الشرعي، خصوصًا وقد أصبح القضاة الآن غير مجتهدين، وغير خافٍ ما يلقاه الباحث في كتب الفقه الإسلامي من عناء لمعرفة الحكم مما يُضيِّع وقت القاضي وجهده في وقت ازدحمت فيه دور المحاكم بالخصومات، وتأخر الفصل فيها على وجه جعل الناس تضجّ بالشكوى منه. (ب) معرفة الحكم ابتداءً حتى يرتب المتعاملون أمورهم عند التعامل على الحكم الذي سيفصل بينهم عند التنازع به.
(20)القرضاوي، يوسف عبدالله، الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد، (دمشق: مكتبة وهبة، ط1، 1994م)، ص49.
(21) أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، أصله من فارس، ومولده بقرطبة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. وكان حافظًا عالمًا بعلوم الحديث وفقهه. ألف في فقه الحديث كتابًا سمَّاه “الإيصال في فهم كتاب الخصال الجامعة”، توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة (انظر: وفيات الأعيان 3/325).
(22) محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريش بن زري الدمشقي، أبو عبد الله شمس الدين ابن قيم الجوزية، ولد في صفر سنة 691هـ – 1292م، وتوفي في رجب سنة 751هـ – 1350م. تتلمذ على كبار العلماء والمحدثين والحفاظ، منهم ابن أبي بكر الدائم، والقاضي تقي الدين سليمان. وقرأ الفقه على شيخه ابن تيمية. ومن مؤلفاته: تهذيب سنن أبي داود، ومدارج السالكين، وإعلام الموقعين. (انظر: الأعلام للزركلي 2/271).
(23) أبو زهرة، محمد أحمد مصطفى، الأحوال الشخصية، (بيروت: دار الفكر العربي، ط1، 1377هـ – 1957م)، ص: 335-337.
(24) السنهوري، عبدالرزاق، الوجيز في شرح القانون المدني، (بيروت: دار النهضة العربية، د.ط، 1966)، ص 630.
(25) أحمد نشأت، رسالة الإثبات، (القاهرة: دار الفكر العربي، ط7، د.ت)، ص 206.
(26) http://www.judiciary.go.ke/portal/page/kadhis Civil appeal Bihija Ali Sempa & another v Bakari Mohammed Motte.Seen 7-5-2017.
(27) المادة 170 من الدستور الحالي لسنة 2010 م: “لا يُعَدُّ أيّ شخص مؤهلاً للتعيين لشغل منصب قاضٍ أو القيام بأعماله ما لم يكن هذا الشخص: معتنقًا للدين الإسلامي؛ (ب). على معرفة بالشريعة الإسلامية التي تنطبق على كل طوائف المسلمين مما يجعله مؤهلاً في رأي مفوضية الخدمات القضائية لتولي منصب قاضي المحكمة”.
(28) القرطبي، محمد بن أحمد بن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، (بيروت: دار المعرفة، ط2، 1982م)، ج2، ص 383.
(29) محمد عبدالرحمن البكر، السلطة القضائية وشخصية القاضي، (مصر: الزهراء للإعلام العربي، ط1، 1988م)، ص321.
(30) الزحيلي، وهبة بن مصطفى، الفقه الإسلامي وأدلته، (دمشق: دار الفكر، ط2، 1985م)، ص 481.
(31) ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد، مرجع سابق، ص 40.
(32) Law of Kenya, Judicial service act Revised Edition 2012 [2011] Published by the National Council for Law Reporting with the Authority of the Attorney-General. Pg 16
(33) ابن قدامة، مرجع سابق، ص 40-41.
(34) https://www.standardmedia.co.ke/article/2000180605/muslims-split-over-new-kadhi-appointments
(35) أبو عبدالرحمن محمد ناصر الدين، مختصر صحيح الإمام البخاري، (بيروت: مكتبة المعارف للنشر، ط1، 2002م)، ج2، ص117، رقم الحديث 85.
(36) النووي، محيي الدين بن شرف، المجموع شرح المهذب في فقه الشافعية، (جد: مكتبة الإرشاد، ط1، د.ت)، ج18، ص 363.
(37) www.mwnuk.co.uk/shari_ah-female-judge-irk-kenya-muslim-html.5/10/2011.
(38) Star, c.j leaves fate of women kadhis to muslim scholars, https://www.the-star.co.ke/news /2012/ 12/19/ cj-leaves-fate-of-women-kadhis-to-muslim-scholars_c718396, Retrived 10/11/2018
(39) http://www.judiciary.go.ke/portal/page/kadhis Civil appeal no 15 of 2015.HMM v KJD (2014)ekrl
(40) دستور كينيا الصادر عام 2010م، المادة 170، ص 80.
(41) Aid to passing CPs section 1 Law introductory notes past examination Questions fully solved Ashiq Hussein .publisher Heineman Education Books (EA) ltd 1885,pg 17
(42) أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد، سنن الدارقطني، (بيروت: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 2004م)، ج5، ص 267، رقم الحديث 4471.
(43) http://www.judiciary.go.ke/portal/page/kadhis Civil appeal no 4 of 2015 Bishar Hassan ahmed vs Athar Ali mohammed (2016)eKLR