رضوى زكريا رضوان
باحثة دكتوراه في كلية الدراسات الإفريقية العليا
(معهد البحوث والدراسات الإفريقية سابقًا) – جامعة القاهرة
يعتبر الأزهر من أهم المؤسسات الدينية والثقافية والعلمية، وأقدمها في العالم الإسلامي قاطبة. فهو مسجد له قداسته، وجامعة لها تميزها، ومنبر له السبق والريادة في الدعوة إلى الله تعالى، وبسببه أصبحت منه مصر العاصمة الثقافية للعالم الإسلامي.
جدير بالذكر أن الأزهر استطاع طوال تاريخه الممتد منذ نشأته وإلى الآن أن يقوم بدور بارز في قارة إفريقيا؛ لما له من عمق تاريخي وصدى كبير ووجود دائم في القارة؛ حيث يعتبر الأزهر أحد الأدوات المؤثرة في الدور المصري في قارة إفريقيا، لا سيما أنه المؤسسة التعليمية والدينية التي يُقبل عليها الطلاب الأفارقة الوافدون إلى مصر. كما ينتشر مبعوثو الأزهر في مناطق مختلفة داخل القارة لتعليم اللغة العربية، ونشر الدين الإسلامي. يضاف إلى ذلك وجود مراكز ومعاهد إسلامية تابعة له منتشرة داخل القارة. ويتميز الأزهر في طرحه لنموذج إسلامي معتدل ووسطي يتلاءم مع المسلمين الأفارقة الذي يصل عددهم نحو نصف عدد سكان القارة.
يمتلك الأزهر زخمًا تاريخيًّا في القارة، كما ساهم علماء الأزهر كثيرًا في حركات الإصلاح المعارضة للاستعمار التي جرت في القارة، خلال القرن التاسع عشر؛ حيث كان زعماؤها من المتصلين بالأزهر والمتأثرين بتعاليمه مثل الحركة المهدية في السودان، والحركة السنوسية في ليبيا، وحركة عثمان بن فودي في غرب إفريقيا. ولعل هذا الدور القوي للأزهر في إفريقيا، جاء انعكاسًا لأدواره المتعددة التي لعبها قبل ثورة يوليو؛ حيث كان بمثابة البيت السياسي الذي يلجأ له المصريون لمواجهة ظلم الحكام؛ حيث برز دور الأزهر في مقاومة الحملة الفرنسية ثم مقاومة الاحتلال الإنجليزي، والمشاركة في ثورة 1919م، وإشعال ثورتي القاهرة “الأولى والثانية”. غير أنه مع ثورة يوليو 1952م، انحسر الدور السياسي للأزهر وتركز دوره في إفريقيا على النواحي الثقافية والتعليمية، سواء باستقبال طلاب لتعليمهم الإسلام واللغة العربية، أو إرسال دعاة أو إنشاء مراكز إسلامية لدعم عملية نشر الإسلام في إفريقيا.
إن دور الأزهر التاريخي بالنسبة لسكان قارة إفريقيا بدأ منذ تحول الأزهر إلى مؤسسة تعليمية؛ حيث كان الأفارقة يأتون للدراسة داخل الأزهر في الأروقة المخصصة لهم؛ حيث يتحلّقون حول شيوخ الأزهر لينهلوا من علومهم ويتزودوا بالعلم والمعرفة.
الأروقة الإفريقية:
لقد خصص الأزهر أروقة للوافدين من طلاب العلم، ووفَّر لهم أيضًا إقامة مستقرة في أروقته، كما خصَّص لهم المرتّبات ليتفرغوا للعلم والمعرفة، ومن أهم هذه الأروقة الخاصة بالأفارقة:
- رواق السنارية: وخُصص للطلبة من سنار.
- رواق الدارفورية: وخُصص للطلبة من دارفور.
- رواق البرنية، وخُصص للطلبة من غرب إفريقيا (ساحل الذهب، السنغال، غينيا، نيجيريا).[1]
- رواق الجبرتية: وخُصص للطلبة من شرق إفريقيا (الحبشة، إرتيريا، الصومال).
- رواق البربر: خُصص للطلبة من موريتانيا والمناطق المجاورة.
- رواق الدكارنة: خُصص للوافدين من منطقة تشاد والمناطق المجاورة.
- رواق المغاربة: خُصص للطلبة من الشمال الإفريقي (تونس، الجزائر، المغرب).
- رواق الفلاته: خُصص لأهل إفريقيا الوسطى.[2]
ولقد كانت لهذه الأروقة دور فريد في عملية التفاعل بين الحضارات والثقافات من خلال قيامها بالترجمة من العربية إلى اللغات المختلفة والعكس[3]. كما كان لكل رواق من هذه الأروقة مكتبة عامرة بالمجلدات العلمية النادرة ليستفيد منها الدارسون. وظلت أعداد الطلبة الوافدين إلى الدراسة بالأزهر محدودة حتى خمسينيات القرن العشرين؛ حيث زادت أعداد الوافدين من القارة بنسبة كبيرة. وكان هؤلاء الطلبة الوافدون يتقلدون في مجتمعاتهم بعد عودتهم لبلادهم المناصب المهمة مثل مناصب القضاء والإفتاء، وغيرها[4].
آليات الأزهر في إفريقيا:
إن للأزهر العديد من الآليات التي يستطيع من خلالها التواصل مع الدول الإفريقية والقيام بدور فعَّال بين أبناء هذه الدول، وذلك من خلال العديد من الطرق.
- الطلبة الوافدون:
يتجه الأزهر لاستقبال عدد من الراغبين في الدراسة فيه من أبناء الدول الإفريقية؛ حيث يقدم لهم عددًا من المنح الدراسية السنوية، ويسهّل إقامتهم من خلال مدينة البعوث الإسلامية التي أُعدت لهذا الغرض. وتتولى إدارة البعوث الإسلامية الإشراف على الطلاب الوافدين للدراسة به، مع تسهيل مهمة إلحاقهم بالمعاهد والكليات الأزهرية وتأهيلهم علميًّا ولغويًّا.[5]
ويلاحظ أن أعداد الطلبة الوافدين من إفريقيا في تزايد عامًا بعد عام؛ حيث كانت حوالي 1260 طالبًا في العام الدراسي 1985-1986م، ثم ارتفع العدد إلى 1820 طالبًا في العام الدراسي 1987-1988م، وارتفع مرة أخرى إلى 2000 طالب في العام الذي يليه، ثم انخفض في عام 1992م إلى 1920 طالبًا، ولكنه آخذ في الازدياد منذ ذلك الوقت. ويشكل الطلاب الأفارقة الذين يعيشون في مدينة البعوث الإسلامية نحو نصف عدد الطلاب، فعلى سبيل المثال كان عددهم (1270 طالبًا من إجمالي 2133 طالبًا في عام 1994م).[6]
جدير بالذكر أيضًا أن الأزهر يقدم العديد من المنح الدراسية للطلاب الأفارقة؛ حيث نجد أن هناك 2436 وافدًا يدرسون بمنح دراسية على حساب الأزهر خلال السنوات الماضية، ووصل عدد الوافدين من غير المتلقين لهذه المنح إلى 6500 طالب[7]. ومن أمثلة هذه المنح: المنح الذي قدمها الأزهر للعام 2017 – 2018، وهي كما يلي:
موريشيوس 5، موزمبيق 14، سوازيلاند 2، الكونغو برازافيل 8، الجابون 7، إفريقيا الوسطى 15، أنجولا 5، ساوتومي وبرنسيب 2، إثيوبيا 20، إرتيريا 25، غانا 8، غينيا بيساو 8، ناميبيا 4، نيجيريا 50، زنجبار 5، توجو 7، جنوب إفريقيا 5، ليسوتو 1، رواندا 22، الكونغو الديموقراطية 20، زامبيا 7، زيمبابوي 5، سيراليون 8، ليبريا 5، مالاوي 12، مالي 22، مدغشقر 2، أوغندا 26، النيجر 17، السنغال 22، جامبيا 8، الكاميرون 10، غينيا الاستوائية 7، غينيا كوناكري 16، كوت ديفوار 8، كينيا 20، بوروندي 25، بنين 8، بوركينا فاسو 20، تشاد 19، تنزانيا 25، الصومال 35، جيبوتي 15، جزر القمر 15، جنوب السودان 25، السودان 100، موريتانيا 20. هذه المنح موزعة ما بين معاهد وكليات نظرية وعملية.[8]
ونجد أنه خلال العام الماضي فقط، بلغ عدد الطلاب من القارة نحو ٤٧٤٨ طالبًا وطالبة، ويبلغ عدد الفتيات منهم ٧٩١ طالبة، من ٣٤ دولة إفريقية وهم أوغندا، النيجر، السنغال، الكاميرون، الكونغو الديمقراطية، الكونغو برازفيل، الجابون، إفريقيا الوسطى، أنجولا، إثيوبيا، بوروندي، إريتريا، بنين، بوركينا فاسو، تشاد، تنزانيا، توجو، جنوب إفريقيا، رواندا، زامبيا، زيمبابوي، سيراليون، غامبيا، غانا، غينيا بيساو، غينيا كوناكري، كوت ديفوار، كينيا، ليبيريا، مالي، مدغشقر، موزمبيق، نيجيريا، مالاوي[9].
نذكر على سبيل المثال، أن عدد طلاب دولة نيجيريا الذين يدرسون بالأزهر نحو ٢٠٣٠ طالبًا وطالبة، يبلغ عدد الفتيات منهم ٤٦٣ طالبة، منهن ٢٦٦ طالبة في الجامعة. ويبلغ عدد طلاب قارة إفريقيا الذين يدرسون في مرحلة الدراسات العليا في الأزهر نحو ٢٥٣ باحثًا من ٣٤ دولة إفريقية[10]. كما يبلغ عدد المتلقين لعلوم الأزهر من تشاد فقط أكثر من 500 طالب بمراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي.[11]
- المؤتمرات العلمية ونشر اللغة العربية:
يعمل الأزهر على الاشتراك بهيئاته المتعددة في المؤتمرات المختلفة التي تنظّمها عددٌ من الجهات العلمية في الخارج، كما يستقبل في المقابل عددًا من العلماء من مختلف الدول الإفريقية للمشاركة في المؤتمرات الذي يقيمها للدراسة والتباحث حول القضايا الإسلامية. هذا فضلاً عن عمل جامعة الأزهر على إبرام الاتفاقيات العلمية والثقافية المتنوعة مع الجامعات الإفريقية، والذي يُعد أهم أهدافها الأساسية تبادل هيئة التدريس وتبادل الخبرة والمِنَح والتعاون مع المراكز المختلفة، وتزويد دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي بالمؤلفات الإسلامية؛ وذلك من خلال مجمع البحوث الإسلامية، فضلاً عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مع تزويد مكتبات المعاهد الدينية بالبلاد الإسلامية والمراكز الإسلامية بالخارج بالمصاحف وعدد من المؤلفات الإسلامية والنشرات والمحاضرات.[12]
كما قام الأزهر بافتتاح قسم اللغات الإفريقية في عام 1967م لتدريس اللغات الأكثر انتشارًا في إفريقيا، السواحيلية والأمهرية في شرق إفريقيا، والهوسا في غرب إفريقيا، واستمر نشاط القسم حتى الآن. وكان الهدف منه هو اكتساب المعرفة عن أدبيات وثقافات الشعوب الإفريقية، وإدخال الإسلام إليها؛ بهدف تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام التي تشوّه الثقافة الإسلامية، وتؤدي إلى التطرف. وقام هذا القسم بعقد مؤتمر أكاديمي حول “الشؤون الإفريقية” في عام 2016م بعنوان “إفريقيا وتواصل الحضارات”. ركزت المحاور الرئيسية على: التاريخ والحضارة والأدب واللغات.
وقد شارك في المؤتمر عددٌ كبير من السفراء والباحثين المصريين والإفريقيين والمهتمين بالشؤون الإفريقية من الجامعات المصرية والإفريقية وخريجين يعملون في وسائل الإعلام، بالتعاون مع منظمة اليونسكو والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي ووزارة التعليم العالي.
وقد شارك بعض موظفي القسم في تنظيم مؤتمرين في عامي 2004 و2006م حول “صورة الثقافة العربية الإسلامية في الكتب المدرسية الأوروبية. وساهم الأفارقة بعدد كبير من الأبحاث لهم، كما شارك أعضاء هيئة التدريس بالبحوث في العديد من المؤتمرات المتعلقة بالشؤون الإفريقية داخل وخارج مصر.[13]
- البعثات والقوافل العلمية:
تعتبر البعثات والقوافل العلمية من أهم آليات الأزهر في إفريقيا، وأكثرها انتشارًا في معظم الدول الإفريقية، والتي من خلالها يستطيع الأزهر نشر الدين الإسلامي واللغة العربية في كثير من البلدان. نلاحظ تنوُّع فئات المبعوثين من الأزهر للخارج ما بين مدرسين لمختلف المواد الدراسية للمراحل التعليمية المختلفة، ووعاظ، وأئمة مساجد، ورؤساء بعثات، وأعضاء مجالس إسلامية، ومبعوثين للدعوة الإسلامية في البلاد غير الإسلامية، حيث يقوم كل هؤلاء بتعليم أحكام الدين الإسلامي لمعتنقيه، ونشر الدين بين مَن لم يعتنقونه بعد.
وتتولى إدارة البحوث الإسلامية التابعة لمجمع البحوث الإسلامية الإشراف على مهمة هؤلاء المبعوثين. كما يقوم المجمع بتمويل وإدارة المعاهد والمراكز الدينية وتزويدها بالمدرسين والكتب[14]. ويلاحظ هنا أن إفريقيا تستأثر بالنصيب الأوفر من عدد المبعوثين على نفقة الأزهر؛ حيث تصل نسبتها إلى نحو 64,5 بالمئة من إجمالي عدد المبعوثين.[15]
نجد أن للأزهر حوالي 562 مبعوثًا موزعين على أكثر من 30 دولة إفريقية لتلبية احتياجات القارة من حيث تخصصات العلوم الشرعية واللغة العربية وبعض التخصصات الثقافية[16]. وقد أرسل مجمع البحوث الإسلامية في عام 2017م، 450 مبعوثًا إلى قارة إفريقيا.[17]
ومثال على هذه البعثات، فإن الأزهر لديه بعثة دائمة في تشاد تضم 48 فردًا، ما بين داعية ومدرس شرعي، يقومون بالتدريس في 3 معاهد أزهرية خالصة، مقسمة على المعهد الأزهري بالعاصمة إنجمينا، ومعهد السلام بمنطقة “أبشه”، ومعهد الأبرار بمنطقة “سار” بالقرب من الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى.
وتقوم هذه البعثة بالوعظ في المساجد يوم الجمعة، كما تُلْقِي الدروس بين العصر والمغرب والعشاء بالمساجد الكبرى يوميًّا، وبسبب نشاط هذه البعثة فإن المئات يدخلون الإسلام طواعية، ويحضرون إلى مقر بعثة الأزهر لإشهار إسلامهم وإتمام الإجراءات الخاصة بالإشهار[18]. ويقدم الأزهر من خلال البعثة المساعدات المتمثلة في الكتب الدينية والتعليمية، والتواصل مع المجتمع الإسلامي في تشاد، بالإضافة إلى تلقين الشهادة للداخلين في الإسلام.[19]
أما في الصومال فيضطلع الأزهر بدور رائد في مجال التعليم ونشر الإسلام الوسطي. وانطلاقًا من هذا الدور قرر شيخ الأزهر زيادة المنح التعليمية الأزهرية للصومال لتصل إلى 10 منح بالكليات العملية، إضافة إلى زيادة الدعم الخاص بإرسال العلماء وتدريب الدعاة والأئمة؛ وذلك بالتعاون مع وزارة الخارجية المصرية التي تهدف إلى تقوية التواصل مع مختلف الجهات الإسلامية في العالم.[20]
ولقد كانت القوافل هي العامل الثاني بعد البعثات، التي كان يعتمد عليها الأزهر في التواصل مع إفريقيا، فبدأ الأزهر في تسيير القوافل إلى القارة، والتي بدأها بقوافل دعوية في السنوات الماضية، ثم جاءت قافلة السلام الأولى وقافلة السلام الثانية[21]، ويعتبر الأزهر هذه القوافل جزء من دوره ورسالته في القارة.
ولقد قامت تلك القوافل بعمل بعض الندوات لنشر ثقافة التسامح والسلام والعيش المشترك بين أبناء إفريقيا، والوقوف على احتياجات المسلمين هناك من الناحيتين التعليمية والدعوية، والعمل على زيادة المنح الدراسية بالأزهر والمساهمة في ترميم المساجد والمعاهد التي دمرتها الحرب الأهلية في القارة.[22]
- المعاهد والمراكز التعليمية:
إن للأزهر 23 معهدًا خارجيًّا، من بينهم 16 في إفريقيا وفق برتوكول تعاون بين مصر وهذه الدول. ويركز الأزهر في هذه المعاهد على إعداد المناهج الدراسية، وتقديم المدرسين في العلوم الشرعية واللغة العربية.[23]
ولقد تم في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي إنشاء 3 معاهد أزهرية بتشاد، 3 معاهد أزهرية بنيجيريا، معهد أزهري بجيبوتي، معهد أزهري بالنيجر، معهد أزهري بجنوب إفريقيا، معهدان في الصومال، معهد أزهري في تنزانيا وكينيا وإريتريا، ويعمل كل معهد من هذه المعاهد بمستوى المراحل التعليمية الأزهرية الثلاث؛ الابتدائية والإعدادية والثانوية.[24]
فعلى سبيل المثال نجد أنه في جنوب إفريقيا العديد من المعاهد التابعة للأزهر، في كل من جوهانسبرج وديربان وكيب تاون. منها، معهد ديربان الابتدائي الأزهري والمدرسة الثانوية للبنات بديربان. وتلعب هذه المعاهد الأزهرية والمدارس دورًا مهمًّا في جنوب إفريقيا لتعليم الأطفال غير الناطقين بالعربية اللغة العربية، بالإضافة إلى تعاليم الإسلام الوسطية التي يمثلها الأزهر الشريف. ويبلغ عدد علماء الأزهر في جنوب إفريقيا حوالي 42 عالمًا يعملون ويشرفون على خمسة معاهد أزهرية في ثلاث مدن رئيسية بالبلاد تضم 850 طالبًا، وفي المقابل يوجد 85 طالبًا من جنوب إفريقيا يدرسون في الأزهر الشريف في مصر. وتعتبر تجربة المعاهد الأزهرية في جنوب إفريقيا ناجحة للغاية، خاصة أنها تقوم على نهج وزارة التعليم لجنوب إفريقيا باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى منهج الأزهر الشريف باللغة العربية الذي يسهم بإيفاد علمائه للإشراف عليه وتدريس المنهج الأزهري.[25]
أما عن أهم المعاهد الأزهرية في الصومال فيعد “معهد قرضو” من أهم هذه المؤسسات الثقافية والعلمية التي تهدف إلى تعليم اللغة العربية ونشر الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية في المجتمع الصومالي.[26]
- دورات تدريبية:
في هذا الإطار تعمل المنظمة العالمية لخريجي الأزهر على احتضان أئمة ودعاة العالم، من خلال عقد دورات علمية متخصصة؛ حيث يخضع المتدربون لبرنامج تدريبي، يُؤهلهم لتفكيك الفكر المتطرف. يُحاضر فيها كبار علماء الأزهر، الذين يعكفون على تصحيح المفاهيم المغلوطة حول بعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وبيان أدوات الفهم الرشيد للقرآن الكريم، وأصول الفتوى، وضوابط توثيق الحديث الشريف، وملامح الفقه، وتحديد سبل مواجهة الفكر التكفيري، والتشدد الديني، وإحياء ثقافة المواطنة والتعايش السلمي، وغيرها.
ولقد اختتمت فعاليات دورتين تدريبيتين لـ51 متدربًا من أئمة ووعاظ العالم الإسلامي بدول السنغال ونيجيريا وكينيا وجزر القمر، في شهر فبراير من عام 2018م، تضمنت العلوم الإسلامية والحاسب الآلي والتنمية البشرية، بهدف الرد على الشبهات وإقناع المتطرفين بالتخلي عن أفكارهم المنحرفة، ومواجهة التيارات المتطرفة، وتحصين الشباب من استقطاب التنظيمات الإرهابية.[27]
كما عقدت المنظمة خلال عام 2018م دورات تدريبية لعدد 125 إمامًا وداعية من جنسيات: جزر القمر، السنغال، تشاد، إفريقيا الوسطى، إندونيسيا، ليبيا، المكسيك، أمريكا، الهند، باكستان، رواندا، بهدف ترسيخ وسطية المنهج الأزهري ونقل الفكر الوسطي إلى العاملين بالمجال الدعوي من الدول المختلفة. وطالبت المنظمة الأئمة والوعاظ، الالتزام بالمنهج الأزهري دعوة وسلوكًا في مواجهة التيارات المتطرفة، وبأن يكونوا خير سفراء للأزهر الشريف وممثلين لمنهجه حمايةً لمجتمعاتهم.
يعقد الأزهر أيضًا دورة على مدار شهرين لتدريب 60 من الأئمة الأفارقة، مع إهدائهم مكتبة قيمة في نهاية كل دورة. ولقد انتهت الدورة السادسة في 31 ديسمبر 2018م وشملت إعداد 114 خطيبًا.[28]
ونجد أيضًا أنه للمنظمة العديد من الفروع داخل قارة إفريقيا؛ حيث إن لها فروعًا في كل من الصومال، السودان، تشاد، جزر القمر، مالي، كينيا، جنوب إفريقيا، تنزانيا، رواندا، كوت ديفوار. وفرع تحت التأسيس في نيجيريا.[29]
جدير بالذكر أن جامعة الأزهر تحرص دائمًا على عقد اتفاقيات علمية وثقافية مع جامعات إفريقية. تضمنت عقد دورات تدريبية وتثقيفية لأئمة المساجد والشيوخ في بعض الدول بإفريقيا؛ وذلك بالتعاون مع مركز توني بلير البريطاني.[30]
- البعثات الطبية وبعثات الإغاثة:
يتشرف الأزهر الشريف بتقديمه أنشطة مختلفة لكل دول إفريقيا على مختلف العصور، مثل إرسال البعثات التعليمية والثقافية في مختلف العلوم والمعارف، وإرسال القوافل الطبية والمساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة. حيث بلغ عدد القوافل الطبية منذ عام 2011 إلى فبراير 2018م ثلاث عشرة قافلة، قُدمت إلى سبع دول إفريقية، (السودان، النيجر، الصومال، تشاد، إفريقيا الوسطى، نيجيريا، بوركينا فاسو)، شارك فيها (124) طبيبًا، ووصل عدد المرضى إلى: (61385) مريضًا، ووصل عدد العمليات إلى (1430) عملية، ووصل وزن الأدوية إلى (17) طنًّا. أما عن الإغاثة والمساعدات الإنسانية فقد وصلت إلى أربع قوافل إغاثة في السنتين الأخيرتين بمساعدات وزنت سبعين طنًّا إلى (تشاد، إفريقيا الوسطى، نيجيريا، الصومال).[31]
ففي يوليو من عام 2017م، أرسل الأزهر قافلة دعوية وإغاثية إلى «إنجمينا» عاصمة دولة تشاد، وكان من أبرز أعمالها عقد جلسة حوارٍ مفتوحٍ باللغة الفرنسية مع ممثلي هيئة الإذاعة والتليفزيون التشادية، وبعض الصحفيين، وكذلك إلقاء محاضرات بحضور آلاف المواطنين عن ثقافة السلام في الإسلام[32].
وتتوالى القوافل الطبية التي يرسلها الأزهر الشريف إلى البلدان الإفريقية على مدى عقود طويلة، وقد لا يتسع المقام للتعرض للقوافل التي أرسلها الأزهر، ولكن على سبيل المثال أرسل قافلة طبية إلى ولاية أبشي بدولة تشاد، اختتمت أعمالها بتوقيع الكشف الطبي وتقديم العلاج لنحو 15 ألف حالة مَرَضية في 13 تخصصًا، كما أجرت قرابة (300) عملية جراحية مختلفة، وساهمت القافلة بشكل فعَّال في تقديم الخدمات الطبية المتكاملة، وبشكل مجاني للأهالي؛ حيث ضمت نخبة من أكفأ الأطباء بكليات الطب بجامعة الأزهر بكافة التخصصات.[33]
ونجحت القافلة التي أرسلها الأزهر إلى بوركينافاسو في فبراير 2018م، التي استمرت حوالي 10 أيام، في إجراء 401 عملية جراحية، وتوقيع الكشف الطبي على 22700 حالة مرضية، تم صرف العلاج لهم بالمجان. وشارك في القافلة 24 طبيبًا من أساتذة طب الأزهر، في 14 تخصصًا، بالإضافة إلى طاقم من الممرضين والإداريين. كما اصطحبت القافلة 6 أطنان من الأدوية والمستلزمات الطبية، تم صرفها كاملة بالمجان.[34]
وكان آخر تلك القوافل: القافلة التي قرر شيخ الأزهر تسييرها إلى تشاد، وهي القافلة الثالثة، والتي تستهدف المناطق الأكثر فقرًا هناك؛ حيث عملت القافلة الأولى التي تم تسييرها عام 2017م في أنحاء العاصمة الفقيرة أنجمينا، بينما توجهت القافلة الثانية لولاية أبشي، فيما يتركز عمل القافلة الثالثة بولاية وادي فير، التي تضم ثلاثة أقاليم هي: بيلتين، ودار تاما، وكوبي[35]. وتقرر تسيير القافلة الجديدة في شهر أبريل 2018م بعد تجهيزها بكافة المؤن. وضمت القافلة طاقمًا طبيًّا مكوّنًا من ٢٤ طبيبًا من أساتذة طب الأزهر في 14 تخصصًا، تشمل العظام والباطنة والرمد والصدر، والأنف والأذن والحنجرة والأطفال، والجراحة، والجلدية والأسنان، والمسالك البولية وأمراض النساء، والمخ والأعصاب والتخدير، بالإضافة لطاقمٍ من الصيادلة والممرضين.[36]
دور الأزهر في مكافحة الإرهاب والتطرف:
إن للأزهر الشريف أهمية بالغة في مكافحة الفكر الإرهابي والتطرف في القارة، باعتباره مؤسسة إسلامية كبيره ذات تاريخ عريق في نشر الإسلام الوسطي في القارة. ولذا فقد قام الأزهر الشريف من خلال “مرصد الأزهر لمكافحة التطرف” بنشر صحيح الدِّين، ورصد كل الممارسات التي تضر الإنسان، ثم يرد عليها ويصحِّحها بإحدى عشرة لغة. كما يهتم برصد الأفكار الإرهابية في العالم، ويحذِّر الشباب من الأفكار الخاطئة، كما أن له دورًا واضحًا في محاربة التطرف والإرهاب بكل الوسائل، ومنها الوسائل الإلكترونية.[37]
كما قام الأزهر أيضًا من خلال مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية في عام 2017م، بمحاربة التطرف والإرهاب، مع تجديد الخطاب الديني؛ حيث شهد هذا العام تطويرًا كبيرًا في آليات عمل المركز واستحداث آليات أخرى بهدف الوصول لأكبر قطاع ممكن من المستهدفين، وكان هذا المرصد يعمل منذ إنشائه بالعديد من اللغات الحية؛ مثل الإنجليزية والفرنسية، والألمانية والإسبانية والأوردية والفارسية، بالإضافة إلى اللغات الإفريقية.
وقام المركز بإطلاق عدد من الحملات التوعوية عبر صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها حملة باللغة السواحيلية بعنوان: “فلنتعرف على حقيقة الإسلام” بهدف توعية الشباب الناطق بالسواحيلية بحقيقة الدين ومبادئه السمحة ونفي ما يردده المتطرفون من حركة الشباب الصومالية وغيرها من مزاعم وادعاءات.[38]
وفي الوقت الذي غفلت فيه دول عظمى ومنظمات دولية عن الأزمة في إفريقيا الوسطى[39]، لم يقف الأزهر مكتوف الأيدي إزاء هذا الوضع المأساوي، بل بادر بالتدخل والوساطة لحلّ الأزمة بين الأطراف المتصارعة بالبلاد من خلال وفد أزهري رفيع المستوى التقى بشخصيات محورية في الصراع الدائر، كما التقى بعدد من صُنّاع القرار ساعيًا للتقريب بين وجهات النظر وتحقيق مصالحة وطنية تحقق السلام المنشود لكافة الأطراف، ومحاولة التوصل لاتفاق سلام بين أطرف الصراع. كما أرسل الأزهر بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين قافلة السلام لعاصمة إفريقيا الوسطى “بانجي” خلال شهر يونيو عام 2015م؛ حيث عقدت القافلة عددًا من الأنشطة والفاعليات واللقاءات من أجل تحقيق مصالحة وطنية، ونَبْذ الفُرْقَة بين أبناء الشعب من المسلمين والمسيحيين، وكذلك رفع المعاناة عن المسلمين الواقعين تحت اضطهاد وعنف جماعة أنتي بالاكا المسيحية المتشددة. والتأكيد في الوقت نفسه على أن الإسلام لا يدعو لمواجهة العنف بالعنف.[40]
من جهة أخرى، وبعد تزايد خطر جماعة بوكو حرام على الأمن في منطقة غرب إفريقيا قاطبةً وليس نيجيريا فحسب بسرعة كبيرة، كان الأزهر على قدر الحدث؛ إذ دخل في مواجهة فكرية مع تلك الجماعات، حرب خاضها الأزهر الشريف من خلال مرصده لمكافحة التطرّف، فأخذ على عاتقه تفنيد مزاعم بوكو حرام، والرد على ما يثيره أنصارها من شبهات فاسدة ومزاعم باطلة، وتوجيه النصح والتوعية اللازمة للشباب الذي تستهدف هذه الجماعة ونظيراتها استقطابه للانضمام إلى صفوفها، ليكونوا بذلك ضاعفوا مكاسبهم؛ أضاعوا الشباب، واستغلوا حماسهم في تغذيتهم بالأفكار الشاذّة المتطرّفة وتحقيق أهداف خبيثة، لا علاقة لها بإقامة دين ولا تطبيق شريعة. وخلال هذه الحرب الضروس قام مرصد الأزهر بإعداد مجموعة من التقارير بهدف كَشْف هذه الجماعة وبيان حقيقتها، والعمل على توضيح الإسلام في صورته السمحة ومبادئه القويمة التي تدعو للحفاظ على الإنسان وكرامته، لا كما يعمل هؤلاء المتطرفون من امتهان لكرامة الإنسان.
الأمر ذاته حدث حيال حركة الشباب الصومالية التي تنشط بشكل ملحوظ في دول شرق إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي؛ حيث لم يكن الأزهر في معزل عن الأحداث، بل كان يؤازر المتضررين، ويواسي المنكوبين، ويعمل على توعية الشباب التي تستهدفه الحركة، لا سيما في كينيا والصومال، بمخاطر الانخراط في هذه الحركة؛ من خلال العمل على كشف ضلال هذه الحركة، وبيان موقف الإسلام منها. وقد عمل الأزهر ولا يزال من خلال مرصده على تفنيد دعاوى هذه الحركة.[41]
اللجان الخاصة بإفريقيا:
قرر شيخ الأزهر بحلول نهاية عام 2018م، تشكيل لجنة مختصة بالشؤون الإفريقية بالأزهر. وتختص هذه اللجنة، بالعمل على وضع البرامج والخطط والأنشطة التي من شأنها تدعيم أبناء وشعوب القارة الإفريقية، من خلال بحث زيادة المنح المقدمة للطلاب الأفارقة الدارسين في الأزهرـ وزيادة أعداد المبعوثين من المدرسين إلى دول إفريقيا، وتكثيف البرامج التدريبية لتأهيل الأئمة والوعاظ بها. بالتوازي مع القوافل الدعوية التي يرسلها الأزهر لمواجهة الأفكار المتطرفة التي تبثها الجماعات المتشددة، ونشر الفكر الوسطي. فضلاً عن تسيير القوافل الإغاثية والطبية للدول الإفريقية الأشد احتياجًا. والعمل على ترتيب عدة زيارات خارجية لشيخ الأزهر إلى غرب إفريقيا، وبحث إمكانية افتتاح مراكز لتعليم اللغة العربية بها، وتبادل الزيارات بين المؤسسات التعليمية والدعوية في الأزهر ودول إفريقيا.[42]
شخصيات إفريقية مهمة درست في الأزهر:
يفتح الأزهر الشريف أبوابه لكل من أراد تحصيل العلوم فيه من أبناء القارة الإفريقية، ولقد درس في الأزهر الشريف على مرّ العصور الكثير من الشخصيات الإفريقية التي أصبح لها شأن كبير عند العودة إلى بلادهم، من أمثلة هؤلاء:
الصومال
تتضمن قائمة خريجي الأزهر من الصومال، كلاً من: شيري جامع أحمد، مؤسِّس أول مجلة وطنية صومالية بعنوان “ضوء المعرفة والتعليم”. أيضًا محمد حاج مختار حسن وهو كاتب ومؤرخ، يقيم بالولايات المتحدة الأمريكية ويعمل أستاذًا للتاريخ بجامعة سفانا بولاية جورجيا، ومن أعماله: “تاريخ الاستعمار الإيطالي في الصومال حتى عام 1908م”، ورسالة ماجستير في التاريخ الحديث مقدمة إلى جامعة الأزهر عام 1973م.
تشاد
الدكتور عبد الرحيم يونس رئيس حزب الوسط ووزير الثروة الحيوانية، وكان وزيرًا للتربية والتعليم، ووزيرًا للشباب والرياضة سابقًا. أيضًا هناك الحاج فضل الأزهري، وهو المستشار التجاري بسفارة تشاد بالقاهرة، وكان المستشار الثقافي سابقًا.
جنوب إفريقيا
الشيخ عبد الحميد خبير، سفير سابق لجنوب إفريقيا في السعودية واليمن والبحرين.
جزر القمر
سعد إبراهيم، المستشار الديني لدولة جزر القمر.[43]
كينيا
عبد الرحمن ديقو جهاد مدرس في معهد إسلامي في بريطانيا.
نيجيري
أحمد محمد أبوبكر إمام وخطيب ومدرس.[44]
آراء الأفارقة في الأزهر:
يأتي العديد من الطلاب الوافدين من شتى دول إفريقيا إلى مصر هادفين إلى الدراسة بمؤسسة الأزهر الشريف التي يعتبرونها مرجعًا عالميًّا للإسلام ومنبرًا فكريًّا يستنيرون به لتصحيح الأخطاء في شتَّى مجالات الحياة.
كما أن قادة بعض الدول الإفريقية تخرجوا في تلك الجامعة التي تُعبِّر لهم عن قدسية تعليم الإسلام، وتعد منبرًا للعقيدة ببلادهم، وأجيال وراء أجيال يوصي أهل تلك البلاد في القارة الإفريقية أبناءهم بالدراسة والتخرج في تلك الجامعة، مثلما فعل آباؤهم وقادتهم من قبل شاكرين علماءه الذين يسخرون كل شيء لخدمتهم من تعليم وتنوير وتوجيه، وهذه بعض الأمثلة آراء الطلاب الأفارقة في الأزهر:
حيث قال أحد الطلاب من دولة نيجيريا: إن الأزهر دائمًا يحافظ على منهج الوسطية ونشر الفكر الوسطي الميسر الذي يحترم الإنسانية والشريعة، ويعالج الأفكار المتطرفة، ويقف بالمرصاد ضد الإرهاب الذي انتشر في العالم.
كما قال طالب آخر من دولة تنزانيا وهو طالب بكلية الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن الأزهر ينشر الدعوة والعلم في جميع أنحاء العالم بمختلف المجالات حسب ما تتضمنه الشريعة الإسلامية، وأضاف أن الأزهر يهتم بشئون الطلاب الأفارقة في الجامعة من دراسة وتسكين وتسهيل كل العقبات أمامهم.
وأفاد طالب ثالث من دولة بوركينا فاسو، وهو طالب بمنحة من الأزهر الشريف: “إنني أرى مذهب الأزهر الشريف وسطيًّا، ومنذ قدومي والتحاقي بالمنحة لم يصعب عليّ أيّ شيء، بالعكس فإني أطلع على الجديد والتطوير في الدراسة والعلم الذي يوضح الحقائق ويربط الإنسان بعقيدته والشريعة التي تحترم الإنسانية والحقوق”.[45]
وقال المدير العام المساعد لإذاعة موريتانيا صالح دهماش: “إن للأزهر مكانة خاصة في موريتانيا، وذلك بسبب دوره الممتد عبر الزمان، مكانته التي تكاد تصل إلى حد التقديس باعتباره القلعة الحصينة والركن المتين في الذود عن الإسلام بمفهومه الصحيح البعيد عن التعصب والتشدد، والمدافع الرئيسي عن الشريعة الإسلامية في مواجهة الأدعياء والجهلاء وأنصاف العلماء والمغرضين”.[46]
واقع الأزهر في إفريقيا:
يعد الأزهر الشريف من أهم وسائل الاتصال بين مصر وقارة إفريقيا على مدار عقود طويلة، ويمكن رصدها في العصر الحديث بدءًا من عام 1954م في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، من خلال قيام مصر بإرسال بعثات إلى القارة الإفريقية واستقبال طلاب العلم. مما جعل للأزهر مكانة كبيرة داخل القارة الإفريقية. ولكن تراجع هذا الدور تزامنًا مع انتشار عدد من الجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام وحركة الشباب الجهادي في الصومال.
حيث نجد العديد من الإحصائيات التي تكشف تراجع دور الأزهر في إفريقيا على مدار السنوات الماضية، مثال على ذلك، نجد أن عدد المبعوثين للبلاد الإفريقية في عام 1971 – 1972م كان يقارب 1500 مبعوث، بينما أحدث الإحصائيات الصادرة عن مبعوثي الأزهر في إفريقيا تكشف عن أنها 75% من حجم البعثات الخارجية، وعددهم 1320 مبعوثًا مقسمين على عشرين دولة، وهو عدد قليل بعد كل العقود الطويلة التي مرت على بداية العمل الدعوي في إفريقيا.
تكشف المقارنة بين الإحصائيتين عن أن جهود الأزهر في إفريقيا لم تتطور مثلما كان متوقعًا حدوثه مع مرور الوقت، بل على العكس، أصبح هناك تراجعًا ملحوظًا نسبيًّا، إضافة إلى ظهور عدد من السلبيات التي تم رصدها في دور الأزهر في إفريقيا. منها تركز الدعوة على دول دون غيرها، ولعل أبرز مثال هو دولة إثيوبيا التي تم تجاهلها من قبل الأزهر، سواء بعدم إرسال بعثات أو الاهتمام بنشر صحيح الدين الإسلامي بها.
ولقد أكد الدكتور عبد العزيز النجار مسئول الدعوة في الأزهر، أن الدور التاريخي للجامعة يحتاج لتدعيم أكبر في إفريقيا؛ نظرًا للمكانة العالية للأزهر في قلوب أبناء القارة، وهو ما يتطلب التركيز على الجانب الدعوي من خلال إرسال نخبة من العلماء المتميزين والمؤهلين إلى القارة. وأيضًا زيادة البعثات لطلاب العلم من دول إفريقيا في الأزهر.
فيما يرى الشيخ عبد الغني هندي مؤسس الحركة الشعبية لاستقلال الأزهر، أن للأزهر دورًا بالفعل داخل القارة الإفريقية حاليًا، لكنه تراجع بشكل ملحوظ بالقياس لما كان عليه في الماضي. وأضاف أن الأزهر كان يدفع رسوم للطلاب الأفارقة عندما أنشأ أول معهدين في الخرطوم وأوغندا كنوع من المساعدة له حتى يقوموا بدراسة تعاليم الدين الإسلامي. وقد أشار أيضًا إلى أن تراجع دور الأزهر في إفريقيا سمح بانتشار الجماعات المتطرفة داخل القارة[47].
هذا الواقع الذي وصل إليه دور الأزهر في إفريقيا كان نتيجة العديد من الأسباب والمعوقات التي عملت على تراجع دور الأزهر وفاعليته في القارة. خاصة إذا علمنا أن 65% من الطلاب الوافدين للدراسة بالأزهر هم من الأفارقة، كما أن 75% من المبعوثين الأزهريين للعالم يذهبون إلى قارة إفريقيا. من هذه المعوقات:
- ليس هناك ثمة معيار محدد لتوزيع الطلاب الوافدين على التخصصات المختلفة، أو على تخصيص أعداد محددة للطلاب الأفارقة، وهو ما يمثل ضعفًا من اللازم تداركه. حيث نجد أن غالبية المنح التي يقدمها الأزهر للطلاب الأفارقة تنصرف إلى دراسة العلوم الشرعية، وهي على أهميتها، إلا أنها لا تعبر عن الوفاء باحتياجات التنمية الاقتصادية في الدول الإفريقية من جهة، ثم إنها لا تحقق للطالب طموحاته العملية المستقبلية من جهة ثانية، وبالتالي فإن الخريج لن يكون عنصرًا فاعلاً في مجتمعه بالصورة التي تخدم مستقبل بلاده. ومن الملاحظ أيضًا أن هناك افتقادًا كبيرًا للوعي بكيفية التعامل مع الأفارقة، من حيث اللغة، ومن حيث عدم المعرفة بالعادات والتقاليد الخاصة بالدول الإفريقية. أضف إلى ما تقدم فإن جهل المبعوثين الأزهريين الموفدين لإفريقيا بلغات وعادات هذه الشعوب إنما يقعدهم عن ممارسة أي دور حقيقي، بل غالبًا ما قد يؤدي ذلك إلى تأثير عكسي.[48]
- غياب الثقافة الإفريقية؛ حيث نجد بعض الشكاوى من الطلاب الأفارقة بغياب ثقافاتهم المحلية، وهيمنة الثقافة والتاريخ المصري على المناهج الشرعية والدينية، فالطالب الإفريقي مثله مثل الآسيوي والمصري يدرس مناهج متشابهة. وحتى إذا دافع البعض بأن هذه المناهج دينية عامة، إلا أنه لا بد من مراعاة أن الداعية المتخرج يذهب إلى بلاده ليجد واقعًا قد لا يتواءم مع ما درسه، وبالتالي فإدخال مواد دراسية خاصة بالثقافات الإفريقية، وعلاقتها بالدين قد تيسر للمتخرج عمله حين يعود لبلاده.
- وفي الوقت الذي يقبل الأزهر قدوم طالبات للدراسة، وذلك خلافًا لمؤسسات أخرى في العالم الإسلامي التي تطلب وجود محرم، إلا أن هذه الميزة النسبية لا تُفَعَّل بالقدر المطلوب، فلا يزيد نسبة الطالبات عن 10% من إجمالي الأفارقة الذين يأتون إلى مصر للدراسة بالأزهر.
ورغم كل هذه المعوقات، فإن الأزهر لا يزال عليه إقبال من الطلاب الأفارقة أكثر من الجامعات التعليمية المصرية؛ حيث يحوز على 70% من إجمالي الطلاب القادمين إلى مصر، بل إن عدد الطلاب يزداد من عام إلى آخر وفقًا للدراسات، فأعداد الطلاب الأفارقة في الأزهر أواخر الثمانينيات من القرن العشرين بلغ ألفي طالب، إلا أن هذا العدد ارتفع في عام 2003م ليصل إلى خمسة آلاف طالب.
وهناك معوقات أخرى تواجه المبعوثين إلى الدول الإفريقية، منها:
- عدم معرفة لغة البلدان الإفريقية التي يسافرون إليها، فمعظم المعارين من الدعاة ضعاف في اللغتين الفرنسية أو الإنجليزية اللهم إلا عدد قليل منهم. بالإضافة إلى عدم إدراكهم أو فهمهم لعادات الشعوب الإفريقية وثقافتها أو حتى إلمامهم بطبيعة الأوضاع السياسية في هذه البلدان. ويخلق هذا الأمر فجوة وعزلة في آنٍ واحدٍ بين الداعية المصري والمجتمع الإفريقي.
- رغم أن إفريقيا تحوز على 75% من إجمالي المبعوثين من الأزهر إلى العالم، فإن المشكلة هنا تركزهم في الغرب والوسط الإفريقي، وبعض بلدان القرن الإفريقي مثل السودان والصومال. ويعود ذلك لأسباب سياسية واجتماعية وتاريخية، فالغرب الإفريقي معظم دوله تدين بالإسلام ومُحِبَّة للغة العربية، كما أن لديهم علاقات تاريخية مع مصر منذ أيام مكافحة الاستعمار. وأيضًا لعب انتشار الطرق الصوفية في هذه المنطقة دورًا في التواصل مع الأزهر. غير أن هناك مناطق في إفريقيا يقل فيها تركز الأزهر، رغم عظم المصالح المصرية فيها مثل إثيوبيا التي يوجد بها مسلمون لا تقل نسبتهم عن 40%، وهو ما يبرره البعض بضعف الميزانية المخصصة لنشاط الأزهر في إفريقيا.[49]
مستقبل الأزهر في إفريقيا:
يجب على الأزهر الشريف في مستقبله في التعامل مع الدول الإفريقية: إصلاح جميع الأخطاء التي كانت موجودة طوال السنوات الماضية، والتي أدت إلى تراجع دوره داخل القارة.. فيجب على الأزهر الشريف بجميع آلياته أن يكون له وجود قوي في القارة الإفريقية من خلال البعثات المرسلة من الأزهر للدول الإفريقية. ويجب أن يكون هؤلاء المبعوثون على أعلى مستوى من الكفاءة؛ حيث يجب تدريبهم على لغات البلاد التي يذهبون إليها، وأيضًا يجب أن يكون لديهم إلمام بتاريخ هذه الدول، وطريقة التعامل مع مجتمعات هذه الدول، حتى يتسنى لهم نشر رسالة الأزهر في هذه البلدان على الوجه الأكمل.
كما يجب على الأزهر في المرحلة القادمة مواجهة الحركات المتطرفة في القارة بحزم أكبر، وبحجج أقوى؛ حتى يستطيع الأزهر مواجهة وتفتيت هذه الحركات، وحتى يأمن شباب دول القارة من الوقوع في براثن هذه الجماعات، وذلك من خلال تكثيف نشر الدين الإسلامي الوسطي السمح، وترسيخ قيم الإسلام والتعايش والمواطنة.
كما أنه يجب على الأزهر العمل على تجديد الخطاب الديني الموجهة إلى قارة إفريقيا، وإحداث ثورة تجديدية على مستوى الأفكار والمفاهيم، لإحداث نقله نوعية في الوعي الإفريقي، مما يؤدي إلى تغيير في المفاهيم والتوجهات في القارة خصوصًا مع انتشار الجماعات المتطرفة بها، وحتى تستطيع الدول الإفريقية مواجهة الإرهاب الذي تنشره هذه الجماعات.
كما أرى أنه يجب زيادة المنح المقدمة من الأزهر لأبناء الدول الإفريقية، وزيادة البرامج التدريبية للأئمة والوعاظ الأفارقة بهدف نشر رسالة الأزهر داخل أكبر عدد من الدول الإفريقية، وأيضًا زيادة القوافل الدعوية من ناحية وقوافل الإغاثة من ناحية أخرى للدول المنكوبة لمساعدتها على تخطّي المِحَن التي تمرّ بها.
[1] – شوقي عطا الله الجمل، الأزهر ودورة السياسي والحضاري في إفريقيا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988، ص 44.
[2] – المرجع السابق، ص 45.
[3] – كلمة رئيس جامعة الأزهر أمام وفد تصنيف الاتحاد الإفريقي 16/7/ 2017م إسلام السيد: http://www.taleemgate.com .
[4] – شوقي عطا الله الجمل، مرجع سابق، ص 52.
[5] – الدور السياسي للأزهر من 1952 – 1981م، ماجدة علي صالح، مركز البحوث والدراسات السياسية، القاهرة، 1992، ص 328.
[6] – إفريقيا حصاد عام من التطورات السياسية والاقتصادية في القارة (2016 – 2017)، الجمعية العلمية للشون الإفريقية، الإصدار الأول، ابريل 2017، ص 132 – 133.
[7] – كشف حساب للأزهر في البرلمان.. خطة إفريقيا كاملة 22/12/ 2018م: http://www.soutalomma.com
[8] – إفريقيا حصاد عام من التطورات السياسية والاقتصادية في القارة (2016 – 2017)، مرجع سابق، ص 148 – 150.
[9] – ملف خاص…. الأزهر سيد سفراء مصر30/3/ 2018م: www.albawabhnews.com
[10] – 1532 إجمالي المنح الدراسية المقدمة من الأزهر الى دول العالم 5/5/ 2017م: http://www.azhar.eg
[11] – رئيس بعثة الأزهر بتشاد: المئات يدخلون الإسلام طواعية 26/3/ 2017م: www.almasryalyoum.com
[12] – الدور السياسي للأزهر 1652 – 1981، مرجع سابق، ص 333 – 334.
[13] – Al-Azhar in Africa. 2017 http://www.azhar.edu.eg
[14] – الدور السياسي للأزهر 1652 – 1981، مرجع سابق، ص 323.
[15] – إفريقيا حصاد عام من التطورات السياسية والاقتصادية في القارة (2016 – 2017)، مرجع سابق، ص 133.
[16] – كشف حساب للأزهر في البرلمان… خطة إفريقيا كاملة 22/12/ 2018م: http://www.soutalomma.com
[17] – الأزهر الشريف في 2017م انفتاح على العالم ودفاع عن الأمة 24/12/2017م: http://www.azhar.eg
[18] – رئيس بعثة الأزهر بتشاد: المئات يدخلون الإسلام طواعية 26/3/2017م: www.almasryalyoum.com
[19] – رئيس بعثة الأزهر بتشاد: المئات يدخلون الإسلام طواعية 26/3/ 2017م: www.youm7.com
[20] – دور مصري رائد في التعليم والثقافة ونشر الإسلام الوسطي في الصومال 15/11/2016م:
[21] – هو مشروع أطلقه مجلس حكماء المسلمين منذ عام 2015م، وجرى منذ ذلك الحين إرسال 18 قافلة إلى مختلف قارات العالم. من هذه الدول نيجيريا، تشاد، جنوب إفريقيا، إفريقيا الوسطى، وآخرهم قافلة إلى كينيا في أبريل 2018م.
[22] – قوافل ومنح وبعثات.. ماذا يفعل الأزهر في إفريقيا؟ 15/4/ 2018م، حسن الخطيب: http://www.soutalomma.com
[23] – كشف حساب للأزهر في البرلمان… خطة إفريقيا كاملة 22/12/2018م: http://www.soutalomma.com
[24] – محمود عباس أحمد، الأزهر وإفريقيا.. دراسة وثائقية، المجلس الأعلى للآثار، الدار العالمية للنشر والتوزيع، 2004م، ص 107.
[25] – دور الأزهر في جنوب إفريقيا 4/ 2002م: safeena.org
[26] – دور مصري رائد في التعليم والثقافة ونشر الإسلام الوسطي في الصومال 15/11/2016م: http://mogadishucenter.com
[27] – منظمة خريجي الأزهر تحتفل بتخريج 51 متدربًا من أئمة ووعاظ دول إفريقيا 8/2/2018م: azhargraduates.org
[28] – كشف حساب للأزهر في البرلمان… خطة إفريقيا كاملة 22/12/2018م: http://www.soutalomma.com
[29] – المنظمة العالمية لخريجي الأزهر في 2018…. حبل الأزهر المتين مع أبنائه عبر العالم22/12/2018م: http://www.azhar.eg
[30] – ” من العاصمة السودانية” عامر يؤكد دعم الأزهر لجهود التنمية في إفريقيا، ويشيد بجهود اتحاد الجامعات في النهوض بالتعليم: http://www.azhar.edu.eg
[31] – ” من العاصمة السودانية” عامر يؤكد دعم الأزهر لجهود التنمية في إفريقيا، ويشيد بجهود اتحاد الجامعات في النهوض بالتعليم: http://www.azhar.edu.eg
[32] – شكل لجنة مختصة بشئون إفريقيا.. الأزهر يطارد التطرف في أدغال القارة السمراء، 3/12/2018م، محمد أبو العيون:
[33] – إنسانية الأزهر تتجلى في إفريقيا 4/4/2017م: http://www.azhar.eg
[34] – في رسالة شكر لشيخ الأزهر… حرم رئيس بوركينافاسو… قافلة الأزهر الطبية حققت نجاحًا باهرًا 29/4/2018م:
http://www.azhar.eg
[35] – قوافل ومنح وبعثات.. ماذا يفعل الأزهر في إفريقيا 15/4/2018م، حسن الخطيب: http://www.soutalomma.com
[36] – قوافل ومنح وبعثات.. ماذا يفعل الأزهر في إفريقيا 15/4/2018م، حسن الخطيب: http://www.soutalomma.com
[37] – من العاصمة السودانية” عامر يؤكد دعم الأزهر لجهود التنمية في إفريقيا، ويشيد بجهود اتحاد الجامعات في النهوض بالتعليم.http://www.azhar.edu.eg
[38] – الأزهر الشريف في 2017.. انفتاح على العالم.. ودفاع عن الأمة.. وحرب على الإرهاب 24/12/2017م:
http://www.azhar.eg
[39] – وهو صراع ديني بين جماعات سيليكا المسلمة من جهة وميليشيات انتي بالاكا المسيحية من جهة أخرى.
[40] – إنسانية الأزهر تتجلى في إفريقيا 4/4/2017م http://www.azhar.eg
[41] – إنسانية الأزهر تتجلى في إفريقيا 4/4/2017م: http://www.azhar.eg
[42] – شيخ الأزهر يقرر تشكيل لجنة للشؤون الإفريقية بالأزهر لتدعيم إفريقيا تعليميًّا ودعويًّا2/15/2018م http://www.azhar.eg
[43] – أبرز رؤساء دول ووزراء تخرجوا من الأزهر 23/4/2017م: http://www.azhar.eg
[44] – مشاهير وزعماء تخرجوا من الأزهر من مصر والعالم 1/8/2012م: http://misrelmahrosa.gov.eg
[45] – الأزهر في عيون طلاب إفريقيا، 18/3/2017م: http://www.elbalad.news
[46] – مدير إذاعة القرآن الكريم بموريتانيا: الأزهر شكل حاضنًا لطلاب العلم الأفارقة 28/3/ 2018م، محمد صبري عبد الرحيم
[47] – لماذا غابت مصر عن إفريقيا؟ تراجع دور الأزهر بسبب قلة المبعوثين وعدم تأهيلهم، 9/12/2015م: www.youm7.com
[48] – إفريقيا حصاد عام من التطورات السياسية والاقتصادية في القارة (2016 – 2017)، مرجع سابق، ص 133.
[49] – تراجع دور الأزهر.. إفريقيا نموذجًا خالد حنفي علي 29/3/2006م: www.masress.com