ظلّت ما يسمّى بجمهورية أنغولا حالياً لنحو 500 عام مستعمرَة برتغالية خالصة، حتى استقلت في عام 1975م، ومنذ استقلالها وحتى اليوم ما يزال الأثر البرتغالي الاستعماريّ في جوانبه اللغوية والدينية والثقافية واضحاً، فاللغة البرتغالية ما تزال اللغة الرسمية للجمهورية، والديانة النصرانية (الكاثوليكية على وجه التحديد) ما تزال الغالبة وسط سكان الجمهورية، وبين مختلف الجماعات الإثنية في البلاد.
تحاول هذه الورقة المدخلية تعرّف واقع الوضع الديني في جمهورية أنغولا، انطلاقاً من تتبع واقع الأديان، بطوائفها، ولأنّ الدين هو ما يؤمن به السكان من معتقد، ولأنّ الدين يحتاج إلى لغة وسيطة، فإنّ معرفة التركيبة السكانية واللغوية، مدخلاً لتناول الأديان، لَأمرٌ مهمٌّ.
جمهورية أنغولا.. نبذة مختصرة:
تحدّ أنغولا، واسمها الرسمي (جمهورية أنغولا الشعبية)، وعاصمتها (لواندا)، من جهة الشمال والشمال الشرقي جمهورية الكنغو الديمقراطية، ومن جهة الشرق جمهورية زامبيا، ومن جهة الجنوب جمهورية ناميبيا، ومن جهة الغرب المحيط الأطلنطي.
تُقدّر مساحة أنغولا بـ 1.246.700 كم مربعاً.
ويُقدّر عدد سكانها بنحو 5.646.166 نسمة في عام 1970م، وفي منتصف عام 1977م وصل عدد سكانها إلى نحو 6.300.000 نسمة.. (33.642.646 نسمة؛ طبقاً لتقديرات يوليه 2021).
ولغتها الرسمية هي البرتغالية، ويُتحدث فيها بعشرات من اللغات (أغلبها تنتمي للفصيلة البانتوية).
وأهم المجموعات الإثنية التي تقطن فيها هي: (الأوفيمنوندو، والأمبوندو، والكنغو)، وغيرها، إضافة للبرتغاليين[1]، وسنفصّل لاحقاً فيما أجملناه في الجزء الخاص بالجماعات الإثنية واللغات.
حصلت أنغولا على استقلالها من البرتغال في الحادي عشر من شهر نوفمبر 1975م، إلا أنّ الحرب الأهلية التي استمرت بين (الحركة الشعبية لتحرير أنغولا) و (جبهة تحرير أنغولا) و (الاتحاد الوطني لاستقلال أنغولا التام) أهدرت موارد البلاد، وهي الخارجة للتوّ من فترات استعمار استمرت 500 عام، وحينما انتهت الحرب الأهلية، في بداية التسعينيات من القرن الماضي، أخذ الاستقرار والأمن يعمّان رحاب هذا البلد الإفريقي الواعد.
ومن المعلوم – تاريخياً – أنّ البرتغال استعادت سيطرتها على أنغولا عام 1648م (وذلك بعد أن تمكّن الهولنديون في عام 1641م من طرد البرتغاليين من أنغولا، واستولوا على تجارة الرقيق)، وخلال القرن التاسع عشر، وإثر تردي تجارة الرقيق، بدأ المزارعون البرتغاليون زراعة الذرة الشامية، وقصب السكر، والتبغ، في أنغولا، وعُرفت أنغولا خلال الحكم البرتغالي لها باسم (إفريقيا الغربية البرتغالية)[2].
عاشت أنغولا لقرون عديدة في ركود اقتصادي، إلا أنه منذ الحرب العالمية الثانية حدث فيها تطور اقتصادي، وخطت بثبات وازدهار.
تعتمد أنغولا في دخلها وإيراداتها بصورة أساسية على الزراعة، والمصدّر الأول كان يتمثل في البُنّ (القهوة)، وفي نهاية ستينيات القرن الماضي كانت أنغولا ثالث أو رابع أكبر منتج للبُنّ، وغالبية هذا البُنّ يصدّر إلى الولايات المتحدة، والمحصولات الأخرى التي تصدّرها أنغولا تشمل – على سبيل المثال -: الذرة والقطن والسكر وزيت النخيل، وكذلك تصدّر أنغولا المنتجات السمكية والغابية، إضافة للماس وخام الحديد والبترول، وجميعها تساهم بصورة أساسية في نمو الناتج القومي، هذا علاوة على الإمكانيات المعدنية الكامنة المقدّرة، ومن الصناعات الرئيسة في هذه الدولة المواد الغذائية، ومنتجات التبغ، وصناعة نسيج القطن، والمنتجات البترولية، والأسمنت، والزجاج، والكيميائيات[3].
يعيش حوالي ثلاثة أرباع السكان في المناطق الريفية، حيث يعملون بالزراعة والرعي، وينتجون قدراً من المحاصيل يكفي لسدّ احتياجاتهم الشخصية، ولكن معظم الأوروبيين والملونين يعيشون في المدن، حيث يديرون مصالح تجارية محدودة، أو يعملون في وظائف تتطلب مهارات إدارية وفنية، إلا أنّ العديد من الأفارقة تمكّنوا مؤخراً من شغل أماكنهم في هذه الوظائف[4]، وقد ترك الأوروبيون هذه البلاد هروباً من الحرب الأهلية التي عاشت فيها أنغولا في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
بعد الاستقلال مباشرة في العام 1975م اعتنقت سلطات أنغولا الحاكمة (الماركسية اللينينية)، التي كانت أشبه بـ (التقليعة) في تلك الفترة، ظهر ذلك بوضوح في علاقاتها الاستراتيجية مع الاتحاد السوفييتي (السابق) وكوبا، وغيرهما من الدول التي تبنّت الماركسية، ويظهر حالياً في محاربتها للسحر، والجماعات الدينية الإنجيلية، والدين الإسلامي الذي بدأ يخطو خطوات سريعة في السنوات الأخيرة.
التركيبة السكانية لأنغولا:
تشير الموسوعة الأمريكية Encyclopedia Americana إلى أنّ الشعوب المتحدثة بـ (اللغات البانتوية) تشكّل الأغلبية من السكان في جمهورية أنغولا، وأنّ هناك ست مجموعات بانتوية كبرى، هي: (الأوفيمبوندو، والكيمبوندو، والكيكنغو، واللوندا-تشوكوي، والإنغانغويلا، والكوانياما-هومبي-فانهيكا)[5].
أما الموسوعة البريطانية الجديدة The New Encyclopedia Britannica فتعيد أصول التركيبة السكانية في أنغولا إلى: (زنوج بنسبة 90%، وقوقازيين بنسبة 8%، وملونين بنسبة 2%)[6].
قبل أن تنال أنغولا استقلالها في عام 1975م كان يعيش بها أكثر من 400 ألف أوروبي، إضافة إلى المولدين من السود والبيض، ويُطلق عليهم اسم (المستيزو)، غير أنّ معظم الأوروبيين فرّوا من البلاد في أثناء الحرب الأهلية[7].
مهما يكن من أمر؛ فإنه يوجد في أنغولا ثلاث مجموعات إثنية رئيسة، تمثّل مجتمعة نحو ثلاثة أرباع السكان الأفارقة، وهي:
1 – الأوفيمبوندو Ovimbundu : وتُسمّى اللغة التي يتحدثون بها (الأومبوندو)، وهم تاريخياً يتمركزون في محافظتي هوامبو وبيي في وسط بلاتو الأعلى (حالياً يتمركزون في ساحل المحيط الأطلنطي).
2 – الأومبوندو Mbundu : يتحدثون بلغة (الكيمبوندو)، وتاريخياً كانوا مسيطرين على العاصمة وما حولها (حالياً يتمركزون في ساحل المحيط الأطلنطي إلى الشمال من الأوفيمبوندو).
3 – الباكنغو Bakongo : يعيشون بصورة رئيسة في المحافظات الشمالية الغربية على الحدود مع جمهورية الكنغو الديمقراطية وجمهورية الكنغو (ويتمركزون كذلك على ساحل المحيط الأطلسي إلى الشمال من الأومبوندو)[8].
إنّ الغالبية العظمى من الأنغوليين (ومن المحتمل 98% من مجملهم) تتحدث بلغات تتبع الفصيلة البانتوية، وبعضها ذو صلة قريبة، والآخر غير ذلك، يتحدث بها معظم الأفارقة الذين يعيشون جنوب خط الاستواء، وأعداد كثيرة شمال هذا الخط.
وتنقسم مجموعة من الشعوب المحلية المتبقية إلى مجموعتين مختلفتين تماماً:
مجموعة صغيرة: توجد في جنوبي أنغولا، وتعيش رسمياً في جماعات بدوية وشبه بدوية، تصطاد وتجمع الثمار، ومعظمهم يتحدث بلغات (الطقطقات)، وهم يختلفون جسمانياً عن السكان الأفارقة المحليين، ويتشاركون مميزات محددة (قصار، ذوو بشرة فاتحة اللون – مقارنة بالأفارقة -)، ويسمّيهم الأوروبيون (البشمان).
والمجموعة الثانية: تتكون من المستيزو Mesticos، وغالبيتهم يسكنون الحضر، ويعيشون في غربي أنغولا، ومعظمهم يتحدث باللغة البرتغالية على الرغم من أنّ بعضهم على معرفة بلغات إفريقية[9].
ينتشر البشمان Bushman على امتداد الثلث الأدنى من أنغولا، وبصورة رئيسة في المناطق الجافة، وهم جماعات من الشعوب أغلبها كان بدوياً وجامع ثمار حتى القرن العشرين، على الرغم من أنّ بعضهم اختار تربية الماشية… ومَن بقي منهم على قيد الحياة تحول إلى حدٍّ ما إلى الفلاحة[10].
أما المستيزو؛ فإنهم في عام 1960م كانوا 1% من سكان أنغولا، وبحلول عام 1970م تمّ تقديرهم بنحو 2%، بعضهم غادر البلاد بعد الاستقلال، ولكن المغادرة الكبرى من البرتغاليين – من المرجح أنها – كانت نتيجة للزيادة في نسبة المستيزو في مجمل الأنغوليين[11].
وعلى ذلك؛ يمكن القول بأنّ التركيبة السكانية لأنغولا تتصدرها ثلاث مجموعة إثنية تنتمي للفصيلة البانتوية، وهي (الأوفيمبوندو، والأومبوندو، والباكنغو)، كما تضم مجموعات إثنية متناقصة عبر الزمن، تتقدمها (البشمان) التي يعيش أغلبها على ما يشبه (الفطرة).
التركيبة اللغوية لأنغولا:
يُستنتج – من خلال استعراضنا للتركيبة الإثنية لأنغولا – أنّ اللغات المتحدث بها في هذا البلد الإفريقي متعددة، ونضيف إلى ذلك أنها مختلفة من حيث الانتماء التصنيفي للأسر اللغوية من منظور التصنيفات الحديثة للغات المتحدث بها في قارة إفريقيا، وسيتأكد هذا الأمر بعد قليل.
إنّ الاطلاع المتأنّي على المصادر والمراجع المتنوعة، والتي تناولت موضوع اللغات والوضع اللغوي في أنغولا، يعكس بجلاء أنّ فيها عشرات اللغات المتحدث بها، وبعضها يوصل العدد إلى مائتي لغة، غير أنّ هذه المصادر تتفق جميعها على أنّ الغالبية العظمى من تلك اللغات ترجع في الأصل إلى (الفصيلة البانتوية) المنحدرة من فرع (بنوي كنغو)، المنحدر من مجموعة لغات (النيجر كنغو)، المنحدرة من أسرة اللغات (النيجر كردفانية).
ولتفصيل القول المجمل السابق عن اللغات، يمكننا الاكتفاء باستعراض اللغات الأساسية التي يُتحدث بها في أنغولا، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: الأومبوندو Umbundu : تتحدث بهذه اللغة المجموعة البانتوية الرئيسة في أنغولا، وهي (الأوفيمبوندو)، والتي تتمركز في الجزء الجنوبي الأوسط من أنغولا، وهم يتحدثون بها تقليدياً، وهي اللغة الوطنية ذات العدد الأكبر من المتحدثين في البلاد[12].
إنّ تاريخ الأومبوندو، بوصفها لغة مشتركة، يرتبط في جزء منه بأنشطة التجارة في جنوب غرب إفريقيا، ومنذ مطلع القرن التاسع عشر عُرف شعب (الأوفيمبوندو) بأنهم كانوا يعملون بالتجارة جنباً إلى جنب مع غرب زنجبار… وكانوا يجلبون البضائع الأوروبية إلى المنطقة، بالإضافة لتجارتهم في العاج والمطاط لبيعها للأوروبيين في المناطق الساحلية، وبذلك انتشرت لغتهم داخل البلاد وشاعت على الساحل[13].
إنّ عملية انتشار لغة الأومبوندو ما تزال مستمرة حتى اليوم، برغم أنّ شعوب الأوفيموبندو قد تدهورت أنشطتهم التجارية مطلع القرن العشرين، ولكن بما أنّ الكثير من القبائل تدهورت لغاتها، فقد تحولت إلى استخدام الأومبوندو لغةً أمّاً[14].
إنّ لغة الأومبوندو اليوم قد انتشرت بوصفها لغة مشتركة، وطالت كلّ جنوب أنغولا، ولكن استخدامها في المنطقة الشرقية أقلّ من المنطقة الغربية، ويبدو أنّ الحدود الشمالية لانتشارها تنتهي عند منطقتي كويبالا وموسيندا، بينما تتركز كثافة السكان الناطقين بها حول منطقتي بنقولا وبيهي[15].
ثانياً: الكيمبوندو Kimbundu : هي اللغة التي يتحدث بها الأومبوندو، وتُعَدّ اللغة الوطنية ذات العدد الأكبر من المتحدثين بعد لغة الأومبوندو، وتتركز بصور رئيسة في الوسط والشمال من البلاد، وهي لغة ذات أهمية كبيرة؛ لأنها لغة تقليدية للعاصمة والمملكة القديمة لأنغولا N’gola، وهي لغة متأثرة باللغة البرتغالية[16].
ثالثاً: الكيكنغو Kikongo: هي اللغة التي يُتحدث بها في الشمال، على الحدود مع جمهوريتي الكنغو الديمقراطية والكنغو، حيث يتمركز الباكنغو، متحدثو هذه اللغة بلهجات مختلفة، كما أنّ هذه اللغة كانت لغة مملكة الكنغو السابقة[17].
واللغات الثلاث السابقة لغات (بانتوية)، إضافة إلى لغات أخرى، تأتي بعدها من حيث الأهمية، مثل: (التشوكويوالكوانياما، والأوكسيكوانياما، والنيانيكا)، وغيرها.
هذا، ويسكن جنوب أنغولا (البشمان)، وهؤلاء لا ينتسبون للفصيلة البانتوية، ويتحدثون بلغات صُنّفت حديثاً ضمن أسرة (اللغات الكويسانية).
ولغات الكويسان (التي تُنسب لمجموعتي البشمان والهتنتوت) يُتحدث بها في ناميبيا وزامبيا وجنوب إفريقيا، كما يُتحدث في أنغولا بعدد منها، مثل: (الإكوادي، والهايلوم)[18]، ومن مميزات هذه اللغات وجود حركات تُسمّى بالطقطقات clicksلا توجد في لغة من لغات الأسر اللغوية المعروفة، والتي صُنّفت إليها اللغات في إفريقيا.
أمّا اللغة البرتغالية، اللغة الرسمية للدولة، فتشير بعض المصادر إلى أنّ 3% من السكان الحاليين لأنغولا – من البيض والملونين – يتحدثون بهذه اللغة، ويتمركزون بصورة أساسية في المدن الكبرى.
كما يوجد عدد معتبر من متحدثي اللغة الفرنسية، ولغة اللنقالا، ومتحدثي اللغتَيْن الأخيرتَيْن من المهاجرين إلى أنغولا في أثناء فترة التحرر الوطني، وإبّان تحسّن العلاقة مع الأقطار المجاورة، والتي في مقدمتها، جمهورية الكنغو، وجمهورية الكنغو الديمقراطية[19].
ويتحدث بالبرتغالية في أنغولا لغة أولى 57.600 (في عام 1993م)، وجزء كبير من السكان يتحدث بالبرتغالية لغة ثانية، وهي اللغة الرسمية، وأغلب المستيزو، الذين يمثلون 1,5% من جملة السكان (170.000)، يتحدثون بالبرتغالية، وهي اللغة المستخدمة بالمنازل عندهم، ويميلون إلى تأييد الثقافة البرتغالية[20].
ومن المعلوم أنّ اللغة البرتغالية ليست وقفاً على دولة أنغولا، وإنما يُتحدث بها في أقطار إفريقية عديدة، مثل: موزمبيق، وكيب فيرد (الرأس الأخضر)، وغينيا بيساو، وساوتومي، والبرنسيب.
واقع الأديان في أنغولا:
كما هو متوقّع من بلد استعمره البرتغاليون طيلة خمسة قرون؛ فإنه سيكون معتنقاً للنصرانية، ومذهب طائفة الروم الكاثوليك على وجه التحديد، كما هو الحال الذي عليه دولة البرتغال.
تختلف الإحصاءات التي توردها المصادر والمراجع المختلفة عن الحيثيات ذات الصلة بالأديان والوضع الديني في أنغولا، وحسبنا في هذه الورقة المدخلية أن نقف عند بعضها استعراضاً، ومن ثمّ التعليق عليها بقدر الإمكان.
أورد كتاب (أنغولا، دراسة قطرية) في هذا المجال ما يأتي: «تتوزع نسب الأديان في البلاد على النحو التالي: الرومان الكاثوليك 50%، البروتستانت 18%، ديانات محلية 30%»[21].
وأوردت (الموسوعة العربية العالمية) عن نسب الأديان في أنغولا، ما يأتي نصه: «تبلغ نسبة الذين يدينون بالنصرانية 90%، معظمهم من الكاثوليك، بينما يدين نحو 10% بمعتقدات محلية»[22].
أما (الموسوعة الأمريكية) عن المجال نفسه فتورد ما يأتي: «بما أنّ دين الدولة هو الكاثوليكية؛ فإنّ ثلاثة أرباع السكان من النصارى (2.500.000) هم كاثوليك، ومهما يكن من أمر فإنّ نصف الأفارقة يدينون بديانات قَبَلَية»[23].
وأما (موسوعة العالَم النصراني) World Christian Encyclopedia؛ فقد أوردت جدولاً مهماً في هذا المجال، أسمته (معتنقو الأديان في أنغولا)، أوردت فيه تفاصيل مهمة في هذا المضمار.
وفيما يأتي نستعرض هذا الجدول[24]:
الطائفة | 1900م | 1970م | منتصف 1975م | منتصف 1980م | 2000م |
رومان كاثوليك | 15.000(5.%) | 3.481.380(61.4%) | 4.180.270(65.8%) | 4.933.300(68.7%) | 9.047.400(72.6%) |
بروتستانت | 2.000(1.%) | 1.008.670(17.8%) | 1.195.760(18.8%) | 1.423.500(19.8%) | 2.655.500(21.3%) |
أديان إفريقية | 2.953.000(99.4%) | 1.100.259(19.4%) | 881.920(13.9%) | 683.500(9.5%) | 252.400(2.0%) |
أديان أخرى | ـ ـ | 79.700(1.4%) | 95.050(1.5%) | 140.700(2.0%) | 506.700(4.1%) |
عدد السكان | 2.970.000(100%) | 5.670.000(100%) | 6.353.000(100) | 7.181.000(100%) | 12.462.000(100%) |
يمكن أن نخرج من الإحصاءات الواردة في الفقرات السابقة بأنّ الرومان الكاثوليك لهم مكان الصدراة من حيث العدد / النسبة من مجمل طوائف النصارى الأخرى، ومن مجمل سكان أنغولا، وأنّ هذه الإحصاءات غفلت عن ذكر عدد المسلمين ونسبتهم، فليس هناك من ذكر للإسلام، وأنّ الديانات الإفريقية القَبَلَية ما تزال لها قوتها وحيويتها.
وإذا ركزنا في الجدول التفصيليّ الذي أوردته (موسوعة العالَم النصراني)؛ يمكننا أن نقف عند النقاط الآتية:
1 – نلاحظ أنّ وضع الأديان في أنغولا في بداية القرن العشرين كانت تسيطر على خريطته الأديان الإفريقية بنسبة 99.4%، بينما كان نصيب الكاثوليكية التي تسيطر على خريطة الأديان حالياً 0.5%، وهذا البون الشاسع جداً بينهما غير مسوّغ تاريخياً، في ضوء مرور 4 قرون على وصول النصرانية إلى البلاد.
2 – نلاحظ تراجع نسبة الأديان الإفريقية في بداية سبعينيات القرن الماضي، وتقدّم نسبة الكاثوليكية (19.4%، في مقابل 61.4%) على التوالى، ليستمر الحال نفسه في منتصف السبعينيات من القرن نفسه (13.9% في مقابل 65.8%)، وكذلك الحال في منتصف الثمانينيات من القرن نفسه (9.5% في مقابل 68.7%)، لينعكس الوضع في عام 2000م، وتتسع الشقّة بين الأديان الإفريقية التي تتراجع إلى نسبة 2.0% في مقابل الكاثوليكية 72.6%، وكلّ هذا يدل حجم التحول إلى الكاثوليكية التي نشطت أعمالها بصورة متسارعة منذ أربعينيات القرن الماضي.
3 – نلاحظ أنّ التحول من الأديان الإفريقية لا يتمّ دائماً للكاثوليكية، وإنما إلى البروتستانتية أيضاً، فالبروتستانتية كانت في بداية القرن تمثّل 1.0%، وفي بداية السبعينيات مثّلت 17.8%، وفي منتصف السبعينيات مثّلت 18.8%، وفي منتصف الثمانينيات مثّلت 19.8%، أمّا في عام 2000م فقد مثّلت 21.3%، وكلّ ذلك يشي بأنها تسير بخطى ثابتة، ولكنها لا ترقى لمستوى الكاثوليكية.
4 – نلاحظ خلو الجدول من نسب للمسلمين، حتى في الجزء الخاص بـتصنيف (أديان أخرى) الوارد في عمود (الطائفة)، إذ إنّ (أديان أخرى) تعني – في الغالب – طوائف نصرانية أخرى غير الكاثوليكية والبروتستانتية.
وعلى ذلك؛ يمكن القول بأنّ الخريطة الدينية لأنغولا تسيطر عليها النصرانية بشقّيها (الكاثوليكي، والبروتستانتي)، وإن كانت الغلبة للأولى بجدارة.
الكاثوليكية في أنغولا:
من المهم جدّاً تقديم خلفية تاريخية تعرض معلومات مهمّة عن هذه الطائفة النصرانية، وذلك لما لهذه الطائفة من نفوذ واضح في هذا البلد الإفريقي المهم.
وصلت الإرسالية الكاثوليكية الأولى إلى مملكة الكنغو في عام 1491م، وتمركزت في سان سيلفادور بشمالي أنغولا، وهذه المجموعة المبادرة كانت تتكون من: فرانسيسكان، ودومنيكان، وقساوسة يتبعون للقديس جون، ورجال دين إنجيليين وعلمانيين[25].
بعد هذه البداية المبشّرة؛ فإنّ تراجع تجارة الرقيق سبّب تفكّك المملكة والكنيسة معاً، وفي عام 1560م لازم Jesuits الحملة البرتغالية الأولى إلى مملكة إندنغوNdongo ، بعيداً عن الساحل على نهر كوتنزا، وفي عام 1576م تمّ تأسيس مدينة لواندا، وبنهاية هذا القرن تمّ تأسيس دائرة أسقفية، وبُنيت أربعة أديرة.
ومرة أخرى؛ وقفت تجارة الرقيق عائقاً أمام تمدد الكنيسة، هذا.. وعلى الرغم من النشاط الكنسي على الساحل شهد القرنان الثامن عشر والتاسع عشر تراجعاً للإرساليات الكاثوليكية، ولم يأخذ ذلك النشاط مكانه إلا في عام 1865م، حينما عقدت حملة دعائية موعداً لآباء الروح القدس لأنغولا.
وبحلول عام 1890م تمّ تأسيس أربعة مراكز في: مالانغي Malange، وكاكوندا Caconda، كاسينغاCassinga ، وهويلاHuila ، المراكز الأربعة خدمت باعتبارها نقاط انطلاق للتمدد نحو الداخل، مهما يكن من أمر؛ فإنّ كثيراً من المناطق لم يطلها التأثير حتى قبل الحرب العالمية الثانية[26].
أحرزت الكاثوليكية تقدّماً معتبراً في أنغولا ابتداءً من عام 1940م؛ عندما كشف الإحصاء الحكومي للمشكلات الاجتماعية الأساسية لأنغولا تلك المعضلات التي تواجه العمل والتعليم، لقد كان نظام التعليم معدّاً بصورة أساسية من أجل الجماهير العامّة المحلية، مع التركيز في تدريب بدائي أكثر منه من أجل تنمية قيادات أو صفوة، كما أنّ نقص القيادة الإفريقية كان أيضاً واضحاً في هيئة الكنيسة، فالأسقف الإفريقي الأول في الوقت المعاصر، ليس فقط في أنغولا ولكن في المستعمرات البرتغالية، عُيّن في عام 1970م مساعداً لأسقف لواندا، وفي عام 1973م نُقل إلى مالانغي مساعداً في الأسقفية، اتباعاً لتغيير النظام في البرتغال في 25 أبريل 1974م، وسمّت البابوية (السدة الرسولية) في أغسطس 1974م أسقفاً إفريقياً ثانياً مساعداً في لواندا[27].
هذه فقرات مختصرة عن بعض مراحل النصرانية في أنغولا، والتي تحتاج إلى متخصّص في علم التاريخ لسبر أغوارها، وتتبع تفاصيلها في مظانها، وتقديمها للقارئ المتعطش لمعرفة الكثير عن هذا البلد.
الإسلام والمسلمون في أنغولا:
الحقّ أنّ المعلومات عن الإسلام والمسلمين في أنغولا قليلة، يصعب الحصول عليها، فلا نعرف – على سبيل المثال – متى دخل الإسلام هذا البلد! المتداول فقط أنه «دخل قبل سنوات قليلة»، ومعنى هذه العبارة المقتضبة أنه دخلها في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كما لا نعرف شيئاً مؤكداً عن أوضاع المسلمين وأعدادهم، فهناك أرقام متباينة أشدّ التباين تقدّرهم – كما سنعرف بعد قليل -.
لم تورد المصادر والمراجع الأساسية، التي كُتبت عن الأديان ووضعها في أنغولا، ذكراً أو إشارة عن الإسلام أو المسلمين – بحسب اطلاعنا -، ولذلك لجأنا إلى الشبكة العنكبوتية للبحث عن بعض المعلومات.
ولنبدأ بأدلة مسلمي أنغولا Angola Muslim Directories التي تحتوي على معلومات مهمة، تصلح نقطة انطلاق لمعرفة بعض المعلومات عن الإسلام والمسلمين في هذا البلد الإفريقي.
ومن المعلومات المفتاحية التي أوردتها تلك الأدلة:
أولاً: مسجد لواندا: يقع المسجد الأكبر في لواندا (العاصمة) على مقربة من وسط المدينة، وتُصلّى فيه الجُمَع، والصلوات اليومية الخمس، كما أنّ هناك مساجد صغيرة حول المدينة.
ثانياً: المجلس الأعلى للمسلمين الأنغوليين Supreme Council of Angolan Muslims: أُنشئ هذا المجلس لرعاية شؤون المسلمين في أنغولا.
ثالثاً: تقرير لوكالة أنباء عموم إفريقيا (PANA): كشف هذا التقرير أنّ 2,5% من سكان أنغولا هم من المسلمين، وأنّ عددهم 2.750.000 وفقاً لإحصاء القطر الحادي عشر لمجمل السكان، فقط قبل عشر سنوات مضت كان عدد السكان المسلمين لا يزيد عن ربع المليون، ويعزو التقرير هذه الزيادة في عدد الأنغوليين الذين يعتنقون الإسلام إلى العدد المتزايد من التجار المسلمين القادمين من غرب إفريقيا، الذين اختاروا الاستيطان في أنغولا، فعدد من المدن الأنغولية شهدت في الآونة الأخيرة زيادة في الأنشطة الإسلامية، خصوصاً في إنشاء المساجد والمراكز الإسلامية، والمدارس القرآنية، بهدف نشر الثقافة الإسلامية، ونشر رسالة الإسلام.
رابعاً: لا توجد مدارس ولا كليات إسلامية في هذا البلد[28].
هناك تقرير مهمٌّ لكمال قبيسي (من لندن) خاص بموقع (العربية. نت) نُشر بتاريخ 9 ديسمبر 2013م، أي بعد نحو أسبوعين من أنباء صدرت في شكل تقارير تذكر أنّ السلطات في دولة أنغولا تتجه لحظر الدين الإسلامي، واعتبار المسلمين طائفة غير مرحب بها، إضافة إلى هدم مساجد!
وأهم ما ورد في تقرير (العربية. نت) ما يأتي:
أولاً: ورد على لسان فارس سبيتي (أبو علي) رئيس الجالية اللبنانية في أنغولا، والذي مكث فيها 22 عاماً، أنّ عدد المساجد في لواندا ما بين 12 – 15 مسجداً فقط، مع وجود مصليات بالعشرات، وأنّ عدد المسلمين 25 ألف نسمة تقريباً، نسبة قليلة جدّاً منهم عرب، والباقي مهاجرون من نيجيريا والسنغال والنيجر، إضافة لأنغوليين اعتنقوا الإسلام، الذي لم تعرفه البلاد إلا منذ سنوات قليلة فقط.
ثانياً: يقول ديفيد ألبيرتو رئيس الجمعية الإسلامية في أنغولا إنّ هناك 80 مسجداً في البلاد البالغ سكانها 18 مليون نسمة، ويؤكد وجود أكثر من 500 ألف مسلم، بينما مصادر رسمية تلمح بأنهم 90 ألفاً.
ثالثاً: نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قبل سبع سنوات (أي في عام 2006م) تقريراً أشارت فيه إلى عمليات تضييق يواجهها المسلمون في أنغولا، شملت إغلاق الشرطة لأربعة مساجد في أنغولا[29].
مهما يكن من أمر؛ فإنّ القرارات التي نقلتها وكالة الأنباء الأنغولية (أنغوب) عن وزيرة الثقافة روزا كروز دا سيلفا، وفقاً للقدس العربي[30]، جاء فيها أنّ الإجراءات الجديدة هي وسيلة لمحاربة الجماعات الدينية الجديدة، التي تتعارض مع عادات أنغولا وتقاليدها وثقافتها، وبما أنّ وزارة العدل وحقوق الإنسان لم تقنّن ممارسة المسلمين لشعائرهم بعد؛ فإنّ المساجد سيتم إغلاقها حتى إشعار آخر[31].
ووفقاً لصحيفة (الوسط – البحرينية -)[32] فإنّ السلطات الأنغولية تفرض على المنظمات الدينية التقدم بطلب لاعتمادها، ويبلغ عدد المنظمات المعتمدة حالياً 83 منظمة، جميعها مسيحية، وفي أكتوبر (2013م) رفضت وزارة العدل طلبات 194 منظمة، من بينها منظمة تابعة للمجموعة الإسلامية في أنغولا[33].
ومن الأخبار المتداولة في الصحف في السنوات الماضية؛ خبر عن إقدام السلطات الأنغولية في 17 أكتوبر 2014م على هدم مسجد في بلدية (فيانا زانغو) في لواندا؛ بحجة أنه أُقيم بطريقة غير قانونية، فيما قام بعض من الأنغوليين بهدم مئذنة أحد المساجد في العاصمة، كما أنّ السلطات في أنغولا سبق أن أغلقت 4 مساجد سنة 2006م[34].
وعليه، وبحسب المعلومات المبتسرة التي أوردناها، يمكن القول بأنّ الإسلام في أنغولا، على الرغم من حداثة عهده، فإنه في تسارع، خصوصاً أنّ المهاجرين من دول غرب إفريقيا يقومون بدور الوسيط في نشر هذا الدين، كما أنّ مهنتهم الغالبة، أعني التجارة، ظلت عبر التاريخ من العوامل الجوهرية في نشر الإسلام في ربوع قارة إفريقيا.
وبما أنّ السلطات في أنغولا تعتنق الماركسية اللينينية – كما سبق القبول – فإنها فيما يبدو قد انزعجت من الانتشار السريع للإسلام، وانزعجت معها بعض مراكز القوى الداخلية والخارجية، ما جعلها تسارع بالتضييق عليه في المراحل الأولى.
خلاصة القول:
إنّ هذا البلد الإفريقي الذي ينتمي لغة وثقافة للبرتغال، وهي لغة وثقافة لا تواصل لنا معهما في العالمين الإسلامي والعربي، هذا البلد المتعدد إثنياً ولغوياً، وتسيطر على خريطته الطائفة الكاثوليكية، ليس من بدّ من التواصل معه، ومع مسلميه على وجه التحديد، لمعرفة أوضاعهم، ومساعدتهم، عبر المنظمات الخيرية رسمياً وشعبياً، لتشرق شمس الإسلام وثقافته في واحدة من دول الجنوب الإفريقي المهمة.
* نائب عميد الدراسات العليا – جامعة إفريقيا العالمية.
[1] Kaplan Irving (ed.) (1979): Angola, a country, Washington, DC, American University, pp xii-xiii.
[2] الموسوعة العربية العالمية (1999م)، ج (3)، الرياض: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، ص (202).
[3] Encyclopedia Americana (1974): International Edition, Vol. 1, New York, American Corporation, p (850).
[4] الموسوعة العربية العالمية، مرجع سابق، ص (201).
[5] Encyclopedia Americana, Opcit, p (849).
[6] The New Encyclopedia Britannica (1978), Vol. (1), London: Helen Hemingway Benton, Publisher, Encyclopedia Britannica Inc, p (378).
[7] الموسوعة العربية العالمية، مرجع سابق، ص (201).
[8] Tony Hodges (2004): Angola: Anatomy of an oil State, African Issued, Blooming and Indianapolis: Indiana University, pp (23 – 24)
[9] Kaplan Irving (ed.) (1979), Opcit, p (72).
[10] Ibid, (84).
[11] Ibid, Idem.
[12] http://www.angolaembassyzim.com.
[13] بيرند هايني (2006م): وضع واستخدام اللغات الإفريقية المشتركة، ترجمة: الأمين أبو منقة محمد، وأحمد الصادق أحمد، جامعة إفريقيا العالمية، ملتقى الجامعات الإفريقية، الخرطوم: دار جامعة إفريقيا للطباعة، ص (47).
[14] المرجع نفسه، ص (47 – 48).
[15] المرجع نفسه، ص (48).
[16] http://www.angolaembassyzim.com.
[17] Ibid, Idem.
[18] Tom Guldemann and Rainer Vossen (2000): “Khoisan”, African Languages, An Introdution (Edited by) Bernd Heine and Derek Nurse, Cambridge: Cambridge University Press, pp 99 – 122, p (100).
[19] http://www.angolaembassyzim.com.
[20] كمال محمد جاه الله (2006م): وضع اللغات الأوروبية في قارة إفريقيا، اللغات في إفريقيا، مقدمة تعريفية، يوسف الخليفة أبو بكر وآخرون، ملتقى الجامعات الإفريقية، جامعة إفريقيا العالمية، الخرطوم: دار جامعة إفريقيا العالمية للطباعة، (129 – 153، 140).
[21] Kaplan Irving (ed.) (1979), Opcit, p (xiii).
[22] الموسوعة العربية العالمية، مرجع سابق، ص (201).
[23] Encyclopedia Americana, Opcit, p (849).
[24] Harrett, B. David (1982): World Christian Encyclopedia, A Comparative Study of Churches and Religions in the Modern world, Oxford: Oxford University Press, p. 141.
[25] Ibid, 142.
[26] Ibid, Idem.
[27] Ibid, Idem.
[28] http://www.esinislam.com.
[29] http://www.alarabiya.net.
[30] الصادرة بتاريخ 26 نوفمبر 2013م.
[31] http://www.alquds.co.uk.
[32] العدد 4101، الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 2013م.
[33] http://www.alwasatnew.com.
[34] http://islamion.com.