بقلم: دافيد ريش
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
تم اعتقال ألفا كوندي، الرئيس الغيني الذي ظل على سُدة الحكم منذ 11 عامًا، يوم الأحد عقب انقلاب عسكري؛ بعد تعرُّض الأخير لانتقادات شديدة على خلفية إعادة انتخابه المتنازَع عليه لولاية ثالثة، بالإضافة إلى تداعيات السياق الإقليمي التي ساهمت في استيلاء الجيش على السلطة.
وتتصدر مآخذ خصومه عليه تهمة “تزوير الانتخابات” التي أدَّت –قبل أقل من عام- إلى إعادة انتخابه المثيرة للجدل لولاية ثالثة قبل اعتقاله من الجيش الغيني، يوم الأحد 5 سبتمبر، وإعلان إلغاء المؤسسات، وإغلاق الحدود، وفرض حظر التجول.
وفي تصريح له لفرنس24، أشار مامادي دومبويا، رئيس كتيبة القوات الخاصة والعقل المدبّر للانقلاب، إلى “ضرورة تكاتف الجيش الغيني برُمّته من نزريكوري إلى كوناكري لمساعدة البلاد”، و”وضع الحد للأزمة الغينية”، مؤكدًا النهاية المفاجئة لحكم الرئيس بعد 11 عامًا في السلطة. فيما حدث الانقلاب في عملية خاطفة وغير دموية.
الاستبداد والأزمة الاجتماعية:
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس ألفا كوندي تعرَّض لانتقادات شديدة، في أكتوبر 2020م، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية في غينيا عقب ترشيح نفسه لولاية ثالثة غير أنه أعلن غضبه ورفضه لردود الفعل الغاضبة؛ قائلاً: “إن من الدهشة وصفي بالمستبدّ المناهض للديمقراطية بعد خمسة وأربعين عامًا من الكفاح للديمقراطية!”؛ حسب ما ذكر باستياء في مقابلة مع فرانس 24.
المثير في الأمر أنه بعد عشر سنوات من وصوله إلى السلطة؛ أصبح أول رئيس منتخب ديمقراطيًّا لغينيا والمعارض التاريخي للأنظمة الديكتاتورية، يُتَّهم بدوره بالانحراف والاستبداد؛ نتيجة شروعه في تعديل الدستور الذي يحدد فترتين رئاسيتين كحد أقصى من أجل التمكن من الترشح مرة أخرى؛ وهو الشيء الذي لم يقف حائلا دون إعادة انتخابه بحوالي 60٪ من الأصوات في 24 أكتوبر 2020م، وإن تعرضت صورته للتشويه إلى حد كبير.
وفي هذا الصدد، أشار دودو سيديبي، المحاضر والباحث في العلوم السياسية في جامعة غوستاف إيفل، في حديث له مع فرانس 24، إلى “حساسية النقد عند ألفا كوندي، وعدم إمكانية النقاش حول نموذج الحكم الذي يتَّبعه مع المعارضة سواء الراديكالية أو المعتدلة”، مشيرًا إلى أن “ذلك أفرز توترًا في الحياة السياسية في غينيا، وأدَّى إلى دَفْع الجيش إلى الاستيلاء على السلطة تلبيةً لاحتياجات الشعب”؛ على حد تعبيره.
وعود الانقلابيين بحكومة وحدة وطنية في غينيا:
وفقًا لعليون تاين، مؤسس مركز أفريكا زوم لتعزيز الديمقراطية والبحوث والصديق المقرّب السابق لألفا كوندي، فإن التحديات التي تواجه الرئيس تتجاوز المجال السياسي “بلغ به الأمر إلى ممارسة القمع التام في مواجهة المعارضة والمجتمع المدني إلى جانب المنظمات الدولية”.
مضيفًا “وحتى أنا، على الرغم من دعمي المتحمس لالتزامه الديمقراطي في الماضي، دفعت الثمن في فبراير نتيجة الإلغاء المفاجئ وغير المبرر لمهمتي الخاصة بالوقاية ضد نشوب النزاعات في غينيا الذي لم يكن يروق السلطات. وما دام أن بعض القادة، على غرار بول كاغامي في رواندا، تمكّنوا من إدارة هذا النوع من السياسة بالاختباء وراء التنمية الاقتصادية والتعايش الاجتماعي، فما المانع من أن يستفيد ألفا كوندي من هذه الذرائع؟!”؛ على حد قوله.
لكنَّ التحديات الاقتصادية التي تفاقمت نتيجة تداعيات جائحة كوفيد -19، وارتفاع العديد من الضرائب التي فرضتها الحكومة في يوليو -والبنزين على وجه الخصوص- من الاعتبارات التي أدَّت إلى اندلاع أعمال العنف؛ نتيجة تزايد شعور العديد من الشرائح الاجتماعية من الشعب بالتخلي عنها؛ فكانت النشوة العارمة سيّدة الموقف في عدة أحياء بالعاصمة كوناكري عقب إعلان اعتقال ألفا كوندي، يوم الأحد.
سياق إقليمي مواتٍ للجيش:
إذا كانت الدهشة انتابت بعض المحللين جراء السهولة التي وصل بها الجيش للاستيلاء على السلطة في غينيا؛ فقليلٌ هم من فوجئوا منهم بوقوع الانقلاب العسكري للإطاحة بالديمقراطي السابق الذي يُنظر إليه الآن على نطاق واسع على أنه ديكتاتور. لكنه سيناريو يمكن مقارنته بما حدث بالفعل في مالي المجاورة في أغسطس 2020م، للإطاحة بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، الذي كان يواجه هو الآخر أزمة اجتماعية وسياسية عميقة.
غير أن الرئيس الغيني صرَّح في حينه باستحالة إمكانية حدوث شيء مشابه في بلده: “لم يحدث انقلاب في غينيا على الإطلاق، وَإنما تولى الجيش السلطة بعد وفاة الرئيس، سيكو توري، وعقب رحيل الرئيس كونتي. ولم تشهد غينيا تمردًا أو حربًا أهلية قط فضلًا عن حدوث انقلاب. ومنذ أن توليت السلطة حصلت إصلاحات في الجيش أدت إلى إيجاد جيش جمهوري، علاوة على ذلك، يختلف الوضع عن [مالي]”؛ حسب ما صرَّح في أكتوبر 2020م لوكالة فرانس 24.
وبعد بضعة أشهر، في أبريل على وجه التحديد، آلت قيادة دولة تشاد هي الأخرى إلى أيدي الجيش عقب استيلاء مجلس عسكري على السلطة بتشكيل ورئاسة نجل الرئيس الراحل، محمد إدريس ديبي، في تعارض مع المنصوص في الدستور قبل التحوُّل إلى حكومة انتقالية بدعم من فرنسا؛ على الرغم من طابعها غير الديمقراطي.
وأشار عليون تاين إلى أن “عدوى الانقلاب العسكري أصبحت الآن ظاهرة لا يمكن إنكارها في المنطقة”، مضيفًا “يُعْزَى هذا الاتجاه بشكل ملحوظ إلى فقدان نفوذ المنظمات الدولية والإقليمية على غرار الاتحاد الإفريقي أو الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أو الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، التي من المفترض أن تضمن احترام الديمقراطية في مواجهة البلدان مثل الصين أو روسيا.. التي تبسط نفوذها في إفريقيا دون إيلاء أهمية في البحث عن نظير ديمقراطي للتعاون الاقتصادي.
وفي هذا السياق، كيف يحمي الجيش الغيني رئيسًا يتَّسم حكمه بالانفراد والاستبداد، وإن كان انتخابه باعتراف الجميع؟!؛ يتساءل المؤيد السابق لألفا كوندي، قبل أن يخلص إلى القول “الرئيس الغيني هو نفسه من اختلق دواعي سقوطه بعدم السماح لخيار ديمقراطي بالخروج من السلطة، وكان الوحيد الذي لم يتوقع ذلك”؛ على حد قوله.
___________________
رابط المقال: https://www.france24.com/fr/afrique/20210906-coup-d-état-en-guinée-la-prévisible-chute-du-président-alpha-condé