بقلم: فرنسوا مازيت
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
عاد الرئيس الإيفواري السابق لوران غباغبو -الذي برَّأته المحكمة الجنائية الدولية نهائيًّا في 31 مارس- إلى أبيدجان يوم الخميس 17 يونيو، بعد عشر سنوات من الغياب. ووجد الحسن واتارا، منافسه منذ فترة طويلة، في مسار مختلف تمامًا عن مساره.
وفي هذا المقال سنقوم بتسليط الضوء على القواسم المشتركة بين الاثنين، وهما اللاعبان الرئيسيان في ساحل العاج بعد هوفويت بوانيي.
التكوين الأكاديمي: المؤرخ الماركسي مقابل الاقتصادي الليبرالي
ولد لوران غباغبو في عام 1945م من عائلة متواضعة في قرية ماما في منطقة غاغنوا، في غرب البلاد، من إثنية بِيتي وكاثوليكي الديانة، لكنه كان متفوقًا في المدرسة. وبعد حصوله على الثانوية العامة من المدرسة الثانوية الكلاسيكية في أبيدجان وشهادة الليسانس (بكالوريوس) في التاريخ من جامعة أبيدجان (العاصمة الاقتصادية الإيفوارية) عام 1969م، ثم قضى فترة قصيرة في جامعة ليون؛ حيث التقى بزوجته الفرنسية الأولى، جاكلين شاموا، قبل نيله درجة الماجستير في التاريخ من جامعة باريس السوربون.
وجدير بالذكر أنه كوّن ثقافة سياسية قوية هناك بميول ماركسية، واقترب أكثر من الحركات اليسارية؛ حيث بنى صداقات قوية. وبعد العودة إلى الوطن انخرط في سلك التدريس عطفًا على احتضان النضال النقابي في بلد مغلق من قبل حزب واحد PDCI (الحزب الديمقراطي لكوت ديفوار).
وفي عام 1974م، أصبح غباغبو باحثًا في IHAA (معهد تاريخ الفن وعلم الآثار التابع لجامعة أبيدجان)، وناقش أطروحة دكتوراه، في عام 1979م، في جامعة باريس VII بعنوان “المقوّمات الاجتماعية-الاقتصادية لـ “السياسة الإيفوارية 1940-1960م” قبل أن يصبح مديرًا لـمعهد تاريخ الفن وعلم الآثار التابع لجامعة أبيدجان في عام 1980م.
وُلِدَ الحسن واتارا، قبل غابغو بأربع سنوات في ديمبوكرو، وسط البلاد من عائلة تجارية ثرية في الشمال وهو مسلم، وقاده هذا التراث إلى الاهتمام بالاقتصاد. وبعد حصوله على الثانوية العامة في واغادوغو واصل دراسته في الولايات المتحدة؛ حيث نال درجة الماجستير من جامعة بنسلفانيا في عام 1967م ثم الدكتوراه في عام 1972م، ثم شغل بالفعل في IMF (صندوق النقد الدولي) قبل انضمامه إلى BCEAO (البنك المركزي لدول غرب إفريقيا). ولكونه ليبراليًّا، يؤمن بالتعددية، ومؤسسات بريتون وودز، والجدية المالية وتحالف ساحل العاج مع المعسكر الغربي.
وفي هذا السياق، أوضح عالم الاجتماع الإيفواري فهيرامان رودريغ كوني من معهد الدراسات الأمنية بأنه “قد يكون أصل الأسرة والمسار المهني لكليهما قد لعب على اختلاف الأسلوب بينهما”، ونظرًا إلى أن “الحسن واتارا ينحدر من عائلة أرستقراطية في شمال البلاد؛ حيث تتجسد إدارة السلطة في هياكل هرمية ومركزية وشخصية للغاية؛ فإنه اتبع مسارًا احترافيًّا يحاول من خلاله ترويج صورة تكنوقراط.
بينما لوران غباغبو الذي ينحدر من عائلة متواضعة في مناطق ريفية، نجح من خلال دراسته الارتقاء إلى صفوف الأساتذة الجامعيين، علمًا بأن الجامعة هي المنصة بالامتياز لتحدّي نظام الحزب الواحد. وقد سمحت له حنكته السياسية أحيانًا بالهروب من باخرة حزب هوفويت الوحيد. ومن خلال لعب ورقة المنصة، نجح لوران غباغبو في كسب الشهرة بين الطبقات الاجتماعية الأقل تفضيلًا”؛ على حد قوله.
مسيرتهم: النقابي العنيد ضد التكنوقراط اللامع
في بداية الثمانينيات طوت الأزمة الاقتصادية وانخفاض أسعار المواد الخام صفحة “المعجزة الاقتصادية” الإيفوارية؛ فأصبحت الدولة تفتقر إلى المال في وقتٍ يتحمّس فيه الشباب في استنكار النظام الاستبدادي. وفي الحرم الجامعي، كان لوران غباغبو في قلب الحركة التي قادت SYNARES (النقابة الوطنية للبحوث والتعليم) جنبًا إلى جنب مع رفيقته والناشطة الوفية سيمون إيهيفيت التي تزوجها عام 1989م.
وأسس الزوجان، في عام 1982م، حزب FPI (الجبهة الشعبية الإيفوارية) في مزرعة موز في دابو على بعد حوالي 30 كيلومترًا غرب أبيدجان، وكانت الحركة في البداية سرية، ثم غادر زعيمها البلاد إلى باريس، حيث عزز صداقاته داخل الحزب الاشتراكي واليسار الفرنسي، في وقت كان فرانسوا ميتران يواصل الحفاظ على أفضل العلاقات مع هوفويت بوانيي في قصر الإليزيه، قبل العودة في عام 1988م، لكن دون ثَنْي ركبته أمام “الرجل العجوز”.
في الوقت نفسه، كان الحسن واتارا يتنقل ذهابًا وإيابًا بين مؤسستين: FMI (صندوق النقد الدولي) وBCEAO (البنك المركزي لدول غرب إفريقيا) وبين واشنطن وأبيدجان في ظل الارتقاء في الرُّتب. وفي أكتوبر 1988م، أصبح مديرًا للبنك الإقليمي الفرعي على الرغم من أنه لا يشارك بنشاط في السياسة إلا أنه أحد الممثلين الرئيسيين لكوت ديفوار على المسرح الدولي، وقد أكسبته صورته المطمئنة سخاء رئيس الدولة الإيفوارية.
يُشكِّل عام 1990م نقطة تحول في تاريخ البلاد؛ حيث إنه للمرة الأولى يواجه أحد المنافسين فيليكس هوفويت بوانيي في الانتخابات الرئاسية، وعلى الرغم من حصول لوران غباغبو في المنافسة على أصوات رمزية 18.3٪، لكنه دخل في المشهد السياسي علمًا بأنه ندَّد بحشو صناديق الاقتراع، وأضفى لحزبه الشرعية ودخل الجمعية العمومية في ديسمبر مع ثمانية أعضاء آخرين من حزبه، وبذلك أصبح معارضًا وعضوًا في البرلمان يواجه باستمرار نظامًا هشًّا بشكل متزايد خصوصًا بعد تصاعد الخلاف على الخلافة بين هنري كونان بيديه والحسن واتارا مع استمرار فيليكس هوفويت بوانيي في التدهور.
ويُذكر أنه تم استدعاء التكنوقراط لإنعاش الاقتصاد الإيفواري المتدهور؛ مما أدَّى إلى توليه منصب رئيس الوزراء في عام 1990م –المنصب المستحدث- وتبنّى سياسة تعزيز المالية العامة من خلال التقشف الذي يهدف تجنّب التخلف عن السداد. لكن هامش الحرية السياسية للمعارضة تعرض للتقليص بشكل كبير. وتم اعتقال غباغبو، في 18 فبراير1992م، عقب مظاهرة عنيفة دعا إليها حزبه الجبهة الشعبية الإيفوارية ومنظمات أخرى، وحكم عليه بالسجن لمدة عامين مع آخرين بموجب قانون “مناهضة البلطجية” الجديد الذي صاغته حكومة واتارا. لكن في أغسطس التالي أُطلق سراحه أخيرًا غير أن سجنه ترك آثارًا. ومن جانبها اشتكت سيمون غباغبو على وجه الخصوص من سوء المعاملة التي تعرضت لها أثناء الاحتجاز مما ترك في نفسها بعض الاستياء من الشخص الذي سيصبح المنافس الأكبر لزوجها. ولكن نضال غباغبو أكسبه لقب “وُودي” لبلدة ماما، ويمكن ترجمتها “المتهوّر”.
علاقتهما: التحالف ضد بِيدي ثم التنافس الشديد
وباعتبار أن السياسة خاضعة للمعطيات، وجد الرجلان عدوًّا مشتركًا: هنري كونان بِيدي الذي خلّف رئيس البرلمان فيليكس هوفويت بوانيي الذي توفي في 7 ديسمبر 1993م. ولتفادي أي منافسة داخلية داخل PDCI (الحزب الديمقراطي لكوت ديفوار) شرع رئيس الدولة الجديد بتعديل قانون الانتخابات فكانت نقطة انطلاق لسياسة ivoirité (الإيفوارية) التي تم بموجبها إقصاء واتارا من السباق الرئاسي لعام 1995م، ممَّا أدَّى إلى مغادرة الأخير حزب PDCI وتأسيس حزبه RDR (تجمع الجمهوريين) مع جيني كوبينا، رفيق الخدمة العسكرية للوران غباغبو وهمزة الوصل بين الرجلين. وعلى الرغم من مقاطعة غابغو الانتخابات التي نظمها هنري كونان بِيدي “تضامنا” مع واتارا، وفاز فيها هنري كونان بِيدي بدون خصم حقيقي بنسبة 96٪ من الأصوات إلا أن غابغو استخدم المبررات ذاتها فيما بعد ضد الحسن واتارا.
تجدر الإشارة إلى أن فترة ولايته شهدت سلسلة من الأزمات لغاية 24 ديسمبر 1999م؛ حيث قاد الجنرال روبرت جيي انقلابًا معلنًا بأنه جاء “لترتيب البيت”، واكتفى لوران غباغبو بالقول “عُلِم” على الرغم من أنه “يعارض الانقلابات”، ثم انضمت الجبهة الشعبية الإيفوارية، إلى جانب حزب التجمع الجمهوري الديمقراطي، إلى حكومة انتقالية.
وعقب ذلك دعا الزعيمان إلى التصويت بـ “نعم” في الاستفتاء حول التعديل الدستوري في يوليو 2000م والذي يؤيد مع ذلك مفهوم إيفويريت (الإيفوارية) في مادته 35 التي تنص على أن المرشح لرئاسة الجمهورية يجب أن يكون “إيفواريًّا بالولادة ومن أب وأم إيفواريين”، وصرح الحسن واتارا “أنا مستهدَف من الدستور، لكني لا أشعر بالقلق بل سيسمح لنا هذا الدستور بالخروج من النظام الاستثنائي”، لكن تم إقصاؤه من المنافسة في الانتخابات الرئاسية في 22 أكتوبر بعد اعتماد النص المعتمد، كما تم إبعاد بيديه كذلك ثم فاز غباغبو على الرغم من محاولة روبرت جيي لعرقلة إعلان النتائج.
وبدعم شعبي حقيقي لهذا التناوب، قام لوران غباغبو بتعبئة الحشد وانحاز الجيش والشرطة إلى معسكره. وأطلق حزب التجمع من أجل الديمقراطية -المتهم بالازدواجية من قبل الجبهة الشعبية الإيفوارية- نشطاءه أيضًا في الشوارع مما أدَّى إلى اشتباكات دامية بين المتظاهرين من الجانبين أودت بحياة أكثر من 300 شخص.
ولمدة عشر سنوات في لعبة القط والفأر، شارك حزب التجمع من أجل الديمقراطية في الحكومات المفتوحة التي تشكلت في نهاية اجتماعات واتفاقيات ومفاوضات متعددة في وقتٍ تحوَّلت فيه احتجاجات جديدة إلى تمرد في 19 و20 سبتمبر 2002م. لكن الحسن واتارا لجأ إلى السفارة الفرنسية؛ خوفًا على حياته، في حين أن لوران غباغبو في طريق عودته من إيطاليا. وبعد ذلك شهدت البلاد انقسامًا إلى قسمين لعدة سنوات، وتضاعفت انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات الموالية والجماعات المتمردة إلى أن وصل عدد الضحايا إلى المئات.
لم يكن من مقدور المفاوضات في ماركوسي ولا أكرا ولا في بريتوريا، وضع الحد للصراع، وأعقب ذلك تأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2005م ست مرات، وخاصة أن “متهور بلدة ماما”، لوران غباغبو “الخباز” هو شخص يَلُفّ خصومه في الدقيق. وأخيرًا، سمح اتفاق تم توقيعه في واغادوغو تحت رعاية بليز كومباوري بتهدئة الوضع في 4 مارس 2007م.
ذروة أزمة 2010-2011م:
للمرة الأولى في تاريخ كوت ديفوار جمعت الانتخابات الرئاسية الأفيال الثلاثة الذين تقاسموا السلطة منذ وفاة هوفويت. وفي 31 أكتوبر 2010م، كان إمكان الناخبين التصويت لغابغو أو واتارا أو بِيدي، الرئيس المنتهية ولايته، جاء في الطليعة بنسبة 38٪ من الأصوات، لكنَّ خَصْميه اللذين أُعيد تشكيلهما بعد عقد من المعارضة في تحالف RHDP “تجمع الهوفويين من أجل الديمقراطية والسلام“ كانا ضده. وعلى الرغم من الجولات الفاصلة سمحت بإجراء نقاش تاريخي وحضاري إلا أن نتيجة الاقتراع أودت بالبلاد في أزمة جديدة.
وبينما أعلنت المفوضية العليا للانتخابات عن فوز الحسن واتارا أعلن المجلس الدستوري فوز منافسه لوران غباغبو؛ فأصبح كلاهما يتهم الهيئتين بالانحياز لخصمه، إلى أن أقرّ المجتمع الدولي بفوز واتارا، رئيس الوزراء السابق، وتم الاعتراف به دوليًّا. وهو الأمر الذي جعل الإيفواريين يشعرون أنهم يعيشون مع رئيسين وحكومتين، إلى أن أدى الهجوم النهائي إلى اعتقال لوران غباغبو في 11 أبريل، ثم انتشر حول العالم المشهد الذي يُظهر الرئيس السابق في قميص زوجته في ثوب نوم.. وبعد أربعة أشهر ونصف، تم إرساله إلى هولندا؛ حيث بدأت الرحلة القضائية المكوكية أمام المحكمة الجنائية الدولية، بينما يعد الحسن واتارا بـ “المصالحة” والانتعاش الاقتصادي لبلد توقف منذ عشرين عامًا؛ فضلاً عن أن الأزمة التي أعقبت الانتخابات خلَّفت 3000 قتيل، ولا تزال عائلات الضحايا تطالب بالإدانات.
العلاقات مع فرنسا: ارتباط محبط لأحدهما ومتين بالنسبة للآخر
يؤكد المقربون من لوران غباغبو على أن اعتبار الأخير مناهضًا للفرنسيين مبالغة بل وحتى “خرافة”؛ حيث تدرب جزئيًّا في جامعات فرنسا فضلاً عن معرفته بتلك البلاد وإتقان ثقافتها السياسية. لكنَّ الخلاف نجم من علاقاته المتضاربة مع جاك شيراك.
وطوال الحرب الأهلية استمر لوران غباغبو وأصدقاؤه في التنديد بـ “ازدواجية” موقف فرنسا التي، بدلاً من تفعيل اتفاقيات التعاون، اختارت حماية المتمردين تحت ستار الحفاظ على الوضع الراهن. وحرصًا على حماية مصالحها الاقتصادية أرادت فرنسا التخلص من الرئيس لوران غباغبو الذي شرع في البحث عن شركاء جدد؛ فأصبح شيراك ببساطة امتدادًا لشبكتي فوكارت و”فرانس أفريك”. لكنَّ التغيّرات التي تطرأ بالاستمرار على خطابات غابغبو أثارت استياء في الإليزيه نتيجة الطبيعة المتمردة “للمتهوّر” كما حدث عندما وصف الأخير الاتفاقية التي نُوقِشت مطولاً في ماركوسي في عام 2003م في اليوم التالي بـ “المقترحات البسيطة” .
وفي بداية نوفمبر 2004، تغير الوضع بعد الهجوم على معسكر الجيش الفرنسي في بواكي بعد أن كان الجيش الموالي على ثقة بالنجاح المحقق عسكريًّا حاسمًا على المتمردين غير أن السفير الفرنسي في ذلك الوقت، جيلداس لو ليديك، أقرّ بأنه التقى بغباغبو “المذهول” في تلك الليلة بالذات، ولا يعتقد أنه كان وراء العملية عطفًا على النفي رئيس الدولة مرارًا عن أيّ تورط مؤكدًا أنه “لا مصلحة له” في هذه القضية. لكن مع ذلك تم تدمير سلاحه الجوي انتقامًا وردًّا على الهجوم المعني قبل وصول رتل من المدرعات الفرنسية أمام منزله في اليوم التالي (هو ما تنفيه الرواية الفرنسية).
وبعد ذلك اندلعت احتجاجات جديدة مناهضة للفرنسيين؛ فتعرضت للقمع من الجنود الفرنسيين؛ حيث استخدموا الرصاص الحي ضد الحشود الغاضبة يوم 9 نوفمبر مما أسفر عن مقتل حوالي 60 شخصًا. لكن الاحتجاجات أدَّت إلى رحيل جماعي للمواطنين الفرنسيين والغربيين وانهيار النسيج الاقتصادي. ويقال: إن جاك شيراك، في نهاية ولايته، لم يعد يرد حتى على مكالمات لوران غباغبو.
وسمح رحيل الرئيس الفرنسي في عام 2007م في البداية بالتطبيع وعودة الهدوء إلى أبيدجان، وانتعاش الأعمال التجارية، واحتفاظ العديد من الشركات الفرنسية الكبيرة بأسواقها وافتتح فينسينت بولوريه في عام 2008م محطة الحاويات الجديدة مع رئيس الدولة الإيفوارية.
وعلى الرغم من عدم إبراز نيكولا ساركوزي، بعد وصوله إلى الإليزيه، عدم ثقته في لوران غباغبو، إلا أنه أقام صداقة مع الحسن واتارا على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية. التقى الرجلان بواسطة مارتن بويج، وهو من المقرّبين للرئيس الفرنسي الذي منحه رئيس وزراء هوفويت بونيي إدارة المياه والكهرباء في أوائل التسعينيات. وفي عام 2010م، خلال الحملة، ظل الحسن واتارا يردد التأكيد على قربه من نيكولا ساركوزي -يتردد بانتظام إلى الإليزيه- ولكن أيضًا مع لوران فابيوس أو دومينيك شتراوس كان. وصرّح لصحيفة “إكسبريس” بالقول: “إذا كان لديَّ خمسة أو ستة أصدقاء حقيقيين في العالم؛ فهو واحد منهم”. ولسبب وجيه دعمه “بَلادِيريون” منذ تسعينيات القرن الماضي ضد بِيدِي المعروف بقربه من جاك شيراك.
ترى أزمة ما بعد الانتخابات أن فرنسا، على غرار المجتمع الدولي بأسره، تدعم الحسن واتارا. وأثناء محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولي، وجّه لوران غباغبو التُّهم إلى القوات الخاصة الفرنسية بتنفيذ اعتقاله بشكل مباشر عندما فشل الجنود الموالون لواتارا في “اختراق” جدران منزله، أمام المحكمة الجنائية الدولية، أثناء محاكمته، سيتهم لوران غباغبو القوات الخاصة الفرنسية بتنفيذ اعتقاله بشكل مباشر، عندما فشل الجنود الموالون لواتارا في “اختراق” جدران منزله.
طبائع الشخصية: رجل المنبر ضد منظم الحزب
جدير بالذكر أن هناك العديد من أوجه الاختلاف بين لوران غاغبو والحسن واتارا سواء على مستوى التكوين أو الأسلوب وأيضًا حياتهم المهنية؛ فبينما يعشق لوران غابغبو، زعيم النقابات العمالية والمناضل السياسي، حشد الجماهير واستخدام جاذبيته ومقدرته على توظيف المشاعر الدينية والقومية والإفريقية والمناهضة للاستعمار. وزوجته، سيمون، مسيحية إنجيلية، تقنعه بـ “مصيره” كقائد إلى حد أن يكون منقذًا تقريبًا. ويشهد على ذلك ولاء دائرته الداخلية، التي عاشت على هامش النظام السياسي الإيفواري لمدة عشر سنوات تحت اسم “GOR” أو غباغبو أو لا شيء. ويقارنه أنصاره باستمرار بمانديلا، الرمز النهائي للنضال من أجل الديمقراطية في إفريقيا.
إذا كان الحسن واتارا يتمتع بشعبية بلا منازع مع مؤيّديه فهو مدين للمثابرة في تكوين حزبه RDR (تجمع الجمهوريين) في التسعينيات، وRHDP (تجمع الهوفويين من أجل الديمقراطية والسلام) منذ عام 2015م، وهو منتشر في كافة الأراضي الإيفوارية: أولاً، في الشمال حيث هو محوريّ، ولكن أيضًا في الوسط والجنوب، حيث ينافس مع التراث الهوفوي في PDCI لهنري كونان بيدي. لكنَّ الحسن واتارا يظل يعلن عن أنه أبو الاستقلال وهو مرجعه؛ وذلك للتأكيد على بُعد النظر والإحساس بالواجب في خدمة الوطن في النظرية أو في الحقيقة. وفي الواقع، لا تزال الإنجازات في البناء في الاستمرار منذ عشر سنوات في أبيدجان إلى جانب مشاريع التنمية والبنية التحتية ونتائج الاقتصاد الكلي التي جعلت المستثمرين والشركاء الأجانب يثقون فيه فضلاً عن أن البلاد تقترض بمعدلات منخفضة تاريخيًّا، وتستعيد دورها المحوري باعتبارها بوابة المنطقة الفرعية، لكن منتقديه يشيرون إلى أن النمو والتنمية ليسا مترادفين بالضرورة.
ومن جانبه، أشار عالم الاجتماع الإيفواري فهيرامان رودريغ كوني، من معهد الدراسات الأمنية إلى أن “في ممارسة السلطة، شهدنا أن هذين الشخصين اللذين يتسمان بأسلوب سياسي متناقض على ما يبدو أعاد إنتاج ثقافة سياسية مماثلة من نواح كثيرة”، مضيفًا إلى أن ” كليهما أقام آلية سياسية محسوبية مبنية على استغلال الشخصيات الدينية والاجتماعية والمجتمعية. وهذه الثقافة السياسية هي مصدر إضعاف الوحدة الوطنية. وعلى الجانب الاقتصادي، لم تكن الاختلافات كبيرة حيث كان عيّن وران غباغبو، الذي يدعي أنه ينتمي إلى الاشتراكية، وزراء اقتصاد وشخصيات مالية الذين وضعوا سياسات عامة ليبرالية بدلا من الاشتراكية، كما أن المسار الليبرالي المتبع حاليًا من الحكومة القائمة ليس واضحًا دائمًا، ولطالما كان الفساد والإثراء السياسي والإفلات من العقاب مكشوفًا تحت حكم كليهما”؛ على حد تعبيره.
العقيلات: المناضلة ضد رائدة الأعمال
وفي هذا السياق، نادرًا ما يفوت نشطاء الجبهة الشعبية الإيفوارية الفرصة لمقارنة غابغو، عن حق أو خطأ، بنيلسون مانديلا غير أن الواقع، في جنوب إفريقيا، نادرًا ما يتحدث المرء عن “ماديبا” دون التفكير في ويني، بطلة النضال ضد الفصل العنصري والشخصية المحورية في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي خلال العقود الثلاثة التي قضاها زوجها في السجن.
ومن جانبه استطاع “المتهوّر لبلدة ماما” الاعتماد طوال حياته المهنية على سيمون إيهيفيت زوجته من عام 1989م، ومنذ السبعينيات في الحرم الجامعي لم يذهب أحدهم إلى الجبهة دون الآخر. وفي الثمانينيات، أثناء منفى لوران، عملت سيمون على هيكلة حزب FPI بينما كانت تربي طفليها. وإثر وصولها إلى السلطة، أصبحت هذه الخريجة في الآداب والتاريخ نائبة، وهي جزء أساسي من الحزب وتتمتع بنفوذ كبير، وتعتبر زعيمة الجناح “المتشدد” للنظام كما تشتبه في دفع زوجها نحو قرارات جذرية. لكن تم اعتقالها تزامنًا مع اعتقال زوجها عام 2011م، وحكم عليها عام 2015م بالسجن عشرين عامًا قبل حصولها في 2018م على عفو رئاسي.
ومنذ عام 2001م، اضطرت سيمون غباغبو إلى قبول وجود امرأة أخرى، الصحفية السابقة نادي بامبا الرصينة، إلى جانب زوجها في المنفى منذ أزمة ما بعد الانتخابات والذي يشاركها منزلها في بروكسل. ولكن على الرغم من التوترات الناشئة عن هذا الوضع، واللجوء أحيانًا إلى الفودفيل عندما كانت السيدتان تتعايشان في أبيدجان إلا أن سيمون ما زالت تمثل دعمًا سياسيًّا كبيرًا حيث قامت بالتعبئة في الأسابيع الأخيرة لتحقيق “عودة خالدة “للوران غباغبو” خالدة… وصرّحت مؤخرًا بأنها تعني بذلك بأن روعة الحدث ستحول دون طمسها من ذكريات الناس، وستكون مؤثرة للغاية ومثيرة للفرح”؛ على حد قولها.
لكن مع دومينيك واتارا، السياسة هي نتيجة الاتحاد أكثر من كونها نتيجة للقضية المشتركة حيث وُلِدَت فرنسية في الجزائر، ودرست الاقتصاد قبل اكتشاف ساحل العاج عام 1975م على يد زوجها الأول، جان فولورو، المعلم الذي توفّي بعد عشر سنوات، غير أنها لا تزال في البلاد فضلاً عن أنها شرعت في تجارة العقارات عبر شركة AICIالتي تدير ممتلكات عائلة هوفويت بوانيي.
كما ازدهرت شركتها أيضًا في فرنسا، منذ نهاية الثمانينيات، ولا سيما في الأحياء الغنية في غرب باريس، ثم تزوج بها واتارا عام 1991م حين كان رئيسًا للوزراء. وقد ازدهرت أعمالها وانتشرت في إفريقيا والولايات المتحدة؛ لكن مصير زوجها أجبرها على ترك عالم الشركات لتتولى دور السيدة الأولى في عام 2011م. لكنها ظلت حاضرة جدًّا إلى جانب زوجها على الرغم من ابتعادها عن السياسة النشطة؛ إلا أنها تسلط الضوء على عملها من أجل الأطفال عبر مؤسسة أطفال إفريقيا التي تأسست عام 1998م وبناء مراكز طب الأطفال وإيوائهم، عطفًا على أنها كانت أيضًا السفيرة الخاصة لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز منذ عام 2014م.
لكن البعض يدّعون بأن لها، مثل سيمون غباغبو، ثمة تأثير معين على زوجها في اختيار معاونيه “يد حديدية في قفاز من القطن”، وقد أبلغنا أحد المحللين السياسيين أن “الكثيرين لا يجرؤون على نطق اسمه”. لكن أصولها الفرنسية وخلفيتها تغذّي انتقادات خصومه الذين يرون في ثُنائية واتارا “عملاء للأجنبي”، وهما زوجان من “العولمة الليبرالية” بعيدًا عن الاهتمامات اليومية للمواطن.
__________________
رابط المقال: