بقلم: بيتر بيارأجاك
ترجمة:سيدي.م.ويدراوغو
على الرغم من تحديات البطالة والفساد والقيادة السياسية المتشبثة بالسلطة والعنف السياسي؛ وجد العديد من الشباب الأفارقة طرقًا بنَّاءة لتعزيز السلام والحكم الفعَّال والإصلاح.
وتتصدر إفريقيا كل قارات العالم من حيث حداثة سنّ السكان بمتوسط عمر لا يتجاوز 19.7 عامًا، فضلاً عن أن واحدًا من كل ثلاثة شبان سيعيش في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بحلول عام 2050م، ومع ذلك، لا يزال 80 إلى 90٪ من العمال الأفارقة نشطين في قطاع الاقتصاد غير الرسمي، مع زيادة ما بين 10 إلى 12 مليون شاب إفريقي إلى القوى العاملة سنويًّا، ولكن يتم خلق ثلاثة ملايين وظيفة رسمية فقط كل عام، وفي الوقت نفسه هناك ما يقرب من نصف جميع البلدان الإفريقية تحتل المرتبة الربعية الدنيا من مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، وهي من المؤشّرات التي تعزّز الضغوط الاجتماعية.
معظم الشباب الأفارقة لم يختاروا طريق العنف:
الارتفاع المذهل لمعدل البطالة بين الشباب، وعدم الارتياح الشعبي على النطاق الواسع عن أداء الحكومات يثير القلق في أوساط الشباب الأفارقة بشكل متزايد، ويفرز توترات متزايدة بين القيادة السياسية المستبدة القائمة على المحسوبية وبين جيلٍ مثقف من الشباب، تربطهم وسائل التواصل الاجتماعي، يطالب بشكل متزايد بالإصلاح والانفتاح السياسي. وبعبارة أخرى، تتشكل رؤى مختلفة جذريًّا لمستقبل إفريقيا.
لكن من غير المستبعَد أن يؤدّي عدم إيجاد مسار الإصلاح إلى فقدان الأمل لدى الشباب، ثم تدهور الظروف أكثر فأكثر، ممَّا قد يسبّب المزيد من عدم الاستقرار وإحلال الصراع؛ ومع ذلك، فإن معظم الشباب الأفارقة لم يختاروا طريق العنف، وإنما قاد العديد احتجاجات أحرزت بعضها أرقامًا قياسية شُوهِدَتْ في أنحاء إفريقيا في السنوات الأخيرة.
وهذا يثير التساؤل حول كيف يمكن للشباب الانخراط بشكل هادف وبَنَّاء في بلدهم، والضغط من أجل الإصلاحات وتحسين الأمن؟
هذه بعض المبادرات الحالية التي بدأها وقادها الشباب الأفارقة والتي تهدف إلى توجيه طاقة وشغف الشباب الإفريقي نحو التأثير الإيجابي.
حل النزاعات وبناء السلام:
حوالي 16 دولة إفريقية تشهد صراعات مسلحة كبيرة، بينما تواجه دول أخرى أشكالاً مختلفة من العنف وعدم الاستقرار السياسي الذي يُقوّض النسيج الاجتماعي للمجتمعات الإفريقية، علمًا بأنَّ الصراعات المعنية تُعِيق التنمية والنمو الاقتصادي، كما تشكّل ضغوطًا إضافية على قدرة الشباب الإفريقي على تأمين الوظائف.
وعلى الرغم من هذه المجموعة من التحديات يشارك الشباب الإفريقي في مجموعة متنوعة من الأنشطة التي تهدف إلى حل هذه النزاعات وتعزيز التماسك الاجتماعي. وقد أبرزت هذه الجهود المواهب والإبداع لدى الشباب الإفريقي، ووجهَّت النشء نحو إعادة بناء الروابط الاجتماعية وتشجيع الحوار وتسهيل التعافي والمصالحة.
وعلى سبيل المثال، في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي شهدت عقودًا من الصراع وعدم الاستقرار السياسي، يحتلّ الشباب موقع الصدارة في الجهود المبذولة لاستعادة الروابط الاجتماعية؛ حيث تستخدم NPCYP (الشراكة الوطنية للأطفال والشباب في بناء السلام)، وهي مجموعة من المنظمات الكونغولية التي تتخذ من غوما مقرًّا لها، الفنون لتعزيز السلام والتعايش.
وتقع في مقاطعة شمال كيفو المضطربة، وشهدت غوما مستويات لا هوادة فيها من العنف السياسي منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994م. وعلى الرغم من هذه البيئة القاسية، فقد استفادت NPCYP من الفنون ليس فقط لتعزيز السلام وتشجيع المصالحة، ولكن أيضًا لتمكين الشباب الذين تحملوا مرارة الصراع وتداعياته، علمًا بأن المبادرة تتضمن التعبير الإبداعي للشعراء والفنانين الذي يوفّر منصة للخطاب. وقد عزّزت هذه الجهود الثقة المتبادلة وموقف التعايش بين الشباب من خلفيات مختلفة، عطفًا على فتح مساحة للمزيد من الحوار المتعمق حول دورهم في بناء السلام.
بينما في جنوب السودان، يستخدم الشباب الرياضة لبناء السلام والثقة المتبادلة بين القبائل المتحاربة التي تشارك في سرقة الماشية. ومنذ عقود من الزمان، عانى جنوب السودان من النزاع السياسي، فضلاً عن العنف الطائفي المرتبط بسرقة الماشية واختطاف النساء والأطفال. وكجزء من مبادرة المصارعة من أجل السلام، تستخدم منظمة Wrestling for Peace, South Sudan Wrestling Entertainment (المصارعة الترفيهية من أجل السلام في جنوب السودان)، وهي منظمة رياضة المصارعة المحلية أسَّسها ويديرها شباب من جنوب السودان لتعزيز التعايش السلمي بين العديد من قبائل جنوب السودان لا سيما في ولايات جونقلي المحمومة والبحيرات وشرق ووسط الاستوائية.
وقد أظهر فيلم وثائقي قصير من إنتاج VICE Sports تأثير هذه المبادرة على تعزيز السلام على المستوى المحلي؛ حيث إن المبادرة تحشد المصارعين من المعسكرات الرعوية، وتجمعهم في جوبا في منافسات تستغرق مدة شهر. وبصرف النظر عن البطولة نفسها، تُعقد اجتماعات جانبية بين القادة الشباب والقادة من مختلف المجتمعات، كما أن الإيرادات الناجمة عن بيع التذاكر للمتفرجين الذين يأتون لمشاهدة المنافسة تُسْهم في تمويل المبادرة. ومن خلال الانخراط في هذا البرنامج، أقام الشباب من المجتمعات المتنافسة علاقات دائمة ساهمت في حل النزاعات وإدارتها على المستوى المحلي.
وفي نيجيريا –أكثر دول إفريقيا سكانًا، والتي طال العنف العرقي والديني بعض المناطق منها-؛ يعمل الشباب بجدّ على تعزيز السلام من خلال التبادلات الثقافية والفعاليات بين الأديان، ويقدم مركز المساواة والإنصاف -وهو منظمة مجتمع مدني نيجيرية- دورات عبر الإنترنت للشباب والناشطين للمشاركة في حوار بين الأديان بهدف الحدّ من العنف بين الأديان.
وهذه المبادرة، التي تم إطلاقها في عام 2019م، لعبت دورًا في توسيع نطاق جهود بناء السلام كما يستهدف البرنامج، الذي تم تنظيمه افتراضيًّا منذ ظهورCOVID، الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، ويسوّغ فيهم فهم ثقافات أخرى غير ثقافاتهم من خلال تعريفهم بلغات وديانات مختلفة، عطفًا على مكافحة التطرف الذي يُحوِّل الدين إلى سلاح على غرار الاستغلال الديني الذي تمارسه جماعة بوكو حرام التي دمّرت أجزاء من شمال شرق نيجيريا. والهدف من ذلك هو تشجيع التسامح الديني ومكافحة الاستقطاب العرقي من خلال ضمان التفاهم المتبادل.
الحوكمة والمساءلة:
ساهم عدم قدرة العديد من الحكومات الإفريقية على إنجاز وتقديم الخدمات لمواطنيها بشكل كبير في تصاعد التوترات بين الشباب الإصلاحي والجيل القدامى من الفاعلين السياسيين الذين يمارسون السلطة من خلال سياسات الإصلاح.
وينعكس هذا في نمط الفساد الذي ابتُلِيَتْ به العديد من الحكومات الإفريقية حيث إن خمسة من بين الأسوأ أداءً في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية كلها من إفريقيا.
ولتعزيز المساءلة والحكم الرشيد، فإن معهد الإدارة المفتوحة (منظمة أبحاث سياسات وميزانية مقرها كينيا) يُمكِّن الشباب والنساء ومجموعات المجتمع المدني من المشاركة بشكل مباشر على نطاق واسع في الحكومة اللامركزية المحلية في كينيا.
ويُجري معهد الحوكمة المفتوحة أبحاثًا ويوفّر فرصًا تدريبية للشباب للمساعدة في تحديد أولويات الميزانية وتقديم المشورة بشأن استخدام الموارد لتحقيق الأهداف المعلنة، وقد ساهمت مشاركة الشباب هذه في مواءمة الموارد مع الأولويات التي حددها المواطنون ومكَّنتهم من مراقبة تنفيذ الأنشطة المخطط لها.
كما يقدم MINDS (معهد مانديلا لدراسات التنمية)، وهو مؤسسة فكرية قارية مقرها في جنوب إفريقيا، التربية المدنية التي تركّز على الانتخابات والحوكمة للشباب؛ من خلال مراكز التعليم الإقليمية في إفريقيا، علمًا بأن برنامج الشباب حول الانتخابات والحكم هو أحد البرامج الأساسية الأربعة التي يديرها المعهد.
والبرنامج المعني يهدف إلى مساعدة الشباب الأفارقة على فَهْم أن الاتحاد قوة، وكيف يمكنهم استخدامه لإحداث تغيير إيجابيّ. وبشكل أكثر تحديدًا، يُمَكِّن البرنامج الشباب من فَهْم كيفية استخدام بعض القادة السياسيين لسياسات الإقصاء من أجل التحايل على الديمقراطية في القارة.
ويشجّع المعهد على زيادة مشاركة الشباب في العمليات الانتخابية، ويثقِّف صفات القيادة الأخلاقية المناسبة بين الجيل القادم من القادة الأفارقة، علمًا بأن إضعاف الحكم الديمقراطي والمساءلة لم يُؤَدِّ إلى العنف في العديد من البلدان الإفريقية فحسب، بل أدَّى أيضًا إلى إفشال مصالح غالبية المواطنين الأفارقة بمن فيهم الشباب.
وتستخدم حركة الشبكة من أجل العدالة والتنمية وتحالف شباب مقاطعة كينيما مقاطع فيديو تشاركية لتشجيع الحوار بين الشباب في سيراليون حول قضايا الحوكمة.
ومن خلال مبادرة تُعرف باسم “الدعوة من خلال مقاطع الفيديو التشاركية”، تقوم هاتان المنظمتان بتعليم الشباب تسجيل مقاطع الفيديو واستخدامها للمشاركة في مناقشات بنَّاءة مع السلطات المحلية.
وعقب ذلك تتولى مجموعات الشباب مع المجتمع بإنتاج مقاطع فيديو حول القضايا ذات الاهتمام المشترك. وأثناء تطويرهم لأفلامهم يبنون رواية توافقية حول التحديات التي يواجهها الشباب، ويستخدمون قوة سرد القصص للتعبئة والتفاعل مع مسؤولي الحكومة المحلية. وقد أسفرت المبادرة عن حوار أكثر تعمقًا بين الشباب وممثلي السلطات المحلية مؤديًا إلى تحسين النتائج ذات العلاقة بالحكم الرشيد.
تحسين الأوضاع للشباب ومجتمعاتهم:
تجدر الإشارة إلى أن الاتساع المتزايد لعدم المساواة نتيجة سوء الإدارة وإساءة استخدام السلطة له تداعيات خاصة على الشباب والتحدّي الذي يواجهونه هو التوفيق بين إيجاد بدائل جديدة للمشاركة البنَّاءة وليس الهدامة. وهذه الحماسة تتيح فرصة للشباب للتعبئة والانخراط بشكل مباشر وإيجابي.
وعلى الرغم من التحديات الهائلة التي تواجه القارة، فإن الشباب في جميع أنحاء إفريقيا يبدعون في إيجاد طرق للمساهمة البناءة. ومن خلال هذه المبادرات، لا يتعلم الشباب ويبنون قدراتهم فحسب، بل إنهم يغيرون الأوضاع إلى حال أفضل لأنفسهم ومجتمعاتهم بشكل فعَّال.
كما يُظهر إبداع وتنوع المبادرات التي يشارك فيها الشباب الأفارقة لتعزيز بناء السلام والحكم الرشيد قدرة الشباب على الابتكار وحل المشكلات.
وعلى الرغم من الاقصاء العام للشباب من اتخاذ القرار لا تزال هناك فرص أخرى لهم لإسماع أصواتهم وتوجيه التغيير. ويمكن أن تؤدي هذه الاحتمالات إلى مشاركة هادفة تساهم في تحسين الحوكمة والأمن حتى عندما يبدو الموقف ميؤوسًا منه.
_________
رابط المقال: https://africacenter.org/fr/spotlight/la-jeunesse-africaine-engagee-pour-la-paix-et-la-securite/