المصدر: لوبيوني أفريك
ترجمة:سيدي.م.ويدراوغو
الرحيل المؤلم لإدريس ديبي أثار تساؤلات كثيرة حول ما يَنتظر تشاد بعد وفاة الأخير، ومن هنا تأتي أهمية فك هذا التشفير بشكل مقتضب.
اعتمادًا على الرواية الرسمية فإن إدريس ديبي إيتنو، المولع بصورته “المحارب”، سقط على أرض المعركة في الجبهة، غير أن سلسلة القرارات العديدة التي اتخذها الجنرالات التشاديون بدءًا بالتأسيس (السريع) للجنة العسكرية الانتقالية الذي تزامن مع انسحاب رئيس الجمعية الوطنية، على الرغم من أنه هو المخوّل من الدستور لنيابة الرئيس الراحل، و”الانقلاب” الذي استنكره البعض، ومسألة استمرار (أو عدم) توغل المتمردين والتساؤلات حول مصير مختلف وحدات الجيش التشادية المنتشرة في منطقة الساحل إلى جانب مصداقية الدولة التشادية كالشريكة في مكافحة الإرهاب، فضلاً عن تطور العلاقة مع فرنسا اعتمادًا على السيناريو الحالي، كلها نقاط تستدعي فَهْم البيئة السياسية العسكرية التي ظهرت على الساحة في الوقت الراهن.
وسيتم تسليط الضوء على خمس نقاط رئيسية لتوضيح الرؤية بشكل أفضل.
كيف تُوفِّي إدريس ديبي؟
تجدر الإشارة إلى أن الرواية الرسمية كانت معتدلة وخالية عن التفاصيل، وجاءت على هذا النحو: “المارشال ديبي تولى قيادة العمليات خلال المعركة البطولية التي خاضها ضد جحافل الإرهابيين من ليبيا، لكنه أصيب خلال الاشتباكات، وتوفي عندما أُعِيدَ إلى نجامينا”.
لكنَّ السؤال المزعج هو: كيف يمكن لرئيس أن يجد نفسه في الجبهة في مكان خطير للغاية لدرجة أنه يفقد حياته؟ الجواب: لا شيء مستحيل على إدريس ديبي الذي قدَّم نفسه بانتظام على أنه “محارب”، والذي كان يأتي لقيادة قواته على الأرض.
وأكد أنطوان جلاسر الخبير في الشؤون الإفريقية في وكالة فرنس برس أن “هذا هو نوع القتال الذي يعشقه إدريس ديبي”، مضيفًا أنه “ليس هناك أدنى شك في أنه ذهب إلى المعركة في الجبهة مع عدد من الجنرالات وفي مرحلة ما، تم استهدافهم” على حد قوله، مشيرًا إلى كمين ليلي في وجه المتمردين المدججين بالسلاح.
ورغم ذلك فمن الصعب تحديد تاريخ وفاة المارشال ديبي على وجه اليقين؛ حيث ذكر الجيش تاريخ الثلاثاء بينما أوضحت الرئاسة في الدعوة إلى الجنازة أنه توفي يوم الاثنين، يوم الإعلان من إعادة انتخابه لولاية سادسة. لكن بعض مؤيدي النظرية البديلة يزعمون أنه كان سيدفع ثمن تسوية الحسابات داخل مجموعته العرقية “الزغاوة” غير أنها تظل أطروحة لا شيء يؤكدها في هذه المرحلة.
من هو رئيس تشاد؟
محمد إدريس ديبي، البالغ من العمر 37 عامًا، نجل الرئيس الراحل ورئيس الحرس الرئاسي الهائل في النظام هو الرئيس الجديد لجمهورية تشاد منذ صباح الأربعاء؛ حيث في يوم الثلاثاء، في تتابع شبه فوري، تولى رئاسة المجلس العسكري الانتقالي المؤلف من 15 جنرالاً، وتم حلّ الجمعية الوطنية والحكومة. لكن المادة 81 من الدستور التشادي، التي ألغيت يوم الأربعاء، تنص على أنه “في حال وجود عائق نهائي بإقرار من المحكمة العليا بإحالة من الحكومة وبتصويت بالأغلبية المطلقة لأعضائها، فإن صلاحيات رئيس الجمهورية (…) يمارسها بصفة مؤقتة من قبل رئيس الجمعية الوطنية”. ولا يزال التوقيت مميزًا منذ الإعلان عن وفاة إدريس ديبي بعد ساعات فقط من إعادة انتخابه لولاية سادسة.
هل سيكون ديبي الابن قادرًا على ضمان استمرارية سَلِسة؟
يبدو أن “هذا لا يضمن الاستقرار على الإطلاق وعلينا الانتظار لنرى رد فعل القوات المسلحة وهل سيتمكن من فرض نفسه على جيش من الجنرالات الأكبر سنًّا؟ هل سينجح في هذا الانتقال؟”؛ تلك هي التساؤلات التي طرحتها كارولين روسي، باحثة في شؤون إفريقيا في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.
ومن جانبه أشار كاميرون هدسون إلى أنه “لو حدث هذا قبل عام لكان الوضع مختلفًا، ولكن في أعقاب انتخابات مزورة كانت تهدف ضمان بقاء ديبي في السلطة، فضلاً عن أنها أثارت الغضب والاستياء والإحباط على مستوى معين من بين السكان”؛ على حد قول خبير منطقة الساحل في المجلس الأطلسي.
وذهب أنطوان جلاسر إلى أنه “في حالة الذعر قد يكون هناك شكل من أشكال الاستمرارية والتقاضي على المدى المتوسط والطويل، ولكن كلما طالت مدة بقاء القائد في السلطة زاد تعزيز نفسه مع دائرته الضيقة الأولى”، مضيفًا بأن “أولئك الرفقاء الذين تم إهمالهم في المسيرة ينتهي بهم الأمر بدعم المجتمع المدني”، على حد قوله، علمًا بأن عدة مجموعات معارضة، خاصة بين صفوف الشتات، ندَّدت بـ”الانقلاب”، ودعت إلى عدم الاعتراف بـ “المجلس العسكري“.
من هم المتمردون؟
كما هو الحال في كثير من الأحيان في تاريخ تشاد، جاء التمرد من الشمال، وهي منطقة متمردة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بليبيا المجاورة. وفي 11 أبريل، يوم الانتخابات الرئاسية، شنَّت جبهة التناوب والوفاق في تشاد (Fact) هجومًا بمركبات مدججة بالسلاح من ليبيا ودخلت عبر نقطة حدودية جمركية في منطقة تيبستي بهدف احتلال العاصمة على بعد 1000 كيلو متر. وحتى يوم الاثنين، كان متمردو Fact قد قدموا قائمة بالعديد من الضباط الذين قُتلوا ومن بينهم “العقيد إدريس ديبي إيتنو” وهي الرتبة الأخيرة التي يعترف بها منتقدوه، ثم أعلنوا الثلاثاء أنهم يعتزمون مواصلة هجومهم على العاصمة.
ما هو مستقبل تشاد؟
على الرغم أن استمرار التساؤلات حول زحف المتمردين نحو نجامينا ستظل مطروحة على الواجهة في الأيام المقبلة، وفي غضون ذلك فقد تسبَّب الموت الوحشي لإدريس ديبي في إحداث صدمة لباريس، الحليف الوثيق لتشاد. وقد أشار أنطوان جلاسر إلى أن “هناك ثمة شعور بالدهشة في باريس التي لم يكن لديها خطة بديلة”؛ على حد قوله. لكن يمكن لفرنسا أن تعتمد بشكل خاص على الجيش التشادي في القتال ضد الإرهابيين في منطقة الساحل، إلى جانب قوة برخان، التي يقع مقرها الرئيسي في نجامينا.
وسيحضر إيمانويل ماكرون بنفسه جنازة السيد ديبي يوم الجمعة. وقد أشارت كارولين روسي إلى أن “ديبي قد بنى واحدًا من أقوى الجيوش في وسط إفريقيا قوامها يتراوح ما بين 40.000 و 65.000 جندي” مضيفة إلى أنه “جيش موثوق به ومدرَّب جيدًا”، واختتمت حديثها بالقول: “إنها حلقة عدم الاستقرار التي افتُتِحت في تشاد مع تداعيات محتملة على المنطقة بأسرها“، على حد تعبيرها.
______________
رابط المقال: