بقلم: فيفيان فورسون
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
السيدة النيجيرية البالغة من العمر 66 عامًا ستضطر إلى العمل لاستعادة بريق منظمة التجارة العالمية، وخاصة أنها هي المرأة الأولى التي تقود هذه المنظمة.
بعد حصولها على دعم إدارة بايدن تولَّت انجوزي أوكونجو إيويالا، الخبيرة الاقتصادية ووزيرة المالية والشؤون الخارجية النيجيرية السابقة، رئاسة منظمة التجارة العالمية يوم الاثنين مدركةً حجم التحديات التي تصاحب ذلك. وفي هذا السياق أشارت إلى أنه “لا يمكن للعالم أن يستمر في الانتظار”، وذلك في تصريح لها شبيه بالتنديد بوقت الانتظار الذي فرضته إدارة دونالد ترامب التي لم ترغب فيها على رأس هذه المنظمة الدولية المكرّسة للتجارة العالمية، علمًا بأن المجال أصبح فسيحًا بعد تنحّي منافستها، وزيرة التجارة الكوري الجنوبي يو ميونغ هي. لكنَّ مهمتها الأولى ستكون إخراج المؤسسة من أزمتها شبه الوجودية واستعادة الثقة حول منظمة التجارة العالمية في جوٍّ من عدم الثقة في التعددية، علمًا بأن “وصول كريستين لاغارد إلى صندوق النقد الدولي كان في الحقيقة رمزًا قويًّا للمرأة، ولدينا مرة أخرى امرأة إفريقية تتولى رئاسة مؤسسة تتمتع بجاذبية كبيرة إلى حد ما حتى الآن”؛ على حد تعليق بيير جاكيمو، السفير السابق وللقارة الإفريقية.
مسافة قصيرة نحو إدارة منظمة التجارة العالمية:
انطلاق الأمر كان في أغسطس الماضي، بعد استقالة البرازيلي روبرتو أزيفيدو قبل عام من انتهاء ولايته لأسباب عائلية؛ حيث دعمت الدول الأعضاء في المنظمة -التي تم إنشاؤها في عام 1995م في أعقاب اتفاقيات مراكش في المغرب- بشكل أساسي ترشيح نغوزي أوكونجو إيويالا الخبيرة الاقتصادية التي أمضت خمسة وعشرين عامًا في البنك الدولي، ومع ذلك كان هناك حلقة مفقودة في الدعم نتيجة ترأس دونالد ترامب الولايات المتحدة آنذاك الذي لم يكن يؤيد الترشيح بحجة “نقص الخبرة” لنيجيريا في التجارة العالمية؛ حيث لم يكن يتردد كبير المفاوضين في إدارة الرئيس السابق في القول: إن “انتخابها سيكون خطأ”.
لكن لحُسْن حظ انجوزي أوكونجو إيويالا أتاحت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة بانتخاب جو بايدن رئيسًا من الحزب الديمقراطي وبرؤية أخرى معاكسة لرؤية دونالد ترامب فيما يتعلق بالتعددية ومنظمة مثل منظمة التجارة العالمية. وبعد الضغط عليها للوفاء بوعدها بإعادة إطلاق التعاون الدولي رفعت الإدارة الجديدة شرط الرهن العقاري الذي كان يعرقل ترشيح النيجيرية التي أصبحت مؤخرًا مواطنةً أمريكيةً.
ولكن هل يمكننا القول بأنها وصلت أخيرًا معززة إلى السلطة على رأس منظمة التجارة العالمية؟
أجاب بيير جاكيمو بـ “نعم ولا”؛ حيث يرى أن ترشيحها كان ممكنًا لأن جو بايدن فاز في الانتخابات –إنه ميزة- عطفًا على الإجماع حول ترشيحها بينما كان يعارضها دونالد ترامب لأسباب غير معلنة. ولكنها تأتي في مواجهة الرياح المعاكسة حسب وجهة نظر السفير السابق، “وفي الواقع لا يختلف السياق كثيرًا عما اختبره أسلافها؛ لأنه سيتعين عليها محاولة تغيير مؤسستها نحو المزيد من التضامن الدولي والمزيد من المساعدة المتبادلة. ويشير الخبير إلى أن تحليلها للوضع يجب أن يكون أكثر دقة وذكاء من أجل أن تأخذ في الاعتبار بشكل أكبر حالة البلدان التي يمكن أن يُشكّل الانطواء على الحمائية عنصرًا لحل الخروج من الأزمة الوبائية” على حد تعبيره.
التحدّي الكبير لانجوزي أوكونجو إيويالا:
ما يجب الإشارة إليه هو أنه لم يَعُد هناك المزيد من الوقت نُضيّعه نتيجة وجود العديد من المشاريع؛ حيث على المستوى الداخلي نستمر في التوضيح أن المؤسسة بحاجة إلى تغييرات كبيرة؛ لأن رئاسة ترامب ارتكبت الكثير من الأخطاء، وبسبب بعض أفعالها -على غرار رفض تفويض تعيين قضاة جدد- تم تقويض نظام الاستئناف الخاص بمنظمة التجارة العالمية، وكذلك قدرتها على حل النزاعات التجارية الضرورية لا سيما أمام حالة الاستقطاب العدائي كما هو ملاحظ بين واشنطن وبكين، فضلاً عن أن منظمة التجارة العالمية قد أوقفت عمليًّا في الأشهر الأخيرة قواعد الإجماع للموافقة على قراراتها.
لكن الشيء المؤكد هو أن مساحة انجوزي أوكونجو إيويالا للمناورة ضيقة؛ نظرًا لتعدُّد التوقعات من جميع الجوانب ومن إفريقيا بشكل خاص. وللوهلة الأولى يبدو أن العرض الذي قدمته النيجيرية عن رؤيتها في الإدارة لا يضع القارة في المقدّمة إلا بطريقة مستحدثة مرتبطة بإعادة هيكلة المنظمة. وفي منتصف أكتوبر، أشارت الأخيرة إلى أنها تريد تحديد لنفسها أولويتين لإظهار أن منظمة التجارة العالمية ضرورية:
أولاً: اتفاقية حول دعم مصايد الأسماك، والتي تنوي أن تكون قادرة على تقديمها إلى المؤتمر الوزاري القادم، ثم إصلاح هيئة تسوية المنازعات -محكمة منظمة التجارة العالمية- التي أُصيبت بالشلل منذ نسفها مِن قِبَل إدارة ترامب.
كما دعت منظمة التجارة العالمية مؤخرًا إلى التركيز على الوباء؛ حيث إنَّ أعضاء المنظمة منقسمون حول كيفية التعامل مع إعفاء محتمل من حقوق الملكية الفكرية على العلاجات واللقاحات المضادة لفيروس كوفيد وخاصة في وقت تُطرح فيه بوضوح مسألة سهولة الحصول على اللقاحات، وفي تعليق له أشار بيير جاكيمو إلى القول بأن “منظمة التجارة العالمية تعطلت لمدة عشر سنوات .. وعلى الرغم من أن هذه المؤسسة تسعى إلى تعزيز تخفيض الرسوم الجمركية على نطاق عالمي والتجارة الحرة المعممة، ومع ذلك، فإننا نلاحظ على مدار السنوات العشر الماضية، وخاصة في ظل رئاسة ترامب، تصاعدًا في الحمائية ولا سيما بين الدول الغربية، ومِن ثَمَّ إعادة الحواجز أمام التجارة سواء في مجال حقوق الإنسان أو حواجز التعريفة لأسباب صحية أو لأسباب أخرى.
ثانيًا: هناك تزايد في فعالية المنظمات الإقليمية مما يعني أن التجارة الحرة لم تَعُدْ على نطاق عالميّ، ولكن حتى بين مجموعات من البلدان التي تلتزم بقواعد مشتركة على غرار الاتحاد الأوروبي بشكل واضح، ولكن أيضًا في مناطق أخرى من العالَم، سواء في أمريكا اللاتينية، وآسيا، ومؤخرًا، إفريقيا مع زليكاف. وهناك ثمة قاعدة تفرض الصمت على رئيس منظمة التجارة العالمية بشأن الاتفاقيات التجارية الثنائية أو الإقليمية. “إنها سلسلة كاملة من التدابير التي تقادم عهدها تحت تأثير جائحة كوفيد-19، مع مخاطر احتمال فرض ظاهرة الانطواء على الذات سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي من أجل التمكُّن من الاحتراز من مخاطر جديدة”، مضيفًا أنه “بالنسبة للبلدان الإفريقية، إلى جانب مشكلة الديون، هناك حالة من التدهور الحاد في الأوضاع غير التنموية والحالات الحرجة على وجه الخصوص مع وصول 5 ملايين فقير إضافي في قارة تضم بالفعل عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر”؛ على حد تعبير بيير جاكيمو.
وهل وجدت نجوزي أوكونجو إيويالا الحل للتغلب على هذه الصعوبات؟ لقد انخرطت، على أي حال، في العمل الأكثر سرية لمنظمة التجارة العالمية بشأن التجارة الإلكترونية وتيسير الاستثمارات من أجل التنمية والتنظيم المحلي للخدمات أو التجارة والتمكين الاقتصادي للمرأة؛ وربما ستحقق النتائج في هذه النقاط الحاسمة، وذات التأثير الكبير على الحياة اليومية لعددٍ كبيرٍ من الناس وعلى مستوى جميع القارات بدءًا من إفريقيا.
ومن جانبه أشار محمد آب ولد سيدي ولد الجيلاني، المفتش العام الموريتاني الأسبق وصاحب مبادرة الالتماس الداعم لترشيح انجوزي أوكونجو إيويالا لرئاسة البنك الدولي في عام 2012م، إلى أن “اليوم، أعتقد بصدق أن منظمة التجارة العالمية محظوظة للغاية لوجود هذه السيدة الاستثنائية على رأسها”؛ على حد قوله. علمًا بأنَّ الأمريكي جيم يونغ كيم هو من حصل على المنصب على الرغم من دعم رئيس المؤسسة في ذلك الوقت، روبرت زوليك، وجاءت الأخيرة في المرتبة الثانية. ويظل يتذكر هذا المستشار اجتماعه مع انجوزي أوكونجو إيويالا في عام 2008م، وخاصة عن مبادراتها في مكافحة الفقر.
وعطفًا على بعض التقديرات الفردية استفادت أيضًا من الدعم النشط من رئيس الدولة النيجيري محمدو بخاري، الذي لم تكن انجوزي الخيار الأول له، غير أنها حظيت بالدعم النشط كذلك من الجهات الفاعلة الاقتصادية الرائدة على غرار رئيس بنك التنمية الإفريقي، أكينوومي أديسينا، أو رجل الأعمال النيجيري أليكو دانغوتي، وهو شيء معروف جيدًا في عالم المنظمات الدولية عندما يتعلق الأمر بتولي المناصب الدولية.
وما شأن إفريقيا في كل هذا؟
على الرغم من الإشارة إلى الأصل الإفريقي لانجوزي أوكونجو إيويالا؛ إلا أنه يجب الانتباه إلى أن النظام الأساسي لمنظمة التجارة العالمية لا ينصّ على التناوب الجغرافي لمنصب المدير العام، لكن لم يمنع ذلك من رفع الأصوات في السنوات الأخيرة للمطالبة بتعيين إفريقي على رأس المنظمة.
وقبل مواجهة الكوري الجنوبي يو ميونغ هي، فازت انجوزي أوكونجو إيويالا في الانتخابات التمهيدية على مستوى القارة؛ حيث كانت بالفعل في منافسة مع اثنين من الدبلوماسيين، الأول المصري عبد الحميد ممدوح، ثم أمينة محمد، وزيرة الرياضة الكينية، وتمكنت النيجيرية من كسب الرهان من خلال حشد الاتحاد الإفريقي وكذلك الاتحاد الأوروبي لترشيحها.
ويجب القول: إن النيجيرية خبيرة اقتصادية بالامتياز إلى جانب استراتيجي جيد في فن الإدارة والتواصل، فضلاً عن أنها استطاعت كسب إعجاب ودعم مواطنيها إلى جانب معرفتها الكاملة بالولايات المتحدة؛ حيث درست، وعاشت لسنوات عديدة قبل أن تصبح مواطنة في عام 2019م، وتتقن الفرنسية “ولسبب وجيه لكونها وُلِدَتْ في 13 يونيو 1954م، في أوغواشي – أوكو، في دلتا النيجر في بلد إيغبو، وظلت انجوزي أوكونجو إيويالا تبحر في ألغاز العالم الاقتصادي لأكثر من أربعين عامًا”؛ حسب ما ذكره أوليفييه لافوركاد، رئيسها عندما بدأت مسيرتها في البنك الدولي، وهي بالكاد تبلغ من العمر 25 عامًا، في اتصال هاتفي.
من حرب بيافرا:
لم يكن هناك ما يوحي إلى أنها ستجد نفسها يومًا في واشنطن وسط نُقّاد الاقتصاد العالمي، علمًا بأنها انجوزي أوكونجو إيويالا نشأت في نيجيريا تحت الاستعمار الإنجليزي، ثم في دولة مستقلة اندلعت فيها الحرب الأهلية في بيافرا في وقت كان والديها أساتذة: أحدهما في علم الاجتماع والآخر في الاقتصاد. وعاشت في طفولتها لفترة مع جدتها في قرية نيجيرية، بينما كان والداها يدرسان في ألمانيا، وفي وقت لاحق، خلال الحرب، انضم والدها الأستاذ المتقاعد تشوكووكا أوكونجو، إلى جيش بيافرا الانفصالي كعميد، بينما الشابة انجوزي، التي يعني اسمها الأول “نعمة” بلغة الإيغبو، كانت جنبًا إلى جنب مع والدتها كاميني لتوزيع الحساء على القوات، وقد ذكرت في تصريح لها “لديَّ ذكريات تظل حاضرة عن أطفال يموتون حولي”، وفي سن الرابعة عشرة، في خضم حرب بيافرا أنقذت الشابة انجوزي أوكونجو إيويالا حياة أختها التي كانت حينها تعاني من مرض الملاريا، وكان يتعين عليها أن تحملها على ظهرها لأكثر من 10 كيلومترات للوصول إلى المركز الصحي النادر في المنطقة، وعند وصولها وجدت المراهقة نفسها وسط حشد قرابة ألف شخص ينتظرون الرعاية مثلهم؛ فدخلت من الباب الخلفي مما سمح لمقدم الرعاية بإعطاء حقنة الكلوروكين للفتاة الأصغر في اللحظة الأخيرة.
وسافرت إيويالا، وهي بالكاد مراهقة إلى الولايات المتحدة؛ حيث درست بفضل المنح الدراسية في جامعتين مرموقتين: معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وهارفارد. وأطروحتها الطويلة تتحدث عن مواضيعها المفضلة: “سياسة الائتمان والأسواق المالية الريفية والتنمية الزراعية في نيجيريا”.
وتجدر الإشارة إلى أنها “كانت قادرة على السير لمئات الكيلومترات في أقاصي رواندا المدمرة لمرافقة الفلاحين، عطفا على معرفتها السياسات الزراعية لكل بلد عن ظهر قلب، وتعرف كيف تعيش العائلات الريفية، وكيف يتم تطوير المزارع، فضلاً عن أنها كانت حاضرة للغاية في البلدان الناطقة بالفرنسية، في الكونغو، وبوركينا فاسو، والنيجر، وبنين، وحتى في توغو، على وجه الخصوص لمساعدة بلدان منطقة الفرنك سِيفا بُعَيْد خروجها من صدمة انخفاض حاد في قيمة العملة”؛ على حد تعبير أوليفييه لافوركاد الذي بقي قريبا جدًّا من الرئيسة الجديدة لمنظمة التجارة العالمية، والذي يؤكد شهيتها للميدان، بالإشارة إلى أنها “ليست شخصًا يحبّ الحياة المكتبية أو الفنادق الفاخرة“؛ على حد تعبيره.
جدير بالذكر أنها مرت بجميع المستويات منذ انضمامها إلى فِرق البنك الدولي، وسرعان ما أصبحت عنصرًا محوريًّا، سواء على مشهد التنمية العالمية، أو على مشهد بلدها؛ حيث شغلت مناصب وزيرة المالية، ثم الخارجية، وفي هذين المنصبين، لفتت الانتباه لمهاراتها التفاوضية.
مفاوضة نيجيرية ماهرة أمام المانحين:
دارت أحداث المشهد في أكتوبر 2005م في باريس حين كانت وزيرة المالية والاقتصاد النيجيري برئاسة أولوسيجون أوباسانجو، حيث تمكنت انجوزي أوكونجو إيويالا -المعروفة بزيّها الإفريقي الملون ونظارتها الصغيرة- من إنجاز حدث تاريخي من خلال الحصول من دائني نادي باريس، بعد شهور وليالٍ من المفاوضات، اتفاقية تخفيف أعباء الديون البالغة 18 مليار دولار من أصل 30 مليار دولار كانت مستحقَّة على بلادها التي احتلت المرتبة الأولى بين الدول الأكثر فسادًا في العالم؛ “لقد رأيتها تتفاوض وما يزال ذلك شيئًا مذهلاً… وقد وضعتْ برنامجًا اقتصاديًّا أكثر طموحًا حتى من برنامج صندوق النقد الدولي”؛ على حد قول سيرج ميخائيلوف، زميلها السابق في البنك الدولي.
نحن في وقتٍ يسود فيه انطباع سيّئ عن سمعة نيجيريا؛ لكونها دولة فاسدة إلى حد كبير، الأمر الذي لا يشجّع المانحين على التهاون حيال ذلك، وعلى الرغم وضعها كأكبر مُنْتِج للنفط في إفريقيا في وقتٍ يرتفع فيه سعر البرميل، لا يميل نحو الاستفادة من المعاملة التي تقتصر عادة على الدول الفقيرة، ومع ذلك، وافق نادي باريس قبل بضعة أشهر على إلغاء ديون العراق هي الأخرى، وهي دولة غنية بالنفط.
وهي سابقة لم يتردد النيجيريون ولا سيما انجوزي أوكونجو إيويالا في توظيفها “خطتك تبدو جيدة، لكن اذهبي وراجعي صندوق النقد الدولي حتى نعرف ما تفعلونه في الواقع”، وكان يهدف بذلك صدمتها والإيحاء بعدم القبول نهائيًّا من طرف الدائنين، لكن كان رد الوزيرة “لقد أقرضتم الفاسدين وأنتم تجرؤون على المطالبة بسداد هذا الدَّيْن لواحدة من أفقر دول العالم؟ لم ينس أوليفييه لافوركاد أي شيء لا عن هذا السلاح الفذّ ولا السياق.
وقد أشار المدير السابق والمسؤول عن دول غرب ووسط إفريقيا إلى أن “نيجيريا كانت بالكاد تطوي الصفحة على الديكتاتور ساني أباشا”، وكان الجميع يعلم أن الأموال التي حصلت عليها نيجيريا قد أُقرضت في الواقع لحكام دكتاتوريين عسكريين فاسدين، ولم تكن انجوزي أوكونجو إيويالا بحاجة للاحتماء من قيود صندوق النقد الدولي؛ حيث إنها نجحت في وضع برامج إصلاح هيكلية تجاوزت ما كان يمكن أن يُطلب منها من صندوق النقد الدولي.
و”منذ عام 1992م، لم تتلقَّ البلاد أيّ قروض جديدة بل سدد النيجيريون ديونهم ما يقرب من ستة أضعاف مبلغ مساعدتهم. ولكن بجرأة ومهارة، تمكَّنت من حلّ مشكلة الديون واستطاعت التوجُّه إلى نادي باريس في منتصف الطريق تقريبًا، وقد فاجأ ذلك الكثير من الناس”، على حد قول أوليفييه لافوركاد، وقد أكسبته هذه الشهرة تقدير التايمز في عام 2004م، وانتخابها كأفضل وزير المالية الإفريقي للعام من قبل صحيفة فاينانشيال تايمز.
وفي وقت الانتخابات في أبريل 2006م، في مواجهة آلة أوباسانجو التي لا تريد أن تعاني من أي منافسة، عادت انجوزي أوكونجو إيويلا بهدوء إلى البنك الدولي منزلها الثاني في وقت كان ينتظرها في واشنطن، زوجها، الدكتور إيكيمبا إيويالا، جراح الأعصاب الشهير، وأطفالها الأربعة -فتاة وثلاثة أولاد-، وجميعهم تخرجوا من جامعة هارفارد. وابنه أوزودينما، الأصغر، صنع لنفسه اسمًا بالفعل في سن 23 بفضل أطروحته حول حياة جندي طفل في غرب إفريقيا، وتم تصنيف الرواية الأكثر مبيعًاBeasts of No Nation من قبل Netflix، مما جعلها فيلمًا عام 2015م من بطولة الممثل إدريس إلبا.
مآخذ المنتقدين:
وعلى الرغم من أن الخلفية الأكاديمية والمهنية لـ انجوزي أوكونجو إيويالا مثيرة للإعجاب إلا أن هناك أشخاصًا لا يثنون عليها فقط؛ حيث إنَّ منتقديها يتحاملون عليها لاعتقادهم بأنها لم تفعل ما فيه الكفاية للقضاء على الفساد عندما كانت رئيسة الشؤون المالية في أكبر دولة في القارة الإفريقية من حيث عدد السكان، وقد أضاف أوليفييه لافوركاد بأن “منذ بداية مهامها كوزيرة للمالية، اتخذت إجراءات صارمة لمكافحة الفساد”، وقد زجّت بأشخاص في السجن وأشخاص مهمِّين وقضاة وعسكريين، مما أدى إلى وضعها تحت الحماية”؛ على حد قوله. ومنذ تلك السنوات اكتسبت لقب “Okonjo-Wahala”وهو تلاعب بالألفاظ باسمها ويمكن ترجمتها بلغة اليوروبا على أنها “أوكونجو المزعجة“ .
لكنَّ المآخذ والانتقادات تتضح بشكل أكثر في دوائر الطبقة العاملة النيجيرية، وتجدر الإشارة إلى أنها تنتمي إلى قومية الإيغبو المسيحية في بلد لا يزال منقسمًا دينيًّا كما يُنظر إليها على أنها تكنوقراط في خدمة الرأسمالية المالية الدولية والبنك الدولي. ويُشار إلى أنه في ذلك الوقت إذا كانت البلدان الناطقة بالفرنسية في منطقة الفرنك قد أُصيبت بصدمة بسبب تخفيض قيمة العملة في التسعينيات، فإن النيجيريين أصيبوا بالصدمة نفسها بسبب برامج التكيف الهيكلي التي دمَّرت آلاف الوظائف في المنطقة عطفًا على تعميق الركود.
وفي كتاب نُشر عام 2018م “محاربة الفساد أمر خطير” ركزت انجوزي أوكونجو إيويالا كثيرًا على قوى مقاومة التغيير التي كان عليها مواجهتها كما تحدثت باستفاضة عن اختطاف والدتها التي كانت تبلغ من العمر 82 عامًا -وهي ممارسة شائعة جدًّا في البلاد- في محاولة لمنعها من وَضْع حدّ لعمليات الاحتيال المتعلقة بدعم البنزين في نيجيريا.
ومن جانبها كشفت سارة تشايس، مؤلفة كتاب “لصوص الدولة”، وهو كتاب قام بتحقيقات عن الفساد على نطاق واسع، وأشارت فيه بأن “الوزيرة، ربما تكون قد تبنَّت بعض إصلاحات الشفافية، لكن ما يقرب من مليار دولار كان يختفي كل شهر من خزائن الدولة عندما كانت مديرة المالية”، وأطلقت تصريحًا مثل قاذف اللهب بقولها: “هناك تعطش للقصص الإيجابية، وفي الوقت الذي تثار فيه مسألة التنوع في النقاش العام، فإن كونها امرأة سمراء في مصلحتها”؛ على حد تعبير الأمريكية التي ترى أن من “العار أن يتم اختيارها لهذا الدور”، ومع ذلك، لم تتم مقاضاة أوكونجو إيويالا بتهمة نهب خزائن الدولة، على الرغم من أن منتقديها يعتقدون أنه كان بإمكانها فعل المزيد لمنع الاختلاس.
وقد ذكرت أولانريواجو سوراجو من أجندة التنمية البشرية والبيئية، وهي منظمة غير حكومية نيجيرية بأنه “كان بإمكانها الاستقالة وكشف الفساد”؛ إنها جملة من الهجمات القاسية التي تظهر أنه على الرغم من الدعم الذي مكَّنها من الوصول إلى الإدارة العامة لمنظمة التجارة العالمية إلا أن هناك منتقدين كانوا سيغلقون طريقها بكل سرور.
إفريقيا في الانتظار:
إلى أولئك الذين ينتقدونها لافتقارها إلى المهارات التقنية في مجال تحكمه القواعد البيزنطية، ردت في ندوة عبر الإنترنت في يوليو نظمها تشاتام هاوس، وهو مركز أبحاث بريطاني بالقول: “لقد عملت طوال حياتي على السياسات التجارية أكثر من أي شيء آخر، ويجب أن يتحلَّى رئيس منظمة التجارة العالمية بالجرأة والشجاعة”؛ مما يشير إلى أن الاختيار لا يمكن أن يتم على أساس المهارات الفنية فقط.
بصفتها عضوًا اجتماعيًّا حقيقيًّا لا تتردد الوزيرة النيجيرية السابقة في حضور الاحتفالات وغيرها من الأحداث التي تجمع النخبة العالمية، مثل عائلة دانجوتي.
إنه خطاب أقنعت به دوليا لكنها لم تبدد التساؤلات حول القارة الإفريقية؛ حيث تم تعيينها في يوليو الماضي مبعوثة خاصة للاتحاد الإفريقي في مكافحة الوباء بمهمة حشد الدعم الدولي لوقف الأزمة الاقتصادية التي تعصف بها الدول الإفريقية بشكل قاسٍ، ونظل ننتظر إبلاغنا بالنتائج.
وهناك تساؤلات كثيرة تراود الكثيرين؛ حيث إنَّ القارة تواجه الآن صعوبات هائلة في الحصول على اللقاحات عبر آلية كوفكس التي أنشأتها منظمة الصحة العالمية وCEPI (لائتلاف للابتكار في التأهب لمواجهة تفشي الأوبئة)، وكالة اللقاحات جافي.
في الواقع إن انجوزي أوكونجو إيويالا ليست هي المسؤولة الوحيدة عن ذلك حيث ذهب أعضاء آخرون في منظمة الاتحاد الإفريقي في مغامرات أخرى دون الكشف عن نتائج مهمتهم، لكن ألا يمكن أن تكون الخبيرة الاقتصادية أكثر حسمًا مع منصبها كرئيسة لمجلس إدارة Gavi، إلى جانب مؤسسة بيل غيث؟
تجمع انجوزي أوكونجو إيويالا بين الوظائف والأوسمة التي لا تؤثّر دائمًا على حياة الأفارقة؛ حيث إنها مستشارة أولى في Lazard وعضوة في مجالس إدارة Standard Chartered PLC وTwitter. ويكفي القول: إن ما تتوقعه إفريقيا من تعيينها على رأس منظمة التجارة العالمية هو أن يكون لها معنى في استحضارها ومراعاة اهتماماتها في حفل التبادلات الدولية.
_____________________________
هامش:
نبذة مختصرة عن انجوزي
1954 م وُلِدَتْ في انجوزي أوكوو في نيجيريا.
1981 م تخرجت في جامعة هارفارد بدرجة الدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا .(MIT)
1982 م انضمت إلى البنك الدولي حيث أصبحت في المرتبة الثانية.
2003 م الفترة الأولى كوزيرة المالية في عهد أولوسيغون أوباسانجو.
2011 م الفترة الثانية كوزيرة للمالية في عهد جودلاك جوناثان.
2012م فشلت بالفوز لمنصب رئيسة البنك الدولي في مواجهة الأمريكي الكوري جيم يونغ كيم.
2014 م تحت ولايتها أصبحت نيجيريا القوة الاقتصادية الرائدة في إفريقيا أمام جنوب إفريقيا.
2016 م رئيسة مجلس إدارة تحالف اللقاحات .Gavi
________________
رابط المقال: