جولومي سوتو مايور، ديلينا جوكهو – ذي كونفرسيشن[1]
إنَّ عملية مراجعة الاستراتيجية الأوروبية لمنطقة الساحل لعام 2011م تحدث في ظل أحداث سوداوية؛ فالأزمة الإنسانيَّة قد تفاقمت بصورة كبيرة في عام 2020م، والتي تُمثّل إحدى أشد الأزمات القاتلة في المنطقة منذ عام 2012م؛ حيث اتَّسم العنف في تلك الفترة بانتهاكات جسيمة ضد المدنيين، ليس فقط على يد الجماعات والمليشيات المتطرفة، ولكن أيضًا على يد قوات الأمن الحكومية في عمليات مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة.
ففي غضون العقد الماضي، خصَّص الاتحاد الأوروبي المليارات لتنمية ومساعدة الجيوش في تلك المنطقة، وكان معظم تلك المساعدات مدفوعًا بالرغبة في احتواء حركات الهجرة، والمساهمة في جهود مكافحة الإرهاب وإحلال الاستقرار. والآن بينما يجري تمحيص الخطة ومراجعتها؛ فإن فاعلية وأثر السياسات الأوروبية في منطقة الساحل تتعرض للتشكيك مرة أخرى في أعقاب انقلاب مالي.
يكمن أحد المكونات الرئيسية لإخفاقات الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية في المنطقة في فَهْمه للحوكمة؛ فبينما اعترف الأوروبيون منذ فترة طويلة بالحكم باعتباره سببًا جذريًّا لعدم الاستقرار، ظلت الجهود المبذولة لمعالجته تجري بالتوازي مع الجهود الحالية في مجال الأمن والتنمية. على هذا النحو، يُنْظَر إلى الحوكمة على أنها ركيزة قائمة بذاتها؛ تعتمد في الغالب على المساعدة الفنية، بدلاً من كونها قضية شاملة يتم تعميمها عبر جميع التدخلات الأوروبية، والآن يمكن أن تتعرَّض الاستراتيجية الأوروبية للساحل بأن تصبح بلا جدوى؛ إذا لم يخطّط الاتحاد الأوروبي للتعلُّم من الدروس المستفادة من أنه يجب أن يطلب ضمانات أكبر من شركائه لتحقيق الحكم الرشيد، وكذلك ابتكار أجندة تكون أكثر تعلقًا بالسياسة وليس مجرد الأمن.
الحاجة إلى مزيد من السياسات:
إنَّ تحديات الحكم كان يفهمها الأوروبيون بالأساس على أنها نقص الكفاءة الوطنية؛ فالإنفاق على التنمية كان يتم من خلال أُطُرٍ متعلقةٍ بالتنمية على الإطار النظري فقط، ولكنَّ هذا الاتجاه التقني نحو الحوكمة لا يزال غير فاعل، باعتبار أن الأُطُر الأوروبية القائمة لم تَستطع أن تمنع عمليات الاختلاس الواسعة والفساد وإساءة استخدام المصادر من جانب الشركاء الحكوميين.
وفي الوقت الذي دعم فيه الاتحاد الأوروبي زيادة غير مسبوقة في مستويات المساعدات الخارجية في المنطقة، إلا أن غياب الرؤية الفاعلة بشأن عمليات سوء الإدارة المحتملة كان لها تداعيات غير مرغوبة؛ وفي ظل ضغط الوقت والدبلوماسية التي تعوق عمل المساهمين؛ فإن أصحاب المصلحة في منطقة الساحل الآن يحاولون تنظيم الاستفادة من المساعدات الدولية.
بالإضافة إلى ذلك؛ فإن أهداف السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي قد أدمجت في صورة البرامج التنموية، وقامت باتخاذ إجراءات فيما يتعلق باحتواء حركات الهجرة، وكان لذلك تداعيات على الحوكمة، فعلى سبيل المثال في شمال النيجر جاء التركيز الشديد على سياسات الهجرة على حساب احتياجات الحكم المحلي.
وفي إطار مساعدة قطاع الأمن؛ ترتكز استراتيجية الاتحاد الأوروبي في المقام الأول على فرضية أن إعادة نشر الجهات الحكومية -بدءًا من القوات المسلحة- في مناطق معينة غير آمنة ستجلب الاستقرار؛ حيث ستؤدي إعادة الانتشار السريع للقوات المسلحة الحكومية غير المدرَّبة وغير المستثمَر فيها إلى ردود فعل عنيفة إضافية؛ حيث اتُّهِمَتْ الجيوش الوطنية بانتظامٍ بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القضاء والقيام بعمليات ابتزاز متنوعة ضد المدنيين.
كما أن بعثة الاتحاد الأوروبي في مالي (EUTM Mali) تُعدُّ مثالاً على أن الأولوية السائدة في الاتحاد الأوروبي هي للمساعدة الفنية وبناء القدرات، فبالرغم من إحراز تقدُّمٍ طفيفٍ؛ إلا أن هذا التقدُّم تناقض بصورة واضحة مع إحراز تقدُّم في مناطق مثل الحكم الرشيد والاستثمار في الموارد البشرية وأنظمة مكافحة الفساد.
على جانب آخر؛ فبينما ترتفع ميزانيات الدفاع والأمن في المنطقة؛ فإن فضائح الاختلاس في وزارات بلدان منطقة الساحل، وقنوات الإنفاق الغامضة، والتأخيرات في توفير رواتب القوَّات لا تزال تُضْعِف أداء قوات الدفاع والأمن الوطنيَّة، كما أن إدامة ممارسات الحكومات التي تسعى للحصول على الريع والتي يُعتبر الفساد ركيزة أساسية لها تُغذّي السخط الاجتماعي والسياسي بين سكان الساحل؛ سواء في المجتمع المدني أو داخل الثكنات العسكرية، ومِنْ ثَمَّ فإذا استمرت برامج الحوكمة في الاتحاد الأوروبي في تجاهل الأداء السيئ للمؤسسات المحلية التي تدعمها فقد ينتهي الأمر بالتسبُّب في أضرار أكثر من المنافع.
تبنّي نهج التقييم بناء على المعاملات:
اكتسبت فكرة نهج المعاملات كأساس لتقييم مساعدات الاتحاد الأوروبي كـ “ند لند” مؤخرًا زخمًا في بروكسل وعواصم الاتحاد الأوروبي؛ وفي حالة تبنّي ذلك النهج سيتم التعرُّف على أوجه التقدّم أو الجمود في السياسات الرئيسية المحدَّدة مسبقًا من خلال زيادة أو نقص التمويل، ومِن ثَمَّ يجب أن يرتكز هذا النهج على مؤشرات محدَّدة بوضوح؛ لقياس التقدم وأنظمة المراقبة والتقييم الشفافة.
فبدلاً من إحداث توتُّر إضافيّ فيما يتعلق بالمِلْكِيَّة، ينبغي تطبيق المعاملات بناء على اهتمامات مواطني الساحل ومعضلات الحكم الحقيقية في قلب أزمة عدم الاستقرار، مثل قضايا: سيادة القانون ومكافحة الفساد، كما أنه ليست هناك حاجة لطرح المطالب الأوروبية على طاولة المفاوضات؛ فالمعاملات الخارجية لا تعني تلقائيًّا ملكية أقلّ من تلك الدول للمشروعات والإعانات، وقد أيَّدت حكومات الساحل نفسها عددًا من الإصلاحات التي لم تُنفّذها بعدُ، فعلى أرض الواقع، تتفاقم التوترات الناتجة عن التضارب بين الاتحاد الأوروبي والأولويات الوطنية؛ بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية للمشاركة في إصلاحات إدارية مستدامة ملتزمة بها على الورق.
مبادرة الاتحاد الأوروبي لمالي تعمل من أجل عالم أكثر أمنًا:
من أجل إنجاح مبادرات الاتحاد الأوروبي يجب إجراء تقييم للجهود الحالية، فعلى سبيل المثال: فإن التدريب على حقوق الإنسان لا يجب أن يعتمد فقط على معايير كمية –مثل عدد الحضور وخلافه–، ولكن يجب أن يتضمّن أيضًا توجُّهًا كيفيًّا؛ حيث يجب أن تقيس تلك المؤشرات ما إذا كان الكفاءات مناسبة للهيكل الإداري، أو أنها تتبع الاستخدام الفعلي للمصادر المنقولة لهم على المدى البعيد، كما أن برنامج الاتحاد الأوروبي لمالي EUTM يُعَدّ الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح، بما يسمح بمصاحبة المتدربين في الجيش في منطقة الساحل عن قرب، ومن ثَمَّ تكون هناك رقابة أعلى على السلوك والأداء.
كما أن المصداقية مهمة للغاية فيما يتعلق بالتحقيق في المزاعم السابقة بشأن انتهاكات القوات المسلحة المالية، ومِن ثَمَّ يجب على الاتحاد الأوروبي ألا يقيّم فقط التقارير المقدَّمة إليه بشأن انتهاكات حقوق الإنسان ويتحقق من مصداقيتها، ولكنَّه يجب أن يطالب بأن تتصرف الحكومة المالية بناء على تلك المزاعم، وإلا يتم وقف التمويل. كما أن التعيينات الأخيرة لقادة الجيش في مناصب محافظين، وكذلك تعيين قائد لميليشيا في منصب مُهِمّ في محافظة في مالي؛ يجب أن يخضع للدراسة مِن قِبَل الاتحاد الأوروبي.
إنَّ التوجهات المنقوصة في التعامل مع تلك القضية سيؤدي إلى فقدان الهدف؛ ومِن ثَمَّ فمن أجل مزيد من الفاعلية فنحن بحاجة إلى الإحاطة الكاملة بتعامل الاتحاد الأوروبي في تلك المناطق وتطبيق معايير جودة المعاملات فيما يتعلق بالمساعدات الأوروبية، وذلك يتعلق بالمهمة في مالي، بالرغم من أن ذلك قد يُرَى على أنه تقويض لقدرات الاستقرار في القوات المسلحة المالية، ولكنَّ التوجُّه الحالي للاتحاد الأوروبي في مالي بتحسين القدرات التكتيكية فقط ليس كافيًا؛ فكفاءة الجيوش الوطنية من المؤكد أن لها علاقة مباشرة بتحسين الروح المعنية للجيش، وذلك بتحسين القِيَم الإيجابية، ووضع معايير لمكافحة الفساد ومبادئ حقوق الإنسان في كل معايير وتحركات الجيش. فمعايير التحسُّن المشروط بالأداء تُعَدُّ آلية نادرًا ما تمَّ استخدامها في عمليَّات إحلال الاستقرار التي يديرها الاتحاد الأوروبي، ومِن ثَمَّ فإنه وبدون محفِّزات حقيقية لإحداث إصلاح هيكليّ -كما كشفته لنا السنوات السبع السابقة-؛ فإن مساعدات الاتحاد الأوروبي لتحسين الأمن لن يكون لها أيٌّ مِن الآثار المرغوب فيها في القارة السمراء.
[1] – على الرابط التالي: https://theconversation.com/unpacking-governance-within-the-eus-sahel-strategy-152050