بقلم: مارلين بانارا
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
يتحوّل الرئيس الأوغندي المنتهية ولايته، والمرشح لولاية سادسة، إلى زعيم استبدادي لا يُظْهِر أيّ بوادر على الرغبة في تسليم السلطة.
“اضمن مستقبلك”؛ هذا هو شعار الوعد الذي قطعه يوري موسيفيني للأوغنديين بعد ترشيحه لخلافة نفسه في 14 يناير في منافسة عشرة مرشحين آخرين من بينهم: روبرت كياغولاني، المعروف باسم بوبي واين، 38 عامًا، وباتريك أموريات من منتدى التغيير الديمقراطي حزب المنافس التاريخي السابق كيزا بيسيجي.
وقد شرع الجميع في السباق الرئاسي على الرغم من حملة معقَّدة للغاية نتيجة الرقابة على وسائل الإعلام والاعتقالات وحظر الاجتماعات؛ مما يصعّب على المعارضة إسماع صوتها، وقد أشارت رافينا شامداساني، المتحدّثة باسم المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إلى أنه “تم تنفيذ الإجراءات الاحترازية ضد فيروس كوفيد-19 بشكل تدريجيّ، وأكثر صرامةً لتقليص الأنشطة الانتخابية للمعارضة بطريقة تميّزت بالإقصائية”؛ على حد قولها.
وقد بلغ القمع ذروته في 18 نوفمبر السابق عندما أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية على حشد من المتظاهرين؛ لتفريق مظاهرة مؤيدة لبوبي واين، مما أسفر عن مقتل حوالي خمسين شخصًا، منهم من كانوا خارج المسيرة مثل “عاموس سيجاوا، التلميذ البالغ من العمر 15 عامًا، والذي قُتل بينما كان واقفًا بجانب والدته التي كانت تغلق محلها، وكذلك جون كيتوب، المحاسب والأكاديمي المتقاعد البالغ من العمر 72 عامًا، الذي سقط أيضًا ضحية الرصاص الطائش أثناء مغادرته مبنى إداريّ باتجاه سيارته، وكان في المدينة للقيام بأعمال شخصية”؛ حسب ما ذكره موقع الإعلام “ذي إيليفانت”، مضيفًا بأن “النية بالنسبة له واضحة وهي العقاب الجماعي المميت والمتعمَّد بهدف التخويف الجماعي باسم: الأمن“، على حد قول الموقع.
الاستقرار كإرث:
منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا أصبح هذا النوع من الأحداث متكررًا في أوغندا؛ حيث إنَّ “العنف، منذ انتخابات 1996م، أصبح أكثر فأكثر انتظامًا”؛ حسب ما ذُكِرَ في مقالٍ نُشِرَ في The Elephant والذي أورد فيه الأدلة عبر إطلاق النار في أوغندا في عام 2010م، ومقتل أكثر من مائة حارس في قصر روينزورورو في عام 2016م.
ووفقًا لصحيفة The East African يُعتبَر العنف “سمةً من سمات الانتخابات الأوغندية منذ عام 2001م، وما بدا كقمع متقطع للحريات الأساسية لزعيم المعارضة كيزا بيسيجي تحوَّل إلى وحش أعمى يلتهم كُلّ ما في طريقه”، وفي كل مرَّة -منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا- تتذرّع السلطات بالدواعي الأمنية لتبرير الانتهاكات بحجة أن الأمن “خط أحمر” لرئيس الدولة وحزبه حركة المقاومة الوطنية.
وتعود جذور وصوله إلى الحكم إلى عام 1986م عندما تولَّى هذا الشاب السلطة بعد دراسته في جامعة دار السلام في تنزانيا الذي يُعتبر مركزًا للاشتراكية الإفريقية.
في ذلك الوقت “كان موسيفيني هو الرجل الذي وضع حدًّا للفترات المتعاقبة لدكتاتوريات عيدي أمين دادا (1971-1979م) وميلتون أوبوتي (1966-1971م، ثم 1980-1985م)”؛ حسب ما أشار إليه هيرفي بورج في كتابه “قاموس محب إفريقيا”.
وبذلك طوت أوغندا، المستعمرة البريطانية السابقة، الصفحة على حرب أهلية مؤلمة قبل أن تصبح “رمزية وتذكارية” طوال فترة حكم يويري موسيفيني التي يتذرع بهذا النظام بانتظام”؛ حسب توضيحات فلورنس بريسيت فوكو، محاضرة في جامعة باريس 1 ومتخصصة في الأوغندية.
ووفقًا لمُوسِيس خيسا، أستاذ السياسة الإفريقية في جامعة نورث كارولينا فـ”لا يزال الجدل قائمًا حتى اليوم مع جزء من السكان لاعتقاد بعض الأوغنديين أن الأمن يظل قيمة أساسية، وكل التهديد بزعزعة استقرار البلد أو حتى المنطقة الفرعية يقنعهم بالاستمرار في الإيمان بخطاب الرئيس الذي يحب الإظهار بأنه يسيطر بشكل كامل على الشرطة والجيش”، على حد قوله.
“الطالب الجيّد” لدى صندوق النقد الدولي:
هذا الاستقرار في التسعينيات اقترنت استعادته بإصلاحات عميقة للنظام السياسي؛ “من خلال مجالس المقاومة التي تبنَّاها السكان المحليون بسرعة، وأصبح المواطنون العاديون يشاركون في سياسة البلاد، وعلى الرغم من أن النظام ظل خاضعًا لسيطرة الدولة إلا أن ذلك كان بمثابة انفتاح لإمكانيات لم يسبق لها مثيل حتى ذلك الحين”، حسب قول فلورنس بريسيت فوكولت.
كما أن المكافحة الفعَّالة ضد فيروس الإيدز والانتعاش الاقتصاديّ اللذين صاحبا هذه الفترة أسهما في تعزيز اعتبار يويري موسيفيني كرئيس فاعل خير “منذ عام 1987م، تخلَّى عن الخطاب الماركسي للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مما جعل أوغندا تدريجيًّا” الطالب الجيد في صندوق النقد الدولي “باتباع توصيات المؤسسة المالية مع إحراز نتائج إيجابية إلى حد ما”؛ حسب ما ورد في أعمال هيرفي بورجيه.
وبهذه الاعتبارات كانت بلاده، في عام 1998م، أول دولة مؤهَّلة لمبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC) في عشرين عامًا، وتم تقسيم معدل الفقر على ثلاثة. وببلوغ متوسط النمو ما بين 6.5 إلى 7٪ تطورت الطبقة الوسطى مما جعل الأوغنديين يجذبون المانحين والغرب.
وقد أشادت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت بالسياسة الرئاسية أثناء رحلتها إلى إفريقيا عام 1997م مستحضرةً “ديمقراطية الحزب الواحد”. وبالنسبة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإن موسيفيني هو الحليف الأول بين جميع رؤساء الدول الإفريقية الأخرى؛ نظرًا إلى تحولّه من سياسة ماركسية إلى سياسة ليبرالية كما أقنعهم بحربه ضد الإرهاب ” على حد قول مُوسِيس خيسا.
الاحتفاظ بالسلطة بأيّ ثمن:
“هذا المزيج الخفي من العضوية والتخويف وإعادة التوزيع المستهدف – تكافئ السلطات العامة الولاء السياسي قبل كل شيء-“، مع ذلك شهدت أولى هزاتها في بداية الألفية الثالثة”، كما أشارت إليه فلورنس بريسيت فوكولت.
ويسهم النمو السكاني الأوغندي في تجديد الفئة العمرية الشابَّة للبلاد، و”هؤلاء الشباب الذين لم يعرفوا الحرب الأهلية هم أقل تأثرًا من شيوخهم بإرث موسيفيني؛ لأنه ببساطة لا يؤثر على حياتهم اليومية”، على حدّ قولها.
وفقًا للبنك الدولي، اليوم، بينما يبلغ حوالي 700000 شاب سنّ العمل كل عام في أوغندا يتم خلق 75000 وظيفة فقط في المتوسط.
تجدر الإشارة إلى أن الفجوة اتسعت على مرّ السنين بين الشباب الأوغندي والنظام، ويوري موسيفيني على دراية بذلك، لذا قام الرئيس مرتين بإجراء تغييرات دستورية لضمان احتفاظه بمنصبه من خلال إزالة الحد الأقصى لفترتين رئاسيتين في عام 2005م، ومراجعة الحد الأدنى للسن في عام 2017م الذي كان محددًا على 75 عامًا للترشح للمنصب الأعلى؛ فضلاً عن سعيه جاهدًا لإسكات أيّ صوت معارض يحتمل أن يحظى بالدعم الشعبي على حسابه لا سيما أثناء الانتخابات المخصَّصة عادة للنقاش الديمقراطي.
لكن كيزا بيسيجي، طبيبه السابق، هو الذي يتحمَّل العبء الأكبر، كما حدث مؤخرًا مع بوبي واين، الذي اعتُقِلَ بانتظام منذ انتخابه نائبًا في عام 2017م كما “تسعى السلطات، بكل الوسائل، إلى تحديد مساحة التعبئة السياسية لرغبتهم في البقاء مسيطرين والسيطرة على قواعد اللعبة”، مضيفة أنه “بالنسبة للمعارضة، من الصعب جدًّا التعبئة؛ حيث إن الاعتقالات والضرب والسجن.. كل هذا يُثَبِّط عزيمة شخصيات المعارضة باعتبارها الأيدي الصغيرة للتعبئة السياسية” على حد تعبير فلورنس بريسيت فوكولت.
وفي عام 2020م، قامت منظمة فريدوم هاوس، وهي منظمة مراقبة مستقلة مكرَّسة للديمقراطية في العالم بتقليل تصنيف أوغندا في تصنيفها ونقلها من دولة “حرَّة جزئيًّا” إلى دولة “غير حرَّة”، وبالنسبة للتنظيم “تحتفظ حركة المقاومة الوطنية بالسلطة من خلال […] الترهيب مِن قِبَل قوات الأمن والملاحقة السياسية لقادة المعارضة عطفًا على معاناة المجتمع المدني الأوغندي وقطاعات الإعلام المستقل من المضايقات القانونية وعنف الدولة”، وأحدث مثال على ذلك هو إدانة الأكاديمية ستيلا نيانزي في أغسطس 2019م؛ بسبب منشورات تنتقد الرئيس على فيسبوك.
وعلى الرغم مذ ذلك كله “يظل الشباب الأوغندي التحدي الأكبر لموسيفيني”، مضيفًا بـ”أن شباب البلاد وخريجيها العاطلين وشبانها غير المتعلمين لا يخشون مواجهة الشرطة؛ لأنه ليس لديهم ما يخسرونه والرئيس يدرك ذلك جيدًا، ويعي معنى النضال من أجل قضية قريبة من قلوبنا”، كما يرى أن “الأزمة الاقتصادية المرتبطة بوباء كوفيد-19 يمكن أن تُعجّل الأمور.. والماضي القريب أظهر لنا أن الصعوبات الاقتصادية كانت في كثير من الأحيان شرارة لتحدٍّ غير مسبوق أسقط أعظم الطغاة. وإذا تدهور الوضع، وعلى الرغم من القروض التي وافق عليها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فقد يَلْقَى يويري موسيفيني نفس مصير حسني مبارك أو عمر البشير؛ حسب تعبير مُوسِيس خيسا.
__________________
رابط المقال: