بقلم: موتيعو عاقيبو نورو
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
سيتّجه الناخبون الغانيون يوم 7 ديسمبر 2020م نحو صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسهم للسنوات الأربع القادمة، وعلى نفس منوال انتخابات عام 2016م ستكون المنافسة بين رجلين تحت الأضواء: نانا أكوفو-أدو ضد جون دراماني ماهاما؛ غير أن السياق هذه المرة مختلف؛ باعتبار أنه تم انتخابه كمعارض جاء لإحلال التغيير، لكنْ يتعين على شاغل المنصب الرئاسي البالغ من العمر 76 عامًا الدفاع عن إنجازاته بعد أن وعد الغانيين بثورة اقتصادية تم إطلاقها بشكل جيد وبنجاح حقيقي.
تنشيط النمو الاقتصادي:
عند وصول نانا أكوفو-أدو إلى السلطة في أوائل عام 2017م كانت غانا تواجه تباطؤًا في اقتصادها؛ فبينما سجلت البلاد بين عامي 2000م و2013م متوسط نموّ بلغ 6.6٪ انهارت فجأة. ووفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، شهد النمو الاقتصادي للبلاد انخفاضًا من 7.1٪ في عام 2013م إلى 2.8٪ في عام 2014م، ثم إلى 2.1٪ في عام 2015م قبل أن يرتفع قليلاً إلى 3.4٪ في عام 2016م، وفي غضون ذلك، تصاعدت الصعوبات المالية والاقتصاد الكلي وعجْز الميزانية بالكاد يخضع للسيطرة ووصل التضخم إلى مستويات قياسية مع استمرار نمو الديون.
قفز النمو إلى 8.1٪ في السنة الأولى من حكم أكوفو أدو للبلاد:
تجدر الإشارة إلى أن نانا أكوفو-أدو قطع وعودًا ببثّ حياة جديدة في الاقتصاد متولِّيًا بزمام الأمور وقرَّر، منذ بداية ولايته، اختيار التقشف. وبفضل هذه الاستراتيجية، خفَّضت الدولة عجز ميزانيتها بشكل كبير من أكثر من 9٪ في عام 2016م إلى 5.3٪ في عام 2017م، وبقي حوالي 4.5٪ حتى عام 2019م. ومن أجل إدارة المالية العامة بأفضل وجه، اعتمد رئيس الدولة “قانون المسؤولية المالية”، والذي يتمثّل أحد أهدافه في إبقاء عجز الميزانية أقل من 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
بفضل هذا الاقتصاد النشط، أصبحت غانا في فترة وجيزة من بين الدول العشر الأسرع نموًّا في العالم.
بفضل هذه الاستراتيجية المصحوبة بخطة استثمارية في البنية التحتية والمحروقات على وجه الخصوص، قفز النمو إلى 8.1٪ في العام الأول من مأمورية الرئيس أكوفو-أدو على رأس البلاد، قبل أن يستقر عند نسبة تزيد قليلاً عن 6٪ في عامي 2018م و2019م.
وبعد سنوات من العجز عاد الميزان التجاري إلى النقطة الإيجابية مرة أخرى في عام 2017م، وبفضل هذا الانتعاش الاقتصادي أصبحت غانا في فترة وجيزة من بين أسرع عشر دول نموًّا في العالم. فضلاً عن أن هذا التحسُّن يصاحبه انخفاضٌ تدريجيّ في مستوى التضخم الذي قررت السلطات الجديدة الإبقاء عليه بين 6٪ و10٪. ومن 17٪ في 2015م و2016م تراجع الاتجاه التصاعدي في الأسعار إلى 12.5٪ في 2017م، ثم إلى 9.8 و7.1٪ في 2018م و2019م، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
جذب الاستثمارات للإسراع بانتعاش القطاع الصناعي:
إذا كانت أرقام النمو مواتية بالفعل للرئيس نانا أكوفو-أدو باستثناء عام 2020م الذي تميَّز بوباء Covid-19، فإن الرئيس المنتهية ولايته أراد بشكل أساسي وضع ولايته تحت عنوان التصنيع، وذلك لتفعيل إنعاش القطاع الصناعي الغاني، وفي هذا السياق وضع رئيس الدولة خطة من 10 نقاط أطلق عليها اسم “جدول الأعمال ذي النقاط العشر”.
تدور هذه الخطة حول برنامج وطني لتنشيط الصناعة (المتكون من منح التمويل لبعض الشركات التي تواجه صعوبات) عطفًا على برنامج للصناعات الاستراتيجية وبرنامج لبناء المناطق الصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة إلى جانب اعتماده على استراتيجية تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وخطة تنمية الصادرات، وبرنامج لتحسين البنية التحتية الوطنية للبيع بالتجزئة، بالإضافة إلى إصلاحات بشأن تنظيم قطاع الأعمال، واستراتيجية بشأن تطوير التعاقد من الباطن الصناعي، وأخيرًا خطة لتحسين الحوار بين القطاعين العام والخاص من خلال تنفيذ “قمة الأعمال” السنوية.
جدير بالذكر أن برنامج 1D1F (مصنعٌ لكل مقاطعة) هو المبادرة الرئيسية لهذا المشروع، وفي إطار هذا البرنامج تعهَّد الرئيس أكوفو-أدو بتزويد كل مقاطعة من مقاطعات البلاد البالغ عددها 260 بمصنع، والهدف من ذلك هو تحويل العديد من المواد الخام المتاحة للبلاد إلى مواد مصنَّعة؛ لأن تصديرها دون قيمة مضافة يُولّد عجزًا كبيرًا للاقتصاد الوطني.
ولتمويل هذا البرنامج، أقامت السلطات شراكة بين القطاعين العام والخاص؛ من خلال تعبئة الأموال من شركائها الماليين، وفي أبريل 2019م ساهمت الولايات المتحدة بـ300 مليون دولار لدعم المشروع.
وعلى الرغم من أن الأهداف لا تزال بعيدة عن التحقيق إلا أن الأرقام التي أعلنتها السلطات مشجِّعة للمستقبل، ففي يوليو 2020م، أعلن وزير المالية الغاني كين أوفوري-أتا أمام البرلمان أنه من بين 232 مصنعًا تم التخطيط لها في البداية، تم بالفعل بناء 76 مصنعًا وتشغيلها و156 وحدة إنتاج قيد الإنشاء، و36 منها بتمويل من BAD (بنك التنمية الإفريقي)، ويصاحب هذه المشاريع خلق مئات الآلاف من فرص العمل حسب ما ذكرته السلطة التنفيذية.
وفي هذا السياق، حتى لو لم تُؤْتِ ثمارها بعدُ إلا أن استراتيجية التصنيع للاقتصاد الغاني التي وضعها نانا أكوفو-أدو لها ميزة أنها انطلقت ويبدو أنها تتشكل ببطء ولكن بثباتٍ. ووفقًا لـ BAD(بنك التنمية الإفريقي) بين عامي 2016م و2019م سجَّل القطاع الصناعي في غانا نموًّا أكثر من 10٪ في المتوسط.
خطة “غانا ما بعد المعونة” ومسألة الديون الشائكة:
في وقت مبكّر من عام 2017م قدّم نانا أكوفو-أدو نفسه للغانيين والعالم على أنه بطل لتقرير المصير الإفريقي في مجال التنمية كما أكد ذلك في خطاب شهير ألقاه خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى أكرا، يعتقد الرئيس الغاني أن إفريقيا لم تَعُدْ مضطرة إلى الاعتماد على المساعدات من الدول الأجنبية لتمويل تنميتها، ومن هذا المنطلق، فإن الفكرة المهيمنة الرئيسية لولايته ستكون “غانا ما بعد المعونة”.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس غانا في مارس 2018م عن أنه لن يجدّد برنامج الإصلاح الذي تم توقيعه في البداية في عام 2016م مِن قِبَل سلفه مع FMI (صندوق النقد الدولي) لإنعاش الاقتصاد الذي كان في ذلك الوقت منهكًا.
المبرر رقم 1 من معارضي نانا أكوفو-أدو:
أشار نانا أكوفو في بيان له ورد فيه “يسعدني أن أعلن أن العمل الجاد يؤتي ثماره، وقد تحسنَّتْ أساسيات الاقتصاد الكلي بفضل الانضباط في الإدارة المالية والنقدية، وسيكون حجر الزاوية، وأهمُّ جانب لحكومتنا في المستقبل هو المضيّ قدمًا في الالتزام بالانضباط المالي؛ حتى لا نضطر أبدًا إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي أو خطة إنقاذ من هذا القبيل مرة أخرى”؛ على قوله.
وفي نوفمبر من العام نفسه، قدّم رئيس الدولة أول ميزانية غير خاضعة لبرنامج صندوق النقد الدولي، لكن في ظل مواجهة المخاوف المتزايدة بشأن قيود هذا القرار، تلتزم السلطات بالحفاظ على الانضباط المالي وضخ زخم جديد في الاقتصاد الوطني من أجل تعزيز النمو. وبعد عامين، يبدو أن هذا الانضباط في الميزانية يتَّجه نحو التراجع لا سيما فيما يتعلق بإدارة الدَّيْن العام.
في الواقع، أعلن نانا أكوفو-أدو عن تبنّي غانا لاستراتيجية لإنهاء الديون الضخمة ليس فقط مع شركائها، ولكن أيضًا في سوق رأس المال الدولي؛ وذلك لتحلّ محل المساعدات من صندوق النقد الدولي أو الدول الأجنبية. وفي فبراير المنصرم، دفعت غانا 3 مليارات دولار من سندات اليوروبوند التي تجاوزت الاكتتاب فيها ما يقرب من خمس مرات، وتخطط بالفعل لجمع 5 مليارات دولار عام 2021م المقبل لتمويل خطط الإنفاق الخاصة بها. وفي عام 2018م، حصلت البلاد على تمويل بقيمة 2 مليار دولار من الصين، ولكن مقابل ضمان وصول الصين إلى 5٪ من إجمالي احتياطياتها من البوكسيت.
الفكرة المهيمنة الرئيسية لولايته ستكون “غانا ما بعد المعونة”:
في غضون 4 سنوات ستؤدي استراتيجية الرئيس أكوفو-أدو إلى تفجير الدَّيْن العام للبلاد، وتفاقم المخاطر على الجدوى الخارجية للاقتصاد؛ بسبب أن الحصة الكبيرة هذا الدَّيْن مملوكة للمستثمرين الأجانب.
وفي يوليو 2018م، قُدِّر الدَّيْن العام لغانا بـ53.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفي يوليو 2019م ارتفع إلى 59.4٪ ثم إلى 64٪ في بداية 2020م، وإلى 71٪ في 30 سبتمبر 2020م، وهو أعلى مستوى له في أربع سنوات. ووفقًا للإحصاءات، فإن أكثر من ثلث هذا الدَّيْن مملوك الآن من قبل مستثمرين أجانب، مما يعرَّض البلاد لتقلبات الأسواق العالمية ومخاطر سوق الصرف الأجنبي.
إذًا لم يعد نانا أكوفو-أدو يرغب في الاعتماد على المساعدات الخارجية لتمويل برامجه التنموية، يبدو أنه قد وضع بلده في حلقة من الديون تُثير مخاوف العديد من الاقتصاديين. وفي الوقت نفسه، فإنَّ نسبة تعبئة الإيرادات الضريبية التي كان من الممكن أن تُقدّم بديلاً أقل خطورة للحكومة لا تزال منخفضة وتبلغ حوالي 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل من المتوسط المقدر بـ18.5٪ لإفريقيا جنوب الصحراء وهو بالفعل أحد أسوأ الفاعلين في هذا المجال.
أربع سنوات أخرى لمواصلة القفزة الكبيرة إلى الأمام:
في ضوء كل هذا من الصعب القول ما إذا كان نانا أكوفو-أدو قد نجح في مأموريته الأولى أو على العكس من ذلك، وهل وعوده بغانا الجديدة لم تكن سوى وَهْم.
يسعدني أن أبلغكم أن العمل الجادّ مثمر:
أظهر الميزان التجاري علامات مشجّعة كما تُوفِّر استراتيجية التصنيع في الدولة آفاقًا واعدة لتعزيز أسس النمو الاقتصادي، وكذلك احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد؛ حيث استحوذت غانا على أكثر من ثلث الاستثمار الأجنبي المباشر في غرب إفريقيا في عام 2018م. وفقًا لبنك التنمية الإفريقي “يتعين على البرنامج الحكومي لإصلاح التنظيم الجديد تحسين بيئة الأعمال وتعبئة الإيرادات المحلية، وسيؤدي الاستثمار الرقمي، خاصة في القطاع المالي إلى تحسين الكفاءة. ومع اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، ستعمل الصناعة الغانية على تحويل كمية متزايدة من المواد الخام من المنطقة، وزيادة الإنتاج والقدرة على التجارة في المنتجات المصنَّعة والصناعية الخفيفة”، عطفًا على ذلك احتفظت البلاد بسمعة حقيقية عن البلد الديمقراطي وتُواصل إظهار الأداء الجيد في الحكم؛ حيث جاءت في المركز الثامن في تصنيف Mo Ibrahim (مو إبراهيم 2020م).
ومع ذلك، لا تزال غانا تعتمد بشدة على صادراتها من المواد الخام (الكاكاو، والنفط، والذهب)، ومن غير المرجَّح أن يطمئن الخبراء إلى استراتيجية الديون التي تتبعها السلطات لتمويل المشاريع الوطنية.
وعلى الرغم من انخفاضها من 11.9٪ إلى 7.1٪ بين عامي 2015م و2019م لا تزال البطالة تؤثر على جزء كبير من الشباب، ولا تزال غانا ضمن فئة البلدان ذات متوسط مؤشر التنمية البشرية، وتحتل المرتبة 142 في العالم في تصنيف 2019م.
لكنَّ لجوء الحكومة إلى صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بمليار دولار في أبريل الماضي بدا في آذان بعض المراقبين خطوة إلى الوراء؛ مقارنةً بوعود نانا أكوفو-أدو بعدم استقراض المزيد من أموال المساعدة من مؤسسة بريتون وودز حتى لو أدَّى وباء كوفيد -19 إلى تغيير الوضع إلى حدّ كبيرٍ.
وفي الوقت الراهن، وبعد أربع سنوات من وصوله إلى السلطة؛ تباينت الآراء حول إدارة رئيس الدولة المنتهية ولايته اعتمادًا على المواقف المؤيدة أو المعارضة للإصلاحات التي تم إجراؤها، سواء على الجانب الاقتصادي أو الجوانب الأخرى.
ومع ذلك، في 7 ديسمبر، سيكون على الغانيين أن يقرِّروا ما إذا كانوا يرغبون في منح أربع سنوات أخرى للمستأجر الحالي لـ(جيبيلي هاوس) لمواصلة “القفزة الكبيرة إلى الأمام”، أو على العكس من ذلك لوضع حدّ لهذه الثورة الاقتصادية التي -مهما كانت النتيجة- قد أثارت الكثير من الجدل على مستوى القارة الإفريقية.
_______________
رابط المقال: