أورنيلا موديران – معهد إفريقيا للدراسات الأمنية([1])
قبل أيام من توقف الحملات الانتخابية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في بوركينافاسو يوم 22 نوفمبر، لا يزال الناخبون يركّزون بصورة كبيرة على التحديات الأمنية.
ومن المؤكَّد أن ذلك موضوع مهمّ ومثار اهتمام الحملات الانتخابية، ولكنَّه في الحقيقة لا يعكس الأزمة الحقيقية الحالية للبلاد.
فالحملة الانتخابية كان يُنْظَر لها على أنها فرصة للأحزاب وللمرشحين لكي يوضحوا بجلاء خططهم لمعالجة حزمة متنوعة من المشكلات التي تؤثر على حياة الملايين من البشر في بوركينافاسو، ولكنَّ معظمهم فاتته تلك الفرصة المهمة.
ولكنَّ عجزهم عن مواجهة تعقيدات الوضع واقتراحهم لحلول إجمالية لا يُمثِّل نذير خير بإحداث أيّ تغيرات في السياسات التي تحتاجها البلاد، ولكن في المقابل، فإن ذلك يكشف شيئًا فشيئًا عن عقليتهم التي شكَّلت التوجُّه الأمنيّ للحكومة في استجابتها للأزمات لعدة سنوات، وهو توجُّه لم يكشف سوى عن عجزه ومحدوديته.
إنَّ بوركينافاسو تقع في قلب منطقة الساحل التي ضربتها واحدة من أسرع الأزمات الإنسانية نموًّا في العالم، وحتى الآن يبدو أن المرشحين يتجاهلونها بالكلية؛ فهناك 13.4 مليون من البشر يمثلون أكثر من 20% من سكان المنطقة بحاجة ماسَّة إلى مساعدات حيوية وحماية عاجلة، بما في ذلك 7.4 مليون يواجهون مستويات خطيرة من العجز الغذائي، بما يمثّل ثلاثة أضعاف مستويات العام السابق.
فمنذ عام 2018م، قفزت أعداد المهجرين داخليًّا في المنطقة من 70 ألف إلى 1.6 مليون، بما يمثل أكثر من عشرين ضعفًا، ويرجع ذلك بصورة كبيرة إلى الأوضاع في بوركينافاسو، والتي تُمثّل حوالي ثلثي حالات الهجرة الداخلية في منطقة الساحل.
كما أن عجز سلطات الانتخابات في بوركينافاسو عن تجهيز بدائل انتخابية للمهجّرين، والتي تؤثر على نسبة غير قليلة من الناخبين تنبع بالأساس من نفس أسباب فشل النخبة السابقة في البلاد في مواجهة الأزمة ورؤية الصورة بشكل أوضح.
وحتى الآن فإن الوضع الإنساني يستمر في التدهور؛ بسب دوامة العنف، وعدم الأمن الذي يفاقمه التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لجائحة كوفيد-19؛ حيث الإجراءات الصحية العامة التي تحظر حرية التحرك، وانتهاءً بإغلاق الحدود أدَّت إلى تقليص النشاطات الاقتصادية بصورة حادَّة، وألقت بظلالها السوداء على الطبقة الأكثر ضعفًا في البلاد، فطبقًا لبرنامج الغذاء العالمي، فإن العجز الغذائي زاد بأكثر من 50% في الفترة ما بين مارس وأغسطس، بما يُعرِّض حياة أكثر من 3.3 مليون نسمة في بوركينافاسو إلى خطر النقص الحادّ في الغذاء.
كما أن البيانات المتاحة تفيد بوجود علاقة بين العنف ضد المدنيين وما بين العجز الغذائي وما بين الهجرة القسرية.
وكانت المناطق الشمالية في البلاد، بالإضافة إلى منطقة الحدود مع مالي هي الأكثر تضررًا؛ والآن يمكننا إضافة استثناء هؤلاء السكان من الاقتراع كمشكلة إضافية حادة.
إن منطقة الساحل في البلاد، والتي تُعدّ أكثر المناطق تضرُّرًا، تمثل 55% من القرى التي لن تتم فيها العملية الانتخابية بسبب انعدام الأمن و”الظروف غير العادية”؛ بحسب وصف نشرة أغسطس الانتخابية.
وقد اعترفت السلطات الانتخابية بصعوبات تنظيم عمليات انتخاب خاصة بتلك المنطقة في ذلك السياق الصعب، ولكنَّهم حتى لم يقوموا بأيّ إجراءات خاصة لتسهيل عملية التصويت للمهجرين داخليًّا، والذين يبلغ عددهم مليون نسمة، وبالرغم من أن أولئك المهجرين قسريًّا من حقهم رسميًّا الانتخاب والتصويت من أيّ مكان تم نقلهم إليه، إلا أن معظمهم فقدوا أوراقهم الثبوتية ووثائقهم المدنية أثناء فرارهم بحياتهم، بما يؤدِّي إلى استثنائهم بصورة كاملة من العملية الانتخابية.
وقد يتمكن القلة الذين تمكنوا من الاحتفاظ بوثائقهم من المشاركة في الاقتراع. ومع ذلك، فليس من الواضح إلى أيّ مدى يرغبون في المشاركة في الانتخابات بعد تجاهلهم إلى ذلك الحدّ، ومن ناحية أخرى يجب أيضًا مراقبة تأثيرات ذلك على ديناميكيات الصراع الانتخابي المحلي؛ خاصةً إذا كانت أصوات النازحين ستؤدي إلى الإخلال بنتائج الانتخابات البرلمانية في مناطق معينة.
ولطالما كانت أشكال التهميش المختلفة من العوامل الرئيسية للتوترات والنزاعات في بوركينا فاسو، وتستغل الجماعات المسلحة بشكل روتيني مشاعر الإقصاء لزيادة وتكرار دورات العنف من جانبها، وفي هذا السياق، فإن الانتخابات التي تهمل أصوات أعداد كبيرة من المواطنين قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الهشّ بالفعل.
وبغضّ النظر عن خلفيتهم السياسية، سيكون على الإدارة المنتخبة المقبلة في بوركينا فاسو تصميم استراتيجيات وطنية أفضل للتخفيف من الأزمات، كما ينطبق الشيء ذاته على النيجر؛ حيث من المقرَّر إجراء انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية في ديسمبر؛ وبالنسبة لمالي؛ حيث يجب إنشاء المجلس الوطني الانتقالي بشكلٍ عاجلٍ.
وباستخراج الدروس المستفادة من التجربة الأخيرة؛ سيتعين على البرلمان القادم لبوركينا فاسو إعادة النظر في إضفاء الطابع الأمني على الميزانية الوطنية، والتي بالغت في الاستجابة للمتطلبات العسكرية، فالاستثمار المتزايد للدولة في الأمن الصلب لم يُحقّق العائد المتوقع للسلام والاستقرار، ولكن في المقابل فإن الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل الصحة والتعليم وإمدادات المياه تم تجاهلها إلى حدّ كبير، في وقت أدَّى فيه كوفيد-19 إلى زيادة هذه الاحتياجات؛ فيما لا يزال العنف يتزايد ضد المدنيين في الوقت الراهن.
إنَّ تغيير السياسات والتشريعات في ظل الإدارة الجديدة يتطلب حوارًا يجب أن يبدأ الآن؛ كما يجب على مجموعات المواطنين والمنظَّمات الاجتماعية أن يكشفوا تلك النقط المظلمة في الحملات الانتخابية، والتي تُمثّل الفشل الذريع في مخاطبة الأبعاد الإنسانية والتنموية والأمنية للأزمة الحالية.
إنَّ نظام الحكم في بوركينافاسو ضعيفٌ للغاية بما يعني أن المواطنين لديهم نفوذ ضعيف في التأثير على السياسيين بعدما يتم انتخابهم، وقد حان وقت مطالبتهم بآليات واضحة لمراقبة تطبيق التزاماتهم الانتخابية.
وفي الوقت ذاته يجب على النشطاء في المجالات الإنسانية أن يحاكموا الإدارة الجديدة طبقًا لوعودها الانتخابية ومقابلتها بوعود سابقيهم الذين فشلوا في تحقيقها، وينطبق هذا بصورة كبيرة على أولئك الذين عقدوا فاعلية العشرين من أكتوبر الماضي من أجل القضايا الإنسانية ذات الأولوية في منطقة وسط الساحل، وكذلك اللقاء عالي المستوى الذي عُقِدَ في الثامن من سبتمبر الماضي الذي سبق تلك الفعالية، وذلك يشتمل على الوفاء بالالتزامات المالية والسياسية في القضايا المهمة؛ مثل: القضايا الإنسانية، وتحسين الخدمات الأساسية، واحترام ميثاق كامبالا؛ كأحد أهم الأدوات القانونية لحماية المهجّرين داخليًّا.
ولا يوجد وقتٌ أفضل من وقت الانتخابات لتذكير المرشَّحين بأن الاستجابة الفاعلة للجوانب الإنسانية من الأزمة لا يجب معاملتها على أنها مجرد قضايا تقنية؛ ولكن يجب أن تتبنَّاها بحسم القيادة السياسية الوطنية الجديدة في البلاد.
([1]) نشر بتاريخ 18 نوفمبر، على الرابط التالي:
https://issafrica.org/iss-today/burkina-fasos-voters-should-be-offered-more-than-security