ساهيد باباجدي أونيكوكو)[1](
باحث في مركز دراسات الأمن والسلام، موديبو أداما، جامعة التقنية
إنَّ بحيرة تشاد هي عبارة عن بحيرة مياه ضَحْلَة في منطقة الساحل، وكانت في السابق سادس أكبر بحيرة بمنطقة مياه مفتوحة تصل إلى 25 ألف كم مربع في الستينيات من القرن الماضي، وقد انكمشت بصورة حادة في بداية السبعينيات، وأصبحت مساحتها أقل من ألفي كم مربع في الثمانينيات؛ حيث انكمشت بأكثر من 90% من حجمها، وهي واحدة من أكبر البحيرات في إفريقيا، فهي بحيرة داخلية، بمعنى أنها لا تُصَرِّف مياهها باتجاه المحيط.
وبالرغم من أن أصل البحيرة غير معروف، ولكنه يُعتقد أنها من مخلَّفات بحر داخلي سابق، وتقلَّصت بنسبة تزيد عن 90٪ منذ الستينيات؛ بسبب تغيُّر المناخ، وزيادة عدد السكان، وطرق الريّ غير المنظَّمة، وبالنظر إلى المعدَّل الذي تختفي به البحيرة، فقد تختفي عن الوجود في أقل من عقدٍ من الزمان.
وهناك أربع دول تتشارك حدودها مع تلك البحيرة؛ وهي: نيجيريا وتشاد والنيجر والكاميرون، وقد شكَّلت اتحادًا سياسيًّا اسمه دول حوض بحيرة تشاد، كما أن هناك دولاً أخرى مرتبطة بالحيرة بصورةٍ غير مباشرة، وهي: الجزائر وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان، ويعيش حولها ما يقارب الثلاثين مليون نسمة، وبالنسبة لهم؛ فإنها مصدر المياه العذبة للشرب والنظافة والري، وتدعم حياة المُزارعين والرعاة والصيادين.
ومع ذلك، تُعدّ منطقة بحيرة تشاد واحدةً من أكثر المناطق غير المستقرة في العالم. وفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2020م؛ حيث تُعَدّ دول المنطقة من بين أقل 10 دول أمنًا في إفريقيا.
وقد أجرينا دراسة عن كيفية إسهام تجفيف هذا المصدر المائي المهم في عدم الاستقرار في المنطقة؛ فقمنا بجمع البيانات من المقابلات مع المشاركين من منطقة “لاك” في تشاد، ومنطقة “الشمال الأقصى” في الكاميرون، ومنطقة “ديفا” في جمهورية النيجر، والمنطقة الجيوسياسية الشمالية الشرقية في نيجيريا، كما قمنا بتجميع معلومات من تقارير صحفية أخرى.
وقد وجدت الدراسة أن تقلُّص سُبُل العيش في تلك المناطق أدَّت إلى زيادة الجرائم، وسهَّلت من عمليات التجنيد مِن قِبَل الجماعات الإرهابية، كما أدَّت إلى زيادة الهجرة إلى المراكز الحضرية، وهذا بدوره أدَّى إلى العنف وإلى الجريمة في تلك المدن والبلدات، كما أنَّ طريقة إدارة البحيرة المتقلِّصة أدَّى إلى زيادة الصراعات بين تلك الدول التي تعتمد عليها، ممَّا جعل الأمر أكثر صعوبة عليهم لكي يكافحوا الجرائم في تلك المنطقة بصورةٍ جماعيةٍ؛ فالبحيرة تُعَدُّ مركزية بالنسبة لاستقرار المنطقة، ومن أجل الوصول إلى السلام، يجب على تلك الدول أن تركِّز على إحياء البحيرة، وإعادتها لمستوياتها السابقة بدلاً من التركيز على النشاطات العسكرية.
أثر ذلك على سبل الحياة:
إن الأثر المباشر لجفاف بحيرة تشاد هو فقدان سُبُل العيش، وقد صرَّح أحد المجيبين على استبياننا قائلاً: “منذ عدة سنوات كانت هذه البحيرة بمثابة كل شيءٍ لنا؛ حيث نعتمد عليها في الزراعة والصيد والرعي، ومنذ جفاف البحيرة؛ فإن الحفاظ على أسلوب عيشنا أصبح أصعب كلّ يومٍ، فنحن بالكاد نزرع الآن، كما تحدث حالات عديدة من نفوق الماشية؛ بسبب نقص العلف والمياه، وكنتيجة لذلك فإن معظم الناس قد هجروا الزراعة والصيد والرعي؛ لأن ذلك لم يعد أمرًا مستدامًا في تلك المنطقة.
إنَّ فقدان سُبُل العيش التقليدية يؤدِّي إلى انتشار الفقر وفقدان الأمن الغذائي، وقد أشار تقريرٌ نُشِرَ في عام 2017م إلى أنَّ هناك ما يقارب 10,7 مليون نسمة في منطقة بحيرة تشاد بحاجةٍ ماسَّة إلى الخدمات الإنسانية.
أثر ذلك على الاستقرار الإقليمي:
إنَّ تقلص تلك البحيرة يساهم في عدم الاستقرار الإقليمي على أربعة محاور؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ حيث إنَّ بعضًا من سكان المنطقة قد نَحَوْا باتجاه النشاطات الإجرامية من أجل البقاء، وواحدة من أكبر النشاطات الإجرامية هي سرقة الماشية؛ فقد أظهرت عدة تقارير ارتفاع حوادث سرقة الماشية في المنطقة، فمن السهل نقل الماشية عبر حدود البلدان في تلك المنطقة للهروب من الاعتقال.
وقد أصبحت بوكوحرام تُمثّل تهديدًا خطيرًا في منطقة بحيرة تشاد. ومعظم وسائل التصدّي لتلك الجماعة كانت عسكرية، فعلى سبيل المثال في الفترة ما بين 2009 حتى 2018م وصلت ميزانية الدفاع للدولة النيجيرية قرابة 21 مليار دولار؛ حيث يذهب جزء كبير منها إلى مكافحة جماعة بوكوحرام. كما أن تلك الجماعة قد استثمرت في عملية التدهور الاقتصادي والمعيشي الناتج عن تقلص البحيرة، وهروب السكان من أجل استخدام ذلك كوسيلة لتجنيد المقاتلين الجدد في صفوفها؛ فهي إمَّا تُرَغِّب الفقراء بصورة أيديولوجية أو تقوم مباشرة باستخدام الحوافز الاقتصادية لإغرائهم بالانضمام.
كما كشفت الحوارات مع المستجيبين للاستبيان كذلك أن جفاف أجزاء كبيرة من البحيرة أدَّى إلى مفاقمة عملية الهجرة طويلة الأمد من السكان بماشيتهم باتجاه المدن والبلدات في منطقة حوض بحيرة تشاد، مما أسفر عن تنافس على المصادر، لا سيما الصراعات الرعوية بين الفلاحين، فما بين 2016 و2019م قُتِلَ ما يقرب من 4 آلاف نسمة في نيجيريا وحدها كنتيجة للصراعات بين المزارعين والرعاة على مصادر المياه.
ومع تقلُّص البحيرة، نزحت المياه نحو تشاد والكاميرون، بينما جفَّ الجانبان باتجاه النيجر ونيجيريا، وهذا يُجبر الناس على عبور الحدود الوطنية للوصول إلى سواحل البحيرة، ومن ثَمَّ اختفى احترام الحدود، وبرزت شبكة معقَّدة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية امتدت إلى حافة الصراعات بين الدول، كما أدَّت تلك العلاقات الصراعية؛ بسبب الوصول إلى البحيرة وإدارتها إلى التأثير الخطير على الجهود الجماعية لدول المنطقة لمكافحة بوكوحرام.
المُضِيّ قُدُمًا بطريق الحلّ:
لقد حدَّدت لجنة حوض بحيرة تشاد على رأس أولوياتها سدّ النقص في مياه البحيرة ومساحتها، فقد كانت هناك خطة لبناء سدّ وقنوات لضخّ المياه من نهر الكونغو إلى نهر شاري، ثم إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، ثم بعد ذلك إلى بحيرة تشاد، وقد طرحت الخطة في البداية الشركة الهندسية الإيطالية “بونيفيكا سبا” عام 1982م، وكانت أهمّ التحديات أمام تلك الخطة هي التمويل ومقاومة الناشطين البيئيين، بالإضافة إلى خَلْق الظروف الآمنة للمُضِي قُدُمًا في تلك الخطة. ولكن مع الأسف؛ فإن هذه الخطة لم تَرَ النور حتى يومنا هذا، وذلك لأن الدول الأعضاء في لجنة حوض بحيرة تشاد تفتقد إلى إرادة العمل بها، ربما بسبب العلاقات المتوترة بين دول بحيرة تشاد وبين نيجيريا. ولكن إذا أراد الجميع الاستقرار في المنطقة؛ فإن مفتاح ذلك هو استعادة تلك البحيرة المهمة للأمن الإقليمي.
[1] – نشر على الرابط التالي: https://theconversation.com/the-key-to-peace-in-the-lake-chad-area-is-water-not-military-action-146152