بقلم موريس كيروجا[1]
مع اقتراب القرن الإفريقي من مواسم الانتخابات؛ تسعى أرض الصومال لأن تصبح دولةً محوريةً ذات بُعْدَيْنِ إقليميّ ودوليّ؛ ففي غضون بضعة أشهرٍ قصيرة في منتصف عام 2020م، استضافت عاصمة أرض الصومال “هرجيسا” العديد من الدبلوماسيين من المنطقة وخارجها؛ حيث تلعب إدارة الرئيس موسى بيهي عبدي على الخلافات الدبلوماسية لتحسين موقفها.
وكان من بين هؤلاء الدبلوماسيين: ممثلون من كينيا ومصر وإثيوبيا والصين وتايوان؛ فقد أرسلت كلّ دولة ممثلين لها؛ لمحاولة كسب قضية أرض الصومال إلى جانبها، في خطواتٍ تشير إلى وجود إدارة ماهرة في تلك المنطقة الانفصالية.
فقد أرسل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ممثّليه إلى أرض الصومال؛ في محاولة منه لإيقاف التنامي في العلاقات بين العاصمة هرجيسا والقاهرة، والتي يمكن أن تشهد افتتاح مكاتب للطرفين في عاصمتيهما، بما يمكن أن يعطي القاهرة موطئ قدمٍ في منطقة القرن الإفريقي؛ حيث إنَّ البلدين “مصر وإثيوبيا” على طرفي نقيض اليوم؛ بسبب الخلاف على إدارة المياه في نهر النيل.
كما جاءت إلى العاصمة “هرجيسا” أيضًا رئيسة الوزراء الكينية السابقة وزعيمة المعارضة رايلا أودينجا، فيما اعتبره المراقبون مؤشِّرًا آخر على تنامي النزاع بين نيروبي ومقديشو؛ حيث تنتشر القوات الكينية في الصومال لمجابهة تهديدات جماعة “الشباب” المسلحة. فنيروبي تحمل أهمية خاصة لدى قضية أرض الصومال بعدما فازت كينيا بمقعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في منافسةٍ كشفت عن الخطوط العريضة للصراع الجيوسياسي في شرق إفريقيا. وجيبوتي هي الأخرى التي تُعَدُّ معقلاً للعديد من القواعد العسكرية الأجنبية قد تلقت دعمًا من الصومال ومن الدول الأخرى.
جذب انتباه القوى الآسيوية:
لقد لفتت العلاقة المتزايدة بين أرض الصومال وما بين تايوان أنظار القيادة الصينية على الفور؛ حيث إنها يمكن أن تعطي العاصمة تايبيه معقلاً في منطقة القرن الإفريقي، وبالتالي معبرًا إلى القارة كلها؛ حيث لا توجد أيّ دولة تعترف بتايوان في إفريقيا سوى إيسواتيني.
وفي أواخر يونيو الماضي وافقت كلٌّ من الصين والصومال على إجراء دوريات بحرية مشتركة في منطقة البحر الأحمر؛ حيث يقول محللون إقليميون: إن ذلك يأتي في إطار محاولة الجانبين لاحتواء الأهمية الجيواستراتيجية المتصاعدة لأرض الصومال، وبعد ذلك بأسابيع أرسلت الصين سفيرها في الصومال كين جيان إلى هرجيسا، وطبقًا لتقارير إعلامية محلية فقد فشل في مقابلة الرئيس بيهي، والتي وصلت محادثاته مع تايوان إلى مرحلة متقدمة، ويمكن أن نرى أرض الصومال تستضيف قريبًا قاعدة عسكرية تايوانية ومكتب تمثيل لها في البلاد.
وفي لقاء آخر تم في السادس من أغسطس ظهر السفير جيان مع مسؤولين ودبلوماسيين كبار آخرين من بكين؛ حيث وافقت الصين على تمويل عددٍ من المشروعات التنموية وافتتاح مكتب اتصال في هرجيسا بشرط أن يقطع بيهي علاقته بتايوان.
وتأتي هذه التحركات في يوليو وأغسطس بعد استئناف المحادثات بين هرجيسا ومقديشو في جيبوتي المجاورة في منتصف يونيو الماضي، والتي أعقبت اجتماعًا بوساطة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في فبراير.
موسم الانتخابات:
ويخشى المحللون الآن من أن المناقشات قد تخرج عن مسارها؛ بسبب موسم الانتخابات، فمع توجُّه الصومال وأرض الصومال وإثيوبيا إلى صناديق الاقتراع ينخرط كلٌّ من الرئيس الصومالي محمد فارماجو وآبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا حاليًا في مناورات سياسية في الداخل، وقد لا تكون المحادثات بين الصومال وأرض الصومال مدرجةً على قوائم المهام الرئيسية لهم. وقال عمر محمود، كبير محللي الصومال لمجموعة الأزمات الدولية، لموقع The Africa Report: “لا يمكن للصومال المشاركة بشكل كبير في المفاوضات خلال الأشهر القليلة المقبلة، لذا فإن أرض الصومال قد تقوم بتضمين مشاركتها في أُطُر تنافسية خارجية مثل التنافس ما بين إثيوبيا/مصر وتايوان/الصين”.
ومع ذلك؛ فإن فعالية استغلال أُطُر العمل من خلال استغلال التنافسات الخارجية لا تزال موضع تساؤل ما لم تتمكن أرض الصومال من جَلْب مختلف الأطراف إلى طاولة المفاوضات أو على الأقل الاحتفاظ بهم من أجل المشكلات الفنية الأصغر.
وفقًا لتعليق صادر عن مجموعة الأزمات الدولية؛ فإن اجتماع جيبوتي في يونيو، وهو أول محادثات مباشرة من هذا النوع منذ ست سنوات، كان بسبب ضغط من آبي أحمد، وكذلك بسبب الإصرار المستمر من الولايات المتحدة والتي تحاول مع الاتحاد الأوروبي لتسهيل العودة إلى طاولة المفاوضات؛ فبالإضافة إلى القضية القديمة لمسألة سيادة أرض الصومال، فإن القضايا الأخرى على طاولة المفاوضات بالنسبة لهرجيسا تشتمل على إدارة المجال الجوي والمساعدات الدولية، ففي 2018م رفضت حكومة فيرماجو في مقديشيو ترتيبات مسبقة من شأنها السماح بالمساعدات بأن تطير مباشرة إلى أرض الصومال، وفي 2019م استعادت سيطرتها الجوية من المنظمة الدولية للطيران المدني.
وأشار محللو مجموعة الأزمات الدولية في تعليق إلى أن “هذه الخطوة عكست خطة تم التفاوض عليها سابقًا، والتي كانت ستنشئ هيئة تنظيمية مشتركة في عاصمة أرض الصومال، مع تقاسم هرجيسا ومقديشو الإيرادات المحصَّلة من العمليات الجوية”.
الى أين الآن؟
من غير المحتمل أن تُستأنف المحادثات بين الصومال وأرض الصومال قبل عام 2021م، وهناك احتمال حقيقيّ بوجود قادة وحكومات جديدة على كلا الجانبين. فبينما يرى المحلِّلون أن المسألة السياسية المتعلقة بسيادة أرض الصومال يصعب حلها الآن حتى لو استُؤنفت المحادثات؛ فإنهم يشيرون إلى أن هناك قضايا فنية رئيسية لا يزال من الممكن حلّها لتجنُّب الأزمات المصاحبة لإدارة المجال الجوي وتدفق المساعدات الدولية وإدارة الأمن.
[1] – ذي أفريكا ريبورت، 13 أغسطس 2020م، على: https://www.theafricareport.com/37463/somaliland-plays-up-its-geopolitical-role-courting-china-and-taiwan/