ديفيد بيلينج([1])
ترجمة: د. محمد عبد الكريم أحمد
معهد الدراسات المستقبلية ببيروت
مقال مهم رصَد فيه المتخصِّص في الشؤون الإفريقية بصحيفة فاينانشيال تايمز مفارقة صادمة للكثيرين من غير المتخصِّصين في الشأن الإثيوبي؛ وهي تراجع شعبية آبي أحمد في إثيوبيا؛ رغم الدعم الغربي الكبير الذي يحظى به من أوروبا والولايات المتحدة.
فقد فاز آبي أحمد في تصويتين مهمَّين؛ أولهما في مارس 2018م، وفي أكتوبر 2019م؛ عندما منحته النرويج جائزة نوبل للسلام؛ تقديرًا لجهوده في تعزيز حقوق الإنسان، والتوصّل لاتفاق سلام مع إريتريا (لم يتمّ المُضِيّ قُدُمًا في تطبيق مخرجاته الاقتصادية والحدودية حتى الآن).
والآن على السيد آبي أحمد الفوز بالانتخابات المقررة في أغسطس بدلاً من مايو من العام الجاري؛ عندما يواجه هو وحزبه المكوَّن حديثًا “الازدهار الإثيوبي” الشعب الإثيوبي في انتخابات عامة. وإن كانت الانتخابات حرَّة ونزيهة، كما وعد آبي أحمد، فإنه لا توجد أية ضمانات لفوزه أو حزبه بالانتخابات.
إن ما حدث في إثيوبيا أمر يستحق الاهتمام؛ فبعد 15 عامًا من نُمُوّ يقترب من العددين، تركت ثاني أكبر دول إفريقيا عددًا في السكان -حوالي 114 مليون نسمة- خلفها صورتها كمكان تضربه المجاعات، وأصبحت تميمة للتنمية.
ورغم أنها لا تزال دولة فقيرة للغاية؛ إلا أنها حققت بالفعل خطوات عملاقة في الصحة، والتعليم وخفض نِسَب الفقر. وارتفع العمر المتوقع من 52 عامًا فقط مع نهاية القرن الماضي إلى 67 عامًا. كما نما الاقتصاد أكثر من عشرة أضعاف في نفس الفترة. وبالرغم من كثرة الشكاوى من أنَّ النُّخبة قد أثْرَتْ نفسها؛ فإن إثيوبيا تملك واحدًا من أكثر توزيعات الدخل اعتدالاً في القارَّة بأكملها.
ولا يُعكّر صَفْو هذه الرواية السعيدة إلا أمرٌ واحدٌ؛ الحقيقة السياسيَّة. وبينما لا يزال الاحتفاء بآبي أحمد على قدم وساق في الخارج؛ فإن صورته في داخل إثيوبيا اهتزَّت كثيرًا. فقد توقفت عملية السلام مع إريتريا؛ ويقول مناوئو آبي أحمد: إنه مغرورٌ، بل ونَهِمٌ للسلطة؛ “لقد حاربنا ضد نظام خاضع لهيمنة حزب واحد”؛ كما يقول جوار محمد، حليف آبي أحمد السابق الذي تحوَّل لأبرز مُنَافِس له، “والآن فإنه يحاول تكوين نظام يهيمن عليه عقل رجل وحيد”.
وتتَّهم المجلة الشهرية أديس ستاندارد آبي أحمد بملء السجون مرَّة أخرى بالسجناء السياسيين، والقيام بقصف عسكري للمعارضة المسلحة في إقليم أوروميا؛ أكبر أقاليم إثيوبيا عددًا في السكان. كما أن الحكومة التي تترنَّح من النقد الإثني عبر القنوات الإعلامية المختلفة، مرَّرت قانونًا مُثيرًا للجدل يُحجّم خطاب الكراهية.
ويرتبط أغلب مكوّنات هذه الحركة الارتجاعية بصراع مُعقَّد بين السيد آبي أحمد، كإثيوبياني Ethiopianist يؤكد على وحدة الدولة، وأولئك الذين يرون الأمة من مناظير إثنية. ويلاحظ أن الزائرين الذين يشيرون لإثيوبيا كأمة، يقال لهم عادة: إن إثيوبيا، وفق الدستور، أُمة مكوَّنة من أُمَم nation of nations.
ويؤكد دستور 1995م، والذي فُعِّلَ بعد إسقاط نظام الحكم الماركسي في العام 1991م، على الإثنية عبر تقسيم البلاد إلى تسعة أقاليم متكاملة إثنيًّا افتراضًا. ووضع ذلك جزئيًّا للتغطية على حقيقة أن البلاد كانت تُدَار بالفعل من قبل التيجرانيين؛ الذين لا يُشكّلون سوى 6% فقط من السُّكان، لكنَّهم قادوا الثورة وطبَّقوا الإصلاحات التي حقَّقت نموًّا مذهلاً.
وسعى آبي أحمد، في سياسة تبدو مُرحَّبًا بها من بعيد، إلى عدم التأكيد على أهمية الإثنية. وقدَّم مفهوم “مدمير” Medemer وهي كلمة أمهرية تعني “التآزر” أو التعاون، الذي تعرَّض للاستهزاء أو النقد؛ باعتبارها فلسفة تقوم على استلاب السلطة لفردٍ باسم الوحدة الوطنية.
وقد حلَّ آبي أحمد الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، التحالف الحاكم السابق المكوَّن من أحزاب إثنية من أوروميا والأمهرا والتيجراي والشعوب الجنوبية. وحلَّ محلها حزب “الازدهار” المركزي اقتصاديًّا وغير الإثني. ويؤكد مستشارو آبي أحمد أنَّ ذلك كان الأمر الصحيح الذي تَعيَّن القيام به، مع جمع الأقليات المستبعَدَة سابقًا في العملية السياسية. لكنَّ المؤسسة السياسية التيجرانية رفضت الانضمام للحزب.
والآن؛ فإن آبي أحمد متَّهم بخيانة تطلُّعات الشعب الإثيوبي بتأكيده على أجندة إثيوبيانية. وخرج عن التحالف معه ليما مجريسا الرئيس السابق بإقليم أوروميا. والان فإن وزير الدفاع، السيد ليما يعارض تعجّل آبي أحمد في تكوين حزب الازدهار الإثيوبي. وإذا استقال السيد ليما مجريسا من الحكومة؛ فإن ذلك سيَحُدّ بقوَّة من فُرَص آبي أحمد الانتخابية بشكلٍ خطيرٍ؛ سواء في أوروميا أم على مستوى البلاد.
والتوترات محتومةٌ؛ فقد رفع آبي أحمد الغطاء عن عقود من القمع، ودعا جماعات من المعارضين السياسيين للعودة مِن بينهم مَن سعوا لإسقاط الدولة بالقوَّة. لكن لا يزال هناك حَقّ في بعض الانتقادات التي ترى أن الانتقال قد فسَد. وتقع على آبي أحمد مسؤولية من جانبه؛ إذ يسيطر حزبه على آلة الدولة وتمويلاتها. وفي حالة عقد الانتخابات في أغسطس -ويمكن أن تُؤجَّل مرَّة أخرى- فإن حزبه قد يحقّق انتصارًا بصعوبةٍ بالغةٍ؛ مما سيمنح آبي أحمد خمس سنوات أخرى، وعندها سيكون من المثير رؤية إن كان لدى لجنة نوبل أيَّة مشاعر بالندم.
[1] David Pilling, Why Abiy Ahmed is more popular in Norway than in Ethiopia, Financial Times, February 26, 2020 https://www.ft.com/content/e027921c-57f1-11ea-abe5-8e03987b7b20?fbclid=IwAR14IvnkrQP8qkcar_KFuYdcV9djK4VdG34EARtzdQu2vdTgQHU1re8R2Tc