جيمس كيربي – ذا كونفيرسيشن[1]
ترجمة : محمد الزواوي
احتفظ حزب بوتسوانا الديمقراطي، الذي حكم البلاد منذ الاستقلال في عام 1966م، بالسلطة في واحدة من أكثر الانتخابات تنافسيةً في تاريخ ما بعد الاستقلال الذي دام 53 عامًا في البلاد. واستطاع الحزب أن يحافظ على أغلبيته البرلمانية، وفاز بـ29 من أصل 57 مقعدًا متنافسًا عليه في الجمعية الوطنية.
وقد عدَّلت بوتسوانا النظام الانتخابي لتضع قواعد انتخابية جديدة للبرلمان، في ذلك البلد الذي يقع في جنوب القارة السمراء، ويبلغ عدد سكانه 2.2 مليون نسمة، منهم تسعمائة ألف لهم حق التصويت.
وكان أداء الحزب ضعيفًا في تلك الانتخابات؛ حيث واجه معارضة قوية، كما أنه تعرَّض لانقسامات داخلية بين الرئيس السابق إيان خاما (66 عامًا)، والرئيس المنتخب حديثًا موكغيزي ماسيسي (58 عامًا).
جدير بالذكر أن خاما قام بتسليم الرئاسة وقيادة الحزب إلى نائب رئيسه آنذاك ماسيسي في أبريل 2018م، بما يعكس انتقالاً سلميًّا للسلطة في البلاد. لكنَّ العلاقة توترت في الشهر التالي عندما طرد ماسيسي رئيس وكالة الاستخبارات إسحاق كجوسي، وهو حليف لخاما. وبعد مرور عام، ألغى ماسيسي الحظر الذي فرضه خاما على صيد الفيلة.
فاستقال خاما بعد ذلك من الحزب الديموقراطي، وانضم إلى المعارضة؛ تلك المناورة التي خاطرت بتفتيت الأصوات في معاقل الحزب الحاكم في المنطقة الوسطى؛ حيث يمثل خاما زعامة في منطقة بامانجواتوا، كما أن عائلته تتمتع بتاريخ سياسي في البلاد؛ حيث إن والد خاما هو السير سيريتسي خاما، أول رئيس لبوتسوانا بعد الاستقلال، وقاد البلاد منذ عام 1966 إلى 1980م.
ويشير المراقبون إلى وجود عاملين رئيسيين أثَّرَا على نتيجة الانتخابات؛ الأول كان الانقسامات الكبرى داخل أحزاب المعارضة، أما العامل الآخر فهو تمسك الحزب الحاكم بالسلطة من خلال الشعارات الشعبوية التي نادى بها، بما في ذلك الوعد بزيادة رواتب العاملين في الجيش والشرطة ومصلحة السجون، بالإضافة إلى التعهُّد بخلق وظائف جديدة في البلاد؛ عن طريق إنشاء منظومة للسيارات الكهربائية، كما استفاد الحزب أيضًا من استخدام وسائل الإعلام الحكومية.
وعلى الرغم من احتفاظ الحزب الحاكم بالسلطة؛ إلا أن هناك العديد من التحديات الخطيرة التي تنتظره بُعَيْد احتفاله مباشرة بفوزه، بما يهدّد السمعة التي قامت البلاد ببنائها كواحة من الديمقراطية والازدهار في القارة السمراء.
الفقر واللامساواة:
كانت بتسوانا واحدة من أفقر دول العالم عند استقلالها، ولكن أثبت حزب بوتسوانا الديمقراطي أنه جَيِّد في إدارة الاقتصاد معتمدًا على الثروات الهائلة للبلاد من الماس الذي يُمثّل 24% من الناتج الإجمالي المحلي و73% من إجمالي صادراته. كما لعب السير سيرتسي خاما دورًا حاسمًا في جلب المساعدات والتحالفات الأجنبية، كما استطاع أن يقدّم حزبه كبديل فعَّال لأيديولوجية الفصل العنصري في جارتها جنوب إفريقيا.
كما استطاع الحزب أن يساعد في تحويل البلاد إلى واحدة من أسرع الاقتصادات نُمُوًّا في العالم خلال العقود الأربعة الأولى له في السلطة، ولكنَّ ارتفاع الدخول في الطبقة فوق المتوسطة في البلاد حجبت الفوارق الاجتماعية والاقتصادية الحادَّة، مما أدَّى إلى حدوث مشكلات هيكلية ومِن ثَمَّ ارتفعت البطالة، بالإضافة إلى حالات الفقر المدقع في البلاد.
كما أنَّ اعتماد الدولة على السِّلع التصديرية المربحة –وهي سلع محدودة العدد-؛ من أجل تحصيل الإيرادات أدَّى إلى إعاقة التنمية في صورتها الأشمل؛ حيث بلغ مؤشر جيني في بوتسوانا 53.3 لعام 2015م، بما يجعل المجتمع واحدًا من أقل المجتمعات مساواة في الدخول في العالم.
كما يجب على البلاد أيضًا مواجهة العواقب طويلة الأمد لتغيُّر المناخ، بالإضافة إلى إقرار الحكومة بوجود أخطار تواجه الأمن الغذائي؛ بسبب فشل زراعة المحاصيل، بالإضافة إلى نفوق الماشية، وهذا يعني خطورة اعتماد البلاد على الماس فقط؛ حيث إنه سلعة ناضبة وقابلة للتعرض لتقلُّبات السوق العالمي.
فقدان البريق:
حتى الآن لم تستطع بوتسوانا أن تعتمد بصورة كاملة على سجلها الديمقراطي، الذي أصبح محل تساؤل؛ فحتى الآن لم تستطع البلاد نقل السلطة من حزب إلى آخر في الحكومة، كما أن خاما قد استقال عن طيب خاطر كرئيس في نهاية ولايته الثانية على النحو المنصوص عليه في الدستور، ومع ذلك فلا يزال يجب على البلاد معالجة الموروثات السلطوية في أسلوب قيادته.
وقد اتُّهِمَتْ حكومة خاما بترويع وسائل الإعلام والمعارضين السياسيين، وتعليق أحكام القضاء، وتوسيع سلطات وكالات الاستخبارات، ومعاقبة جرائم القتل خارج نطاق القضاء. لذا ينبغي على الحكومة الجديدة النظر في الإصلاحات الدستورية لكبح الصلاحيات التنفيذية للرئاسة، واحتمالية تكرار حدوث مثل هذه الانتهاكات.
ومن ناحية أخرى فلدى بوتسوانا آليات مؤسسية فعَّالة للحدّ من الفساد، لكن سمعتها كدولة قادرة على المساءلة تَضْعُف بسبب مركزية هيئات مكافحة الفساد الرئيسية المتمركزة داخل مكتب الرئيس فقط، كما أن التحدّي الآخر سيكون فتح النظام السياسي أمام الفئات غير الممثلة بصورة كاملة؛ فالنساء يمثلن أقل من 10% من المقاعد في الجمعية الوطنية منذ عام 2014م، كما لا تملك المجموعات العرقية للأقليات، مثل الباساروا، منصة كافية لحماية مصالحهم.
ترقُّب انتخابات 2024م:
هناك درس مُهِمّ يمكن للحزب الديمقراطي في بوتسوانا أن يتعلّمه من الصعوبة التي واجهها في انتخابات 2019م، بما يمثّل تحديثًا لنظام الحزب الواحد. فالمنافسة السياسية للحزب قد توفر بعض الحوافز لبدء سياسات جديدة تخدم العاطلين عن العمل والفقراء، بما قد يساعده على الاحتفاظ بالسلطة في المستقبل.
كما أن المنافسة الشخصية بين كلّ من ماسيسي وخاما قد غطَّت على الاهتمامات السياسية الأخرى التي كان يجب الاهتمام بها، بما في ذلك احتياجات الفئات المهمَّشة.
فإذا لم يتغير ذلك النمط، وإذا لم يتصدَّ الحزب الديمقراطي لبوتسوانا بجدية للضعف الهيكلي في البلاد؛ فإنه قد لا ينجو في المنافسة القادمة في عام 2024م؛ فالاختبار الأكبر للحزب الديمقراطي ربما لم يأتِ بعدُ.