بقلم: سونيا لوغورييليك *
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
يُشار إلى أن الفترة الانتقالية بدأت تزامنًا مع عملية السلام الإقليمية بين إثيوبيا وإريتريا على الرغم من مخاوف احتمال تأثير توتر الأحداث في السودان القريبة على الوضع.
في صيف عام 2018م، لم يُخْفِ المراقبون دهشتهم عندما رأوا أخيرًا احتواء نزاعٍ استمر منذ عشرين عامًا، وكان بمثابة مشكلة حقيقية أدَّت إلى تعقيد التوترات الإقليمية. كان الرئيس الإريتري إسياس أفورقي على السجادة الحمراء لاستقباله في مطار أديس أبابا، كما تم استقبال الأخير بحرارة من رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، وأعيد فتح السفارة الإريترية في أعقاب ذلك.
وفي غضون ذلك أعلن رئيس الحكومة الإثيوبية عن نيته تنفيذ اتفاقية السلام الموقعة في عام 2000م، وإعادة مدينة بادمي إلى إريتريا التي كانت محور النزاع الحدودي بين عامي 1998 و2000م، وتسببت في إيجاد حالة من “لا حرب ولا سلم” استمرت لمدة عشرين عامًا بين البلدين. وبعد بضعة أسابيع، في 16 سبتمبر 2018م، في جدة (المملكة العربية السعودية)، تم توقيع اتفاقية السلام بين الدولتين بشكل رمزي. وقبل عام، قمنا بتحليل عملية السلام هذه من خلال ديناميكية شاملة حيث تكون المنطقة جزءًا منها، والتي أضافت إليها الضروريات الوطنية. فما هو الوضع حاليًا؟
منطقة استراتيجية وجذابة :
نظرًا إلى أن القرن الإفريقي منطقة استراتيجية للنظام الدولي، فإنه يجذب بانتظام جهات فاعلة جديدة: دول الخليج الحريصة على إقامة هيمنتها الإقليمية، والقوى العالمية مثل الصين، التي زادت استثماراتها في السنوات الأخيرة على “الطريق السريع التجاري” المتمثل في البحر الأحمر؛ والشركاء الغربيين، الذين لا يشعرون بالارتياح إزاء المبادرة الصينية “طرق الحرير الجديد”، التي يُنظر إليها على أنها “حصان طروادة” الصيني والهدف الرئيسي، حسب رأيهم، هو نشر توسعها في إفريقيا.
وعطفًا على هذا الجدول فهناك أنظمة القرن الإفريقي تحتاج إلى دعم مالي خارجي للحفاظ على نفسها؛ مما يجعل رعاية العملية مِن قِبَل جهات خارجية لا غِنَى عنها. ومن الواضح أن العملية ليست في معزل عن الاعتبارات الاقتصادية البحتة، خاصة وأن التعاون الاقتصادي كان أحد أركان اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا.
العوامل الداخلية للتقارب:
على أن ثمة قيودًا وطنية أُضيفت إلى هذه الديناميكية الإقليمية والعالمية، مثل الحاجة إلى خروج النظام الإريتري من عزلته الدولية، كما تواجه إثيوبيا احتجاجات اجتماعية وأزمة مالية حادة. كل هذه العوامل مجتمعة تشرح وتوضّح مثل هذا النمط من التقارب بين البلدين.
ومع ذلك، وبعد مُضي سنة، يبدو أن الوضع قد تجمد. ومن المُسلَّم به أن عملية السلام قد مكَّنت من إعادة فتح السفارات، وإنشاء رابط جوي بين البلدين، والعفو عن اللاجئين المتمردين في إريتريا، عطفًا على تعزيز الفرص التجارية والمالية. وهكذا، أصبحت إريتريا الآن مزودة بشكل أفضل. ولكن المئات من الإريتريين يغادرون بلادهم كل يوم إثر فتح الحدود؛ ليستقروا في إثيوبيا. واليوم، تم إغلاق الحدود مرة أخرى، دون سببٍ رسميّ.
إريتريا، المتغير المجهول في المعادلة الأمنية:
لا تزال “إريتريا أفورقي” -أكثر من أيّ وقت مضى- المتغير المجهول وصعب التحديد في معادلة الأمن الإقليمي.
لقد خرجت هذه الدولة بالفعل من عزلتها الدولية؛ لكن الخدمة الوطنية التي تسببت في فرار الآلاف من الإريتريين منذ إنشائها لم تُلغ، على الرغم من أنه كان من المفترض عدم استمرارية أسباب إنشائها بعد اتفاقية السلام.
لا يوجد حتى الآن دستور أو انتخابات، وكان الرئيس نفسه في السلطة منذ الاستقلال في عام 1993م، والجماعات الدينية التي تدعو إلى الإصلاح مُستهدَفَة من خلال حملات الاعتقال والمضايقة.
في ظل تزايد الإحباطات، لا يزال الإريتريون قلقين للغاية بشأن سيادة البلد التي تم تحقيقها في أوائل التسعينيات بعد نضال استمر لفترة طويلة. وهكذا، أثار الاتفاق المبرَم بين إثيوبيا وفرنسا لتشكيل البحرية الإثيوبية الكثير من الجدل حول الوصول إلى البحر الذي يتطلع إليه النظام الإثيوبي لهذه البحرية: أهو ميناء عصب الإريتري أو جيبوتي؟
الأزمة الفيدرالية في إثيوبيا:
إثيوبيا تعاني من أزمة سياسية كبيرة. وقد كشف انقلاب 22 يونيو 2019م، عن حدود السياسة الإصلاحية لرئيس الوزراء أبي أحمد. أثناء تواجده في بحر دار، في شمال البلاد، تم اغتيال حاكم منطقة أمهرة، وتزامن ذلك مع قتل رئيس الأركان على أيدي حراسه الشخصيين في العاصمة.
وفقًا لرينيه ليفورت، فإن محاولة الانقلاب هذه ستكون من أعراض فشل إنهاء الاستعمار الداخلي لإثيوبيا منذ نهاية القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت، كانت السلطة مركزية في المرتفعات الحبشية، وكان الأمهر والتيغر يتقاسمان السلطة، واستولوا على الأطراف تدريجيًّا بتركيب نظام من النوع الاستعماري. فشل دستور 1995م في حلّ هذا النزاع التاريخي بين المجتمعات. ويتعين على النخبة الإثيوبية إدراك المشكلة إذا أرادت تجنُّب تفكك البلاد.
على أن البلاد التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة تمر بأزمة فيدرالية يسعى أبي أحمد جاهدًا لحلها. فمنذ عام 1995، يُقِرّ الدستور بتسع مناطق عرقية، ولكن في داخلها تقوم الحركات القومية العرقية بمعارضة الاتحاديين كما هو الحال في منطقة أمهرة.
وعلى الرغم من هذه الانقسامات الداخلية الحادّة، فإن رئيس الوزراء الإثيوبي لا يتردد في التوسط في العديد من النزاعات، سواء في السودان أو بين الصومال وكينيا.
مخاوف في جيبوتي:
من جانب جيبوتي، يظل السؤال مطروحًا حيث إنَّ النشوة المرتبطة بمكانة البلاد في مبادرة طرق الحرير الصينية الجديدة تلاشت، وتركت المجال للقلق الناجم عن حجم الديون المتعاقد عليها.
على الرغم من وجود التقارب في الظاهر، تظل العلاقات متوترة مع إريتريا، وما زالت مسألة عودة الأسرى من النزاع الحدودي لعام 2008م بين البلدين دون حلّ. وتم تهميش نظام إسماعيل عمر جيلة (المعروف باسم “IOG“)، في السلطة منذ عام 1999م، في محادثات السلام الإقليمية، على الرغم من أن البلاد قد بنت لنفسها هوية “ملاذ السلام” في منطقة غير مستقرة. ولا يبدو خلافه التجاري والشخصي مع دولة الإمارات العربية المتحدة غريبًا على هذا الجانب الهامشي. وفعلاً، شهدت العلاقة بين ولي العهد محمد بن زايد وIOG مناوشات كثيرة، وأهمها تأميم الميناء في عام 2018م.
فرصة تاريخية:
ومع ذلك، يجب الترحيب باتفاق السلام الموقَّع في صيف عام 2018م بين إريتريا وإثيوبيا؛ لأنه يمثل فرصة تاريخية لدول وشعوب المنطقة. لكنَّ هذا السلام لا يزال محفوفًا بالمخاطر والعديد من القضايا المعلقة؛ كالوصول إلى الموانئ الإريترية، وترسيم الحدود، إلخ.
لقد فُتحت فترة انتقالية تزامنا مع هذه العملية الإقليمية لكل نظام في المنطقة. إن توطيد السلام سيعتمد إلى حدّ كبير على استكمال هذه الفترة الانتقالية. ومع ذلك، لا تزال الاحتجاجات الشعبية في كل ولاية، وعلى الرغم من أن الخلفيات السودانية والجزائرية تثير التوتر لدى الأنظمة إلا أن المأمول هو ألا تفسح “رياح السلام” المجال أمام العاصفة.
* سونيا لوغورييليك : محاضرة في قسم العلوم السياسية بالجامعة الكاثوليكية في لييل
رابط المقال:
https://www.lepoint.fr/afrique/corne-de-l-afrique-la-paix-est-elle-durable-16-07-2019-2324857_3826.php?fbclid=IwAR3LwAa_EhOtP3PCQxFGEtyrUkEcgK3jRHXrm4YS-sFu70fHU9HrzdgprG4