بقلم: إبراهيما بيور جونيور(*)
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
في زيمبابوي أجبر إيمرسون منانجاجوا روبرت موجابي على التقاعد الإجباري؛ فأضحى أقدم رؤساء العالم رئيسًا أسبق؛ بعد مسلسل سياسي حبس أنفاس القارة بأَسْرِها.. وبعد وصول إيميرسون إلى السلطة نتيجة انقلاب مقنَّع وصفه الأخير بـ “الانتقالية المدعومة”..
وقد رصدنا نماذج من زعماء استولوا على الحكم بالسلاح أو الاحتيال بعيدًا عن صناديق الاقتراع، ونلخِّص لكم في هذا الجزء الثاني السِّيَر الذاتية لعشرة زعماء استولوا على السلطة، مع الإشارة إلى أن أولئك الزعماء ليسوا جميعًا من العسكريين.
تعرف على عدد من أكثر الانقلابيِّين رمزيةً مع قصص مثيرة للدهشة.
جلبرت دينديري، أقصر انقلاب في العالم
لم تدم فترة رئاسة جلبرت دينديري سوى سبعة أيام ثم تلاشت؛ ففي منتصف سبتمبر من عام 2015م حين كانت البلاد حديثة العهد بالتخلُّص من نظام كومباوري -الذي حكم البلاد قرابة ثلاثين عامًا- جاء الحدث ليحبس أنفاس دولة بأكملها. ففي يوم الجمعة –كالمعتاد- وبينما كان ميشيل كفاندو، رئيس الحكومة الانتقالية، ووزراؤه في قصر الحكم في كوسيام للجلسة الأسبوعية التقليدية لمجلس الوزراء؛ إذ داهَم رجالٌ القاعة الاجتماع في زي RSP (كتيبة الأمن الرئاسي) حرس الرئيس المخلوع، واعتقلوا الرئيس وعددًا من الوزراء، ثم أعقب ذلك إعلان عن الانقلاب العسكري في التلفزيون الوطني.
العقل المدبر
هو الملازم جلبرت دينديري، الذراع الأيمن لبليز كومباوري وقائد فرقة الكومندو في المداهمة المأساوية التي تم فيها اغتيال توماس سنكارا في 1987م، وهو من تخضع لأوامره كتيبة RSP المكوَّنة من 1200 عنصرًا منذ العام 1995م. وشهدت الأيام التي أعقبت الحدث مفاوضات على مستوى الايكواس والأمم المتحدة مع اقتراح عودة بليز كومباوري إلا أن الشعب البوركيني البطل تحدَّى حَظْر التجول مطالبًا بعودة رئيس الحكومة الانتقالية ميشيل كافاندو.
وبعد أسبوع واحد من ضغوط الشارع، ومن الجنود الموالين تم وضع حدٍّ لـ«أغبَى انقلاب في العالم»؛ على حد وصف المتظاهرين؛ حيث ظل جلبرت دينديري رئيسًا للبلاد لمدة 7 أيام فقط!!
ثم استأنف ميشيل كافاندو مهامه، وحلَّ كتيبة الحرس الرئاسي في اجتماع المجلس الوزاري الذي أعقب الحدث في الأسبوع التالي، وأحال الجنرال قائد الانقلاب إلى السجن، مع تقديمه للعدالة للنظر في عشرات التُّهَم الموجهة إليه؛ مثل اغتيال توماس سنكارا، وإساءة استخدام السلطة بصفته رئيس الدولة.
يورمي جونسون، أمير الحرب
وهو واحد من 20 مرشحًا في الانتخابات الرئاسية 2017م في ليبيريا، وشغل منصب سيناتور مقاطعة نيمبا في العقدين الماضيين، وكان أحد روّاد الحرب الأهلية الليبيرية. لكنَّه أراد تحسين سُمعته الشائنة بعد اتهامات وُجِّهَت له باحتراف التبشير؛ الذي زاوله أثناء وجوده في المنفى بنيجيريا.
بدأ جونسون حياته الوظيفية في الجيش إِثْرَ اندماج أعضاء الحرس الجمهوري الليبيري في جيش سامويل دووي الذي وصل إلى الحكم عبر الانقلاب العسكري. وتلقى تدريباته في الولايات المتحدة الأمريكية قبل تعيينه حارسًا شخصيًّا لرئيس هيئة أركان الجيش، قبل أن يضطر إلى الخروج إلى المنفى إِثْرَ اتهامه بالتورط في محاولة القيام بالانقلاب ضد الرئيس الحاكم.
وفي تسعينيات القرن الماضي اختار الأخير الانضمام إلى السفاح تشارلز تايلور على رأس حركة التمرُّد تهدف الاستيلاء على السلطة، وقد حاول كلاهما إزاحة الآخر بعد صراع عنيف للسيطرة على الحركة.
لكنَّ تشارلز تايلور استبق الآخر، وتمكَّن من السيطرة على نصف البلاد؛ مما اضطر جونسون -بعد إدراكه بخروج الوضع عن سيطرته-؛ إلى التوجه إلى مونروفيا لطرح اقتراح التقرُّب على الرئيس صامويل دووي، وفي الواقع كان فخًّا قاتلاً ضد أول رئيس من السكان الأصليين؛ حيث اعتُقِلَ من عناصر بيرنز جونسون إِثْرَ وصول صامويل إلى مكتب قوات حفظ السلام التابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
تمَّ تعذيبه بشتى الطرق، وانتُزعت أظافره، وقطعت أُذنيه قبل قتله أمام أمير الحرب الذي كان يتلذذ بالمشهد الذي تم توثيقه بالكاميرا. لكن قائد الانقلاب الذي طالب بالسلطة اضطر إلى الفرار إلى نيجيريا تحت ضغوط رجال تايلور، وتم خلع كلا الرجلين لصالح أموس سوير.
تيودورو أو بيانغ، قام بالانقلاب ضد عمه
إنه أكثر الانقلابات نجاحًا في إفريقيا؛ حيث تمكن تيودورو أو بيانغ من البقاء على السلطة منذ 38 عامًا في غينيا الاستوائية، ولكن قبل وصوله على هرم السلطة لجأ “الفهد المتربِّص” إلى القفز على فريسة من الدائرة العائلية؛ حيث إنَّ الملازم تيودورو -الذي تلقَّى تدريباته العسكرية في إسبانيا قبل الارتقاء إلى رتبة العقيد للمنطقة العسكرية “سانتا إيزابيل” العاصمة والتي أصبحت ملابو لاحقًا– كان في أول أمره مديرًا لأكبر سجن في البلاد بعد الاستقلال.
إنه منصب بمثابة مرحلة تجريبية قبل توليه وزارة الدفاع في حكومة عمّه وزعيم الاستقلال فرانسيسكو ماسياس انجيما الذي انزلق إلى الدكتاتورية.
بدأت أصوات الانتقادات تتعالى أكثر فأكثر ضد نظام ماسياس انجيما نتيجة أساليبه العنيفة، وقد دفعته المؤامرات والمحاولات للإطاحة به إلى الراديكالية؛ كما أدَّى به الجَشَع على السلطة إلى تبنِّي المحسوبية في معظم المناصب الاستراتيجية في السلطة، وبعد أحد عشر عامًا من حكمه علَّق الأخير آمالاً كبيرة على تعزيز سلطته عن طريق الإعلان عن نفسه “رئيسًا مدى الحياة”، ولم يكن يتوقع حدوث انقلاب.
وفي إحدى ليالي شهر أغسطس من عام 1979م أقدم حفيده تيدورو أو بيانغ انجيما على تطويق القصر الرئاسي والاستيلاء على السلطة، وتمكَّن ماسياس انجيما من الهروب بعد أن أضرم النار على احتياطي عملات البلاد، واختفى في الْقَبْو ثم لجأ إلى مسقط رأسه قبل اعتقاله، وتقديمه إلى محكمة عسكرية بتهمة “الإبادة الجماعية”، وانتهت محاكمته التي بدأت في 29 سبتمبر من ذات العام إلى الحكم عليه بالإعدام بطلقة نارية مع التنفيذ في نفس اليوم. غير أن الخوف من ملاحقة اللعنة رَاوَد جنود غينيا الاستوائية؛ نتيجة انتماء الأخير إلى عائلة ساحرة تقليديًّا؛ فتولى ضباط مغاربة تنفيذ الحكم بالإعدام.
أنْدري رازولينا، من فارس الملاهي إلى عمدة المدينة ثم انقلابي
إنَّ حال أندري رازولينا رمز الصعود السياسي الصريح عن إنجازاته السياسية إلى السلطة. وفي منتصف التسعينيات كان نجل العقيد فارس الأفراح في أمسيات الطبقة البرجوازية المتوسطة في مدغشقر قبل وصوله، في العام 2009م، إلى كرسي الرئاسة في قصر أمبوهيستوروهترا.
كان هذا المقاول الموهوب قد حقَّق إنجازًا كبيرًا في الإعلانات قبل الانطلاق إلى الاستيلاء على السلطة؛ وذلك بعد مشاركته في الانتخابات المحلية عام 2007م كمرشح مستقل وانتُخِبَ عمدة بلدية أنتاناناريفو التي كانت تَئِنُّ تحت الديون.
لكنَّ السهولة التي ميَّزت دخوله إلى عالم السياسة شحذت طموحاته، وكان اجتماعه برئيس البلاد مارك رافولومانا إثر انتخابه انتقائيًّا، وبعد مغادرته من الاجتماع أسند مسئولية المشاكل التي تعاني منها البلاد إلى استراتيجية الزعزعة، مشيرًا إلى أن القصر الرئاسي هو مَن يقف وراءها. أخذت مواقف العمدة الجديد تأخذ شيئًا فشيئًا منحى موقف المعارض بالامتياز، كما استغل قناة تلفزيونية خاصة للتعبئة الشعبية ضد السلطات، أفرزت احتجاجات عارمة في ساحة 13 مايو.
وبعد عامين من التجاذب بين الطرفين انتهى الأمر إلى إعلان عام بتولي رازولينا إدارة شئون البلاد أمام رئيس محاصَر في قصره من المتظاهرين الذين يَسْقطون من الرصاص الحي. وبعد شهر من الحصار غادر أندري رازولينا السفارة الفرنسية؛ حيث كان احتمى بها حفاظًا على أمنه فترة يسيرة، وأعلن عن نفسه رئيس هيئة العليا للمرحلة الانتقالية إِثْر أداء يمين القَسَم في ملعب كرة القدم المكتظ. استمر في الحكم طوال 4 سنوات بالتحايل على القانون الدولي واتفاقيات تقاسم السلطة، ثم تنازل عن كرسي الرئاسة لصالح رئيس مدغشقر الحالي -أحد المقربين منه- بعد تخلّيه عن ترشيح نفسه.
موسى داديس كمارا، سانتا كلوز ذي القبعة الحمراء
تعثرت محاولات موسى كمارا المتعددة بالعودة، عبر ضغوط مواقف اللوبي في السلطة، مما أجبره على البقاء في المنفى في بوركينا فاسو؛ حيث لجأ إليه منذ الإطاحة به، ويوحي ذلك بأن العقيد الذي تلقَّى تدريباته العسكرية في كوناكري، والمغرب، وألمانيا لا يزال يحتفظ بمرتكزات قوة قادرة على إثارة المخاوف، وخاصة في موطنه الأصلي غينيا الغابية.
إن قصة موسى كمارا تتلخص في جندي عرف كيف يُقدِّر الوقت في سرِّية تامة.
تمكَّن العقيد موسى من رسم خطته أثناء وجوده في لجنة الإشراف على إدارة تزويد الجيش بالوقود. تردد في الانقلاب على صديقه الرئيس جنرال لانسانا كونتي الذي كان في وضع صحي متدهور بعد قضاء 24 عامًا على رأس البلاد.
لكن في يوم 22 ديسمبر 2008م حين ترددت الحكومة في الإعلان عن رحيل الرئيس كونتي لإثبات فراغ السلطة وإحلال النيابة، شعر موسى داديس كمارا باقتراب الوقت المنتَظَر.
وفي ذلك اليوم، فوجئ الشعب الغيني بالبثّ الحيّ عن العقيد كمارا عبر القناة التلفزيونية الرسمية، وهو يعلن الحرب على المخدرات، ونهب ثروات بلاد غرب إفريقيا ذات الأراضي الغنية.
وفي يوم 24 ديسمبر 2008م أصبح موسى كمارا رئيسًا للبلاد، ويرأس المجلس العسكري، رغم أنه لم يكن أكبرهم سنًّا ولا أعلاهم رتبةً، ولكن كان أكثرهم جرأة.
وقد ساهمت جلسات المداولات العامة ضد الموظفين الفاسدين وتجار المخدرات؛ في تعزيز شعبيته غير أن حكم العقيد، الذي وعد بتسليم السلطة إلى المدنيين في غضون عام واحد، ملطَّخ بالدماء وذلك بعد تراجعه عن وعده بتسليم السلطة وترشيح نفسه لانتخابات 2008م. غير أن الشعب الغيني، بقيادة تحالف الأحزاب المعارضة، قام باحتجاجات قابلها الحرس الرئاسي ذوي القبعات الحُمر بقيادة تومبا ديكيتي بالقمع؛ فخلَّفت مجزرة 28 سبتمبر 157 قتيلاً، وتعرضت مئات النساء للاعتداءات.
ثم ارتبكت رئاسة المجلس العسكري في تحديد مسئوليات الأحداث؛ فقرَّر موسى داديس كمارا الذهاب إلى معسكر كوندارا (قاعدة القبعات الحمر)، لكنَّ حرسه الخاص أطلق عليه النار عن كثب فأُصيب في رأسه إصابة بالغة تم إجلاؤه على إثرها إلى المملكة المغربية لتلقي العلاج. وأثناء غيابه تولى الجنرال سيكوباه كوناتي رئاسة المرحلة الانتقالية التي تم الاتفاق عليها في بوركينافاسو.
وبعد شفائه اعتنق موسى داديس كمارا المسيحية للزواج، في حين آلت السلطة إلى ألفا كوندي الفائز في الانتخابات الرئاسية.
(*) يمكن الاطلاع على المقال الأصلي من هنا.