في الخامس والعشرين من مايو 2013م أكملت مسيرة دول القارة الإفريقية من العمل المشترك في إطار التنظيم القاري خمسين عاماً، والذي شهد تحولات هيكلية مع التحول من «منظمة الوحدة الإفريقية» إلى «الاتحاد الإفريقي».
وهو التحول الذي جاء نتاج تفاعل مجموعة من العوامل الإقليمية والدولية، التي ألقت بظلالها على فاعلية منظمة الوحدة الإفريقية، ودفعت ناحية الإسراع بعملية الإصلاح المؤسسي للمنظمة؛ رغبة في التأقلم مع التحولات الإقليمية والدولية التي شهدتها الساحات الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة، والارتقاء إلى حجم التحديات التي فرضتها تلك التحولات على دول القارة.
ويمكن القول؛ إن قيام الاتحاد الإفريقي جاء ترجمة لتفاعل الفكر السياسي والواقع على الساحة الإفريقية، فطوال العقود التالية لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية لم يتخل دعاة الوحدة الإفريقية من المفكرين والساسة عن طموحهم في إقامة كيان اتحادي أكثر قوة يضم دول القارة الإفريقية بأكملها، ويرعى مصالحها.
وقد جرت عدة محاولات لتعديل ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية، كان من أبرزها قرارات القمة الإفريقية عام 1979م بإنشاء لجنة لمراجعة ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية، ثم في عام 1991م، وخلال القمة السابعة والعشرين تم توقيع «اتفاقية أبوجا» المؤسِّسة للجماعة الاقتصادية الإفريقية بنيجيريا، علاوة على المشروع الذي طرحه رئيس نيجيريا السابق «أوباسانجو» بإقامة منتدى لمناقشة قضايا التعاون والتنمية والاستقرار في إفريقيا على غرار منتدى الأمن والتعاون الأوروبي، ثم كانت دعوة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي إلى عقد دورة استثنائية لمؤتمر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في الجماهيرية الليبية؛ لمناقشة سبل إصلاح منظمة الوحدة الإفريقية وتفعيلها؛ بما يتفق والتحولات الجارية على الساحتين الإقليمية والدولية، وعلى إثرها عُقدت الدورة غير العادية الرابعة لمؤتمر رؤساء الدول والحكومات الإفريقية، بمدينة سرت الليبية في سبتمبر 1999م، وتقرّر خلالها إنشاء «منظمة الاتحاد الإفريقي» ليحلّ محلّ «منظمة الوحدة الإفريقية».
يسعى هذا المقال إلى إلقاء الضوء على نشأة الاتحاد، وقانونه الأساسي، وأجهزته، ومؤسساته الرئيسة؛ ثم طبيعة أدائه فيما عرض له من قضايا ومشكلات على الساحة الإفريقية، وصولاً لبيان أهم ملامح الإنجازات، وأبرز التحديات التي تواجه الاتحاد، وذلك على التفصيل الآتي.
أولاً: نشأة الاتحاد الإفريقي وقانونه الأساسي:
طوال العقود التالية لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية لم يتخل دعاة الوحدة الإفريقية عن طموحهم في إقامة كيان اتحادي أكثر قوة يرعى مصالح دول القارة، خصوصاً في ظلّ تزايد القناعة بأنه لا خلاص لإفريقيا بعد انهيار الكتلة الشرقية وظهور التكتلات الدولية إلا بإقامة أكبر قدر من الوحدة فيما بينها.
كانت البداية الرسمية لنشأة الاتحاد الإفريقي وقيامه في إطار مؤتمر قمة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية / الدورة العادية الخامسة والثلاثين بالجزائر، والذي ناقش أوضاع القارة والتحديات الماثلة أمامها في الألفية الجديدة، حينما دعا الرئيس الليبي معمر القذافي إلى عقد دورة استثنائية لمؤتمر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في الجماهيرية الليبية؛ وذلك لمناقشة سبل تفعيل المنظمة كي تواكب التطورات العالمية وما تتطلبه العولمة من استعدادات إفريقية، تحفظ للقارة مصادرها ومقدراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، داعياً رؤساء دول وحكومات القارة إلى تحمّل كامل المسؤولية عن مواجهة هذه التحديات.
وقد لبّى قادة دول القارة الدعوة، فعُقدت الدورة غير العادية الرابعة لمؤتمر رؤساء الدول والحكومات الإفريقية، والتي عُرفت باسم «قمة سرت الأولى» في سبتمبر 1999م، والتي أسفرت نقاشاتها عن الاتفاق على إنشاء اتحاد إفريقي يحلّ محلّ منظمة الوحدة الإفريقية.
وفي الدورة العادية السادسة والثلاثين لمؤتمر قمة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية، في لومى في يوليو 2000م، تمّت الموافقة بالإجماع على القانون التأسيسي للاتحاد، والذي اشتمل على ديباجة وثلاث وثلاثين مادة، تتناول أهداف الاتحاد ومبادئه وأجهزته ومقرّه ولغات عمله، وعدداً من الأحكام المتعلقة بدخول الوثيقة حيّز النفاذ، وشروط اكتساب عضوية الاتحاد وأسباب فقدانها، وإمكانية تعديل الوثيقة ومراجعتها، وحلولها محلّ ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية بعد فترة انتقالية مدتها عام أو أكثر.
ثم قرّر مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الإفريقية في دورته غير العادية الخامسة، والتي عُرفت باسم «قمة سرت الثانية» في مارس 2001م، إنشاء الاتحاد الإفريقي بالإرادة الجماعية للدول الأعضاء، على أن يدخل القانون حيّز التنفيذ بعد ثلاثين يوماً من تاريخ إيداع وثائق التصديق عليه لدى منظمة الوحدة الإفريقية من قبل ثلثي الأعضاء (36 دولة).
وقد توالى التصديق على القانون التأسيسي حتى اكتمل النصاب القانوني المتفق عليه بتصديق نيجيريا، ليدخل القانون حيّز التنفيذ الفعلي في 26 مايو 2001م، وجاءت الدورة العادية السابعة والثلاثون لمؤتمر رؤساء الدول والحكومات الإفريقية في لوساكا في يوليو 2001م، ليتم خلالها الإعلان رسمياً عن إنشاء الاتحاد الإفريقي ليحلّ محلّ منظمة الوحدة الإفريقية، بعد فترة انتقالية مدتها عام، بدأت منذ دخول القانون التأسيسي حيز التنفيذ، وانتهت في 25 مايو 2002م.
وقد عُقدت القمة الأولى للاتحاد في جنوب إفريقيا في يوليو 2002م لمناقشة إجراءات استكمال أجهزة الاتحاد، حيث سعى الاتحاد إلى إقامة سبع عشرة هيئة، منها برلمان عموم إفريقيا، ومحكمة العدل الإفريقية، والبنك المركزي الإفريقي، ومجلس السلم والأمن لإدارة الأزمات في القارة الإفريقية.
وشهدت القمة الثالثة للاتحاد في أديس أبابا تنافساً بين كلٍّ من إثيوبيا وليبيا حول استضافة مقر الاتحاد الإفريقي، حيث طلبت ليبيا إضافة مسألة المقر إلى جدول الأعمال، عازمة على استضافة مقرّ الاتحاد، وقد حُسم الأمر ببقاء الاتحاد في مقرّ منظمة الوحدة الإفريقية في أديس أبابا.
ثانياً: أهداف الاتحاد الإفريقي ومبادئه:
نصَّ القانون التأسيسي على أن أهداف الاتحاد الإفريقي هي:
1 – تحقيق وحدة وتضامن، أكبر مما سبق فيما، بين البلدان والشعوب الإفريقية.
2 – الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها.
3 – التعجيل بتكامل القارة السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
4 – تعزيز مواقف إفريقية موحّدة حول المسائل ذات الاهتمام للقارة وشعوبها والدفاع عنها.
5 – تشجيع التعاون الدولي في ضوء ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
6 – تعزيز السلام والأمن والاستقرار في القارة.
7 – تعزيز المبادئ والمؤسسات الديمقراطية والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد.
8 – تعزيز حقوق الإنسان والشعوب وحمايتها طبقاً للميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والمواثيق الأخرى ذات الصلة بحقوق الإنسان والشعوب.
9 – تهيئة الظروف اللازمة لتمكين القارة من أداء دور مناسب في الاقتصاد العالمي ومفاوضات التجارة الدولية.
10 – تعزيز التنمية المستدامة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك تكامل الاقتصاديات الإفريقية.
11 – تعزيز التعاون في جميع ميادين النشاط البشرى لرفع مستوى معيشة الشعوب الإفريقية.
12 – تنسيق ومواءمة السياسات بين المجموعات الاقتصادية الإقليمية القائمة والمستقبلية من أجل التحقيق التدريجي لأهداف الاتحاد.
13 – تعزيز تنمية القارة عن طريق تعزيز البحث في كلّ المجالات، وبخاصة العلم والتكنولوجيا.
14 – العمل مع الشركاء الدوليين للقضاء على الأوبئة التي يمكن الوقاية منها، وتعزيز الحالة الصحية في القارة.
ويعمل الاتحاد وفقاً للمبادئ الآتية:
1 – المساواة والترابط بين الدول الأعضاء في الاتحاد.
2 – احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال.
3 – مشاركة الشعوب الإفريقية في أنشطة الاتحاد.
4 – وضع سياسة دفاعية مشتركة للقارة الإفريقية.
5 – تسوية خلافات أعضاء الاتحاد بوسائل يقررها مؤتمر الاتحاد.
6 – منع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها بين الأعضاء في الاتحاد.
7 – عدم تدخل أي دولة عضو في الشؤون الداخلية لدولة أخرى.
8 – حق الاتحاد في التدخل في أية دولة عضو طبقاً لمقررات المؤتمر في الظروف الخطرة، مثل جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم التي تُرتكب ضد الإنسانية.
9 – التعايش السلمي بين الدول الأعضاء في الاتحاد، وحقها في العيش في سلام وأمن.
10 – حق الدول الأعضاء في طلب تدخل الاتحاد لإعادة السلام والأمن.
11 – تعزيز الاعتماد على الذات في إطار الاتحاد.
12 – تعزيز المساواة بين الجنسين.
13 – احترام المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والحكم الرشيد.
14 – تعزيز العدالة الاجتماعية لضمان تنمية اقتصادية متزنة.
15 – احترام قدسية الحياة البشرية، ورفض الإفلات من العقوبة والاغتيالات السياسية والأعمال الإرهابية والأنشطة التخريبية.
16 – إدانة ورفض التغييرات غير الدستورية للحكومات.
ثالثاً: الهيكل التنظيمي:
تتكون أجهزة الاتحاد من مؤتمر الاتحاد، والمجلس التنفيذي، ولجنة الممثلين الدائمين، والمفوضية، واللجان الفنية المتخصصة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وبرلمان عموم إفريقيا، ومحكمة العدل، والمؤسسات المالية، ومجلس السلم والأمن، وأية أجهزة أخرى يقرر مؤتمر الاتحاد إنشاءها.
1- المؤتمر: ويتكون من رؤساء الدول والحكومات أو ممثليهم المعتمدين، وهو الجهاز الأعلى للاتحاد، ويجتمع مرة واحدة سنوياً على الأقل في دورة عادية، وقد يجتمع في دورة غير عادية بناء على طلب إحدى الدول الأعضاء وبموافقة ثلثي الدول الأعضاء.
ويتمتع المؤتمر بسلطة فوق قومية إزاء الدول الأعضاء تتجاوز حدود سيادتها الوطنية، حيث منح القانون التأسيسي للمؤتمر سلطة تقرير حقّ الاتحاد في التدخل في دولة عضو، وإن قُصر ذلك الحق – كما سلف البيان – على ثلاث حالات استثنائية فقط، هي جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية.
2 – المجلس التنفيذي: ويتألف من وزراء الخارجية أو أي وزراء آخرين أو سلطات تعيّنها حكومات الدول الأعضاء، ويضطلع المجلس التنفيذي بتنسيق القرارات واتخاذها بخصوص المسائل ذات الاهتمام المشترك، وهو مسؤول في ذلك أمام المؤتمر، ويجوز للمجلس تفويض أيٍّ من مهامّه وسلطاته إلى أيٍّ من اللجان الفنية المتخصصة التي تعد مسؤولة عن أعمالها أمام المجلس التنفيذي، حيث تقدّم إليه التقارير والتوصيات في المسائل التي تدخل في نطاق اختصاصاتها.
3 – لجنة الممثلين الدائمين: وتتكون من الممثلين الدائمين لدى الاتحاد وغيرهم من مفوضي الدول الأعضاء، وهي مسؤولة عن تحضير أعمال المجلس التنفيذي، ويجوز لها تشكيل لجان فرعية أو مجموعات عمل عند الاقتضاء.
4 – المفوضية: تُعَد بمثابة الأمانة العامة للاتحاد، وتتولى تسيير عمله وخصوصاً من النواحي الإدارية، وتتكون المفوضية من الرئيس ونائبه أو نوابه وأعضاء المفوضية، ويساعدهم عدد من العاملين لتسيير عمل المفوضية، وكان إنشاء المفوضية خطوة بارزة على طريق تفعيل الاتحاد الإفريقي؛ نظراً لأنها الأمانة العامة أو الجهاز الإداري الذي يتولّى تسيير عمل الاتحاد.
5 – اللجان الفنية المتخصصة: وتتكون هذه اللجان من الوزراء أو كبار المسؤولين المعنيين بالقطاعات التي تقع ضمن اختصاصاتهم، وتقوم كلّ لجنة بإعداد مشروعات الاتحاد وبرامجه في مجال اختصاصها، مع التنسيق بين هذه المشروعات، وإعداد تقارير وتوصيات عامة، ومتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن أجهزة الاتحاد، وتجتمع كلما دعت الضرورة.
6 – المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي: ويُعَد هيئة استشارية مكوّنة من مختلف المجموعات المهنية والاجتماعية للدول الأعضاء في الاتحاد، ويحدد المؤتمر مهام المجلس وسلطاته وتشكيله وتنظيمه.
7 – برلمان عموم إفريقيا: أكد القانون التأسيسي للاتحاد أهمية إنشاء برلمان عموم إفريقيا كأحد المؤسسات الرئيسة للاتحاد، لضمان مشاركة كامل الشعوب الإفريقية في تنمية القارة وتكاملها اقتصادياً.
ويسعى البرلمان الإفريقي إلى تحقيق عدد من الأهداف، أهمها: ضمان تنفيذ سياسات الاتحاد الإفريقي وأهدافه، وتعزيز مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية، وتشجيع حسن الإدارة والشفافية والمساءلة، وترويج الأهداف والسياسات التي ترمي إلى تكامل القارة، وتعزيز السلام والأمن والاستقرار، والإسهام في صنع مستقبل أكثر ازدهاراً للشعوب الإفريقية، وتسهيل التعاون والتنمية في إفريقيا، وتوطيد التضامن القاري، وإثارة الشعور بالمصير المشترك بين الشعوب الإفريقية، وتسهيل التعاون بين المجموعات الاقتصادية الإقليمية ومحافلها البرلمانية.
وقد اتُفق على أن تكون سلطات البرلمان استشارية فقط خلال السنوات الخمس الأول، على أن يكون الهدف النهائي هو إنشاء هيئة تشريعية ذات سلطة حقيقية وقرارات ملزمة، يتم انتخاب أعضائها من خلال التصويت العام، وقد قرّر الاتحاد الإفريقي أن يكون مقر البرلمان هو بريتوريا في جنوب إفريقيا.
8- محكمة العدل: نصَّ القانون التأسيسي على إنشاء محكمة عدل تابعة للاتحاد، يتم تحديد نظامها الأساسي وتشكيلها ومهامها في بروتوكول خاص بها.
9- المؤسسات المالية: وهي المصرف المركزي الإفريقي، وصندوق النقد الإفريقي، والمصرف الإفريقي الاستثماري، ويتم تحديد نظمها ولوائحها في بروتوكولات خاصة بها.
10- مجلس السلم والأمن: دخل بروتوكول المجلس حيّز التنفيذ في 26 ديسمبر 2003م، بعد أن صادقت عليه 27 دولة عضواً بالاتحاد، ويُعَد البروتوكول والمجلس امتداداً وتطويراً لإعلان القاهرة في يونيو 1993م الخاص بإنشاء آلية منع وإدارة وتسوية النزاعات في إفريقيا في إطار منظمة الوحدة الإفريقية.
ميزانية الاتحاد: لم يتضمن القانون التأسيسي نصوصاً تتعلق بالموازنة بشكل واضح، سواء من حيث مواردها أو أسلوب اعتمادها، غير أن المادة الثالثة والعشرين من ذلك القانون تشير إلى أن موازنة الاتحاد تعتمد على مساهمات الدول الأعضاء، حيث تنصّ المادة على سلطة المؤتمر في معاقبة الدول التي تتأخر عن سداد مساهماتها في ميزانية الاتحاد.
رابعاً: أبرز أنشطة الاتحاد الإفريقي:
1- مواجهة الصراعات والحروب الإفريقية:
حرص الاتحاد الإفريقي على مواجهة الصراعات والحروب المنتشرة في أرجاء القارة بوصفها تمثّل تهديداً مباشراً للأمن والتنمية في القارة.
ففي أزمة دارفور: بدأ الاتحاد في التعامل مع هذه الأزمة اعتباراً من مارس عام 2004م، لضمان عدم تدويل الأزمة منذ بداية تفجّرها، وعارض مبدأ فرض عقوبات على السودان من جانب مجلس الأمن الدولي، كما ركّز الاتحاد على الجانب الإنساني من الأزمة، فأصدر قراراً يدعو لوقف القتال بين جميع الأطراف، وذلك قبل أن يوفد فريقاً من المراقبين السياسيين للوقوف على الأوضاع الإنسانية، بالإضافة إلى مراقبة وقف إطلاق النار، وعقب ذلك أصدر قراراً بإيفاد قوة عسكرية لتوفير الحماية لفريق المراقبين، ثم تطور إلى قرار بتوسيع ولاية القوة لحماية المدنيين، وهو ما يعني بالضرورة زيادة عدد القوة العسكرية التي تقرر إيفادها للإقليم.
وبالنسبة للصراع في ساحل العاج: أعرب الاتحاد عن دعمه لاتفاق السلام في ساحل العاج الذي ترعاه فرنسا، كما أيد جهود الإيكواس في هذا الصدد، وأكد دعمه لقوات «الإيكوموج» التي نشرتها الإيكواس في ساحل العاج، وعهد الاتحاد إلى الرئيس مبيكي أن يجتمع بأطراف الصراع، ويعمل على تقريب وجهات النظر بينهم من أجل الحفاظ على اتفاق السلام وضمان عدم انهياره.
الوضع في الكونغو الديمقراطية: وناقش الاتحاد سبل مواجهة الصراعات الإفريقية بقدر كبير من التفصيل، وبحث الوضع في الكونغو الديمقراطية، حيث أدان الاتحاد تجدد أعمال القتال في شرق البلاد، ودعا جميع الأطراف إلى دعم عملية السلام.
وبالنسبة لإقليم البحيرات العظمى: أعرب الاتحاد عن دعمه للمؤتمر الدولي حول الأمن والتنمية في البحيرات العظمي، وأكد الاتحاد التزامه بدعم عملية السلام في البحيرات العظمى، وطالب بإدراج قضية الجنسية في جدول أعمال المؤتمر، تلك القضية التي تؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة.
وحول عملية السلام بين إثيوبيا وإريتريا: أصدرت القمة قراراً أعربت فيه عن القلق البالغ إزاء العقبات التي تواجه عملية السلام بين البلدين، وأكدت ضرورة قيام المجتمع الدولي بتنسيق الجهود بهدف مساعدة الطرفين على التغلب على الصعاب الحالية التي تواجه ترسيم الحدود.
كما أصدرت القمم الإفريقية العديد من القرارات بشأن الأوضاع في كلٍّ من الصومال وبوروندي وإفريقيا الوسطى وغينيا الاستوائية وغينيا بيساو وليبيريا وجزر القمر.
كما ساهم بدور مباشر وميداني عبر قوات إفريقية في عمليات استعادة السلم والأمن في الصومال عبر قوات الاتحاد المعروفة اختصاراً باسم «الأميصوم (AMISOM)»، والتي مثّلت نقلة نوعية في عمليات الاتحاد الإفريقي، حيث تحوّل من حافظ للسلام، إلى صانع له، على الرغم من التكلفة البشرية والمادية الكبيرة لهذه النقلة في طبيعة التعامل مع الأزمات الإفريقية، والتي كانت مثار جدل على الساحة الصومالية بشأن أهدافها وغاياتها، خصوصاً في ظلّ هيمنة دول الجوار الصومالي على تركيبة قوات الاتحاد الإفريقي.
2- دعم التنمية الاقتصادية في إفريقيا:
رغبةً في دعم وتأمين حلّ النزاعات في إفريقيا؛ اهتم الاتحاد الإفريقي بزيادة الانتباه إلى ضرورات إعادة الإعمار والتنمية بعد انتهاء الصراع، وهو ما تجلّى في خطة السياسات التي تم تبنيها في بانجول، في يونيو 2006م، والتي مثّلت خطوة كبيرة في هذا الاتجاه.
بالإضافة إلى أنه في يوليو 2012م أطلقت مبادرة التضامن الإفريقي، التي تهدف إلى تعبئة الدعم اللازم وتوفيره للدول الأعضاء الخارجة من الصراعات من داخل القارة، وبمختلف الصور والأشكال، وحسب قدرات كلّ دولة من دول القارة، في خطوة رمزية تهدف إلى تجسيد التضامن الإفريقي في إطار صور مبتكرة للمساعدة المتبادلة.
وبصفة عامة؛ يمكن القول إن الاتحاد الإفريقي قد أولى أهمية خاصة لتحقيق التنمية الاقتصادية في إفريقيا؛ ومن أبرز الأنشطة في هذا الإطار صدور «إعلان سرت» حول تحديات تنفيذ التنمية المتكاملة والمستدامة للزراعة والمياه في إفريقيا، على أن يقوم رئيس المفوضية بالاتحاد الإفريقي بالتعاون مع الدول الأعضاء والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، وجميع الأطراف ذات الصلة، باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ الإعلان، وتقديم تقرير عن التقدّم في هذا الشأن إلى المؤتمر في كلّ دورة عادية.
وقد نصَّ «إعلان سرت» على تعزيز تنمية إنتاج الماشية، وتنمية الثروة السمكية ومعدات الزراعة وصيد الأسماك، وتعزيز إنشاء بنوك للمواد الوراثية اللازمة للزراعة، وتربية الماشية على المستوى الإقليمي، مع تقوية أنظمة الإنذار المبكر، وإنشاء شبكة للمعلومات في مجال الإنتاج الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي، وأكد الإعلان أيضاً تشجيع الاتفاقيات الثنائية حول الموارد المائية المشتركة، وتكليف المجموعات الاقتصادية الإقليمية بإعداد بروتوكولات إقليمية مناسبة لتوجيه الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وتعزيز منظمات أحواض الأنهار والبحيرات والمياه الحالية، وإنشاء منظمات أحواض جديدة في الأماكن المناسبة، للقيام بتعزيز الموارد المائية وتنميتها، من خلال دعم مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك بناء السدود وشق القنوات وحفر الآبار وتوفير معدات الري.
كما نصَّ الإعلان على إجراء الدراسات حول المياه غير المستغلة في المناطق التي تتوافر فيها في القارة بكميات كبيرة، للاستفادة منها على مستوى القارة وفقاً لمبادئ القانون الدولي والاتفاقيات بين جميع الدول المشتركة في أحواض الأنهار، وإقرار مرفق للمياه، وإنشاء السوق الإفريقية المشتركة للنباتات الزراعية، وتعزيز التجارة البينية، ووضع استراتيجيات واضحة للصناعات الموجهة نحو التصدير، وتنسيق المواقف للحصول على أفضل معدلات التجارة، وزيادة حصة القارة من التجارة العالمية.
وكذلك نصَّ الإعلان على إنشاء مصرف للاستثمار الإفريقي، وتنفيذ برامج المشاركة الجديدة لتنمية القارة، وتنمية الموارد البشرية من خلال التعليم والتدريب والمساواة بين الجنسين.
وقد خصص الزعماء الأفارقة قمة استثنائية لمناقشة سبل الحدّ من البطالة، والنهوض بأوضاع العمالة، ومحاربة الفقر في القارة، بالإضافة إلى التنمية الزراعية والريفية، بما في ذلك الصناعات الثقافية وأنشطة القطاع غير الرسمي، وتهيئة مناخ الاستثمار، والتدريب المهني، والنهوض بالأوضاع الصحية ومحاربة مرض الإيدز.
كما أقر الاتحاد مشروعاً لإنشاء صندوق تحت اسم «صندوق التضامن الرقمي الإفريقي»، وحثَّ جميع الدول الأعضاء على تقديم مساهمات مالية للصندوق، بالإضافة إلى حثّ جميع الدول الأعضاء على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتعزيز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
خامساً: ملاحظات ختامية حول مسيرة الاتحاد وتحدياته ومستقبله:
– يتبين من مبادئ الاتحاد الإفريقي وأهدافه، وما ورد من تأكيد مفاهيم حقوق الإنسان، والحكم الرشيد الذي يعتمد على المشاركة، وتكافؤ الفرص، وحكم القانون، والمساءلة، والشفافية، مع عدم الاعتراف بالنعرات الانفصالية أو الإثنية، بل معارضة تغيير نظم الحكم بالقوة، وإعلاء الأهداف الاقتصادية بتأكيد دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وضرورة تفعيل دور التكنولوجيا، أنها في معظمها جاءت استجابة للتحديات الدولية والإقليمية والداخلية؛ يؤكد ذلك ما جاء في تقرير الأمين العام الذي قدّمه إلى المؤتمر الوزاري الرابع والسبعين في لوساكا في يوليو 2001م، حول تنفيذ قرار قمة سرت في أوائل العام، والمتعلق بإنشاء الاتحاد الإفريقي، في الفقرة (26) من أن «الهدف ليس إنشاء منظمة تكون امتداداً لمنظمة الوحدة الإفريقية تحت اسم آخر، وإنما إنشاء منظمة يكون من شأنها توفير إطار للتعاون، والتماسك، والتكامل، والقدرة على التعامل مع الأزمات التي تواجه القارة اليوم».
– تكشف تلك المبادئ والأهداف والآليات عن استمرار محورية دور الدولة في الفكر السياسي الإفريقي وفي الممارسة، يتجلّى ذلك في النصّ صراحة على الحفاظ على الحدود الموروثة عن الاستعمار، ومفاهيم السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والطابع الرمزي الاستشاري للمؤسسات الشعبية وغير التنفيذية في الاتحاد، سواء تمثّلت في برلمان عموم إفريقيا، أو المجلس الاقتصادي الاجتماعي، أو محكمة العدل الإفريقية.
– تعكس مبادئ الاتحاد الإفريقي وأهدافه وآلياته القبول الواضح بالتدخل المؤسسي القسري في شؤون الدول الأعضاء عند وقوع ظروف خطيرة، مثل جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، وهو أمر يمثّل ترجمة واستجابة لواقع التجربة الإفريقية التي أثبتت فاعلية هذا التدخل الإفريقي في بعض الحالات؛ بما يحول دون التدخل الخارجي الذي لا تُحمد عقباه.
وبالرغم من ذلك تكشف التطورات على الساحة الإفريقية عن بعض الانتكاسات فيما يتصل بالالتزام بالمبادئ والأهداف سالفة البيان، فعلى صعيد مبادئ الديمقراطية والحكم الجيد وعدم اللجوء إلى السلاح، كسبيل لتسوية الصراعات أو الوصول إلى السلطة، شهدت الساحة الإفريقية خروقات لتلك المبادئ، تمثّلت فيما شهدته مناطق مثل إفريقيا الوسطى وغينيا بيساو وشرق الكونغو ومالي ومدغشقر من عمليات استيلاء غير مشروعة على السلطة، يُضاف إلى ذلك عمليات التمرد المسلح التي شهدتها تلك المناطق وغيرها، والتي تقوّض بدورها من آليات التنافس السلمي الديمقراطي، وتعلي من مبدأ اللجوء إلى القوة لتحقيق المطالب، وهو ما يكشف في جانب منه عن عجز آليات حفظ السلم والأمن في القارة عن تحقيق غاياتها.
– يرتبط بما سبق؛ أنه بالرغم أيضاً من الطموحات الكبيرة التي صاحبت الانتقال من منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي، والنجاحات المحدودة التي حقّقها الاتحاد الإفريقي على صعيد بعض القضايا التي شهدتها القارة، وفي مقدمتها أزمة الصومال، ودارفور، وبدرجةٍ ما الكونغو الديمقراطية، فإن القارة لا تزال تواجه تحديات خطيرة في مجال السلم والأمن؛ فإفريقيا لا تزال تواجه استمرار الصراعات، وانعدام الأمن، وعدم الاستقرار في مناطق مختلفة من القارة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب إنسانية واجتماعية واقتصادية، خصوصاً مع اندلاع أزمات جديدة في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، وعدم التوصل إلى تسويات نهائية مرضية في صراعات أخرى، كالنزاع في الصحراء الغربية، والنزاع الإثيوبي الإريتري، والإريتري الجيبوتي، الأمر الذي ولّد إحباطات فيما يتصل بالجهود الرامية إلى صنع السلام، خصوصاً مع ارتفاع احتمالات ومخاطر انتكاسة الأوضاع في كلٍّ من مالي ومنطقة البحيرات الكبرى والصومال ودارفور، أو في العلاقات بين السودان وجنوب السودان.
ولا يخفى أن قضايا إفريقيا لا تزال تهيمن على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي، كما أنها الأكثر حاجة إلى مزيد من عمليات حفظ السلام وجهوده، أو دعم السلام، أكثر من أيّ قارة أخرى، وهو ما يعكس في جانب منه عجز دول القارة عن تحقيق التنسيق بين كياناتها المختلفة القارية والإقليمية الفرعية، بما يكفل إمكانية وفاعلية التدخل الإفريقي لتسوية الصراعات في القارة.
– في 30 نيسان عام 2013م قدّمت مفوضية الاتحاد تقريراً إلى اجتماع وزراء الدفاع الذي عُقد في أديس أبابا، يوصي بإنشاء قوة إفريقية للاستجابة الفورية للأزمات،African Capacity for Immediate Response to Crises (ACIRC)، لها القدرة على الانتشار السريع، ريثما يتم تفعيل قوة الاحتياط الإفريقية African Standby Force (ASF)، وذلك بهدف تكوين قدرة عسكرية إفريقية بالدرجة الأولى، قادرة على الاستجابة بسرعة لحالات الطوارئ بناء على قرار سياسي من الاتحاد الإفريقي بالتنسيق مع الدول المعنية بتوفير تلك الوحدات.
وبعبارة أخرى؛ فإن الهدف هو إقامة قوة فعّالة وقوية يُعتد بها، سريعة الانتشار، وقادرة على القيام بعمليات محدودة المدة والأهداف، أو المساهمة في تهيئة الظروف المواتية لنشر الاتحاد الإفريقي و / أو عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة نطاق أوسع.
على أن هذا الطموح الإفريقي للقيام بدور مستقل في عمليات حفظ السلم والأمن على الساحة الإفريقية يحول دونه عقبة كؤود، هي ضعف التمويل اللازم لعمليات بناء السلام في القارة وحفظه؛ الأمر الذي أدّى في كثير من الأحيان إلى تجاوز مؤسسات الاتحاد وآلياته والتنظيمات القارية، ووضع مشكلات القارة بين يد المنظمة الدولية (الأمم المتحدة، وتحديداً مجلس الأمن)، التي لم تحرص في بعض الأحيان، على مجرد التشاور أو التنسيق مع المنظمة القارية، ما جعل من تنظيمات القارة، وفي مقدمتها الاتحاد الإفريقي، مجرد متفرج لما يدور على أرض القارة التي هو المسؤول الأول عن شؤون أمنها وسلامها، وتزداد خطورة قضية التمويل حال ارتباطه بنفوذ قوة دولية أو أخرى، قد لا تتفق سياساتها وأجندتها بشأن مشكلات القارة مع هموم القارة وطموحاتها وتصوراتها لحلّ تلك المشكلات.
– أن ضعف القدرات التمويلية للاتحاد بصفة عامة، ولعلميات حفظ السلم والأمن في القارة بصفة خاصة، جعلت عمليات المنظمة رهينة بمصادر التمويل، وهو أمر ازدادت خطورته مع التطورات التي شهدتها دول الشمال الإفريقي، وبخاصة ليبيا، فمع اختفاء نظام العقيد معمر القذافي، وانكفاء ليبيا على نفسها في محاولة بناء نظام ما بعد القذافي، تراجعت أولوية إفريقيا والاتحاد الإفريقي عن الاعتماد على الأجندة التمويلية الليبية مقارنة بما كانت عليه في عهد القذافي، الأمر الذي أدى إلى اتجاه المنظمة للبحث عن مصادر تمويل أخرى بديلة وشراكات دولية لعملياتها التنموية والأمنية على ساحات القارة.
وهذا ما يعني في جانب منه القبول بدرجةٍ ما بمصالح تلك القوى في القارة، وخطورة اتخاذ المنظمة الإفريقية غطاء لسياسات تلك القوى ومصالحها، غربية كانت أو شرقية، على نحو ما تشير أزمة مالي والمصالح الفرنسية من ناحية، ومن قبلها الصومال والقرن الإفريقي والمصالح الأمريكية من ناحية أخرى، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار توقيع الاتحاد الإفريقي اتفاقيات تعاون مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبح لها أول سفير خاص لدى الاتحاد الإفريقي من غير الدول الإفريقية، يستقل عن نشاط السفير الأمريكي لدى إثيوبيا وعن أعماله على خلاف ما جرت به العادة من قبل، وهو أمر يشير إلى مزيد حضور أمريكي في ساحة المنظمة القارية في مرحلة من مراحل التحول على الساحة الإفريقية.. وهذا ما يستدعي مزيد متابعة ورصد للآثار المحتملة لمثل هذه التطورات على المصالح العربية والإسلامية في القارة.