بقلم/ جيمس بارنيت
ترجمة: عبدالحكيم نجم الدين
شهد شهر أكتوبر انسحابات متكررة للوحدات (قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية) من الصومال. في 11 أكتوبر غادر جنود قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية تحت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) من إحدى المدينتين الاستراتيجيتين في منطقة هيران وسط الصومال ، وفي 23 أكتوبر، تخلت قوة أخرى عن قاعدة في منطقة هلغان شمال هيران. ثم في 26 أكتوبر، ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن وحدات قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية التي تعمل بشكل مستقل عن قوات الاتحاد الأفريقي قد تركت مواقعها في منطقة باكول بالقرب من الحدود الإثيوبية.
ليس من الواضح حتى الآن عدد من غادر من القوات الإثيوبية المنتشرة في الصومال (الذين يبلغ عددهم ما يقرب من 4400 من مجموع قوات بعثة الاتحاد الأفريقي البالغ عددهم 22،000)، ولكن من الواضح أن سحب إثيوبيا لهذه القوات سيكون له تأثير استراتيجي كبير على مكافحة التمرد المتعددة الجنسيات.
بعد أيام من انسحاب القوات, احتلت حركة الشباب كل من البلدات التي استعيدت منها في هيران – العلي و موكوكوري، وبحسب التقارير, فإن السكان فروا من قرى “باكول” خوفا من تقدّم المسلحين.
وكما تحاول حركة الشباب استغلال الفراغ الناجم عن انسحاب القوات الإثيوبية، كان السؤال الحاسم هو ما إذا كان بإمكان البعثة الأفريقية التغلب على فقدان المواقع الاستراتيجية والقوى العاملة في منعطف حاسم في تحقيق الاستقرار في الصومال.
انسحاب قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية:
لدى إثيوبيا تاريخ معقد للصراع مع جيرانها في منطقة القرن الأفريقي، ابتداء من أواخر القرن الـ19 عندما غزا الإمبراطور “منليك الثاني” المنطقة الصومالية العرقية “أوغادين”. ومات الآلاف من الصوماليين في محاولة لاستعادة “أوغادين” في الحرب الفاشلة في 1977-1978، ودعمت إثيوبيا مختلف أمراء الحرب الصوماليين كوكلاء في أعقاب تفكك الدولة الصومالية في عقد 1990م.
في عام 2006، غزت إثيوبيا الصومال بكل قوة لطرد اتحاد المحاكم الإسلامية ولمساعدة تثبيت حكومة الاتحادية الانتقالية المعترف بها دوليا. في أعقاب هذا التدخل ظهرت حركة الشباب، وهي تعتمد على السرد السلفي الجهادي لاستغلال ردود فعل قومية ضد عودة “الامبريالية” الإثيوبية، والمعاملة الوحشية من قبل قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية للمدنيين، وعدم وجود شرعية شعبية للحكومة الانتقالية.
وفي عام 2007، أنشأ الاتحاد الأفريقي “أميصوم”، والتي انضمت إليها قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية كقوات من دولة مساهمة في عام 2014 لحماية الحكومة الوليدة والحط من حركة الشباب من خلال الهجمات المشتركة. أضافت قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية قدراتها القتالية الحربية التي تفتقر إليها الدول الأخرى المساهمة في بعثة “أميصوم”. لأن الجيش الإثيوبي مُدرَّب تدريبا جيدا، ومُجهَّز تجهيزا جيدا، وهو أكثر كفاءة في مجال الخدمات اللوجستية من معظم الجيوش الأفريقية.
وبغض النظر عن القدرات القتالية، فإن قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية مؤسسة غير خاضعة للمساءلة ولها سجل مثير للقلق حول حقوق الإنسان في الداخل والخارج. ففي الصومال، اُتّهمتْ قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية بالاغتصاب والتعذيب، والقتل خارج نطاق القضاء. وفي الوقت نفسه، حيث أن معظم احتجاجات أورومو وأمهرة تطورت في الأشهر الأخيرة داخل إثيوبيا، وهناك مئات من الوفيات إذ الحكومة – التي تهيمن عليها تغراي–تغاضت عن أدوار قوات الأمن الإقليمي وقامتْ بنشر قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية لتؤدي مهام الشرطة التقليدية مثل مكافحة الشغب.
لماذا سحبت إثيوبيا قواتها؟
ظلّت قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية صامتة حول أسباب الانسحاب من الصومال حتى يوم 26 من شهر أكتوبر، عندما نفى وزير الاتصالات الإثيوبي “غيتاشيو ريدا” مزاعم أنه كان مرتبط بحالة الطوارئ الوطنية التي أُعلنت في إثيوبيا يوم 9 أكتوبر ردًّا على الاحتجاجات المستمرة. بدلا من ذلك، ألقى اللوم على الاتحاد الأوروبي لفشله في الدعم بما فيه الكفاية لقوات الاتحاد الأفريقي.
في حين كان السبب المنطقي وراء سحب القوات – بلا شك – متعدد الأوجه، إلا أن الادعاء بأن الاضطرابات الداخلية لا علاقة لها بالقرار غير مقنع، وليس فقط بسبب توقيته الواضح. من تلك الأوجه، أن التوتر العرقي بسبب الاحتجاجات الإثيوبية قد ترك أثره بالفعل في الصومال، مع عدة تقارير تفيد بوجود اقتتال داخلي بين الجنود الأورومو والضباط التيغري في وحدات معينة.
وقد جرت عادة الحكومات منذ العصور القديمة أن تعيد القوات التي يُحتمل أن تخون الوطن لتسهل مراقبتهم الخاصة (أو عقابهم) بدلا من السماح لهم بتنفيذ أي مخطط في الخارج. وقد يكون هذا قامت به حكومة الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية في أديس أبابا.
ومن الممكن أيضا أن تكون وحدات قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية نُقِلتْ إلى إثيوبيا للحاجة الواضحة لتعزيز استجابة الحكومة للاحتجاجات. إذ الحكومة ستحتاج إلى نشر قوات كبيرة على الصعيد المحلي إذا تطورت الاحتجاجات إلى صراع منخفض الحدة وأكثر تنظيما. تمثّل وحدات إثيوبيا في الصومال أقل من 5٪ من مجموع قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية، ولكن تجربة المعركة غالبا ما تعول أكثر من الأرقام المجردة. وإذا افترضنا أن الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية أعادت إلى الديار بعض الوحدات التي يمكنها الوثوق عليها على الأقل، فسيكون بحوزة الحكومة جنود يملكون خبرة كبيرة في الحرب غير المتكافئة.
واحتمال آخر هو أن الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية تحاول الاستفادة من مشاركتها في بعثة الاتحاد الأفريقي لاستباق أي عقوبات دولية محتملة. حتى الآن كانت الاستجابة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لحالة الطوارئ صامتة تماما، ولكن إذا تكثفت الحملة والاحتجاجات المحلية، فبإمكانية الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية أن تعيد نشر قواتها في الصومال مقابل موافقة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ولتهدئة ردودهما. (لا شك أن الرئيس بيير نكورونزيزا، الذي يشكل قواته البوروندية 5400 من بعثة الاتحاد الأفريقي، سيكون مهتما لمعرفة كيف يمكن استخدام هذا لصالحه الشخصي.)
الآثار المترتبة على الانسحاب
بغض النظر عن دوافع الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية وما إذا كان هناك احتمال مستقبلي لإعادة القوات إلى الصومال, إلا أن انسحاب إثيوبيا من “أميصوم” كان له بالفعل أثر بشكل كبير.
على مدى السنوات الماضية، خفضت الجهود متعددة الجنسيات من السيطرة الإقليمية لحركة الشباب من 55٪ من مساحة الصومال في عام 2010 إلى ما يقرب من 5٪ اليوم، وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن مؤسسة راند للأبحاث. ومع ذلك، يبقى المسلحون أكبر تهديد للاستقرار في الصومال، بتوظيف تكتيكات حرب العصابات الحديثة لإحداث تأثير كبير.
وبسبب ضعف الجيش الوطني الصومالي الناشئ، فإنه من الضروري لـ”أميصوم” احتواء المسلحين، والانسحاب المفاجئ لقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية يشكل انتكاسة استراتيجية كبيرة لهذه الجهود. ووفقا لعقيدة مكافحة التمرد القياسية فإن قوات بعثة الاتحاد الأفريقي تشكل بالفعل أقل من نصف عدد القوات المطلوبة لتحقيق الاستقرار في الصومال، وسيساهم انسحاب قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية في تمديد نقص الموارد إلى أبعد من ذلك.
كانت وحدات قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية موزّعة أيضا في مواقع هامة استراتيجيا في وسط الصومال. وكانت المواقع الإثيوبية في هيران التي تقع على بعد أقل من 100 كيلومتر شمال مقديشو، وهي تتاخم إحدى منطقتي حركة الشباب. كما أن الطريق السريع الرئيسي في هيران واحد من الطريقين الذي يربط مقديشو مع بقية الصومال، والآخر يمر عبر معقل حركة الشباب الجنوبي في “باي” و “شبيلي” السفلى.
وبما أن المواقع على امتداد طريق هيران السريع تمّ تخلي عنها الآن، فبإمكان حركة الشباب بسهولة أكبر التضييق على قوات بعثة الاتحاد الأفريقي والقوات الوطنية الصومالية في ضواحي شمال مقديشو وتهديد العاصمة من الشمال والجنوب الغربي. لقد فعلت الحركة هذا بتكرار في الفترة التي تسبق العملية الانتخابية الهشة في الصومال، وأطلقت مؤخرا الهجوم الجريء في أفغويي 30 كيلومتر فقط جنوب مقديشو في 18 أكتوبر تشرين الأول.
وعلاوة على ذلك، يسمح انسحاب قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية في “باكول”، التي كانت في السابق منطقة آمنة نسبيا، لحركة الشباب أن توسّع نطاق عملياتها إلى أقرب من الحدود الإثيوبية. وبالنظر إلى أن “باكول” المتاخمة لمنطقة باي، حيث تتمتع حركة الشباب بحرية كبيرة في التنقل، فإن زيادة قدرتها للقيام بعملياتها في هذه المنطقة تترجم السيطرة الإقليمية الزائدة التي قد يتمتع بها المسلحون لبعض الوقت.
يعقّد الانسحاب أيضا إمكانيات حدوث عملية تطهير نهائية في معاقل حركة الشباب المتبقية في شمال وجنوب غرب مقديشو. ودائما ما تكون هذه الصعوبة نظرا لحداثة إنشاء القوات الصومالية الوطنية، وضعف التنسيق بين قوات “أميصوم”، ونقص القوى العاملة – ناهيك عن سهولة انتقال المتمردين إلى زنازين تحت الأرض. وعليه فإن أي هجوم ضد الحركة سيكون الآن أكثر صعوبة.
قد تكون الاستراتيجية الحكيمة أن يتمّ تركيز الجزء الأكبر من القوات على تطهير منطقة خليج / شبيلي السفلى حيث لحركة الشباب فيها القوة ومكاسب الإيرادات نتيجة لابتزاز التجار في عدد قليل من الموانئ التي تسيطر عليها. ولكن الحقيقة أن الوجود المكثف لحركة الشباب الآن في هيران يثير مخاطر تحويل قوات كبيرة إلى منطقة شابيل، والذي سيترك مقديشو ووسط الصومال معرضة للخطر.
بدون قطاع أمني صومالي قادر بما فيه الكفاية، فإن وجود البعثة أمر حاسم لهذه المرحلة الحرجة من مكافحة التمرد. وكما يظهر من انسحاب قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية، فإن قوات تحقيق الاستقرار المتعددة الجنسيات الناجحة تعتمد على استقرار الدول الأعضاء أنفسها.
(*) يمكن الاطلاع على المادة الأصلية لهذا المقال من هنا