إعداد جوناثان زيمرمان (*)
ترجمة عبدالحكيم نجم الدين
في شهر مارس الماضي، نشر الموقع الأفريقي الأمريكي “دي جريو” مقالا ساخرا يجمع قائمة أفضل خمسة دول يمكن للأميركيين السود الانتقال إليها في حال فوز “دونالد ترامب” في الرئاسة. وجاءت غانا في الرقم الأول على تلك اللائحة، والتي وصفتها المقالة بأنها “واحدة من أكثر الديمقراطيات استقرارا” في أفريقيا.
هذا صحيح. ولكن في الوقت الذي تستعد غانا لإجراء انتخاباتها الرئاسية في الخريف، قد يفاجئ نقاد “ترامب” أن يدركوا أن بعض الغانيين يتمنون أن يكون لديهم قائد مثل… دونالد ترمب.
تلك هي الجاذبية الدولية التي يملكها ترامب، والتي قلما تسمع عنها في الغرب. مع كون قادة الرأي في جميع أنحاء العالم يسخرون من ترامب – الذي قَبِل ترشيح الحزب الجمهوري، فقد تعتقد أن الذين يلتفون حوله فقط هم مناصرو وأتباع التيار اليميني من مجموعة “فلاديمير بوتين” المختلفة. لكن ترامب لا يزال مصدر إلهام سياسي لكثير من المواطنين العاديين لسبب واحد بسيط: إنّه ليس سياسيا.
ويشير الغانيون الآخرون من أنصار “ترامب” إلى خلفيته التجارية، التي يزعمون أنها تعطيه الخبرة في العالم الحقيقي والتي يفتقر إليها معظم السياسيين. “بالله عليكم، هذا الرجل قطب الأعمال الأميركي الذي لا يستطيع فهم لماذا لا تزال أفريقيا تتمرغ في اليأس وسط وفرة الموارد المعدنية الثمينة،” كتب أحد المدونين. “هو يشعر بالصدمة لرؤية القادة الأفارقة الفسدة وهم يهندسون معاناة أفريقيا من أبعاد ملحمية.”
هنا أشار المدون إلى تقارير من كانون الأول الماضي، أن “ترامب” هدّد بـ”حبس ديكتاتور” زيمبابوي “روبرت موغابي” والرجل الأوغندي القوي “يوويري موسيفيني”. لكن اتضح عدم صحة القصة وأنها مجرد خدعة، ورغم ذلك فإن ردود الفعل على تلك التقارير الكاذبة تخبر عن نفاد صبر الأفارقة مع قيادتهم الفقيرة. ترامب “تعهد بالفعل أن يتعامل بسرعة مع الحكام المستبدين في أفريقيا”، كتب صحافي رواندي متحمس في إبريل.
في الوقت نفسه، ومع ما سبق، فقد لاحظ العديد من المُعلّقين في جميع أنحاء القارة التشابه بين ترامب وهؤلاء القادة الأفارقة. إذ أطلق “تريفور نوح” مضيف البرنامج التليفزيوني “دي ديلي شو” والمقيم في الولايات المتحدة, الطلقة النارية الأولى في أواخر العام الماضي، ضدّ “ترامب”, حيث قارن شخصية “ترامب” الغريبة والمتكبرة, بـ”موغابي” والزعيم الليبي الراحل “معمر القذافي”، ورئيس جنوب افريقيا جاكوب زوما.
“بالنسبة لي، بصفتي أفريقيًّا، هناك شيء مألوف عن ترامب والذي يجعلني أشعر وكأنني في البيت”، يقول “نوح” الذي ولد في جنوب أفريقيا ساخرا، والذي وضع زيا عسكريا على صورة “دونالد ترامب” المرسومة هزليا.
وبالنسبة للمراقبين الآخرين، فإن المقارنة ليست قضية للضحك. لأن القادة الأفارقة قلما يستخدمون نشر الأكاذيب وكراهية الأجانب للتأثير على الناخبين، بحسب تحذير الصحفي النيجيري “شود جيدي-أونوو” في مايو الماضي. “يسلك ترامب هذه الطريقة المؤلمة، وهو سياسيّ في منطقة خالية من الحقيقة”، وأضاف “جيدي-أونوو “، “يقول للناس ما يريدون سماعه من دون انقطاع للواقع.”
وهذا بالضبط ما يراه العديد من الغانيين في انتخاباتهم الرئاسية الحالية. “حان ذلك الوقت مرة أخرى، حيث يجنّ جنون الناس، يخلقون شعارات غريبة، ويعدوننا الدجاج لكنهم لا يقدمون لنا أي شيء سوى أمل كاذب عن حياة أفضل”، كتب أحد المدونين في الشهر الماضي. “يا إلهي أنا أكره السياسة”.
وفي الوقت ذاته، يقذف السياسيون الكراهية على بعضهم البعض. في وقت سابق من هذا الشهر، ادّعى وزير برلماني من حزب المعارضة أن المرأة التي توجّه لجنة انتخابات غانا – وهي عضو في الحزب الحاكم، حصلتْ على وظيفتها عبر “خدمات جسدية”. أما أعضاء الحزب الحاكم فهم يتهمون مرشح المعارضة بأنه دجال في شكل دونالد ترامب.
وبالرغم من أن بعض الناخبين ينتظرون “دونالد ترامب” الخاص بهم منذ فترة، إلا أن البعض الآخر يستدلون به كسلاح لتشويه صورة خصومهم. وهذا يقوض شرعية السياسيين. فكلما تقلّ ثقة الناس بحكومتهم، كلما تزداد وضع ثقتهم في الديماغوجيين مثل دونالد ترامب.
في هذا المنطلق، فإن ظاهرة “ترامب” حقا عالمية. لاحظ الخبير الاقتصادي الغاني “لورد ماووكو-ييفوغا”, في الشهر الماضي، أن “المؤسسة السياسية” في جميع أنحاء العالم تحت النار. لأن السؤال الحقيقي، في غانا، وكذلك الولايات المتحدة، هو ما إذا كان بإمكان تلك المؤسسات أن تقدم للناس أي شيء أفضل مما يعد به “دونالد ترامب” وأمثاله. نحن على وشك معرفة ذلك.
(*) يمكن الاطلاع على المادة الأصلية من هنا