إعداد كارلوس لوبس (*)
ترجمة عبدالحكيم نجم الدين
التصنيع أمر ضروري لأفريقيا. ومع أن الاقتصاد العالمي يقيده تغير المناخ وتقوده سلاسل التوريد التنافسية, يصعب الوفاء بطموحات القارة. فكان التحول الهيكلي الاقتصادي المسرع والعميق هو الوسيلة الوحيدة للقيام بذلك ومعالجة الفقر المزمن.
هذا التصنيع يجب أن يعتمد على السوق الأفريقية الإقليمية قبل أن يمتد إلى سلاسل الواردات العالمية. ويجب أن يكون التركيز بشكل خاص على المنتجات الزراعية المصنعة والقيمة المضافة على السلع. على سبيل المثال، يمكن لتحويل حجم الصادرات المعدنية في القارة بهذه الطريقة بزيادة 5٪ فقط قبل التصدير أن تخلق 5 ملايين فرصة عمل سنويا. وعلاوة على ذلك، تشير التقديرات الأخيرة إلى أن الدول الأفريقية تنفق حوالي 30 مليار دولار سنويا لاستيراد المواد الغذائية المصنعة. هذا الاتجاه يمكن ويجب إلغاؤه.
كيف يمكن لأفريقيا أن تتابع تصنيعها؟
هناك العديد من المسارات يمكن أن تسلكها أفريقيا في عملية التصنيع. وكقارة متأخرة في المجال, بإمكانها التعلم من تجارب الآخرين في حين تحدّد وتصمم مسارها الخاص متجاوزة الطرق التقليدية كثيفة الكربون، وهي بدلا من ذلك تدافع عن مسار منخفض الكربون.
إن مستوى الاهتمام بتغير المناخ هذا العام يقدم فرصة خاصة للإصرار على هذا المسار المتنوع، الأمر الذي سيمكن المنطقة من “تخضير” عملية التصنيع. التصنيع الأخضر هو عبارة عن بيئة ملائمة جديدة، وخيار “لا يؤدي إلى الندم” والذي قد يؤمّن لأفريقيا مساحة مركزية في الاقتصاد العالمي.
يفسر تقرير اللجنة الاقتصادية لأفريقيا مؤخرا – حسب البيانات الأولية المستمدة من 12 بلدا أفريقيا يكتسب التصنيع الأخضر فيها زخما مع عدد من الشركات التي تتخذ تدابير الخضراء، أن هناك حجة قوية للاستثمار في مشاريع منخفضة الكربون. ولا تعني الشروط القانونية، وفرص العوائد الاقتصادية، والاستدامة على المدى الطويل سوى أنه يجب على القطاع الخاص أن يتحرك بسرعة إلى هذه الزاوية.
كما أن التقرير يكمّل بحثا سبق إعداده عن التصنيع – ولا سيما تلك المستمدة من تجارب جنوب شرق آسيا – ويقوم كمدخل للتعلم وتكرار الممارسات الجيدة. ونتيجة لذلك، فإنه يوفر نهجا منتظما للتصنيع الأخضر باطلاع خبراء في القطاعات الرئيسية مثل الزراعة، الطاقة، الصناعات الاستخراجية والصناعات التحويلية، والنقل، وكذلك المياه.
في الواقع، ليست تكاليف العملية الصناعية على نهج “العمل كالمعتاد” فقط عالية بشكل غير مقبول، ولكن استخدام الموارد المحدودة بكفاءة والحد من الضرر على البيئة هو في الواقع اقتراح تجاري جيد. لأنه يزيد القدرة التنافسية العالمية، ويضمن الاستدامة على المدى الطويل.
والتغيرات التي تحدث هامشيا لن تساهم في تحويل الاقتصادات الأفريقية أو إحداث النمو الشامل المطلوب الذي بإمكانه أن يعطي المجتمعات المحلية التي وقفت طويلا على هامش التنمية, قوةً وثقةً. وهناك حاجة إلى التحولات المتميزة في الاتجاه، ولكن هذا التحول لن يحدث من تلقاء نفسه. مما يجعل الانتقال بحاجة لسياسات متماسكة راسخة في استراتيجية تنموية متماسكة، مستنيرة بقيادة تحويلية قادرة على اتخاذ تدابير جريئة.
لماذا الان؟
شهد العام الماضي ثلاث اتفاقيات عالمية تاريخية – برنامج عمل أديس أبابا، والأهداف الإنمائية المستدامة الجديدة، واتفاق باريس على المناخ – والتي تتوافق بشكل جيد مع أولويات أفريقيا.
فلنأخذ الطاقة على سبيل المثال. كانت القارة موهوبة بوفرة مصادر الطاقة المتجددة في وقت كان ثمن إنتاج الطاقة المتجددة يتساوى مع الوقود الأحفوري. رغم أن إمكانات الطاقة الحرارية الأرضية غير مفهومة إلّا في يومنا هذا. وقد استخدمت أقل من 10٪ من قدراتها المائية. وكل من الطاقة الحيوية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح موارد واسعة جدا، ولكنها غير مستغلة إلى حد كبير.
في قلب التحدي المتمثل في تسخير هذه الإمكانات وفي التصنيع يوجد عجز في البنية التحتية. وتؤكد اللجنة العالمية للاقتصاد والمناخ، التي أطلقت تقريرها لـ2016 في وقت سابق من هذا الشهر، أن الاستثمار في البنية التحتية المستدامة هو المفتاح لمعالجة التحديات الرئيسية الثلاثة التي تواجه المجتمع العالمي: إشعال النمو، وتنفيذ الأهداف الإنمائية المستدامة، والحد من خطر المناخ تمشيا مع اتفاقية باريس.
وتشمل هذه البنية التحتية كل شيء بدءا من الطاقة النظيفة إلى وسائل النقل العام، وإمدادات المياه والصرف الصحي والمباني الموفرة للطاقة، والبنية التحتية الطبيعية القائمة على النظم الإيكولوجية. وستكون لقرارات اليوم تأثيرات طويلة الأمد على أنماط النمو والاستهلاك. وبالتالي قد يكون تكثيف الاستثمار في البنية التحتية المستدامة قصة النمو في المستقبل.
وعلاوة على ذلك، يتعين ضبط الاقتصادات الناشئة والنامية لدفع البنية التحتية في المستقبل. إذ سيأتي ثلثا الاستثمارات المطلوبة من بلدان الأسواق الناشئة والنامية التي كانت الكثير من بنيتها التحتية الأساسية، مثل المباني وأنظمة الطاقة، لم يتمّ بناؤها.
هناك مدرسة فكرية ترى أن أفريقيا ساهمت بالقليل في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وبالتالي لا ينبغي أن يكون من المتوقع أن تأخذ زمام المبادرة في التنمية منخفضة الكربون. ولكن لا يمكن للدول الأفريقية أن تقف موقف المتفرج على الآخرين وهم يأخذون زمام المبادرة في بناء الاقتصاد الأخضر. بإمكان الاقتصادات الأفريقية القيام بذلك على الوجه الصحيح في المرة الأولى دون الحاجة إلى التحديثية مثل الآخرين.
إن ما هو واضح هو أن للحكومات دورا مركزيا في اتخاذ نظرة طويلة. ويشكّل استقرارُ السياسات والمؤسسات العامة الفعالة والتنفيذ المتسق جميعَ الفرق في خلق الحوافز ذات المصداقية لفتح الباب أمام استثمارات القطاع الخاص. ولكن في حين تقود الحكومات هذه المسيرة، يجب أن يدركوا أنه لا يمكن أن يأملوا تصميم وتمويل وتحقيق الاقتصاد الأخضر والشامل من تلقاء أنفسهم. لأن الأمر يتطلب نهجا أكثر تطورا.
لقد حان الوقت لأفريقيا. وفي متناول القارة اختيار صيغة نمو جديدة ونظيفة وأكثر كفاءة والتي من شأنها أن تؤدي إلى الازدهار المشترك. فنافذة الفرص مفتوحة – وهي فقط بحاجة إلى الاستغلال.
(*) يمكنك الاطلاع على المقال الأصلي من هنا