بقلم/ مهدي با (*)
ترجمة: سيدي .م. ويدراوغو
تبنت بورندي خطوات سلبية ضد جارتها رواندا ، حيث أوقفت التصدير والنقل ، بالإضافة إلى الاستفزازات الكلامية ومواقفها المتشددة تجاهها، وعلى الرغم من عدم حدوث مواجهة مسلحة – حتى الآن- إلا أن الوضع يثير مخاوف المجتمع الدولي.
ومن جانبها التزمت كيغالي بالصمت حيال الخطاب العدائي الذي تتعرض له من النظام البو روندي، حيث صرح الرئيس الرواندي “بول كاغامي” ، قائلا: ” لا نعير أي اهتمام للاستفزازات ولا نرد لها…إنها محاولة يائسة لتضليل الرأي العام البو روندي من خلال سعيها إلى البحث عن أسباب خارجية لتبرير مشاكلها الداخلية، والاستفزازات التي نتعرض لها تدخل في هذا السياق”.
لكن المثقف دافيد جاكونزي- الذي يعيش في المنفى- والمتشائم حيال الوضع صرح بأن “نظام نكورونزيزا يسعى إلى إشعال نار الحرب ضدنا” ، غير أن مصادر أمنية رواندية أبعدت هذا الاحتمال قائلة : أنه على الرغم من تجاوزاتهم إلا أنهم ما فقدوا الصواب؛ للإقدام على مغامرة الدخول في الحرب ضدنا حيث يدركون تماما عدم مقدرتهم من مواجهتنا.
وصمة العار
انطلقت الدعاية المعادية- من العاصمة الرواندية بوجومبورا ضد رواندا منذ شهر ابريل 2015م واشتدت حدتها في الأشهر الثلاثة الأخيرة بعد اتهام كيغالي بالتواطأ مع حركة الاحتجاج الرافضة لتولي الرئيس البوروندي بيير نكورونزيزا لفترة رئاسة ثالثة .
وبدا أن هناك رغبة في إثارة النعرات المصطنعة بين الدولتين ، الأمر الذي آثار مخاوف المجتمع الدولي ، ودفع المراقبين الدوليين لمتابعة الوضع عن كثب ،حيث صرح مصدر دبلوماسي بلجيكي ، قائلا: “إنهم يوظفون الاعتبارات العرقية لإخفاء البعد السياسي الجوهري للوضع… ولكن حتى لو لم يكن هناك عمليات قتل جماعية على أسس إثنية، يجب علينا أن نبقى حذرين” .
لكن باسكال نيابندا – رئيس حزب المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية (CNDD-FDD ) – الحزب الحاكم في بوروندي – ذهب إلى أبعد من ذلك حيث ادلى بتصريحات مشينة ضد الجولة التي قام بها وزير الدفاع الكندي “هرجت ساجان” والتي تهدف إلى إعادة بلاده إلى البعثات الأممية لحفظ السلام من جديد.
لكن من سوء حظه كان من ضمن وفد المرافق كل من روميو دالير الذي لم ينجح في منع حدوث إبادة الجماعية في رواندا عامي (1993-1994م ) ، حين كان قائدا لبعثة الأمم المتحدة لدعمها وذلك لمحدودية الصلاحية، وكان من الوفد لويس أربور النائب العام لمحكمة الجنائية الدولية لرواندا التي أدانت حوالي 60 مسئولا من هوتو لتورطهم في الإبادة الجماعية 1994م.
المتمردون البورونديون يوجهون أصابع الاتهام إلى كاغامي
وجه باسكال نيابندا :” انتقادات لاذعة إلى الأمم المتحدة متهما الكنديين بالتخطيط لقلب المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا في بوروندي.
وقال نيابندا ” هناك خطة يدبرها الكنديون لقلب المؤسسات الديمقراطية المنتخبة في بورندي” ، لكن المقربين من الرئيس كورنزيزا يعتقدون أن كندا أعطت ذريعة لإعادة كتابة تاريخ الإبادة الجماعية ضد التوتسي الروانديين.
وعلى الرغم من أن باسكال نيابندا حمَّلَ حزب الجبهة الوطنية الرواندية( PFR ) الحاكم حاليا في كيغالي مسئولية الإبادة الجماعية الرواندية عام 1994م، غير أن المتطرفين الهوتو اعتبروه مجرد كبش فداء.
هذه الانتقادات تهدف إلى تأجيج التوتر ضد رواندا المتهمة بالوقوف خلف الأزمة البورندية ، حيث إن المكتب المسئول عن الإعلام في القصر الرئاسي قام بنشر مذكرة عن الأعمال العدوانية التي تتعرض لها رواندا من طرف بورندي.
والمذكرة المؤلفة من 26 صفحة تضمنت محاولات إثبات الدور المحوري في تخطيط ودعم عمليات زعزعة استقرار المؤسسات البورندية ، بهدف إيجاد نظام بديل يخدم إيديولوجية الجبهة الوطنية الرواندية (FPR ) والمصالح الجيوسياسية والاستراتيجية لبعض القوى الغربية.
ويفهم من محتوى المذكرة أن الهدف هو توجيه اتهامات للتوتسي الروانديين مفادها أنهم احتلوا أحياء بوجمبورا التي تعتبر معاقل للحركات المناوئة لنكورونزيزا منذ عام 1960م.
الانهيار التدريجي في الاتصالات مع رواندا
اتخذت الحكومة البورندية خطوات منذ بداية شهر أغطس لمنع صادرات المنتجات الغذائية إلى الدول المجاورة معرقلة بذلك بيع منتجات المزارعين الروانديين ، وقد سبق تلك الخطوات حظر للمواصلات البرية إلى الدول المعنية.
لكن المحللين الأفارقة والغربيين اتفقوا على أن هذه الخطوات ستضر بالاقتصاد البورندي بشكل أكبر من الضرر الذي سيقع على رواندا وذلك لتعرض بوروندي لتقييد المساعدات الثنائية وتسارُعِ التضخم المؤدي إلى اختناق اقتصادها.
يذكر أن الوفد البروندي غادر – بدون مبرر- قبل يوم من وصول الوزير البورندي للعلاقات الخارجية إلى كيغالي للقمة الإفريقية 27 المنعقدة في منتصف شهر يوليو “رجع الوفد عن الطريق البري وفقا للتعليمات الصادرة منذ فترة والتي تمنع بموجبها الوفود الرسمية من السفر عبر الخطوط الجوية الرواندية” حسب ما جاء من مصدر دبلوماسي إفريقي موثوق به.
كما سبق للوزير أليان إيمي نيامي توي أن قام بتبرير الموقف المعني بأن الهدف هو توجيه رسالة إلى الاتحاد الإفريقي واتهامه بالتصرفات المناوئة للميثاق الأساسي للاتحاد من خلال المنهج الذي تبنته في الأزمة البورندية- مشيرا إلى عدم ضمان أمن الوفد الوزاري والرئاسي في رواندا ، والتي تعتبر الداعمة للمعارضة والحركات المسلحة البورندية.
لكن مجموعة شرق إفريقيا (EAC ) بقيادة “بنيامين امكابا” ، الرئيس الأسبق لتنزانيا ، بذلت جهودا لاحتواء الأزمة البورندية-الرواندية غير أنها لم تنجح مما أثار مخاوف مجموعة البرلمان (EALA) التي اجتمعت في نهاية أغسطس.
توقعات مثيرة للقلق
القيود المفروضة من بورندي التي تحول دون حرية التنقل في منطقة شرق إفريقيا وانتشار 300،000 لاجئ بورندي في دول المنطقة ، إضافة إلى تعيين ” ليبيراه فمكوكيك” – المنتمي إلى التيار المتشدد للنظام- في منصب سكرتير عام لمجموعة دول شرق إفريقيا (EAC) في شهر أبريل من العوامل التي تزيد الطين بلة.
ويشار إلى أن بيير انكرونزيزا ترأس المؤتمر غير الاعتيادي لحزبه المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية (CNDD-FDD ) في أنغوزي – معقل الحزب- في 20 أكتوبر وأسفر المؤتمر عن تبني قرارين: أحدهما تضمن تخصيص ثلاثة أيام لإقامة شعائر دينية وتقديم القرابين لضمان ازدهار البلاد بينما كان القرار الآخر تعين الجنرال “إيفا ريست اندياشيميه – أحد متمردي هوتو1990م- على رئاسة الحزب خلفا من باسكال نيابندا.
لكن تلك الإجراءات أثارت قلق “لويس ميشال” البرلماني الأوروبي المناوئ لنظام انكرونزيزا حيث أبدى مخاوفه عن احتمال حدوث إبادة جماعية جديدة في بورندي.
موقف أحادي ضد الجميع
تجدر الإشارة إلى أن القائمة السوداء التي وضعتها بورندي لا تنحصر على الروانديين فحسب حيث تضمنت شخصيات أخرى على غرار “دويديه رين درس” الوزير البلجيكي للشئون الخارجية، والبرلماني الأوروبي “لويس ميشال”، والمحامي “برنارد ميغان” – الذي يتردد عليه المعارضون للنظام- والفرنسي الذي حرر مسودة القرار الأممي رقم 2303 الخاص بإرسال بعثة أممية والذي قوبل باعتراض شديد من بوجمبورا ورفضها عن مجيء 228 شرطيا أمميا إلى البلاد؛ واعتبرت الكنديين غزاة لصالح تتوشي.
الاتحاد الإفريقي لا يختلف عن غيره في موقف بورندي العدائي ضده ، خاصة بعد فشله في إرسال قوة عسكرية إلى بورندي(MAPROBU) وحتى الأمم المتحدة ليست عن معزل عن القائمة خصوصا بعد صدور القرار في نهاية يوليو المندد بعمليات التعذيب التي يمارسها النظام.
ومن الشخصيات غير المرغوبة فيها من النظام “سمنتاه بوير” سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي لفرضهم العقوبات على النظام. لكن تصريحات الحزب الحاكم توحي أن الرئيس البورندي يحاول الإظهار بأن قيمه المرجعية مستمدة من زعماء عرب وأنه في وضعية مشابهة بوضعيتهم على غرار القذافي وصدام الذين لم تُستوعب توجهاتهم.
(*) يمكن الاطلاع على المقال الأصلي من هنا