بقلم: توفيل موني
ترجمة: سيدي .م. ويدراوغو
القارة السمراء لا تستغل العديد من ثرواتها بوجه لائق كما لم تستفد من دروس وخبرات النماذج السياسية والاجتماعية في العالم، ومن البديهي القول بأن القارة غنية بالثروات الطبيعة -وإن كانت تنضب –فهي تظل ثرية بخصوبة أراضيها الزراعية الشاسعة وموارها البشرية، ومع ذلك تبقى متأخرة في المجال التنموي.
وبدلا من الاستفادة من خبرات نماذج التنمية في مختلف البلدان في العالم فهي مصرة في الاستمرار في سياستها العقيمة وذلك بتأثير عدة عوامل رئيسة.
ويلاحظ أن النخبة الإفريقية التي أعقبت المستعمرين السابقين لم تكن طموحة بما فيها الكفاية ونعني بهم “الرؤساء الأفارقة” في عهد ديجول.
الفشل السياسي
الجدير بالذكر أن النخبة التي تولت قيادة البلدان الإفريقية خلفاً للمستعمرين افْتقرتْ إلى رؤى سياسية واضحة الملامح على المدى القريب والبعيد؛ وعجزت عن إيجاد طموحات ، مُكتفية بإيلاء الأولوية لمصالحها الخاصة على الرغم من ادعائها الدفاع عن مصالح شعوبها؛ فكانت امتدادا للنظام الاستعماري في ثوب جديد وفي كافة المستويات: الاقتصادية ولاجتماعية والسياسية على مرِّ السنين ، يضاف إلى جانب ذلك فقدان الأمن في المجال الاقتصادي والذي أدى لعرقلة الاستثمار مما أضعف القطاع الخاص.
ومن هنا ظلت إفريقيا في حالة من التبعية للقوى الأجنبية الاستعمارية وذلك نتيجة لفقدان رؤى ذاتية وتصور مستقبلي وإرادة سياسية لإحلال نقلة نوعية من خلال تضافر الجهود، حيث أن معظم الساسة يقومون بدور الملاحة على مدى البصر ، وكأن دور الساسة محصور في دائرة المسؤولية المنوطة بهم فحسب.
السوق الاستهلاكية
تشكل إفريقيا سوقا استهلاكية بامتياز حتى أُطلق عليها بعض الهزليين بـ “جهاز الاستقبال العالمي” ، والسؤال هنا : كيف يمكن للدول الإفريقية التقدم في ظل الاعتماد الكلي على الخارج في المنتجات الاستهلاكية وبدون انتاج محلي؟!!
والمثير للدهشة هو انبهار الأفارقة بالمنتجات المستوردة وإن وجدت مثيلتها من الإنتاج المحلي وبجودة أفضل، وتلك العقلية تفرز تبعات سلبية على المجالات الاقتصادية والثقافية لذلك يتعين تغيير ذاك التوجه من خلال الابتكار والجودة في الإنتاج؛ وذلك لضمان نجاح المنتجات الإفريقية في ميدان التنافس العالمي وفرض مكانتها بين المنتجين بدلا من الاستهلاك.
الإهمال في القطاع الزراعي
ومن الملاحظ أن الزراعة تأتي في مؤخرة الأنشطة التنموية في إفريقيا كما يُعتبر المزارع مواطنا من الدرجة الثانية وقليل الشأن، ويفضل معظم الأفارقة العمل في الدوائر الحكومية وذلك في تعارض واضح مع ما تعلنه الحكومات بأن الزراعة مصدر التنمية دون السعي إلى تطويرها…إنما تلك الادعاءات مجرد تصريحات للاستهلاك المحلي.
ويشار إلى أن إفريقيا لم تُطوِّر آلة الزراعة – منذ العصر الحجري- لذلك فمن غير المتوقع تحقيق تطور ملموس في الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي والزراعي مع الوسائل البدائية التي تستخدم على غرار المحراث والفأس؛ فضلا عن أن تقوم بتطوير زراعتها للتجارة والصناعة. كما أن المستثمرين قليلو الاهتمام بهذا المجال لكون نتائجه تستغرق فترة زمنية.
وعلى الرغم أن معظم سكان القارة يزاول الزراعة إلا أن تزايد تغيرات العوامل البيئية والسكانية قد تحول تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى القارة حال استمرارها في استخدام الوسائل البدائية في الزراعة.
ومن البديهي افتقار الجائع إلى مقومات التفكير السليم والذي يعتبر الركن الأساسي في إيجاد السبل الكفيلة للتنمية.
عدم انسجام بين النظام التربوي والواقع
ويشار إلى أن النظام التربوي – في معظم البلدان الإفريقية-لا ينسجم مع الواقع الحالي ولا يواكب تحولات المجتمعات الإفريقية حيث لايزال التعليم الابتدائي ترفا، ومخرجات التعليم العالي عاطلة عن العمل وعاجزة في الوقت ذاته عن خلق فرص عمل بعد التخرج.
وعلى الرغم من ضرورة إعطاء الأولوية للتعليم التقني والمهني إلا أنه يتم إهماله ، الأمر الذي يشكل تساؤلات تستدعي حلولا مناسبة في سياق التنمية الإفريقية.
الاضطرابات السياسية والاجتماعية
إن الدول الإفريقية التي يسودها الاستقرار السياسي تعد بأصابع اليد على الرغم من كون الاستقرار عامل رئيسي لتحقيق التنمية، ، وتعاني إفريقيا من الضعف في هياكلها السياسية والاجتماعية والمطامع الخارجية التي تستهدف ثرواتها إضافة إلى الأزمات الداخلية.
وصعوبة تبني المبادئ الديمقراطية من العوامل المؤدية إلى عدم الاستقرار المزمن والمتجدد حيث إن البعض يستولون على السلطة عن طريق انقلاب عسكري أو نتيجة للتوريث الأسري او عن طريق انتخابات ديمقراطية نسبيا ثم ينتهي بهم الأمر إلى الاستبداد، وذلك لغياب جيش جمهوري في ظل تفشي الفساد الإداري وشيوع الأمية والمحاباة مما تؤدي إلى الأزمات السياسية والاجتماعية.
الفساد والرشوة
إن الفساد أصبح كارثة على إفريقيا وخاصة في أوساط النخبة في ظل غياب مبادرات فردية أو جماعية لتحقيق انتاج الثروة ، لذلك تظل الدولة البقرة الحلوب، والسياسة أكبر مزودة بالوظائف وأسرع وسيلة لكسب الثروة بغض النظر عن مشروعيتها من عدمها.
هذه الأوضاع تقضي على المبادرات وتجعل موظفي الدولة- وخاصة المقربين من السلطة- افرادا لا يتسمون بالنزاهة ومن ثم يتدهور الاقتصاد.
على أن الأموال التي هدرت في الفساد والرشوة كان في مقدور الدول توظيفها لإنجاز قفزة نوعية بالاقتصاد الإفريقي النامي وتحقيق التنمية…لكن أيُّهم يترفع عن كسب المال بدون جهد؟!! هم قِلَّة من شريحة الإداريين والسياسيين في إفريقيا.
تجدر الإشارة إلى أن الحكم الرشيد لم يألفه الزعماء الأفارقة حيث إن ضمان بقائهم مرهون بتزوير الانتخابات من خلال شراء ضمائر الناخبين- ذات الأغلبية الأمية- ومنظمي الانتخابات إذا لم يكونوا ممثلين نزيهين من التجمعات الاقتصادية والسياسية الخارجية وبصرامة في المراقبة.
(*) يمكن الاطلاع على المقال الأصلي من هنا