إعداد جين دنكان (*)
ترجمة عبدالحكيم نجم الدين
“احرقْ كي تُسمَع” أو (Burn to be heard). هذه الجملة التي تقشعر لها الأبدان رأت طريقها لتتجوّل في الأفواه ووسائل الإعلام الاجتماعية في جامعات جنوب افريقيا في الأسابيع الأخيرة.
يجب أن تؤخذ الجملة والرسالة التي توصلها على محمل الجد. فقد تم حرق المباني والسيارات في العديد من الجامعات مع انطلاق موجة جديدة من الاحتجاجات في منتصف سبتمبر 2016. ولم يتم التعرف على مشعلي الحرائق بعد، ولكن أصابع الاتهام من قبل إدارات الحكومة والجامعات تشير إلى الطلاب المحتجين.
وقد استخدم بعض الطلاب أيضا الأساليب التخريبية لإغلاق جامعاتهم إلى حين تتم الاستجابة لمطالبهم من أجل مجانية التعليم.
استجابت الجامعات عن طريق توريق الحرم الجامعي. ساعيةً إلى وضع أحجار محجورة ضد الطلاب ونشر حراس الأمن الخاص.
كيف وصلت الأمور إلى هذا؟
لقد كتب منظّرو الحركة الاجتماعية “تشارلز تيلي”، “دوناتيلا ديلا بورتا” و “ماريو دياني”, حول أسباب تحوّل الاحتجاجات إلى العنف. تقول “ديلا بورتا” إن الحركات تصبح متطرفة بعاملين: تصاعد الشرطة وما وصفتْه بالتصعيد التنافسي. وذلك عندما يتنافس المحتجون لكسب الأجواء ضدّ الخصوم السياسيين وجماعات الاحتجاج الأخرى.
إذا كانت الشرطة وحراس الأمن الخاص سريعين جدا لاستخدام العنف – والذي كان هو الحال في كثير من احتجاجات الطلاب الموسومة بـ”يجب إسقاط الرسوم” (feesmustfall#) – هذه التفاعلات والاختلاطات تقود المتظاهرين إلى أعمال عنف. فتخلق أفعالهم ما سماه عالم الاجتماع “ويليام غامسون” “إطارات الظلم” في جميع أنحاء الدولة، حيث تصير الدولة يُنظر إليها على أنها في الأساس غير عادلة.
يخلق قمع الدولة تضامنا بين الحركات المشاركة، والتي تبرر حاجتها إلى العنف كشكل من أشكال الدفاع عن النفس. وكما عبّرت عنه “ديلا بورتا”: العنف يخرج من العنف.
التخريب مقابل العنف:
للأسف، في النقاش العام، غالبا ما تُدمج الاحتجاجات التخريبية مع الاحتجاجات العنفية. ولكنه يوجد فرق بينهما. فالاحتجاجات التخريبية تنطوي على خرق “النظام” القائم، بما في ذلك سلميا. أما احتجاجات العنف فهي تشمل هجمات على الناس أو إضرارا ملموسا في الممتلكات.
إن الحقيقة المحزنة أن السلطات غالبا ما تتجاهل الاحتجاجات السلمية، الخالية من التخريب. وخارج إطار الجامعة، فقد شاركت منظمات مدنية – مثل منظمة “أباهلالي مجوندولو” (Abahlali Mjondolo) – في اغلاق الطرق بسبب تجاهل احتجاجاتهم التي كانت أكثر تقليدية.
والذي يستنتجه الطلاب من هذا هو أنه ما لم يتم تعطيل السير “العادي” لنظام تعليمي غير متكافئ، فمن المحتمل ألا يتغير.
في ظل الظروف السائدة في الجامعات في الوقت الراهن، يجب أن تحصل الاحتجاجات التخريبية على الحماية الدستورية. وهذه الحماية مدعومة عن طريق التشريع.
لا يسمح قانون تنظيم التجمعات أن تُحظر الاحتجاجات إلا إذا كانت تسبب اضطرابا خطيرا. وحتى في ذلك، ينص القانون أنه يجب على البلديات والشرطة مشاروة المتظاهرين قبل تفريقهم.
وما يعنيه هذا في السياق الحالي هو أن اعتصامات الطلاب وجهودهم لاستقطاب الآخرين للانضمام إليهم ينبغي النظر إليه كسلوك محميّ، ما داموا يقومون بذلك عن طريق الإقناع بدلا من إجبار المحيطين بهم.
هذه ليست الطريقة التي يُعامل بها الاحتجاجات في جامعات جنوب أفريقيا. إذ تم نشر حراس أمن خاص غير مدربين في العديد من الجامعات.
بالإضافة إلى ذلك، قلّلت العديد من الجامعات حقوق الاحتجاج من خلال التحجيرات واسعة النطاق والذي يمنع أي اضطراب. والتحجيرات هنا هي أدوات حادة تمنع أفعالا معينة قد تؤدي إلى التشويش. وهذه مشكلة كبيرة. كما أنها بمثابة شكل من أشكال تقييد مسبق على الأفعال التعبيرية.
السيطرة والمنافسة:
هناك عوامل أخرى تلعب أدوارا أيضا.
الجهات الفاعلة داخل الحركات تتنافس أيضا مع بعضها البعض من أجل النفوذ. يحدث هذا بشكل خاص إذا كانت الحركة قد فازت بمكاسب كبيرة، كما كان الحال مع احتجاجات حركات (feesmustfall#) في عام 2015.
وتشير الاحتجاجات الأخيرة إلى أن أصناف الحركات الطلابية تتنافس مع بعضها البعض لـ”تبنّي” أيٍّ من الانتصارات. بالإضافة إلى حقيقة أن الأحزاب السياسية الوطنية الكبرى يبدو وكأنها أكثر نشاطا في محاولة لبسط سيطرتها على تشكيلات طلابها. بل تم تحذير بعض ممثلي الطلاب بعدم مناقشة قضايا القيادة السياسية في حزب “المؤتمر الوطني الأفريقي” الحاكم في الحرم الجامعي.
إن مثل هذا السلوك يُنْحِتُ التعاون بين الأحزاب على أساس المصالح والمطالب المشتركة. ويقلل من عملية صنع القرار الديمقراطي والنهج غير الطائفي للبناء الحركي. وتبدو حركة “#feesmustfall” ضحية لهذه المصيبة.
يقول علماء الاجتماع أن العنف السياسي من قبل المتظاهرين نادرا ما يُتبنّاه بين عشية وضحاها أو شعوريًّا. بدلا من ذلك، في المراحل المبكرة من دورة الاحتجاج، فإن هذا العنف عموما لا يخطّط له، ويكون صغير الحجم ومحدود المدى. وغالبا ما يحدث كردّ فعل عفوي لتصعيد القوة من جانب الشرطة أو إغلاق الفضاء العمومي الديمقراطي.
كان الكثير من المتظاهرين مرعبين من قبل تصاعد العنف، ولكن مجموعات صغيرة تبدأ بالتخصص في التكتيكات التي لا تعتمد على الدعم الجماهيري – مثل أعمال عنفية أكثر تنظيما. وهذا يزيد في انقسام الحركة لأن الكثيرين لا يتفقون مع هذا التحول. والأهم من ذلك، أن هذه القرارات التكتيكية تحوّل النضال إلى دائرة غالبا ما تهيمن عليها الدولة وجهازها القمعي.
هذه الدورة تفرض نفسها الآن على عدد من الجامعات في جنوب افريقيا. إذ ظهورها يشكل الرواية الرسمية – وهي أنه في العام الماضي، كانت الحركة الطلابية نبيلة، ولكنها في هذا العام فقدت شرعيتها وانحدرت إلى العنف – وهي جوفاء.
فشلت هذه الرواية في أن تأخذ في الاعتبار, كيف كان رد المسؤولين المبالغ فيه, على الاحتجاجات الكبيرة السلمية في 2015، وسبّب استمرار ذلك الردّ المبالغ في هذا العام إلى تصاعد وتطرّف تلك الاحتجاجات. ففي وقت قريب، كانت الجامعات تردّ الاحتجاجات باتباع نهج التوريق. والآن بدأوا يحصدون النتيجة.
وفي الوقت نفسه، تحتاج الحركات الفاعلة إلى التركيز على تلك المطالب والاستراتيجيات والتكتيكات التي تَبْني الحركات الجماهيرية، ورفض ما دون ذلك. كما أنه لابد من استدعاء العناصر الرجعية والتي تعزز العنصرية والتمييز على أساس الجنس والعنف.
ذلك (التحجير والقمع وغيره) هو الطريق الأسهل لتعبير الجامعات عن “الأمن” والقيام به في ظلّ الاستجابة لتزايد الاضطرابات في الحرم الجامعي. وهو أيضا الطريق الأكثر سهولة بالنسبة لهم. ولكن هناك ما يكفي من دلائل بحثية ودراسية تظهر أن هذا الطريق لا يؤدي إلى شيء. ويجب على جهات الجامعات الفاعلة أن تفعل المزيد لكسر هذه النبوءة ذاتية التحقق.
(*) يمكن الاطلاع عل رابط المادة الأصلية من هنا