إعداد / جيمي كاينجا (*)
ترجمة /عبدالحكيم نجم الدين
يصادف شهر سبتمبر الجاري ثلاث سنوات منذ أن بدأ الكشف عن فضيحة الفساد رفيعة المستوى في مالاوي والتي سُرقت خلالها 31 مليون دولار من خزائن الحكومة.
منذ ذلك الحين، اُتهم أكثر من 70 فردا – بما في ذلك موظفي الخدمة المدنية على مستوى عال, مقاولين من القطاع الخاص والسياسيين – لعلاقتهم بالفضيحة التي أطلق عليها محليا (Cashgate / بوابة النقد).
وقد تم حتى الآن الحكم على أحد عشر شخصا، في حين ما زالت العديد من قضايا الفضيحة جارية – بما في ذلك محاولة اغتيال مدير الميزانية السابق “بول مفيويو” الذي كان معروفا بمحاربته للفساد, حيث كشفت محاولة اغتياله الستار للمرة الأولى عن القضية.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، أصبحت فضيحة (بوابة النقد) “Cashgate” النقطة المرجعية الرئيسية للفساد في ملاوي، ولكن مشكلة الكسب غير المشروع كانت أوسع وأعمق. ووفقا للمدير التنفيذي لشبكة العدالة الاقتصادية في ملاوي “مدالتسو كوبلاسا”, يفقد البلاد 30 ٪ من الموارد العامة في كل عام بسبب الفساد.
إن اختفاء مثل تلك المبالغ الكبيرة من المال سيهزّ أي بلد، غير أن لها أهمية خاصة لواحدة من أفقر دول العالم. وعلاوة على ذلك، أضافت هذه الفضائح بعدا مؤثّرا على الاقتصاد من حيث ثقة المستثمر والجهة المانحة.
بعد ظهور “Cashgate“، وعلى سبيل المثال، علّقتْ الجهات المانحة الدولية – التي منها تتلقى ملاوي حوالي 40 ٪ من ميزانيتها السنوية – مبالغ كبيرة من المساعدات بسبب مخاوف من أنها ستُهدر، مما يؤدي إلى أزمة في الميزانية.
الفساد في مالاوي منتشر على مستوى الوطن. وآثاره مدمرة. وخاصة على مدى السنوات الثلاث الماضية، تعرّض عدد لا يحصى من المسؤولين الذين من المفترض أن يكونوا في مكاتبهم لخدمة البلاد للفضح لأنهم يُثْرُون أنفسهم على حساب البلاد.
ومع ذلك، وبينما يراقب الملاويون هذه الفضائح وهي تتكشّف، كان هناك نقص غريب في الغضب العام. صحيح أن المواطنين الملاويين غاضبون ولكنه على عكس نظرائهم في المنطقة، وليس إلى حد محاولة طرد ساستهم احتجاجا على التغيير، أو المطالبة باستئصال مشكلة الكسب غير المشروع بشكل صحيح.
تأريخ من الفساد
كان السبب الرئيسي لهذا النقص للسخط الشعبي هو حقيقة أنه على مدى العقدين الماضيين، أصبح الفساد – تقريبا – شيئا طبيعيّا في البلاد.
فالمال العام والموارد تحت رحمة من هم في السلطة، ومن المعتاد أن الرئيس عندما يصل إلى السلطة، ستستفيد منه منطقته وأسرته ومنزله. وقد كان هذا هو الحال – على الأقل – لدى جميع الرؤساء الأربعة منذ تأسيس الديمقراطية متعددة الأحزاب في البلاد في عام 1994.
على سبيل المثال، ما زال “باكيلي مولوزي” (1994-2004) يدخل المحكمة ويخرج منها على مدى العقد الماضي للإجابة على تهمة سرقة 12 مليون دولار أثناء وجوده في السلطة.
وتعرّض “بينجو وا موثاريكا” (2004-2012) لانتقادات وشكوك في أنه ضمّ مبلغا ضخما (84 مليون دولار) ضمن ثروته الشخصية خلال الفترة التي قضاها في منصبه.
واُتهمت “جويس باندا” (2012-2014) – التي كانت غائبة من مالاوي منذ أن تم التصويت على أن تتنحى عن منصبها – بالتواطؤ أو لدورها الفاعل في “Cashgate“. وأثناء الحكم عليه، ادّعى “أوزوالد لوتيبو” الذي كان أبرز مسؤول يُدان حتى الآن في القضية، أنه مستخدَمٌ من قبل “جويس باندا” التي أشار إليها كواحدة من المستفيدين من الفضيحة.
وفي الوقت نفسه، كشف نائب مدير هيئة مالاوي لمكافحة الفساد “رايك ماتيمبا”، أنّ “باندا” تحت قيد التحقيق “منذ فترة”.
وأخيرا، تعرضت إدارة الرئيس الحالي “بيتر موثاريكا” – أخ الرئيس السابق بينجو, الذي دافع حزبه عن شرعية ثروته – للهجوم. وقد تورط عدد من وزراء حكومته في تحقيقات “Cashgate” مع اتهام “موثاريكا” بحمايتهم لرفضه ذكر أسمائهم. وعلاوة على ذلك، كان هناك تزايد لمزاعم تشير إلى أن “موثاريكا” يتدخل في قضايا الفساد ويستخدام نفوذه لحماية حلفائه السياسيين.
كما تم الذكر سالفا، فإن إحدى جوانب الهيكل السياسي في ملاوي والتي تحسم أمر الفساد, هي حقيقة أن السلطة مركزية جدا. كان رئيس الدولة في صميم كل شيء، بدءا من منح عقود, إلى تعيين رؤساء وأعضاء مجلس الإدارة، وكلها على حد سواء تعزز المحسوبية وتشجع الإفلات من العقاب.
الحفاظ على الوضع الراهن
بالاستماع إلى قادة مالاوي السياسيين السابقين والحاليين وهم يتحدثون عن الفساد، فسيُلاحظ نقص في الندم. وإن بدا وكأنهم يتحدثون عن الكسب غير المشروع، عن طيب خاطر أو غير ذلك، لكنهم أثناء الحديث، غالبا ما يبدو وكأنهم يحاولون التنافس على من هو أقل فسادا فيما بينهم.
يصرّ قادة مالاوي على أنهم يحاربون الفساد، ولكنه نادرا ما تُترجم هذه الكلمات المنطوقة إلى عمل ذي مغزى. وقد اتُّخذت بعض الخطوات الصغيرة نحو مزيد من الشفافية، ولكن الفساد لا يزال أكبر مشكلة في البلاد في تقويض الجهود الرامية إلى التنمية.
إن السبب الرئيسي وراء هذا الفساد المستشري, هو الثقافة المادية والأنانية مع كراهية الذات بين النخب الذين هم على استعداد ليكونوا أغنياء بأي وسيلة ضرورية. لهذا أصبحت المشاركة في العمليات السياسة الطريق الأكثر ملاءمة للثراء، فأصبحت رؤية السياسيين وهم يتحولون إلى أغنياء بين عشية وضحاها دون أن تكون هناك مساءلة عن كيفية حصولهم على هذه الثروة ظاهرةً شائعةً ومعتادة.
السياسيون في حكومات مالاوي السابقة والحالية ملومون أو متورطون في هذه الممارسات، وهذا يعني أنْ ليس لدى أي حزب رئيسي الرغبة الحقيقية في معالجة القضية أو استئصالها نهائيا. إذ قد يؤذي نفسه ويودي إلى الحد من قدرته على الإثراء الذاتي في الوقت الراهن أو في المستقبل.
لذلك يناسب الوضع الحالي الذي يمكّن من الإفلات من العقاب, من هم في السلطة وأولئك الذين يأملون الفوز مرة أخرى. ولم تكن سرقة الموارد العامة هذه فقط مستوطنة، بل مع مرور الوقت صارت طبيعة ومقبولة.
يجذب هذا الوضع مزيدا من الناس للدخول في السياسة بهدف التكسّب بدلا من خدمة وطنهم، وتنقسم اليوم ملاوي بين قلة من السياسيين النخبة الذين يعيشون بترف, وكثرةٍ تعاني وتقاوم الصعوبات لكسب العيش.
هذا هو الوجه القبيح لما يسمى “دولة اللصوص”، وهي ما صارت إليها مالاوي – جمهورية يحكمها الأغنياء، وللأغنياء. والبقية يشعرون بأن ليس بإمكانهم فعل أي شيء سوى المشاهدة فقط، بينما يتم تخويف وسائل الإعلام للحفاظ على الهدوء وذلك كلما كان السياسيون يشعرون بعدم الارتياح تجاه ما تنشره تلك الوسائل.
وكما عبّر عن ذلك “بليسون شنسنغا”, الدكتور الشهير بجامعة في ملاوي, بإيجاز: “لا تنجح الجهود المبذولة لاستئصال الفساد لأن الوضع المؤسسي القائم يجعل ذلك تقريبا من المستحيل”.
(*) يمكن الاطلاع على الرابط الأصلي للمقال من هنا