بقلم / أنفر فيرسي (*)
ترجمة: عبدالحكيم نجم الدين
تقليديا، على الأقل فيما يتعلق بأفريقيا، كانت اليابان هي الصخرة الصامدة التي مكّنت أفريقيا من تثبيت وترسيخ معظم تطلعاتها الأساسية. وخلافا للكثيرين من شركاء أفريقيا في العالم، يفضل اليابانيون دائما أن ينهجوا أسلوب البعد عن الأضواء والدعايات. بغض النظر عن توقيعات البنية التحتية المذهلة أو الصفقات الهائلة التي تجذب العناوين؛ بدلا من ذلك، عمل اليابانيون بجد وبانتظام وبكفاءة عالية وفعالية ومن دون التغنّي والرقص به.
كثيرا ما يُتهم اليابانيون بأنهم يعانون من الاستنكار الذاتي، وخاصة في ضوء عمليات التوغل الصيني في أفريقيا ورميهم القفافيز على الساحة التنموية في القارة.
وقد أدى نهج اليابان هذا في بعض الأحيان إلى الإحباط من جانب شركائها الأفارقة. على سبيل المثال، قال رئيس الوزراء الأثيوبي “هايله مريم ديساليغنه”, أنه كان من الغريب على الرغم من شراكة اليابان منذ وقت طويل مع القارة وعملها الجيد، إلا أن “الاستثمارات اليابانية بعيدة كل البعد عن نوع الوجود الضخم الذي ينبغي لها الآن أن تحققه وذلك مقارنة مع ما حققه أقاربها الجدد في القارة”.
في الواقع، ومن الناحية النسبية، كانت قمة تيكاد التي أقيمت في يوكوهاما في عام 2013 مشرقة، ودينامية إلى أحسن مدى, وكانت تعتبر على نطاق واسع كوضع تحركات جديدة للشراكة اليابانية الأفريقية.
وكان هذا أكبر مؤتمر دولي تستضيفه اليابان. هناك ما لا يقل عن 4500 مشارك. وشمل ذلك ممثلين من 51 دولة أفريقية و39 رئيس دولة وحكومة، 35 شركاء التنمية والدول الآسيوية، وممثلين عن 74 منظمة دولية وإقليمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني وممثلي المنظمات غير الحكومية. كما حضر الحفل بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة والدكتور جيم يونغ كيم رئيس البنك الدولي وهيلين كلارك مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والدكتورة نكوسازانا دلاميني – زوما رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي.
كما اختلفت قمة تيكاد الخامسة (في عام 2013) كثيرا عن الأحداث السابقة: حيث تزامنت مع نوعين من التطوّرات المكتشفة وفي غاية الأهمية – أفريقيا الواثقة من نفسها والتي تسعى نحو اعتلاء قمة فترة غير مسبوقة من النمو؛ وتوجيه اليابان عضلاتها الجديدة نحو استعادة الحيوية الاقتصادية ومكانتها باعتبارها الدولة الثانية صاحبة أقوى الاقتصادات في العالم.
خلال هذا الحدث، أدرك القادة الأفارقة والمحللون تماما أن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، لا يتصارع فقط مع الانكماش الاقتصادي الذي يبدو وكأنه يمص كل الطاقات الإبداعية للخروج من الجسم السياسي، بل كان يسعى أيضا إلى مسيرته السياسية الخاصة. وكانت “الأسهم الثلاثة لـ”استراتيجيته الأبينوميكسية” بدت كمحاولة أخيرة ويائسة لضخّ الحيوية في اقتصاد بلادها الراكد.
ولذلك كان من المفيد بالنسبة لأولئك الذين كانوا من أفريقيا أن يراقبوا عن كثب كيف بدأت واحدة من القوى الاقتصادية الكبرى في العالم دفع نفسها ورفعها إلى الأعلى بحذائها وهي تتغاضى ببطء عن الأثر المدمر لتسونامي التي سببت الكثير من الأضرار المادية والنفسية.
وعلى الرغم من حاجته لتبادل النيران على مختلف الجبهات الاقتصادية والسياسية الداخلية، ألزم “ابى” نفسه بحضور كلا اليومين من القمة, ومقابلة كل رئيس دولة إفريقية أو حكومة – كل على حدة. وهذا يؤكد القيمة التي وضعتها اليابان على علاقتها طويلة الأمد مع أفريقيا, وينفي في ذات الوقت الفكرة التي تم ترويجها من أن اهتمام اليابان الأساسية في أفريقيا يقتصر على حشد الدعم للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي أو لمجرد قضايا أخرى ذات الصلة. “أفريقيا تعج بالثقة في حين نحن نبحث عن ثقتنا” على حدّ تعبير آبي. وتابع : “معا يمكننا تحقيق أشياء عظيمة”.
كان اليابانيون معروفون بعدم الاغترار بالمبالغة أو الشعارات الجميلة. وكان واضحا أن تصريحات آبي كانت بدعم كامل من المخططين في بلاده، وكانت قرارا مدروسا بعناية بالتعاون الكامل مع الدول الأفريقية.
تغيرات جذرية
لقد مرّت أولويات أفريقيا بتغير جذري. بينما كان عدد من الاقتصادات الأفريقية الضعيفة لا تزال بحاجة للمساعدات للحفاظ على وقوفها على قدميها، كان هناك الكثير من الدول الأفريقية الأخرى يطالب مسؤولوها بنصيب أكبر في التجارة العالمية، والمزيد من القيمة المضافة للموارد وشركاء الطبيعية الذين يتبادلون معهم المهارات الفنية والإدارية لتمكينهم من التحرك إلى الخطوة المنطقية التالية في تنميتهم – التصنيع الكامل.
وكان مع أخذ هذا في الاعتبار, اُستُثمِر قدر كبير من الوقت والتفكير والطاقة في إعداد الحدث. لأول مرة في تاريخ هذا الحدث، شاركت مفوضية الاتحاد الأفريقي مشاركة كاملة في وضع جدول الأعمال. وكانت الجهات الأخرى المشاركة في التنظيم هي البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ولكن “تيكاد الخامس” في الأساس كان مشروعا مشتركا بين مفوضية الاتحاد الأفريقي ووزارة اليابان للشؤون الخارجية.
خلال التخطيط المسبق، تم التشاور مع مسؤولي الدول الأفريقية لمعرفة ما يرونه كاحتياجاتهم الأكثر إلحاحا. تطوير البنية التحتية، وتعزيز قدرة الإنسان – لا سيما في مجال الأعمال التجارية والصناعة – وتصدرت الصحة والزراعة القائمة.
كان عنوان العمل في المؤتمر هو “يدا بيد مع أفريقيا أكثر ديناميكية”. وإذ يُفتتح المؤتمر، اتضح أنه من الجانب الياباني على الأقل، يعنون بالفعل ما يشير إليه العنوان – شراكة من أجل المنفعة المتبادلة. وكانت إحدى عناوين خطب “آبي” في وقت لاحق : “جنبا إلى جنب مع أفريقيا, تزدهر اليابان. جنبا إلى جنب مع اليابان، تزدهر أفريقيا”.
وكانت النتيجة الصافية لجميع هذه الاعتبارات هي من إحدى أكبر حزمة المساعدة على الإطلاق تقدّمها دولة واحدة لأفريقيا – وهي 32 مليار دولار على مدى خمس سنوات.
تشير تفاصيل الحزمة إلى أولويات كلا الطرفين : تم تخصيص 14 مليار دولار للمساعدة الإنمائية الرسمية. 16 مليار دولار يتألف من الموارد العامة والخاصة وتقوم الحكومة بالاتفاق على 2 مليار دولار للتأمين التجاري لتشجيع المزيد من الشركات كي تغمس أصابع قدميها في مياه أفريقيا.
وقد تم تصميم الحزمة لتحقيق نتائج رئيسية ثلاثة هي: اقتصاديات قوية ومستدامة، مجتمعات شاملة ومرنة والسلام والاستقرار.
هذه، باختصار، تغلف كل الشروط المطلوبة لتحقيق النمو المستدام – يشير “النمو الشامل” إلى توزيع أوسع بكثير للثروة الوطنية لتجنب تهميش أعداد كبيرة من السكان الأمر الذي يؤدي في الغالب إلى الصراع الاجتماعي. و”المجتمعات المرنة” هي المجتمعات التي يمكن أن تتكيف مع الظروف المتغيرة وتمتلك القدرات، مثل التعليم، والتماسك الاجتماعي للتغلب على الأزمة, والسلام والاستقرار ضروري لأي نوع من النمو والاستثمار الأجنبي أو المحلي.
كان ما أثار إعجابات الكثيرين في نهاية أعمال هذه الحزمة، هي ـقيمة 16 مليار دولار، والتي أثارت إعجابات الكثيرين في كل من أفريقيا وكذلك القطاع الخاص في اليابان. وكانت القمية أكثر من مجرد دفعة لطيفة لجذب القطاع الخاص الياباني للانخراط بقوة أكثر في أفريقيا. “إن ما تحتاجه أفريقيا الآن”، وفق قول آبي، هو استثمار القطاع الخاص. وإذا أدركنا هذا الأمر كواقع جديد، فسيكون من الضروري بعد ذلك إحداث ثورة في طريقة تقديم المساعدة لأفريقيا”.
إعطاء الأولوية للقطاع الخاص
كان هناك قراران أخريان بعيدا المدى والذي تم أخذهما في يوكوهاما (تيكاد 2013) – أحدهما زيادة وتيرة كل قمة وعقدها كل ثلاث سنوات (القمة تعقد في السابق كل خمس سنوات), والقرار الثاني هو عقدها في مكان بين اليابان ودولة أفريقية.
واتضح من هذا أنهما كانا استجابة لدعوات من ممثلي القارة الأفريقية الذين يودون امتلاك ومشاركة أكبر في القمة. وكان تيكاد السادس في نيروبي اختبارا ومن المثير رؤية مشاركة العديد من رؤساء الدول والحكومة في القمة.
وقد أفادت وفود قليلة التقيتُ بهم في يوكوهاما أن جزءا مُهمّا من جاذبية “تيكاد 2013” هو الفرصة التي حصلوا عليها لزيارة اليابان، لرؤية كيف تعمل الدولة والقطاع الخاص في سيتو. فهل قمة نيروبي جذبت الوفود الأفريقية أيضا؟
قبل قمة تيكاد السادسة, وثِقتْ الحكومة الكينية من حضور مجموعة كاملة من القادة الأفارقة. ويبدو أن لكينيا مكانا خاصا في معنويات اليابانيين. كما يشير الرئيس أوهورو كينياتا: “إنها العلاقة التي تعود إلى العشرينات، بافتتاح اليابان أول قنصلية تابعة لها في مدينتنا الساحلية في مومباسا في عام 1932”.
كينيا أيضا هي أكبر من تتلقى المساعدة الإنمائية الرسمية اليابانية، بشكل تراكمي في حوالي 5.3 مليار دولار وكانت 16 مشاريع مهمة على الأقل في البلاد بتمويل ياباني. أصبحت كينيا أيضا مستوردا رئيسيا للسيارات المستعملة اليابانية، والتي تتوافق ومعايير العمر والانبعاثات في البلاد.
كان تنظيم تيكاد السادس من قبل حكومة اليابان، لجنة الاتحاد الأفريقي، والبنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب المستشار الخاص للأمم المتحدة المعني بشؤون أفريقيا, وحكومة كينيا. وبعبارة أخرى، كانت القمة أكثر بكثير من اليابان – أفريقيا، بل هي قمة لمعايرة المشاركة اليابانية في جدول أفريقيا العالمي.
وأعلنت الدكتورة أمينة محمد، أمين عام مجلس الوزراء للشؤون الخارجية والتجارة الدولية في حكومة كينيا، أنه لأول مرة ستكون هناك جلسة تفاعلية بين رؤساء الدول والقطاع الخاص.
هذا هو الجانب الحاسم للقمة. وبينما يتحدث الجميع عن القطاع الخاص كمحرك للنمو الاقتصادي، إلا أن القطاع نفسه غالبا ما يُدفع إلى الهامش نظرا لما يحتاجه من المساحة والوقت للتعبير عن احتياجات واهتمامات القطاع.
ومن الضروري للغاية أن يحصل القطاع الخاص على كل التعاون الذي يتطلبه، سواء كان هذا يتمثل في تأمين مساحة لعرض منتجاته وخدماته، والوصول إلى الطبقات العليا من الهيئات الحكومية لإيجاد أماكن لهم للقاء ومناقشة المشاريع.
القرارات وتنفيذها
في الكثيرا من الأحيان، تهيمن على الأحداث الكبرى مثل هذه, موضوعات قارية كبيرة من حيث النظريات, ولكن القصور يكمن في تنفيذها العملي. ومن ثم ننتهي بالقرارات والإعلانات دون أي تنفيذ.
ومن المفهوم أنه مع تزامن تيكاد السادس بالعام الأول لتنفيذ كل من “أهداف التنمية المستدامة 2030” وجدول أعمال 2063، ستتطلب المنظمات القارية والخبراء أن يُعطَوا حصتهم العادلة في القمة. ولكن في نهاية المطاف، تأتي التنمية الحقيقية التي تخلق فرص العمل والثروة من أنشطة القطاع الخاص، وهذا يجب أن يُعطى أولويته.
لدى كينيا سجل حافل من تنظيم أكبر وأعقد الأحداث العالمية, ولذلك ليس هناك شك في أن نتائج قمة تيكاد السادس ستكون نجاحا كبيرا.
وهناك مجموعة كبيرة من المنظمات ملأت المكان بالأحداث الجانبية الخاصة وهذا يستحق الثناء لأن من ذلك سيُولد نوع من الديناميكية التي من المفترض أن تقدمها مثل هذه المناسبات.
ولكن للمرة الأولى، سيكون منعشا إذا كان المحللون والمنظّرون والمفكرون تصدروا نتائج القمة ليكون التنفيذ في المقام الأول وفي الصدارة.
إذ بعد كل شيء، ارتفعت اليابان من رماد هزيمة الحرب العالمية الثانية لتصبح واحدة من ثلاث أقوى الاقتصادات في العالم عن طريق إضافة النظريات للتطبيق العملي الكثير.
(*) يمكن الاطلاع على المقال الأصلي من هنا